عندما رقصت السينما على أطراف أصابعها

08:30 صباحًا الثلاثاء 12 مارس 2013
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

آنا كارنينا في السينما

ربطت السينما انشطتها المتعددة بكافة ما أنتجه البشر فى جميع المجالات، ومن السهل الكتابة عن علاقة الافلام مثلا بالفنون الاخرى، خاصة تلك السينما التى عانقت الفن التشكيلى، والموسيقى، والرقص والرواية والشعر والمشرح، والاوبرا، وبالطبع فن الباليه، الذى هو فى حد ذاته تجمع لفنون متعددة، مثل الرقص الايقاعى والموسيقى.. وايضا المسرح والنصوص الادبية الكبرى.

وفى بقاع عديدة من العالم الذى تفوق فى هذا الفن، فان السينما سعت إلى تقديم عالم الباليه الى عشاه من خلال العديد من الصور، أهمها تصوير الفيلم واخراجه باعتباره عملا راقصا، وذلك من خلال الخروج من خشبة العرض الضيقة الى الطبيعة التى تدور فيها احداث هذا الباليه، دون الخروج عن العمود الفقرى الاساسى لفن الباليه، وهو الرقص الايقاعى، وقد بدت هذه الظاهرة فى افلام عديدة خاصة فى الاتحاد السوفيتى “سابقا”، وروسيا حاليا ومنها “كسارة البندق”، “بحيرة البجع”، “البجعة السوداء”، “آنا كارنينا”، وغيرها.

أما النوع الثانى، الرئيسى فهو الاستعانة بنجوم الباليه، خاصة الروس للقيام بدور البطولة فى افلام تدور حول عالم الباليه، وقد تكرر هذا الأمر كثيرا عندما فتحت هوليود استوديوهاتها الى نجوم من طراز رولف نورييف، وميخائيل بارشينكوف اللذين عملا فى السينما الامريكية، كما أن هناك افلاما كثيرة حول قصص متخيلة او حقيقية تدور فى كواليس عالم الباليه، ولعل من أشهر هذه النماذج هو “نقطة تحول” الذى أخرجه هربرت روس عام 1977، فى الولايات المتحدة وقام ببطولته نجوم ليست لهم مشاركة فى عالم الباليه مثل شيرلى ماكلين، وان بنكروفت، وبول سيث والى جوارهم راقصة الباليه الشابة ميخايل بارشينكوف.

نينا زميفيتس وأوليج ماركوف: آنا كارنينا

وسوف نجد أن هذا النوع موجود بشكل واضح فى دول بعينها، من خلال الأفلام الروسية، والامريكية والفرنسية، والصينية، والألمانية، والايطالية، وهناك دول عديدة دخلت فى هذا المضمار، وقد فتحت دول أوروبا وامريكا الشمالية واليابان ودول شرق اسيا دور العرض من أجل ان يشاهد الناس أفلام الباليه، وقد حققت هذه الافلام نجاحات ملحوظة.

والملاحظ أن دور الأوبرا فى هذه البلدان، قد شاركت فى انتاج هذا النوع، بهدف ترويجه، ومن أجل عمل أكبر قدر من الاتساع كى يستمتع عشاق الباليه بالعروض، فعلى سبيل المثال، فإن الباليه القومى فى فرنسا قد حرص على عرض ستة أفلام من هذه النوعية طوال عام كامل، بدأ منذ صيف 2010 فى الصيف التالى له، وقد صاحب هذه العروض حملة دعائية، ومن هذه الافلام على سبيل المثال “راقصة ديجا الصغيرة” من اخراج باتريس بار، وفكرة الباليه بالغة الروعة، حيث قام النص بتحرير الراقصة الصغيرة فى لوحة بالعنوان نفسه للفنان ادجار ديجا، وراحت تسترجع ذكرياتها وكيف تم رسمها، وهذا العمل يؤكد أن سينما الباليه تجدد نفسها، فى وقت يعانى فيه المسرح العالمى من عدم تأليف نصوص جديدة..

فرقة باليه موسكو

كما أن من بين هذه الافلام ايضا “غادة الكاميليا” لجون نومييه، و”بحيرة البجع” من اخراج رودلف نورييف الذى اتجه للاخراج بعد أ، اعتزل الرقص، وهناك افلام باليه اخرى مثل “كاليجولا” اخراج نيقولا ليريش، و”كوبيلا” لباتريس بار ايضا، ثم “أبناء الفردوس” لخوسيه مارتينيث.

لو طالعنا قائمة افلام الباليه التى تم انتاجها فى السينما العالمية، فسوف نجد أن هناك علامات متعارف عليها فى هذه السينما لعل أبرزها فيلم “باليرينا” الذى أخرجه لودفيج برجيه عام 1950 فى باريس، وهو الذى الذى أعاد برتران نورمان اخراجه عام 2006.

ولا شك أن السينما العالمية قد نطقت كى ترقص فى المقام الاول، ولعل هذا المنطق غريب فالمفروض أنها تغنى، لكن الرقص هنا ارتبط بموسيقى الأوبرات، وعروض الباليه العالمية، التى ألفها نوابغ هذا الفن وعلى رأسهم تشايكوفسكى، وفاجنر وبيزيه، وآخرين لذا فانه من الناحية التاريخية فانه يمكن اعتبار الفيلم الأمريكى “بوليرو” اخراج ويسلى رجلز 1934 هو من أوائل أفلام الرقص الايقاعى، وفيه قام جورج رافت بدور راوول الذى يحلم فى بداية القرن الماضى أن يكون راقصاً، يشاركه فى الحلم شقيقه مايك دوبير، ويتحقق حلمه ويرفض راؤول كافة اغراءات النساء من حوله حتى يقابل الراقصة هيلين هاناواى، التى يحس أنها ترقص بروحها، وليس بجسدها، فتصبح شريكة له فى الرقص، وعندما تحس أنه لا ينوى الزواج منها، تتزوج من لورد بريطانى، وتترك الرقص، أما راؤول فيجد نفسه جنديا مشاركا فى الحرب العالمية الأولى.

وكما هو ملاحظ، فإن الفيلم يروى قصة حقيقية لواحد من راقصى الباليه، وكان ذلك بداية الشغف لسينما دوما بعمل افلام عن حيوات هؤلاء الراقصين ومنهم فيما بعد افلام عن ايزادورا دنكان وقد قامت كارول لومبارد بدور هيلين فى هذا الفيلم، وهى ايضا فنانة مشهورة، فى عالم الباليه، كما أن هناك افلاما اخرى عن “زجفيلد” و”نيجنسكى” و”تشايكوفسكى” وغيرهم.

وقبل أن نستطرد فى الحديث عن تواريخ افلام الباليه، وموضوعاتها من المهم الاشارة إلى الجانب التشكيلى فيها، فمن الأهمة للراقص أن يكون فى مكان يتيح له ان ينطلق، وان يحرك جسمه بكل بساطة وسهولة، وليس هناك أجمل من الطبيعة المفتوحة كى يتم ذلك، وعلى ذلك فإن أفلام الباليه تتيح للفنان قدرة على التعبير بالرقص أكثر من المسرح، وقد شاهدنا ذلك بوضوح فى أفلام منها “بحيرة البجع”، و”سادة الرقص الروسى”، الذى تم انتاجه فى روسيا عام 1953، ففى هذه الافلام نرى الطبيعة الممتدة حتى آفاق بلا نهاية، بألوانها الزاهية وشموخها، وفى حناياها، ينطلق الراقص وقد استمد شموخه ورونقه من هذه الطبيعة الرائعة.

لا شك أن الكتابة فى هذا الموضوع تفرض على صاحبها أن يعود بين السطور والاخرى إلى المتابعة التاريخية، فمن الأفلام الأوولى المهمة فى هذا الشأن هناك “باليرنا” تاليف  واخراج لودفيج برجيه عام 1950، وقد تمت الاستعانة بموسيقى لموتسارت وموريس رافل، من خلال عزف للاوركسترا القومية الفرنسية للاذاعة والتليفزيون.. وقام بالرقص أبرز نجوم الباليه والرقص فى تلك السنوات، والفيلم يروى قصة راقصة الباليه نيقول، وعن بداياتها، ففى احدى العروض الأولى لها فى هذا الفن، قام أحد المشاهدين باصدار أصوات مزعجة مما أثر على ايقاع الرقص، فخرجت عن الاتساق، وهربت من المشهد إلا أن أحد المعجبين الشباب منحها وراه، وحاول اعادتها إلى الرقص، وضرب لها موعداً، لم تتم الفتاة طيلة الليل، وظلت تحلم أنها تزوجت من جواهرجى لم تحبه أبداً، وانها اتخذت من الشاب لولو حبيبا لها وتعاقبت الاحلام فى تلك الليلة، كل منها له هوية خاصة مما دفعها الى الذهاب فى اليوم التالى للموعد، واكتشفت أن لولو ثرى، وصعدت إلى المسرح لترقص.

الإبهار من المسرح إلى الشاشة

موضوع بالغ البساطة، شأن كافة الأفلام الباليه، فليس المطلوب، سوى قصة بسيطة وهكذا كانت أغلب أفلام الباليه، وأيضا الغناء، ومنها “كارمن” و”بحيرة البجع”، و”بيلى اليوت”، وإذا كانت علينا أن نتوقف عند التجربة الروسية، فإن هناك ثلاثة أعمال عظيمة فى هذا المضمار تتمثل فى باليه “بحيرة البجع” عن تشايكوفسكى التى تم اخراجها أكثر من مرة فى السينما السوفيتية وقد شارك فى بطولة هذا الفيلم أساطين الباليه فى روسيا، ومنهم جالينا اولانوفا، وناتاليا دودى نسكايا، وفلادمير بوكاتوف، أما فيلم الباليه الثانى، فهو “نافورة باختيشيزارى” المأخوذ عن عن احدى قصائد الكسندر بوشكين، أما الموسيقى فقد وضعها بووريس اسافيف، وقد قامت بالبطولة ايضا الراقصة جالينا اولانوفا، أما الفيلم الثالث فيحمل عنوان “نساء باريس” عن كتاب من تأليف نيكولاى فولوف.

من المهم التوقف عند رودلف نورييف أحد أبرز راقصى الباليه فى العالم، حيث عمل على المسرح، ورقص فى أشهر عروض الباليه العالمية، سواء فى بلاده، أو فى فرنسا، والولايات المتحدة، ومن هذه العروض “دون كيشوتط عام 1981، “بحيرة البجع” 1984، و”روميو وجولييت” أيضا فى العام نفسه وهى الفترة التى شهدت مجده فى أوروبا، حيث رقص فى العديد من العروض منها “العاصفة”، و”كسار البندق”، و”سندريلا”، و”الجميلة النائمة”، وقد عاش بين عامى 1938 و 1994، وقد ظل يرقص حتى وفاته، عندما خرج من الاتحاد السوفيتى عام 1977 استقبلته هوليوود بحفاوة، وقام بأداء شخصية الممثل القديم رولف “فالنتينو” فى فيلم يحمل الاسم نفسه من اخراج كن راسل، ثم قام ببطولة فيلم “باليه” بعنوان “الملك واما” والغريب أن السينما الأمريكية التى فتحت له أبواب الباليه والرقص، قد قدمت له أدوار فى أفلام غير راقصة بالمرة، مثل فيلم “المعروض” أمام ناستازياكينسكى عام 1983، وقد اغضبته هذه التجربة فترك الولايات المتحدة، وعاد إلى أوروبا.

ملصق فيلم إيزادورا

الجانب الآخر من الأفلام، كانت حول الحياة الخلفية لعالم الباليه، وفنانيه من خلال قصص حيواتهم، فى العديد من الافلام، لعل أشهرها وأبرزها فيلم “ايزادورا” اخراج كارل رايتس عام 1968، والفيلم مستوحى من مذكرات راقصة الباليه المشهورة “ايزادورا دنكان” وهى امريكية الجنسية، التى نشرتها أثناء حياتها، وهذه المذكرات قرأناها باللغة العربية، وهى بديعة، بالغة الصدق، تعكس مدى ما تمتعت به الراقصة من ثقافة عميقة، وتجربة انسانية ثرية للغاية، كما كان وراء النص السينمائى أدباء بارزين منهم مرجريت درابل، والفيلم يتوقف عند السنوات التى تألقت فيها ايزادورا فى عالم الرقص ونرى كيف كانت حياتها، وعلاقتها بالعديد من الرجال، والطريف أنها أحبت رجل أقرب إلى القزم وقد ركز السيناريو على مراحل متقطعة من حياتها، فهى كانت تختار النص الذى ترقص عليه، كما أنها عرفت ببراعتها فى اعداد ملابسها، وقد التقت بأول رجل أحبتها فى برلين عام 1896، وقد نقلت نشاطها وهى الامريكية، بين مدن عديدة منها باريس، حيث قابلت مليونيراً يدعى أيضا باريس سنجر، وتزوجت منه، وأنجبت منه ابنها الوحيد، ثم عادت إلى بريطانيا مع زوجها، وفى أثناء زواجها أحبت عازف البيانو ارمان، وانفصلت عن زوجها.

وقد وصف الفيلم مراحل الثراء والشهرة، والفقر التى عاشتها ايزادورا إلى أن ماتت فى حادث عبثى، حيث داست عجلة سيارة كانت تركبها حول الايشارب الذى تلفه حول رقبتها، فاختنقت ولم يستعن الفيلم براقصة باليه تؤدى دور ايزدورا وقد رأينا الرقص فى مشاهد بعيدة، وقد حصلت فانيسا روجراف على جائزة أحسن ممثلة فى مهرجان كان عن هذا الدور عام 1969 ورشحت فى السنة نفسها للحصول على جائزة أوسكار كأحسن ممثلة.

أما الفيلم الثانى الرائع الذى يدور حول عالم الباليه فهو “نقطة التحول” اخراج هربرت روس عام 1977، وهو أحد الذين شغفوا سينمائياً بعالم الموسيقى، فقدم فيلما عن حياة “نينكسكى” عام 1980، وقد رشح فيلم “نقطة التحول” للحصول على إحدى عشرة جائزة، منهم جائزة أحسن مساعد للممثل والراقص الروسى ميخائيل باريشنكوف، مما يعنى أنه كان كممثل أكثر موهبة من نورييف الذى لمع أكثر منه فى تلك الحقبة لكن الغريب أن السينما لم تقدمه فى تجربة تالية.

موضوع الفيلم يدور حول الشهرة فى عالم الباليه، فقد آثرت الراقصة السابقة دى دى “شيرلى ماكلين” أن تترك الباليه من أجل أن تتفرغ إلى أسرتها، ثم تربية ابنتها دى دى التى قررت أن تكون راقصة باليه، عندما صارت فتاة يافعة فالتحقت بفرقة “ايما” آن بانكروفت، والتى كانت فى الفرقة نفسها سابقا مع أمها.. لقد وهبت “ايما” حياتها للفن، ولم تتزوج، ولم تكن لها أسرة، لكنها حازت الشهرة، والنجاح، وعندما تلتقى الزميلتان القديمتان، فان كل واحدة ترى أن الأخرى حصلت على ما تمنته، دى دى ترى أن زميلتها حصلت على الشهرة، أما الأخرى فترى أن زميلتها حصلت على الأسرة والأبناء.

تلتقى الابنة اميليا بالراقص الروسى يورى، وتبدو المشكلة ماثلة أمام الزميلتين، فهل تتزوج الابنة من الراقص الروسى وتختار الأسرة، أم أن ترفض الرجل، وتمشى فى المسار الذى سلكته “ايما” وهنا يبدأ الخلاف بين الأم، وصديقتها القديمة، وتعتمل فى داخلها فكرة الشهرة والأسرة، تحاول “ايما” أن تدفع الفتاة للمشى قدما فى مسيرتها، أما الأم ففى الوقت لاذى تشعر فيه بالغيرة من النجاح الساحق، والمكانة التى حققتها زميلتها، أنها مليئة بالتناقض، وفى النهاية فإن اميليا تقرر أن تستمر فى عالمها الذى تحبه، الفن.

فى السينما المصرية ارتبط ظهور الرقص الايقاعى بوجود فنانين يجيدون هذا الفن، خاصة من السيدات، وقد برع فى هذا المجال فنانات من أصول أجنبية، أو ما شابه، مثل كيتى التى تحولت إلى الرقص الشرقى، فمزجت بين النوعين، وهى يونانية الأصل، وايضا نيللى مظلوم اليونانية التى ظلت ترقص رقصا ايقاعيا فى العديد من الافلام منها “فاطمة وماريكا وراشيل” و”عروسة المولد”، و”علمونى الحب”، وفى السنوات الأخيرة، بدا يوسف شاهين عاشقا للباليه، فقدم بطله “يوسف” راقصا للباليه فى فيلم “اسكندرية نيويورك” عام 2004، واستعان براقص باليه حقيقى هو أحمد يحيى، ليرقص أمام الباليرينا نيللى كريم “روسية الأم” لتؤدى دور الراقصة الأمريكية جنجر روجرز، وقد استعان خالد يوسف بالراقصة نفسها، لتؤدى دور راقصة باليه تسقط بسبب المرض فوق خشبة المسرح، وتذهب إلى المصحة على أمل أن تعود إلى الباليه مرة أخرى.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات