الشرق الآسيوي على حافة الحماقة الدموية

07:35 صباحًا الجمعة 15 مارس 2013
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مشروع بحثي مشترك بين آسيا إن (The AsiaN)

ومؤسسة تاريخ شمال شرق آسيا (Northeast Asian History Foundation )

المحرر: يتعرض الأمن في شرق آسيا لبحر هائج أججته الأزمة النووية لكوريا الشمالية  التي تبرز وسط النزاعات الإقليمية القائمة والصراعات عميقة الجذور بين الدول في المنطقة. تبحث كل من كوريا الجنوبية والصين واليابان والبلدان المعنية بشكل مباشر عن نظام جديد وسط عملية انتقال السلطة. وبحثا عن حلول عقلانية للصراعات التاريخية في شرق آسيا، فإن آسيا (The AsiaN) ومؤسسة تاريخ شمال شرق آسيا (Northeast Asian History Foundation ) تقدمان بشكل مشترك سلسلة من الأعمدة التحليلية لخبراء حول القضايا الراهنة في شرق آسيا. وسيقدم المساهمون رؤاهم المتعمقة وحلولا استراتيجية بأربع لغات هي الانكليزية والكورية والصينية والعربية.

منذ بضعة أسابيع كنت في مدينة “تيومين”الصينية الصغيرة، في شمال شرق الصين المتجمد، ليس ببعيد عن الحدود الروسية. في حديقة المدينة، كان هنالك معرض للآثار المصنوعة من الجليد، و هو حدث سنوي في تلك المدينة. أكبر تلك المنحوتات كانت تظهر ما يشبه مجموعة جزر وسط البحر. شكلها أصبح معروفاً لكل الصينين هذه الأيام، ولكن الكلمات المكتوبة بجوار المنحوتة لا تدع مجال للشك: “دايو هي أرض صينية”.

في كل مرة أذهب إلى ماكينة الصراف الألى في الجامعة بسيول، يلفت إنتباهي صورة صغيرة مثبتة في مقدمتها. الصورة تُظهر جزيرة أخرى، و لكنها أصغر، شكلها معروف لكل الكوريين، و مكتوب تحت تلك الصورة: “دوكدو هي أرض كورية”.

المثالان السابقان هما إثنان من عديد التذكارات المستمرة للأراضي التي تلعب دوراً هاماً في سياسات و علاقات دول شرق آسيا الحديثة. إحدى هذه المشاكل، حاليًا، هي مشكلة أرض دايو/سينكاكو، التي نمت بطريقة خطيرة لدرجة أنها جذبت الأنظار عالمياً. ولكن هذه المشاكل عادية في شرق آسيا، على الرغم من أن العديد منها غير معروف خارج نطاق الدول المعنية.

شرق آسيا هو مكان خطير، ربما من أخطر الأماكن على الإطلاق في العالم الحديث. ربما عنف السياسة لا يجري فيها بقسوة السياسة نفسها في الشرق الأوسط، ولكن الدول المعنية في الصراعات لدول شرق آسيا هي دول قوية للغاية. فهذه منطقة تضم اثنتين من أكبر ثلاث دول إقتصادياً في العالم، الصين و اليابان، و هما لا يحبان بعضهما البعض.

الوضع أصبح معقداً بغياب بنية إقليمية ذات كفاءة، وجودها قد يخفف العداوة بين الدول. دول شرق آسيا ليس لديها ما يعادل الإتحاد الأوروبي أو الناتو، ولعدة أسباب، من الواضح أنه لن يكون لهيئة مماثلة أي وجود في المستقبل القريب.

القوميات والعداوات بينها تلعب دوراٌ قوياُ كذلك، في أوروبا، القومية أصبحت قوة منتهية منذ أواخر القرن العشرين، وفي الشرق الأوسط، أهميتها تغلب عليها الإنتماءات الدينية والقبلية. أما في شرق آسيا، تظل القومية الخاصة بكل دولة هي قوتها الأيديولوجية الأهم.

كل هذا معناه أن شرق آسيا تقدم لنا صورة مماثلة لأوروبا في أوائل القرن العشرين، عندما كانت أوروبا على حافة الحماقة الدموية المسماة الحرب العالمية الأولى.

بالطبع من الواضح أن دول شرق آسيا تركز بشكل أكبر على النمو الإقتصادي، وكذلك ترابطها إقتصادياً يمنعهم من أن يكونوا مولعين بالقتال. وهذا يقودنا إلى أنه ليس علينا القلق من إمكانية قيام حرب في هذه المنطقة. ولكن هنالك العديد من الأشخاص الذين قد يرجعون للتاريخ ليقولوا أن عديد امن ليبرالي أوروبا في أوائل القرن العشرين كذلك لم يتخيلوا قيام حرب. وقد إستخدموا وقتها الحجج و الأدلة نفسها، عن إهتمام أوروبا بالنمو الإقتصادي و إعتمادها إقتصادياً على دول أخرى.

إذا قامت حرب بالفعل في منطقة شرق آسيا، يستطيع المرء التنبؤ بثقة أن هذا الصراع سيكون نتيجة أحد النزاعات الإستعمارية التي خيمت على علاقات دول المنطقة لعقود عديدة.

في بعض الأوقات تكون هذه النزاعات على أجزاء و عادة ما تكون جُزرًا صغيرة بعيدة عن الشاطئ. في بعض الحالات، بعض المصالح الإقتصادية تكون على المحك وذلك بسبب الدخول حديثاُ على بعض المناطق الإقتصادية وتحكمها في هذه الجزر الصغير قد يبرر تحكمهم كذلك في مناطق ومساحات مهمة من محيطات العالم.

ولكن لا يملك المرء سوى أن يشك أن هذه الصراعات الإقليمية تقودها في أغلب الأحيان القومية ويتلاعب بها القوميون. ويستخدم بعض السياسيين المجردين من المبادئ هذه المشكلة لتأجيج المشاعر القومية، مما يضمن لهم، للأسف، الفوز في الإنتخابات.

هذه لعبة خطيرة بالفعل، أي سياسي يستطيع بالطبع أن يحسن تقييمات الموافقة عليه عن طريق تقديم نفسه كمدافع مخلص عن الأراضي المقدسة. ولكن على المرء ان يتذكر أن هذه هي الطريقة التي بدأت بها الحرب العالمية الأولى، و حروب أخرى عديدة. المجزرة التي قامت في 1914 بدأت بمواجاهت القوميين الصغيرة في البلقان.

ولذلك من اجل مستقبل شرق آسيا، المشاكل الإقليمية يجب تفاديها بقدر المستطاع، على الرغم من أن قد يكون هنالك إغراء لفعل العكس وخاصة لهؤلاء في مراكز القوى في طوكيو، بكين و سيول (وفي بعض الحالات موسكو، مانيلا، بانكوك، وهانوي). ولكن يجب عليهم تذكر أن المكاسب طويلة المدى من العلاقات المستقرة و التعاون بين الدول أفضل من المكاسب قصيرة المدى الناتجة عن نوبة أخرى للقوميين.

يبدو أن أفضل طريقة عقلانية للتعامل مع هذه المشكلة هي التقبل بطريقة عقلانية كل الحدود الإقليمية الحالية والإدارات التي تتحكم فيها.

ويجب على المرء ان يشك في إستخدام المراجع التاريخية في عديد من المشاكل الإقليمية مثل دوكدو/تاكيشيما، وسينكاكو/دايو، و غيرها من الجزر. كل الأطراف المعنية تسعى للبحث عن أدلة تثبت حقهم الشرعي في التحكم في أي إقليم. والحقيقة أن العديد من هذه الجزر صغيرة جداً لتمثل أي قيمة إقتصادية، لذلك لم تنتبه أي هذه الدول لها حتى ظهرت فكرة المياه الإقليمية ومن بعدها EEZs (وهي فكرة ظهرت بمنطلق القانون الدولي في أوائل 1980).

ولكن فكرة المياه الإقليمية بدأت تسيطر على دول شرق آسيا في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر. قبلها لم تهتم هذه الدول بأي قطعة أرض لا يستطيعون تحقيق مكسب هام من ورائها. في عالم ما قبل الحداثة، الإقليم لم يكن هو تلك الأراضي داخل حدود معينة، ولكن كان شبكة الأراضي الريفية و الحضرية التي يمكن جمع الضرائب منها و الإستفادة من مصادرها.

لذلك، بالنسبة لدولة تمارس مثل هذا النوع من التحكم، من المنطقي أن تظل هادئة وألا تثير ضجة بدون داع، حينما يحاول أخرون التقدم و الحصول على بعض حقوقهم. وقد إتبعت هذه الإستراتيجية بنجاح المملكة المتحدة بخصوص جزر الفالكلاند/المالفيناس في الثلاثين عام الماضية.

هذا بالطبع يمكن تطبيقه على كوريا، فهي تواجه مشكلة إقليمية مع اليابان، وهي تتركز على مجموعة من الصخور و الجزر المعروفة للكوريين باسم “دوكدو” وهي تقع على الساحل الشرقي لكوريا. بينما يظل تاريخ هذه الجزيرة معقدًا إلى حد ما، لا يمكن إنكار أن هذه الجزيرة كانت تحت سيطرة الحكومة الكورية طيلة الستين عاما الماضية.

لذلك فالجانب الكوري، فعلياُ، يعد هذه الجزيرة ملكه. ولكن للأسف لا تجري الأمور بهذا الشكل دوماً. فعندما كررت الحكومة اليابانية (بالأخص بعض السياسيين اليابانيين المنشقين) إدعاءاتهم بأن هذه الجزيرة ملك اليابان، ثار الإعلام و الجمهور الكوري. حتى أن الرئيس السابق، لي ميونج باك، ذهب إلى الجزير شهر أغسطس الماضي. من الواضح انه ذهب هناك ليدعم السلطة الكورية على تلك الجزيرة. ولكن قد يشك المرء في أن هذ مجرد حبكة كورية سياسية أخرى، للتأثير على مشاعر القوميين، وإستخدام النزاعات الإقليمية لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة المدى.

ولكن عندما يقوم سياسيون كوريون مرموقون بتقديم بيانات رسمية، فإن النتيجة غالباً تكون عكس ما كانوا يأملون. فبدلاً من تأكيد موقف كوريا وسيطرتها الإدارية على الجزيرة، فقد قاموا بإضعاف موقف كوريا وخلقوا توترات لا داعي لها.

عندما يسمع الأجنبي العادي مواطن الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا أن الرئيس الكوري الجنوبي قام بزيارة صخرة أو جزيرة يتم التنازع عليها، أو عندما يقابله إعلان بحجم صفحة كاملة في مجلة نيو يورك تايمز دفع تكلفته القوميون الكوريون، سيصل في النهاية إلى أنه لا بد أن الإدعاءات الكورية بأن هذه الجزيرة ملكهم مشكوك في صحتها. وقد يخلص المشاهد الأجنبي أنه ليس هنالك ما يدعو إلى دعم هذه الإدعاءات بهذه الطريقة المبالغة.

لذلك يكون من الأفضل للقوميين الكوريين أن يقوموا بالرد على الإدعاءات اليابانية، لا بزيارات الرئيس للجزيرة ولكن بتعبير دبلوماسي عن عدم الرضى، و يفضل أن يقدمه عضو شاب في السفارة الكورية.

هذا الإتجاه سيخدم الأغراض الكورية، وفي الوقت ذاته سيخدم كل الجهات المعنية كذلك. هذا التصرف سيهدئ حماس القوميين قليلاً ويمكن الدولة من تفادي، او على الأقل التحكم في المشاكل الإقليمية.

مجدداً هذه المشاكل الإقليمية خطيرة و قد تسبب إنفجاراً في وقت ما. لذلك يجب على كل الأطراف الهدوء و مقاومة إغراء إستخدامها كأداة للتحكم في القوميين.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات