قصائد جنان خشوف: ألف سبب للعجب والغضب والحب

01:01 مساءً الأربعاء 8 مايو 2024
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كان غلاف الفنانة التشكيلية اللبنانية غِنى حليق بوابة لاكتشاف شاعرة تمثل قصائدها رحلة استثنائية في عالمها الخاص، إذ لا تكشف جنان خشوف مشاعرها وحسب، بل تعمل على شحن المفردات اليومية العادية بقوى متجاوزة فتفاجئك شعريتها؛ وكأنك تقرأها للمرة الأولى.

أهدتني السيدة غنى الكتاب، الذي عرفت بصدوره في معرض بيروت الدولي للكتاب هذا الربيع، وأن الصديقتين التشكيلية والشاعرة وقعتا نسخه بحضور المبدعات والمبدعين وجمهور القراء، بل وكان هناك تسجيل مصور وثق تلك اللحظات الإبداعية بالريشة والقلم.

لا شك أن ضربات الريشة استمعت لدقات قلب الشاعرة وهي تختار موتيفات وأيقونات، لتنشرها على حبل غسيل لم يعد وحيدا،  تحول إلى مشنقة تهتز فوقها رأس الوقت، الذي توقفت عقارب ساعته عند السادسة والربع، كما يشير توقيت العنوان. ملعقة سنقرأ عنها، وشوكة ستنغرس بين السطور، وقطة تعطي ظهرها للعالم، وكتب على الأرض، وكأنها تتوزع بين جهاتها.

ذاتية قصيدة الكاتبة والشاعرة جنان خشوف لا تمثلها وحدها، بل هي مرآة لجيل كامل تمثله بقلقها، وثورتها، وغضبها، وتواضع أمنياتها أيضا. جيلٌ عانى الفقد، بكل صوره، ولكنه يؤمن بذاته، ويثق باختلافه، وهو الاختلاف الذي يتردد صداه، تتعجب بشكل مختلف، وتغضب بشكل مغاير، وتحب كما لم يحب أحد، حتى أنها تقع في غرام ما تظنه نقصا في صورتها المتخيلة، وعيبا في شخصيتها بعيون الآخر.

فسيفساء الموزاييك الشعري الموزعة على أركان بيتها / عالمها تجعلك تعيد التأمل مرة أخرى في الصور الشاعرة التي غزلتها من يوميات معتادة. منذ مستهل دموعها التي جفت في قصيدة (أَبكي): “أبكي لأني طهوت دجاجتي البلاستيكية، ولأن نشافة الغسيل الجديدة ستجعل حبل الغسيل وحيدا، أبكي لأن جوربي الزهري ليس دافئا، ولأني سلحفاة ألجأ إلى بيتي كلما حل الخوف …. حتى تصل إلى خاتمة الدموع المقطرة: “أبكي لأن تحت السرير لم يعد مخبئي السري، أبكي لأن أمي الرائعة أنجبتني أنا، أو ربما أبكي فقط لأني أنا.”

لولا امتهان تعبير (الفوضى الخلاقة) سياسيا لقلت إن هذا الديوان (80 صفحة) الصادر عن دار نلسن، هو المعادل الموضوعي الحقيقي للفوضى الخلاقة، تلك الفوضى التي ترتبها بأناقة، تجعلك تشعر هارمونية الأضداد. إنها مزيج شعري رسمته بالنقاط، والسوريالية، والتجريدية، والتكعيبية، مثلما هي مزيج مشاعر من الرومانسية، والواقعية السحرية، والعبث. تعبر المدارس التشكيلية والأدبية كما تعبر الطريق بسرعة، فنلهث وراء الصور التي لا يجمعها إلا رأس واحدة، وهي تنسج قصصها الخاصة.

كم منا رأى فوهة كوب قهوته تراقبه نظرته ذات العين الواحدة؟ كم من أخفى كل قصص الناس في قبعته، وكم منا تحدث إلى غضبه في أدب؟ أو استثمر في حبه؟ أو واجه حبيبه:

“ربما من الأفضل  ألا تقع في حبي أصلا

وتعرف أني لا شيء،

أنت مغرم بالزوائد،

وأنا أشلح الزوائد كلما خلوت إلى نفسي

لا أريد الحب الآن

أريد كيس ماء ساخن لرِجْلَي

وموسيقى تغطي على صوت المضغ

ووحدة أتدرب عليها حتى لا تفاجئك تجاعيدي يوما ما

وكيس هائل يتسع لهرائي.”

لا نحتاج قرنا كي تنمو تجربتنا، هكذا تعلن الشاعرة جنان خشوف دون أن تفصح، تستطيع مفرداتها أن تختزل عقودا،  وكأنها كانت تكتب من قبل أن تولد، كم منا ستظل قصيدتها (ملعقة) معلقة في ذاكرته:

“لِمَ أنت رجل استثنائي | لا أعرف رجلا يحب الحياكة | أو رجلا يسكن في سريره | ولا يهوي سيارته | لا أعرف رجلا لا يحب القهوة |  ويتعشى الجبن والليمون | أو سلطة الزعتر من دون بصل! | رجل حيوانه الأليف ضفدع | وينام على خرير المياه | ربما أحب الجانب الأنثوي منك | وأن هرموناتك تنافس هرموناتي في التسلق والسقوط الحر| ربما أحبك لأنك أسوأ مني …”

يمكنني بأريحية أن أن أنقل الديوان، صوره، ومفرداته، والمونودرامية المتكئة على مسرح سطوره وصفحاته، لكنني سأختتم بتلك الرسالة، التي ستقرأها الشاعرة بعد عقود على عتبة الستين أو السبعين وتضحك، من نبوءات كانت تنثرها حروفا عند السادسة والربع، كما يفعل راقص المولوية:

“كامرأة أحبت، نسيت الأيام أن تعلمها الحسابات

أدورُ بك كدرويش يناجي

أدور بك كحاج وصلك عجوزا

يجرّ بك هزائمه على عتبة الله

أدور بك كغسالة عيرتها الأيام

ونسيت زر الإطفاء

لكنك تطمح أن تكون شارة اسم شاعرة ما، مخطوطة بالذهب،

تجاهر بك عندما تزور مكتبهاـ وتغيرك كلما بهتت ألوانك

أو أهداها مجهول جديد شارة اسم أكبر تليق بها …”

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات