أحمد الجار الله: مرسي يحقق حلم موشيه دايان

01:03 مساءً الإثنين 4 فبراير 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

على موقعه الإلكتروني، نشر الإعلامي الكويتي والكاتب أحمد الجار الله مقالا حمل عنوانا مثيرًا (مرسي يحقق حلم موشيه دايان)، نرى في إعادة نشره قراءة للمشهد المتأزم في مصر من شخص اقترب من الساحة السياسية فيها طيلة سنوات سابقة:  

 اذا استطعنا إسقاط عسكر عبدالناصر وإيصال الاخوان المسلمين الى سدة الحكم فسنشم رائحة الموت والدماء في كل بقعة من مصر, فلتكن تلك غايتنا وحربنا بمساعدة الاصدقاء الاميركيين”. هذا الكلام ليس لسياسي عربي, بل لموشيه دايان, وزير الحرب الاسرائيلي عام 1968, وما قاله قبل 45 عاما يتحقق اليوم على أرض مصر بعد ان أمسكت جماعة الاخوان المسلمين بزمام الحكم, وراحت تسعى الى إنشاء ديكتاتورية جديدة مغلفة بالشعارات الالهية والدينية.

طوال العقود الماضية كانت كوادر الاخوان المسلمين تربَّى في أحضان الاستخبارات الاميركية والبريطانية, وترضع من الثدي الاسرائيلي حتى ما بعد الفطام, وما شهدته مصر في الاشهر الاخيرة من فوضى وانفلات توج باعلان مرسي حال الطوارىء في بعض محافظاتها أليس بمثابة ترجمة لأمنيات دايان? فما أعلنه الرئيس المصري في خطابه الاخير بقوله:” حقنا للدماء, وحفظاً للأمن ضد مثيرى الشغب, قررت إعلان حالة الطوارئ بمحافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية”, لم يكن حقنا للدماء إنما هو هدر لها لأنه منح القوات المسلحة سلطة اعتقال كل من يخالف قراره, هارباً بذلك من عدم تلبية مطالب شعبه الذي خرج بالملايين الى الشوارع لاسقاط “حكم المرشد”.

بدلا من ان يقول مرسي للناس الذين يخاطبهم بـ “أهلي وعشيرتي” في خطبه:” حقنا للدماء قررت التنحي من رئاسة الجمهورية”, نراه يجر مصر الى حيث أراد دايان, ويعلن حال الطوارىء, هذه الطوارىء التي كان ينتقدها طوال حكم الرئيس السابق حسني مبارك, علما ان مصر, وقتذاك, كانت تعيش أجواء حرية تعبير عن الرأي أكبر بكثير مما هي عليه حاليا, بل ان مئات التظاهرات كانت تخرج في مختلف مدنها من دون اي اشتباكات بين أنصار الحزب الوطني والمتظاهرين كما هي الحال اليوم مع جماعة الاخوان المسلمين وأنصارها في التيار السلفي وغيرها من القوى الاسلامية.

اعتدنا طوال العقود الماضية ان تكيل جماعة “الاخوان” ومعها التيارات الدينية بمكيالين, بل إنها جعلت للدين مكاييله الخاصة ليصبح أداتها في الاغتيال والتخريب والتآمر, وها هي اليوم وبلسان ممثل المرشد في رئاسة الجمهورية تعلن حال الطوارىء ومنع التجول لوقف سيل الغضب الشعبي من ان يهدم أسوار نظامها الذي تشيده بالجماجم والاشلاء لأن مصر في حساباتها ليست أكثر من عزبة لها وشعبها عبيد المرشد, ولا حق لهم بالاعتراض على إرادته التي يتصورها إرادة إلهية كما هي حال سدنة القمع الايراني الناهل من معينهم في الحكم والسلطة.

نسي مرسي ان هذا الشعب هو من مهد له الطريق للوصول الى كرسي رئاسة الجمهورية, وان الثوار الذي طمحوا الى مصر جديدة هم من قدم التضحيات الغالية لاقتلاع الفساد الذي عشعش في مؤسسات الدولة, وليس للإتيان بمن يعتبر الشعب قاصرا يحتاج الى مرشد يقوده, ولا من يستبدل ب”فساد إلهي” فساد بعض المسؤولين إبان حكم الرئيس حسني مبارك.

كل مرة يريد مرسي ان يكحلها يعميها, ففي كل خطبه وتصريحاته منذ بدء الازمة استخدم لغة التهديد والوعيد, و وجه الاتهامات الى القوى الخفية التي تريد النيل من مصر, وهي حجة المحكوم بهاجس المؤامرة الذي تربى على التآمر والخداع, بينما الحقيقة ان الشعب المصري كفر, ومنذ الايام الاولى لحكم “الاخوان”, بهم لما ارتكبوه من جرائم ضد الدولة والشعب.

المثير للسخرية ان مرسي جعل من نفسه الخصم والحكم فيما الخصام معه, فالذي شدد في خطابه الأخير على احترام أحكام القضاء كان أول من هتك أستار القضاء وتعدى عليه حين تدخل فيه وعين محازبيه في بعض المواقع لاغيا استقلال هذه السلطة التي لم يسبق لأي رئيس مصري ان مسَّ بها. فلو كان مرسي فعلا يحترم إرادة الشعب المصري لتنحى منذ اللحظة الاولى التي تظاهر فيها ملايين المصريين ضده مطالبين برحيله, ولم يأمر القوات المسلحة باعتقالهم, كما لم يغض الطرف عن أنصاره عندما أطلقوا النار على المتظاهرين, لكن يبدو ان ما قاله يوماً المتنبي يعكس حال مرسي ويعبر عنه أصدق تعبير:

أُعِيذها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً

أن تحسَبَ الشحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدنْيَا بِنَاظِرِهِ

إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ”

فالحاكم الذي تستوي عنده الانوار والظلم لا يرى شعبه إنما يرى كرسي الحكم فقط, حتى لو كانت قوائمها من عظام أبناء وطنه.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات