‫قوات الشرطة التونسية تطلق الغاز الكثيف على مسيرة مشيعي جثمان شكري بلعيد

07:24 صباحًا الخميس 7 فبراير 2013
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مشيعو جثمان شكري بلعيد

بعد مظاهرات عفوية حاشدة منذ صباح الأمس الباكر لجموع المواطنين التونسيين أعادت إلى الأذهان يوم ثورة 14 يناير 2011 ، إحتجاجا على إغتيال المحامي شكري بلعيد رئيس حركة الوطنيين الديموقراطين و القيادي البارز في الجبهة الشعبية التي تضم فصائل مهمة من اليسار و القوميين ؛ خرجت جموع المشيعين ترافق الجثمان إلي مستشفي “شارل نيكول ” في منطقة 9 أفريل لإخضاعه للتشريح وسط أنباء غير مؤكدة أن أهل الفقيد يرفضون تشريح جثمانه ؛ غير أن الجموع التي رافقت الجثمان حملته في مسيرة حاشدة إلى شارع الحبيب بورقيبة ذو الرمزية الكبيرة في أحداث الثورة التونسية حيث الجماهير التي تحدت قرار وزير الداخلية بحظر التظاهر فيه وذهبت للتعبير عن غضبها من حركة النهضة و رئيسها راشد الغنوشي و حكومة الترويكا .. لتتعالى الهتافات ” خبز وماء و الغنوشي لا ” و ” الشعب يريد إسقاط الإخوان” إلخ.

حاولت الشرطة تفريق المتظاهرين في شارع الحبيب بورقيبة قبل وصول المسيرة المرافقة للجثمان و التي قدمت من شارع محمد الخامس ؛ وبعد إطلاق كثيف للغاز و خلو الشارع من المتظاهرين عاد المتظاهرون مرة أخرى يرافقون المسيرة التي صاحبت الجثمان تساندها قوى الطبيعة حيث هطلت الأمطار لتبدد تأثير الغاز الكثيف .. و تقدمت المظاهرة التي أحاطت بالجثمان لتزيد الطقس العاصف عصفا جماهيريا لتقتلع عاصفة المتظاهرين جنود الشرطة التي سدت الشارع من أماكنهم بما في ذلك المقنعين منهم رغم هيئتهم التي تبعث الرهبة في النفوس.

مع تراجع قوات الأمن أمام الجماهير ودخول موكب الوداع الأخير لشكري بلعيد ربما ليودع الفقيد المكان الأقرب إلى قلبه .. تعالى الهتاف عند مواجهة سيارة الإسعاف التي تحمل الجثمان لوزارة الداخلية المعادل الموضوعي للسلطة في البلاد لترتفع معها إلى عنان السماء وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقها الأمن على المسيرة في موجة أولى لتستعر معها نيران الغضب في الصدور حيث حاول البعض رشق قوات الأمن بالحجارة إلا أن جهود المشاركون نجحت في تهدئتهم و لم شمل الجمع الذي تفرق ؛ وبعد إبتعاد المسيرة قليلا أنطلقت موجة أعنف و أكثر كثافة من قنابل الغاز المسيل للدموع ليتفرق جل المسيرة بينما بدأ الغاضبون في رشق قوات الأمن بالحجارة من جديد إلا أن إصرار المواطنين علي سلمية مسيرتهم الغاضبة وتحليهم بالشجاعة خاصة النساء و الفتيات اللائى أبدين ثباتا مذهلا أعاد إلتئام المسيرة من جديد لتنحرف يمينا إلى شارع باريس أحد أهم شوارع العاصمة التونسية وتستمر المسيرة حتى منطقة الباساج في حي لافايت بوسط العاصمة و من هناك إنطلقت سيارة الإسعاف التي حملت الجثمان إلي مستشفى “شارل نيكول ” بعد أن قاربت الشمس على المغيب بصحبة مايقرب من نصف عدد المشاركين في المسيرة فيما بقي النصف الأخر ليدخل في مواجهة جديدة مع قوات الأمن.
و على التوازي من تلك الأحداث شهد المجلس الوطني التأسيسي جلسة غاضبة أسفرت عن تعليق عدد من نواب المعارضة لعضويتهم في المجلس ؛ و في ذات الوقت شهد العديد من الولايات التونسية الهامة مظاهرات إحتجاجية غاضبة بسبب مصرع شكري بلعيد و إحراق العديد من مقار حركة النهضة في الرديف و قفصة و المنستير و غيرها من المدن التونسية بينما كانت تظاهرات ولايتي سوسة و صفاقس هي الأكبر و الأكثر حشدا ؛ وقد رفضت قوات الأمن في “باجة ” إعتراض التظاهرات الغاضبة ؛ فيما شهدت مناطق أخري فراغا أمنيا دفع بعض الجماعات المحسوبة على التيار السلفي للظهور بحجة حفظ الأمن و النظام مما زاد الموقف إحتقانا لأن عددا كبيرا من المواطنين إتهم الجماعات المحسوبة على تيار الإسلام السياسي بإرتكاب جريمة إغتيال بلعيد ؛ فيما حملت حركة الوطنيين الديموقراطيين الموحدة .. الحكومة و حركة النهضة ورئيسها “راشد الغنوشي ” و ما وصفته بميليشياتها المسلحة ومنها ” لجان حماية الثورة ” المسئولية.
و قد أعلنت الجبهة الشعبية التي تضم عددا من الأحزاب اليسارية و القومية الدعوة لإضراب عام يوم تشييع جنازة الفقيد والتي ينتظر أن تكون غدا الجمعة بعد إنتهاء عملية تشريح الجثمان ..

علي صعيد آخر أثيرت مخاوف عدة على لسان المراقبين أهمها أن تيار الإسلام السياسي وعلى رأسه ” التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ” قد يكون تلقى ضوءا أخضر من القوى الكبرى في تلميح واضح للإدارة الأمريكية يسمح لها بتصفية الخصوم السياسين في مناطق ما سمي بالربيع العربي لكي يستتب التمكن من سدة الحكم و أن كل ما تشهده المنطقة من أحداث عنف يرونه ممنهجا هو لخدمة أجندة دبرت بليل مع القوى الكبرى تتيح لقوى الإسلام السياسي سرقة ثورات لم تساهم فيها إلا عند إكتمال نجاحها و جلها لم يساهم من الأصل ثم إلتحقت لتتحالف مع نظرائها الذين إلتحقوا بالصف الأخير.

كما أبدي أولئك المراقبين قلقهم العميق من الفراغ الأمني الذي تشهده تلك البلدان بشكل مفاجئ يصاحبه ظهور جماعات دينية تقوم بحفظ الأمن و النظام و لديها السلاح الأمر الذي يمكن أن يحولها إلى جماعات تشبه جماعات ” الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ” التي يمكن أن تتطور إلى كيانات مثل “طالبان” و ” الحرس الثوري الإيراني” و هو ما يهدم كل مقومات الدولة المدنية ..
إغتيال شكري بلعيد في هذا الوقت يأتي كجرس إنذار قوي لمنطقة ما سمي بالربيع العربي بأسرها .. و كانت هتافات المتظاهرين الغاضبة اليوم و التي حملت إتهامات لدولة قطر و الإدارة الأمريكية تحمل إتهامات مباشرة لهما خاصة بعد ماتردد عن أن أدوات قمعهم الأمريكية جاءت ضمن معونة قطرية ؛ و لعل تلك الهتافات إن وصلت للرأي العام الأمريكي ستجعل من الصعب على إدارة ” أوباما” أن تتساءل في براءة من جديد لماذا يكرهوننا ؟ ؛ حقيقة مازال مرتكبو جريمة إغتيال شكري بلعيد مجهولين لكن من يحمي محرضي مرتكبيها معلوم و يعتبر قانونا شريكا أصيلا فى الجريمة ..
هذا ومازال حظر التجوال إحتمالا قائما لكن أغلب الظن إن هذا الإجراء لن يطفئ غضب أولياء الدم الذى أريق مؤخرا في مصر و تونس .. ببساطة لأنها دماء الشعبين كليهما.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات