الأهرام تحاور الأديبة الفلسطينية د. حنان عواد: أنا وفلسطين ذات واحـدة

01:13 مساءً الثلاثاء 23 يناير 2024
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

هي ابنة القدس، تربت على صوت العرب والأغاني الوطنية، والمبادئ والشعارات الكبري، التي كانت تثير فى النفوس أمواجا من الأمل، تلقت تعليمها فى مدارس القدس، وأودعتها عائلتها تراثاً ارتبط بوطنها فلسطين، ولدت فى عائلة وطنية مثقفة، تأثرت بوالدها الذى كان واسع الثقافة، ففتح لها آفاق العلم والمعرفة، لتلتحق فى كبرى الجامعات العربية والدولية، فتنقلت بين جامعة القاهرة وبيروت وأكسفورد وكندا. شغفها بالمعرفة والقراءة المحلية والعالمية، كان الوقود الذى تشحذ به وعيها وثقافتها وعلمها، أطلق عليها المبدعون «سفيرة الانتفاضة وعاشقة الوطن»، الذى كتبت له شعراً ونثرا وفكراً، حيث لعبت دورا مميزا فى صياغة الفكرة الفلسطينية والدفاع عنها، وخاضت معارك سياسية لترسيخ القرار الوطنى الفلسطيني فى المحافل الدولية والمحلية.
فى حوار خاص مع «الأهرام» تحدثت الأديبة والشاعرة د. حنان عواد عن مسيرتها الثرية الحافلة بالعمل الوطنى والثقافى..


كيف تشكلت لديك تلك الخلطة الثرية الحافلة بالعطاء بين الثقافى والإبداعى والسياسى الفلسطينى ؟

ولدت فى عائلة مثقفة وطنية، البعد الوطنى والعروبى كان من ركائزها، التى تأثرت بها منذ كنت طفلة، وتجسدت فى اجتماعات الكوادر والقيادات الوطنية فى بيتنا، ومتابعة المناقشات السياسية، كما تأثرت بفكر الزعيم جمال عبد الناصر القومى العروبى وكل القيم والمبادئ الثورية والوطنية، وكنت أعزز هذا الاهتمام بالقراءة والأغانى الثورية بكلماتها وألحانها الراقية، وفى المرحلة الثانوية بدأت أدرك معنى الهزيمة التى لم نكن نتوقعها فى 1967، فقد كان المفهوم القومى والانسانى ومعنى تحرير فلسطين حاضرًا بقوة. بدأت الكتابة فى سن مبكرة فى جريدة القدس والشعب التى كانت صوت منظمة التحرير، أترجم فيها الحال الفلسطينية بأسلوب بلاغى أدبي، التحقت بالعمل الثورى وتأثرت بفكره، ودرست فى أكثر من جامعة، كان لدى شغف بالمعرفة والتعليم، وعمقت التجربة بالقراءات المحلية والعالمية القديم منها والمعاصر، وأدب المقاومة، ومحمود درويش، وأعلام الفكر العربي، أحسست أننى فى بحر من المعرفة وبحاجة للمزيد، انتمائى للفكر الثورى عمق تجربتى فأصدرت ديوانًا بعنوان «اخترت الخطر» الذى يشرح الحالة الفلسطينية وصورة المرأة بقوالبها المختلفة، وأصدرت كتابى «الفارس يزف إلى الوطن» الذى استشرفت فيه عودة أبو عمار إلى فلسطين وجسدت فيه كيفية العودة وقد تحقق الوصف نفسه عام 1994، وأصدرت كتابا باللغة الانجليزية ثم كتاب «الاسلاك الشائكة»، وتوالى النشر فى دوريات عربية ودولية، وأصبحت أشعر أننى وفلسطين ذات واحدة، لذلك لم أتخل عن هويتى الوطنية المستقلة.



«أن تكون فلسطينيا، يعنى أن تمتشق كوفية الوفاء»، ماذا قصدت بهذه العبارة؟

الكوفية ترمز للنضال الفلسطيني، خيوطها منسوجة من آفاق فلسطين بأيدى المرأة الفلسطينية التاريخية والنضالية، ودلالات هذه الكوفية فى التاريخ الفلسطينى خاصة أنه امتشقها الزعيم الراحل ياسر عرفات، وأصبحت رمز النضال والوفاء، وعلاقة الوفاء بالكوفية لها أبعاد كثيرة، الوفاء التاريخى بالحفاظ على هذا التراث النضالى الكبير، والوفاء السياسى وما ترمز إليه الكوفية من معان تتعلق بالنضال الوطني، ثم الوفاء الثالث وهو الوفاء للزعيم ياسر عرفات الذى امتشق هذه الكوفية، وحمل ملامحها ورسخها كحقيقة ثابتة فى تاريخ النضال الفلسطيني.

«ذاكرة الترف النرجسي» يحكى سيرتك الأولى حيث ولدت فى القدس، ويوثق مسيرتك الإنسانية والثقافية والسياسية، ماذا تشكل القدس بالنسبة لك وفى الذاكرة الفلسطينية؟

القدس هى البدء الوجودى والكيانى والتراثى والدينى والقومي، وكل معايير الفكرة الفلسطينية والعربية، قضيت طفولتى فى أزقة البلدة القديمة وساحاتها، فى كل علامة من علاماتها التاريخية الجميلة، فكانت طوقًا فى عنقي، ومسئولية على كاهلي، وطريقًا أنطلق منها إلى العالم أجسد ملامحها فى كل اجتماع دولى مهم وأعود إليها ثانية، فهى مركز حضورى وماضيَّ ومستقبلى ووجودى الكونى والثقافي، يتفجر قلمى فى هالات خاصة وأنا أحاول أن أرسم القدس بدمي، لأنقل صوراً عشتها وعاشت معي، فى أزقتها وشوارعها، فى مدارسها وملاعبها، فى المسجد الأقصى وفى الكنائس، فى مراكب الحجيج إليها، وضجيج المارة، فى طفولة بكر، وفى الشباب، فى رحلة العلم والمعرفة وفى رحلة القلم، وفى تدرج الوعى فى الجامعات التى انطلقت إليها من مدينتي، وفى اجتماعات وطنية فى ربوعها، ومسيرات ومظاهرات، وشهداء يخضبون الثرى فى قدسية الموقف، والإنسان الصابر على أبوابها، يلثم أرضها، ويكتب نصها الأزلي.

هل تعتقدين أنه برحيل ياسر عرفات انفرط عقد القضية الفلسطينية محليا ودوليا وتشتتت بها السبل، ثم عادت مرة أخرى إلى الصدارة بعد حرب الإبادة التى يواجهها قطاع غزة الآن ؟ وكيف يمكن استثمار الحالة التى خلفتها الحرب الحالية؟

من أصعب الأحداث التى واجهت الشعب الفلسطيني، فقدان الزعيم أبو عمار، وكذلك أبو جهاد، هذه الرموز السياسية والحضارية والنضالية التى رسمت الأفق الفلسطيني، لتنقله من النكبة إلى الثورة، لذا من الطبيعى أن يثير غياب أبو عمار هزة فى الوعى الفلسطيني، رغم إيمانى أن لا أحد مخلد، لكن فى ذاكرتى وذاكرة الشعب الفلسطينى أبو عمار خالد ولا يموت، من هنا جاءت الصدمة، لكن الثورة الفلسطينية لها مبادئ ودستور وميثاق ومؤسسات إستراتيجية، والفكرة تبقى حتى لو زال الأشخاص والقيادات المؤثرة، ورغم الصدمة التى عشناها بفقد الزعيم ياسر عرفات، فإننا تداركنا الأمر بسرعة، وبحسب القانون تم انتخاب أبو مازن، لكن الزخم الذى رافق مسيرة أبو عمار بلا شك توارى وخفت بريقه، فرؤية أبو مازن السياسية مختلفة عن الرئيس ياسر عرفات. أما ما يحدث فى غزة فهو لحظة تاريخية فارقة، أنا أعتبرها معجزة إلهية لا تحتاج إلى استثمار، فهى تستثمر نفسها بنفسها، لأن تأثير هذه الحرب فى البعد الفلسطينى والعربى والدولى كان فوق العادة، ونبض فلسطين يخفق فى كل بقاع العالم، المظاهرات والمؤتمرات والاحتجاجات التى لم يشهد لها التاريخ مثيلا، إرهاب دولة الاحتلال فرض هذه الصورة على المشهد السياسى العالمي، وصمود المقاومة وبسالتها سيحققان أهدافها، وهى جزء أصيل من تاريخ النضال الوطنى الفلسطينى منذ البدء حتى اللحظة، ولو أردت الحديث عنها فكلماتى عاجزة مهما بلغت من قوة وبلاغة عن التعبير، وستبقى عاجزة عن وصف هذا الحدث غير العادى الذى قامت به المقاومة فى غزة الذى كان تأثيره فائقاً فى كل شيء.

غزة بعد الحرب لن تكون كما قبلها. هناك مرحلة جديدة تتشكل وتغير المشهد السياسي، وهناك من يقول إن حرب غزة بداية التحرير. ما رأيك؟

أتمنى أن تكون تلك مرحلة التحرير بالفعل، وأن تصمد المقاومة حتى تحقق الهدف الأسمى باستعادة الأرض المغتصبة من الاحتلال الإسرائيلي، الذى لم يترك جريمة إلا وارتكبها بدعم من الولايات المتحدة والعالم المنحاز، لكن غزة ستبقى بصمودها وبسالة المقاومة، ولا بد أن تتحدد الأولويات فيما بعد، خاصة إعادة الإعمار والحماية لسكان قطاع غزة، المعركة ليست سهلة والولايات المتحدة وإسرائيل مشغولتان بسيناريوهات من سيحكم غزة وهذا سابق لأوانه، الأولى أن يدعو المجتمع الدولى لوقف إطلاق النار وحرب الابادة الجماعية التى ترتكب فى غزة، الشعب الفلسطينى لن يعجز عن اختيار قيادته وخاصة الذين ضحوا وناضلوا ودفعوا أثمانًا باهظة وليس من حق أى دولة أن تتدخل فى الشأن الداخلى الفلسطيني، وتفرض إملاءاتها علينا، لأن شعبنا بقيادته المقاومة سياسيا وعسكريا وثقافيا لن يكون عاجزاً عن اختيار من يمثله.

كيف رأيت الدعوى التى رفعتها جمهورية جنوب إفريقيا لمحاكمة إسرائيل فى محكمة العدل الدولية، لإثبات حرب الإبادة التى ارتكبها الاحتلال فى غزة؟

هذه الخطوة برأيى إعجاز يفتح صفحة جديدة فى تاريخ النضال الفلسطيني، كان أداء فريق الدفاع قويا ومدعما بالوثائق والأدلة متناهية الدقة، وليس غريباً على جمهورية جنوب إفريقيا هذا التصرف، فمواقفها دائما داعمة للفلسطينيين، وعلاقتنا بها تلاحمية، وكانت تربط الرئيس الرحل ياسر عرفات بالراحل نيلسون مانديلا علاقات وطيدة ممتدة حتى الآن.

من رحم المعاناة، تولد كل يوم قصص فى غزة تفوق تفاصيلها خيال الأديب أو الكاتب. كيف يمكن توظيف هذه المحنة أدبياً؟

ظهرت بعض النصوص فى مطبوعات عدة وعلى مواقع التواصل الاجتماعى أيضا، لكنها ليست بمستوى الحدث، أو توازى العمل النضالى القائم، وإذا اعتبرنا أن الأديب أو الكاتب هو الصورة الحضارية الناقلة لكفاح الشعب وأن الأدب رسالة الدم والحرية والتحرير، فإن على عاتق المفكر الفلسطينى والعربى وأحرار العالم صياغة توثيقية ممنهجة لهذا الحدث التاريخي، سواء كانت رواية أو شعرًا. وأتمنى أن يتطور لأكبر من ذلك بتقديم عمل درامى مهم مصوب للرؤية فى وقائع ما جري، حتى تتلمس الأجيال القادمة قيمة هذا الحدث وتعمق انتماءها لهذا الوطن الخالد.

رابط دائم في الأهرام

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات