مترجم وناشر وكاتب: مواطن ومخبر وحرامي

08:00 مساءً الأحد 3 فبراير 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

جوزيف مسعد وكتابه: من هو المواطن ومن هما المخبر والحرامي؟

ما أصعب الجهد إذا نُسب لغير صاحبه. أثرت في هذه الرسالة كثيرًا التي كتبها المترجم السيد إيهاب عبد الحميد، عن تجربة مريرة. أليست تلخص تلك الترجمة عن الضحايا وما أكثرهم، والمجرمين وما أشرسهم، والمتواطئين وما أنذلهم: نقرأ معًا كلمات السيد إيهاب عبد الحميد:

 تعرضت ترجمتي لكتاب “اشتهاء العرب”، الصادرة مؤخرا عن دار الشروق، لما يشبه السطو، وذلك من خلال مقدمة من صفحتين، وضعها الكاتب جوزيف مسعد “للقارئ العربي”، شكرني فيها أنا “السيد إيهاب عبد الحميد” على ترجمتي للنص “ترجمة أولية”، ونسب فيها الفضل لنفسه ولـ”صديقه” محمد عبد الكريم أيوب “الذي تطوع مشكورا لتحقيق لغة الكتاب وبذل في سبيل ذلك جهدا مضنيا وصولا إلى ما صار إليه”، مضيفا “لقد عملت جاهدا لإنهاء الترجمة وإدخال تعديلات واسعة عليها مع إعادة صياغة النص لتخرج في نسختها الأخيرة على أحسن وجه، ومن ثم قمت بمراجعة النص المترجم بحميمية كبيرة حرصا مني على أن يخرج النص العربي على صورة أقرب ما تكون للأصل الانكليزي من حيث المعنى، لا سيما أن الكتاب يطرح عددا من الحجج السياسية والفلسفية الحساسة التي آمل أن تصل إلى القارئ العربي على أوضح صورة وأدق معنى”.

وعبر تلك الكلمات القليلة، تتضح موهبة مسعد في تزييف الحقائق، واعتماده لأسلوب سيدات المناطق الشعبية في “التلقيح” و”التلميح”، في سابقة غريبة يهدم فيها الكاتب جهد مترجمه بدلا من أن ينبري للثناء عليه. فهو يشكرني بشكل عابر على ترجمتي “الأولية”، ويكيل المديح لنفسه ولـ”صديقه” (لا يعنى بتعريفه بأكثر من كونه “الأخ والصديق” وله منا كامل الاحترام)، فيظن من يقرأ أنني قمت بدور “مكتب ترجمة”، أو “صبي مترجم”، فسلمته مسودة سريعة للنص، ليعمل عليها هو وصديقه.

والواقع أن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، فقد عملت على هذا النص وعلى “ترجمته” و”تحقيقه”، وأنا من بذلت فيه “جهدا مضنيا” وصولا إلى ما صار إليه (بمساعدة الكاتب نفسه، وهو أمر طبيعي ومعمول به ومفروغ منه). وذلك على مدار أكثر من عام (تخللتها أحداث الثورة المصرية المباركة)، تبادلنا فيها المخطوطات أنا والكاتب، ذهابا وإيابا، مراجعين الكتاب معا ثلاث مرات (دون أن يتردد اسم صديقه على الإطلاق)، ومتناقشين في أدق التفاصيل (علامات الترقيم وأرقام صفحات المراجع في هوامش النص، ناهيك عن الصياغات اللغوية والمناقشات حول موضع كلمة معينة من الإعراب)، وذلك عبر عشرات الرسائل الإلكترونية المتبادلة، ومئات الدقائق من المكالمات الهاتفية، وعدد من اللقاءات الشخصية.

 ومن يعرفونني يعرفون أنني لا أترجم “ترجمة أولية”، وأنني حين أقدم النص لدار النشر، أكون مسؤولا (ولا أزعم الكمال بأية حال) عن كل كلمة من كلماته، كل مصطلح، وتعبير، وعلامة ترقيم، ولا أقبل أن يلي اسمي اسم آخر لـ”مراجع لغوي ومحقق” ينسب له الكاتب فضلا مستحقا لي. (لست مسؤولا عن أية أخطاء في الغلاف الخلفي، لأنني لم أطلع عليه).

 لقد شهد صديقي فادي عوض، المحرر السابق لدى الشروق، بعض مراحل العمل المزعج مع الكاتب. ويستطيع أن يدلي بشهادته حول هذا الموضوع. كما سبق للكتاب أن عُرض (كما عرفت لاحقا) على المترجمين الكبيرين أحمد حسان ومحمد عناني، اللذين لم ينجزا المشروع (ولست في موقع يؤهلني أن أتكلم بلسانهما عن الأسباب)، فانسحب الأول من البداية، وانسحب الثاني بعد ترجمة مقدمة الكتاب (نحو 60 صفحة).

 لقد عصرت الليمون على نفسي، وأنا أتعامل مع نزق الكاتب و”أحواله” (وهو صاحب أحوال)، عبر ذلك الزمن الطويل، وقد أصر الكاتب على أن يرى “مسودات” أعمالي، ثم يناقشني فيها “توفيرا للوقت من وجهة نظره” وبهدف “ضبط المصطلحات والاتفاق عليها”، وقد وافقت بعد ضغط وإلحاح أقرب إلى “الزنّ”، إكراما للمحرر “فادي عوض”، رغم اعتراضي المبدئي على عرض “مسوداتي” للنقاش، واعتباري أنها أوراق لا يجوز لأحد غيري الاطلاع عليها. فكنت أترجم الفصل في مسودة، يبدي عليها ملحوظاته، ثم “أبيض الفصل” وأحسِّنه، فيبدي عليه المزيد من الملحوظات، ثم أعيد صياغته في الصورة النهائية، ثم أدقق مراجعه وهوامشه، ومئات المقتبسات التائهة في كومة من مئات الأوراق…إلخ، ثم أراجع العمل بأكمله في النهاية مراجعة أخيرة. وبعدها، وعلى مدار أسابيع، أجهد عيني في تدقيق المصادر العربية، وإعادة ترتيبها هجائيا، ومراجعتها حرفا حرفا، مراعيا حالات البنط “السميك” والبنط “المائل” وخلافها، حتى لا أترك المجال لأي إنسان أن يضع يده على النص بعد انتهائي منه. (ملحوظة: الكتاب 580 صفحة من القطع الكبير).

  وقد عصرت المزيد من الليمون وأنا أتعامل مع محررة دار الشروق، أديبة المدونات “رحاب بسام” ولها معي قصة…

 بعد أن غادر فادي عوض الدار، واستلمت  رحاب بسام العمل، لم تسألني عن الكتاب أو عن أخباره لما يقرب من عام. ظللت خلالها أعمل مع الكاتب على إنجاز النص. وعند قرب انتهائه، بدأت أراسلها لأخبرها أن هناك “كتاب منسي من الدار”. وبعد عدد من الرسائل التي لم ترد عليها (ترد بمعدل رسالة واحدة على كل ثلاث رسائل)، وبردود أقرب للعجرفة (دون سبب والله!) تسلمَتْ المخطوط النهائي، ثم –بعد انقطاع أنفاسي- أحالتني للحسابات، لأجد أنها اقتطعت مبلغا كبيرا من مستحقاتي المالية المنصوص عليها في العقد.

 اكتشفت أنها مرت على الكتاب، صفحة بعد صفحة، وراحت تعد الكلمات في الأجزاء المقتبسة عن مصادر عربية، لتخصمها من إجمالي عدد الكلمات المترجمة، بدعوى أن تلك الكلمات عربية الأصل. لم أستطع أن أمنع سخريتي منها، فهذه الكلمات أخرجتها وسط أكوام من مئات الأوراق، وبذلت في تحقيقها وإدراجها في النص جهدا كبيرا كان أسهل معه لو أنني ترجمتها عن الانجليزية، وفقدت قدرا لا بأس به من “العمر الافتراضي” لعيني الضعيفتين أساسا، وقلت لها مرة أخرى إنني لست “مكتب ترجمة”، أعطيها “شوية كلام” لتقوم هي بقصه ولصقه مع “شوية كلام عربي” كي يخرج الكتاب.

 حصلت على حقوقي المالية أخيرا (قسم الحسابات أكثر الأقسام التي تعاملت معها احتراما في الدار). وحمدت الله على أنني انتهيت من أمر الكتاب، حتى فوجئت بالتالي:

 -يصدر الكتاب (بعد أن سلمته بنحو سنة ونصف) دون أن يخبرني أحد.

 -أراسل المحررة لكي أحصل على نسخي المنصوص عليها في العقد (8 نسخ)، والتي تعتبر حقا أصيلا من مستحقاتي المادية، فلا تجيب رسالتي.

-أعلم أن حفلا لتوقيع الكتاب قد نُظم في مكتبة “الشروق” فرع الزمالك (بتاريخ 15 يناير 2013)، ولم تتم دعوتي، لا من قبل الدار، ولا من قبل الكاتب (الذي يعرف كل وسائل الاتصال بي، ولا يوجد أي مبرر كي يتجاهلني، ولم يسبق أن حدث بيننا أي موقف شخصي أو مهني يمنعه من ذلك).

-أشتري نسخة من الكتاب، فأرى اسم “محمد عبد الكريم أيوب” تحت عبارة “مراجعة لغوية وتحقيق” على الصفحة الأولى.

-أقرأ مقدمة الكاتب فأفاجأ بما تقدم ذكره وبأن المؤلف يزعم أنني ترجمت النص ترجمة “أولية”.

-يصلني أن مسعد يروج إلى أن ترجمتي “ضعيفة”، وأنه أعادها هو و”صديقه”. والغريب أن يُنقل إليَّ أن الناشر الأستاذ ابراهيم المعلم نفسه قد ثنِّي على كلامه على الملأ وأكد عليه، وكأنه كان متابعا لمراحل الترجمة المضنية.

 أما لماذا قام مسعد بهذا التصرف الغريب وغير المسبوق، فيبدو والله أعلم أنه (وهو المتميز بغرابة أطواره) يرى أن نصه “أعمق” من أن يترجمه مترجم مثل “إيهاب عبد الحميد” (ربما يرى أنني “مش قد المقام”.. هل كان يحلم بمترجم شامي أكاديمي عميق؟ لاحظ أنك إن بحثت في “جوجل” عن مترجم كتابه السابق “ديمومة المسألة الفلسطينية” المنشور في دار الآداب فلن تجد له ذكرا، وستجد الترجمة منسوبة، تلميحا وليس تصريحا، إلى مسعد نفسه، باعتباره “ساهم” في الترجمة)، وأراد أن يضفي إحساسا بعمق النص وتعقيده، وتجاوزه لمقدرة المترجمين العادية، وحاجاته لفريق عمل يبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إلى دهاليز أعماق النص “الحساس” (بحد وصفه) المستعصي على الترجمة. الظاهر أن الكاتب (لم أر من يعرفه دون أن يحذرني من التعامل معه، في حين ظللت أنا أرد تلقائيا بالدفاع عنه من باب الرفقة المهنية والمعرفة الإنسانية) الذي يتعامل مع نفسه بوصفه خليفة لإدوارد سعيد، ووريثا لكرسيه، يريد أن يضفي أهمية إضافية على عمله (وهو عمل قيِّم في رأيي بمعزل عن كاتبه)، حتى وإن كان ذلك على حساب الآخرين.

  يعرفني الكثير من الكتاب والصحفيين والمترجمين والقراء. ويعرفون أنني لم أكن لأرهق نفسي بذكر كل هذه التفاصيل، ولا بكتابة كل هذه السطور، لولا شعوري بالإهانة البالغة. لقد حاولت أن “أكبِّر دماغي” كما هي عادتي عندما أجد نفسي في صراع سخيف، وأن أنسى الموضوع، لكنني لم أستطع. فإذا كان جوزيف مسعد “له أحواله”، فلن أكون أنا أضحية لتلك “الأحوال”. وأنصحه في المرة القادمة أن يترجم أعماله بنفسه (بما أنه يعرف العربية والإنجليزية) مستعينا بـصديقه (بما أنه يجيد العربية) بدلا من سؤال اللئيم.

 ___ ملحوظة: أنتظر من الدار أن تتصل بي وترسل النسخ الثماني على عنواني، مصحوبة باعتذار على التأخير، فهكذا تكون المعاملة المحترمة، بعد تلك السقطة التي تتحمل مسؤوليتها مع الكاتب جنبا إلى جنب

___ ملحوظة أخرى: إذا أراد أحد التأكد من كلامي، فبإمكاني أن أخصص “نوتات” لاحقة، أنشرها على حسابي على “فيس بوك”، لأوضح بالتفصيل التعديلات البسيطة (ولا أقول التافهة، فأنا أثمِّن كل جهد للتحسين) التي أجريت على النص النهائي الذي سلمته للكاتب، لكي يلقي عليه نظرة أخيرة ثم يمرره إلى الناشر، في مجموعة من الرسائل بتاريخ 14 أغسطس 2011، والتي كانت السبب في مزاعمه (المصرح بها شفويا، والـمُلمَّح بها كتابة) بأنه أعاد ترجمة النص.

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات