لمن تدق أجراس مهرجانات السينما المصرية؟

08:33 صباحًا الإثنين 18 مارس 2013
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كنا ننظر بعيون الغبطة إلى النقاد الذين فى امكانهم السفر على نفقة المؤسسات الصحفية إلى مهرجانات السينما العالمية، ويعودوا ليكتبوا عن الأفلام التى شاهدوها، والنجوم والمخرجين الذين التقوا بهم، وكان المثقفون الشباب، أو هواة السينما غير الصحفيين يتعرفون على الأسماء البارزة من صناع السينما العالمية من خلال المراكز الثقافية الأوروبية والأمريكية التى تعرض الأفلام القديمة والشهيرة فى كل من المركز الثقافى الفرنسى، والايطالى، والروسى، والألمانى “جوته” والاسبانى والأمريكى والمجرى، وغيرها..

كانت هناك محاولات لعمل أسابيع لأفلام هذه الدول، أى أن الصادرات كانت تأتى من الإدارات الثقافية للدول، وفى بعض الأحيان تقام هذه الأسابيع فى دور العرض، وكان العائدون من حضور المهرجانات بمثابة “جيجى لاموروزو” Gigi L’amoroso فى أغنية داليدا.. ولم تكن هناك محاولات جادة من المؤسسة الثقافية الرسمية لتنظيم مهرجان، فالروتين يلف المكاتب والمسئولين، حتى جاءت المبادرة الكبرى من الصحفيين الذين يعملون بالصفحات الفنية، وتم تأسيس الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما بواسطة أبرز الصحفيين الفنيين فى تلك الآونة، وعلى رأسهم كمال الملاخ، وعبدالمنعم سعد، ومارى غضبان، ويوسف جوهر, وإيريس نظمى، ومفيد فوزى، وغيرهم، كانوا جميعاً من رجال الصحافة الفنية، أما النقاد الصحفيون فقد كانت لهم جمعية أخرى تحمل اسم النقاد السينمائيين، كانت تقيم أسابيع للأفلام المتميزة، أو ما يسمى بمهرجانات صغيرة، مثل أسبوع الفيلم الجزائرى عام 1973.

إحدى ندوات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الخامس والثلاثين

  • أولاً: مهرجان القاهرة السينمائى الدولى

أما الجمعية الوليدة، فقد كان لأفرادها سطوة فى الصحافة، بحيث أمكنوا تدبير ميزانيات لأول مهرجان سينمائى أقيم فى القاهرة فى 16 – 22 أغسطس عام 1976، أى أنهم حصلوا على دعم مادى من وزارة الثقافة، ومن الدولة بشكل عام، حيث أن رئيس الوزراء فى السنوات الأولى شارك فى افتتاح المهرجان الذى أقيم بالقاهرة، وأيضاً بالاسكندرية.

كان حدثاً ضخماً، ومبهراً، أفرد له الصحفيون أعضاء الجمعية صفحاتهم للكتابة عن الحدث، وقيست قيمة المهرجان بالنجوم العالميين الذين تمت دعوتهم من كل أنحاء العالم، ومن أبرزهم كلوديا كاردينال Claudia cardinal، وراج كومار raj kumar بطل فيلم “سانجام” sangam، وقد اشترك فى فعاليات المهرجان خمس وثلاثون دولة، وتكونت لجنة التحكيم برئاسة كوين كيرتس “الولايات المتحدة”، وكان من أعضائها المخرج شادى عبدالسلام من مصر، وهاجير درابوش “إيران” haggir darbouche، ودافيد روبنسون david robinson “بريطانيا” وستياجيت راى setyagait ray “الهند”، وفازت مصر فى هذه المسابقة بجائزة أحسن ممثل لعماد حمدى عن دوره فى فيلم “المذنبون” لسعيد مرزوق, لم يكن هذا يتم إلا بدعم حكومى ورسمى للمهرجان، فقد أعلن أن يوسف السباعى “وزير الثقافة آنذاك”، رئيساً فخرياً للجمعية، وسط مشاكل مرتبطة بسوء دور العرض التى استقبلت مئات الآلاف من المشاهدين، وقد لعبت المؤسسات السياحية دوراً بارزاً فى دعم المهرجان، خاصة الفنادق، وشركات السياحة، وشركة الطيران القومية.

كانت دور العرض فرصة لعرض أفلام من ثقافات متعددة على جمع كبير من المشاهدين، خاصة الذين يكادوا ألا يعرفوا أن كافة دول العالم تنتج أفلاماً، وليست هوليوود، أو أوروبا فقط، فقد شاهدوا أفلاماً قادمة من البرازيل، وتونس، والجزائر، وهى دول ليست لها مراكز ثقافية بالقاهرة.

ومنذ العام الأول للمهرجان لعبت شركات التوزيع الأمريكية فى القاهرة، دوراً فى عرض أكبر عدد من الأفلام الجديدة التى تنتظر العرض التجارى، وهى مترجمة إلى اللغة العربية، حيث أن الجمهور العادى الذى ملأ القاعات لا يجيد اللغتين الأساسيتين اللتين تترجم إليهما الأفلام وهى الفرنسية والإنجليزية، ومن الأفلام الأمريكية التى عرضت فى المهرجان، خارج المسابقة “سواق التاكسى” لمارتن سكورسيزى.

كان المهرجان بمثابة فرصة للاحتكاك المباشر بصناع السينما فى العالم، حيث جاء الكثيرون منهم إلى القاهرة، يحاورهم النقاد والصحفيون، ويتواجدون فى المؤتمرات الصحفية، ويحضرون الحفلات، ويشاهدون الأفلام، والحفل الختامى الغنائى الذى حرصت الجمعية على اقامته لدورات عديدة.

عمر الشريف ، أيقونة المهرجان السنوية

وبالروح نفسها أقامت الجمعية الدورة الثانية من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى الفترة من 26 سبتمبر وحتى 5 أكتوبر عام 1977، برئاسة كمال الملاخ، وشارك فى الفعاليات سبعون فيلماً جاءت من خمس وعشرين دولة، من بينها 25 فيلماً داخل المسابقة الرسمية، وجاءت أهمية توقيت المهرجان أن هناك فرصة لاستجلاب الأعمال الفائزة والمرموقة فى المهرجانات الأخرى التى أقيمت خلال العام، مثل برلين، وكان، وفينسيا، وغيرها، وتشكلت لجنة التحكيم من النجم البريطانى تريفور هيوارد، وارسولا اندرس،   ومايكل يورك، وايرين باباس، وبيتراستينوف، والمخرج كاكوييانيس وجميعهم يعرفه المشاهد العادى فى مصر، واهتم المهرجان بدعوة نجوم من العالم، وهو أمر مهم تقاس من خلاله درجة نجاح المهرجانات، وجاءت أفلام من آسيا، والبانيا والاتحاد السوفيتى، وشاهد المصريون نجمهم محمود مرسى يقوم ببطولة فيلم تونسى هولندى هو “شمس الضباع”، وملأت الغبطة عشاق الأفلام فى مصر، واستطاعوا رؤية كل ما هو ممنوع من الرقيب، وقد سمح به بشكل خاص فى المهرجان فقط، لذا ازدحمت القاعات بالمشاهدين لرؤية المحرم عليهم، وليعرفوا كيف يفكر الأوروبيون ويتصرفون اجتماعياً، لقد حدث تحول ملحوظ فى أفكار الناس، وهم يرون مشاهد جريئة، وعلاقات غير مألوفة، وفى هذا العام بدأ مصطلح مهرجانى فى الظهور، فيما بعد حول إن كان الفيلم قصة أم مناظر؟

كانت هناك أفلام صارت فيما بعد علامات بارزة، تركت آثارها على من شاهدها، مثل الفيلم البريطانى “الإنجليزية الرومانسية”، لجوزيف لوزى، وفيلم “المتبارزان” أول أفلام ريدلى سكوت، أما شركات التوزيع الأمريكية، فاختارت أن تعرض فى المهرجان عدداً من الأفلام منها “كارى” اخراج بريان دوبالما، و”الأعماق” وكلاهما مأخوذ من نص أدبى، كما قدم روبرت التمان فيلمه “ثلاث نساء”، وهو المخرج الذى لا يميل الجمهور المصرى لرؤية أجواء أفلامه ذات الإيقاع البطىء، أما مصر فقد عرض لها ثلاثة أفلام هى “أفواه وأرانب” لبركات، و”ثالثهم الشيطان” لكمال الشيخ، ثم “قطة على نار”، لسمير سيف.

دفع النجاح الذى حققته الدورة الأولى للمهرجان، أن تم عرض أفلام الدورة الثانية فى قاعات العرض التجارية بالاسكندرية، وحققت ايرادات هائلة، وسوف نرى أن هذا الأمر سوف يسبب حرجاً لإدارة المهرجان، لكنه حرج إيجابى، سيتولد عنه ميلاد أكثر من مهرجان فى مدن عديدة أخرى، مثل مهرجان الاسكندرية الأول عام 1979، ومهرجان الأقصر الدولى عام 1983، وكان الحلم هو اقامة مهرجان فى كل مدينة مثل السويس، وأسوان، والغردقة.

كان أبرز ما فى الدورات التالية، هو استقطاب أفلام جيدة، ونجوم مشاهير، ففى الدورة الثالثة عام 1978، جاء الكاتب البرتو مورافيا، وألقى محاضرة فى المركز الثقافى الإيطالى، وعرض الفيلم الإيرانى “رحلة الحجر” اخراج مسعود كيميالى، وجاءت أفلام من تشيكوسلوفاكيا، ويوغسلافيا، وسرى لانكا، وغيرها..

إلا أن الدورة الرابعة للمهرجانات أثارت المزيد من الجدل عام 1979، فقد عقدت فى العام نفسه الذى تم فيه توقيع اتفاقية كامب دافيد بين مصر وإسرائيل، حيث بدا كأن المهرجان يستضيف أكثر من وجه كان ممنوعاً بسبب مساندته لإسرائيل، ومنهم اليزابيث تايلور، كيرك دوجلاس، والمطرب الفرنسى انريكو ماسياس، وهنا تم النظر إلى المهرجان منظوراً سياسياً، كأنه يشجع التطبيع بين مصر وأنصار إسرائيل.

ومن أبرز علامات هذه الدورة عرض فيلم “الطبلة” لشولندورف، الذى فاز فى نفس السنة بالسعفة الذهبية، فى مهرجان كان ، وبدأت محاولات لضرب المهرجان، وقامت الرقابة بقص مشاهد من بعض الأفلام، مما اضطر بعض الدول إلى الانسحاب من المسابقة، ومنها سويسرا، صاحبة فيلم “صانعة الدانتيلا”، وأيضاً يوغسلافيا صاحبة فيلم “الاحتلال فى 26 صورة”، وأرسلت الدول احتجاجاً على ما أصاب اثنى عشر فيلماً من أضرار فنية لقص بعض أجزائها من قبل الرقابة، ومن هنا بدأ المهرجان فى دوراته يخصص عروضاً كاملة من أفلام بعينها للصحفيين والنقاد، ويمنع عرضها فى دور السينما التى يرتادها الجمهور، وبسبب هذه الاحتجاجات وأيضاً بسبب عدم التنظيم فى حفل استقبال اليزابيث تايلور، فإن وزارة الثقافة قررت ايقاف المهرجان عام 1980 وحدث ذلك فى مهرجان الاسكندرية، وفى عام 1981، وبسبب اغتيال الرئيس السادات أقيمت الدورة الخامسة للمهرجان فى اطار ضيق أقرب إلى الحداد، ولم تكن هناك مسابقة رسمية، وقد أعلن وزير الثقافة الجديدة آنذاك محمد عبدالحميد رضوان عن عزمه لاقامة المهرجان، وهو المسئول الذى سيطيح، فيما بعد برئاسة الملاخ للمهرجان، كما سنرى، ورغم ذلك، فإن دور العرض شهدت مجموعة من الأفلام الجيدة منها “الأشقاء الثلاثة” لفرانشيسكو روزى، و”رباعى” ليجمس ايفورى، و”الموت على الهواء” لبرتران تافرنييه، وقد أقيمت الدورة بلا مسابقة، رغم وجود المزيد من الأفلام المهمة، ومنها بانوراما لأفلام جون هيوستن، وبانوراما السينما الهندية.

الهرم الذهبي

وعاماً وراء آخر بدأ موعد اقامة المهرجان فى التحرك نحو نهاية العام، خاصة فى الأسبوع الأخير من نوفمبر، ولمدة عشرة أيام، وهو الموعد الثابت الذى تقام فيه الدورات حتى الآن، ابتداء من المهرجان السادس عام 1982 الذى حضره من النجوم عمر الشريف، ودومنيك ساندا، والمخرج الايطالى ماورو بولونينى الذى عرض له تسعة أفلام، ومثلما شاركت فرنسا فى مهرجان الاسكندرية بقوة، فإنها شاركت فى مهرجان القاهرة بستة أفلام مهمة منها “عودة مارتن جير” اخراج دانييل فينى، الذى اقتبسه المصريون فيما بعد فى فيلم “الأب الثائر” عام 1986، وجاءت أفلام لأول مرة من فنلندا، بالإضافة إلى الدول التى تشارك كل عام، وخاصة البلاد العربية، مثل تونس التى قدمت فيلم “ظل الأرض”، وقد أقيمت لأول مرة بانوراما السينما المصرية، على غرار ما يحدث فى مهرجان الاسكندرية، وعرض 28 فيلماً جديداً، عرض بعضها فى الاسكندرية مثل “سواق الأوتوبيس” لعاطف الطيب و”العذراء والشعر الأبيض” لحسين كمال.

ومن بين الأفلام التى شاركت فى هذه الدورة “حنا…ك” لكوستاجافراس حيث بدت أفلام بعينها وكأنها تصبغ المهرجان بالسياسة، مثل فيلم “الحرب الخامسة” عن أطفال فلسطين، اخراج فانيسا روجراف، وقد أثار فيلم “حنا….ك” الكثير من الجدل بين النقاد، وفى الكواليس كانت هناك خصومة حادة قد ولدت فى الاسكندرية عام 1984، بين وزير الثقافة، وبين رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما، حيث تم استبعاد كمال الملاخ، وصار المخرج كمال الشيخ رئيساً للمهرجان بالإضافة إلى أعضاء من الجمعية، وغرفة صناعة السينما، ومن هذه الدورة تسلطت الوزارة على المهرجان حتى الآن، فهى التى تمول وهى التى تعين اسم رئيس المهرجان وانتقل المهرجان فيما بعد إلى مقر اتحاد الفنانين العرب، تمهيداً لسيطرة سعد الدين وهبة عليه، ليصبح فيما بعد مهرجاناً ينفرد به، ويحوله إلى مشروعه الخاص، يعين فيه من يشاء، ويحاول تنمية موارده، من خلال عرض أكبر قدر من الأفلام التى لا تمسها أيدى الرقباء، وقام وهبة بتعيين طاقم من النقاد لادارة الدورة التاسعة، ثم ما لبث أن تخلص منهم ليأتى برجاله فى الدورة العاشرة ومنهم سهير عبدالقادر التى ظلت فى ادارة المهرجان حتى عام 2012، وأقيم المهرجان تحت مظلة الاتحاد العام للنقابات الفنية الذى يرأسه سعد الدين وهبة، وكان مقر الاتحاد هو مركز ادارة المهرجان، وقد سعى وهبة إلى إعادة الاعتراف الدولى بالمهرجان من الاتحاد الدولى للمنتجين Fiape فى عام 1986، فصار من العام التالى مهرجاناً معترفاً به دولياً، وحمل اسم اتحاد النقابات الفنية بعيدا عن وزارة الثقافة، وصار للمهرجان شبكة مراسلين فى أهم عواصم العالم السينمائية، وصارت للمهرجان أقسام فنية واحتفالية تتجدد من عام لآخر، وتحسنت مطبوعات المهرجان بشكل ملحوظ من كتالوج، ونشرات تتابع أحداث المهرجان ووقائعه، ومن بين أقسام المهرجان مجموعة أفلام للأطفال، دفعت رئيس المهرجان الى اقامة أول مهرجان لسينما الأطفال عام 1991، وهو المهرجان الذى أضاف واحداً من المهرجانات العالمية إلى النشاط السينمائى الدولى فى مصر، وكان صناع المهرجان فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضى يفخرون بالعدد الكبير من الأفلام المشاركة، كان جزء كبير منها بمثابة أفلام لتكريم أعلام السينما العالمية والعربية والمصرية، وتم تكوين لجنة عليا للمهرجان من أبرز الفنانين والصحفيين كانت بمثابة أداة فى يدى رئيس المهرجان الذى كانت له سطوته، وقد اعتمد المهرجان دوماً على استجلاب النجوم المشاهير فى عالم التمثيل والاخراج، ورؤساء المهرجانات الأخرى، وفى عام 1989، تم تكريم الكاتب نجيب محفوظ “نوبل 1988″، وتم القاء الضوء على السينما السورية، وفى هذا العام تم الغاء بانوراما السينما المصرية لأول مرة، وفى الأعوام التالية، كان على المهرجان أن يستمر رغم حرب العراق الكويت، وأقيمت فى عام 1989 ندوة حول تأثير البروستريكا على السينما فى أوروبا الشرقية، وتم تكريم أسماء عديدة من أبرزها عمر الشريف، وأيضاً السينما الهندية وبدأت المشاركات تزداد فى فعاليات المهرجان عاماً وراء آخر، سواء من حيث عدد الدول، أو عدد الأفلام.

وعاشت القاهرة أزهى عصورها كصانعة مهرجانات سينمائية فى التسعينيات، تحت ادارة سعد الدين وهبة الذى انفرد بالمهرجان كسلطة عليا، يعمل الآخرون معه، حيث سعى للتصالح مع الجميع خاصة بعد أزمته فى النقابات الفنية ضد الفنانين، وسعى رئيس المهرجان من خلال علاقاته مع الصحافة الفنية أن يكسب ارضا جديدة، ففى عام 1992، تم تكريم ليلى مراد، وماجدة، ويحيى حقى، وأيضاً كريستوفر لى، وبدت الدورات متشابهة، يعلوها النجاح إلى أن وافت المنية سعد وهبة عام 1997، الذى احتفى بمئوية السينما العالمية عام 1996 كأفضل ما يكون الاحتفال بمناسبة الدورة العشرين للمهرجان، وايضا مع مناسبة اختيار القاهرة كعاصمة ثقافية للعالم العربى.

كان رحيل سعد وهبة بمثابة اشارة لعودة وزارة الثقافة للسيطرة على المهرجان، وبدأ اسمها يقترن بصناعة المهرجان ونشاطه، فالوزارة هى التى تدفع وتمول، بالإضافة إلى جهات أخرى، وتم اختيار الممثل حسين فهمى لادارة المهرجان، وهو وجه مقبول، مثقف، استعان بنفس الطاقم الذى أسسه وهبة خاصة سهير عبدالقادر، التى ظلت تعمل بالمهرجان حتى عام 2012، وبدلا من اتحاد الفنانين العرب، أو “سعد وهبة يدعوكم”، اقترن المهرجان باسم وزارة الثقافة وتم تكوين هيكل جديد للمهرجان لم يختلف كثيراً عن الهيكل القديم، وأقيمت أول دورة لحسين فهمى عام 1998، ورغم ذلك فإن آلية المهرجان لم تتغير، من حيث النشاط، والاهتمام باستحضار الأفلام البارزة التى عرضت فى المهرجانات العالمية طوال السنة، مع اختيار أفلام جديدة لتشارك فى المسابقة الرسمية، والعروض، والندوات، والتكريمات، والتركيز على بانوراما السينما العربية، وعمل مسابقة نجيب محفوظ للأفلام الأولى لأصحابها، ففى عام 1998، تم تكريم جينا لولوبرجيدا، ومصطفى العقاد، وجون مالكوفتش، وكريستوفر لى، وفى عام 1999 كان المحور الأساسى هو الكوميديا، وتم تكريم أبرز صناع الفكاهة القدامى فى مصر والعالم ولم تكن أفلام الافتتاح تشكل عقبة فى اختيارها، ففى عام 1999 كان الفيلم الأمريكى حلل هذا، وقد كانت القاهرة تزخر بالفنانين، والعروض، والأضواء والبهجة فى أثناء أيام المهرجان وبدا حسين فهمى وجهاً مقبولاً حيث ترأس المهرجان لأربع دورات حتى عام 2001، وبدا كأنه فى حاجة إلى المزيد من التمويل، حيث كان البذخ واضحاً فى ميزانية المهرجان، فى الوقت الذى بدأ يتقلص الاقبال الشبابى والشعبى على الأفلام، باعتبار أن موضوع “قصة” أم “مناظر” قد فقد أهميته، فالمشاهد المخففة من العرى صارت شبحا بلا قيمة قياسا إلى ما امتلأت به مواقع النت الإباحية، ولم يعد يهم الشباب المحرومين الذهاب إلى السينما، أما هواة الأفلام والسينما، فلم يكن عددهم كبيراً، لدرجة أنه مع مرور السنوات صار كل من يمتلك بطاقة المهرجان فى امكانه مشاهدة العروض، التى انحصرت من دور العرض المتهالكة، إلى دار الأوبرا المصرية، وقاعات سينما جديدة محدودة، وفى عام 2002، تولى رئاسة المهرجان شريف الشوباشى، الصحفى بجريدة الأهرام الذى راح يدير كافة المؤسسات الثقافية بتمويلها، ومنها المهرجانات المحلية، والدولية، باشراف من وزير الثقافة الذى يمنح، ويمول، ويهب، ويقوم بحضور الافتتاح، ويشارك فى حفلات توزيع الجوائز، كان الوزير هو الأبرز مثلما كان سعد الدين وهبة، واختفت أسماء عديدة إلا اسم الوزير بالإضافة إلى اسم رئيس المهرجان، ففى بعض الدورات تم اختيار اسم عمر الشريف كرئيس شرف، بسبب شهرته، وعلاقاته الدولية، وفى عام 2006، تولى الممثل عز أبو عوف رئاسة المهرجان، وذلك حتى دورة عام 2012.

صور تذكارية

فى السنوات الأخيرة، كانت هناك ثلاث مسابقات هى: المسابقة الرسمية الدولية ومسابقة الافلام العربية، ومسابقة أفلام الديجيتال، وتقلص اسم نجيب محفوظ من الجائزة الدولية، أما أهم الجوائز التى تمنح من قبل لجان التحكيم، فهى أفضل فيلم “الهرم الذهبى”، جائزة لجنة التحكيم “الهرم الفضى”، جائزة أفضل ممثلة – أفضل ممثل – أفضل مخرج – أفضل سيناريو – أفضل عمل أول، جائزة أفضل ابداع فنى، جائزة أفضل فيلم عربى، وهى تمنح من وزارة الثقافة بما يعادل 16 ألف دولار أمريكى.

  • ثانياً: مهرجان الاسكندرية لسينما البحر المتوسط

اعترض الاتحاد العالمى للمهرجانات على عرض أفلام مهرجان القاهرة خارج العاصمة، باعتبار أنه ابتداء من الدورة الثانية للمهرجان عام 1977، تم عرض أفلام المهرجان فى صالات العرض بمدينة الاسكندرية وقد شهدت هذه العروض اقبالا جماهيرياً ضخما، ارتبط برفع اسعار التذاكر، وقد حدثت تجاوزات ملحوظة من الجمعية، حيث لوحظ أن الأفلام التى تتضمن مشاهد عرى يتكرر عرضها فى دور السينما التجارية ومنها فيلم “البداية” الهولندى.

بدا المهرجان عملاً تجارياً بحتاً، يجلب الكثير من الايرادات، بالنسبة لصناعه، كما أنه بالنسبة للمشاهدين من كل الأعمار، فهو بمثابة خروج عن المألوف، ومشاهد الأفلام كاملة دون أن يمسها مقص الرقيب، وقد أحدث ذلك دوياً فى الشارع المصرى، ليس فى القاهرة والاسكندرية فقط، حيث شاهدنا الكثير من الشباب يأتون من الأقاليم، وقد جلبوا معهم مبالغ من المال وفروها طوال العام، من أجل صرفها فى مشاهدة الأفلام، فهى فرصة نادرة لرؤية كل ما كان ممنوعاً، وصار مباحاً فقط فى أيام المهرجان.. وعليه، فإن الجمعية فكرت فى اقامة مهرجان منفصل بالاسكندرية، بالتعاون مع محافظة الاسكندرية، وتشارك وزارة الثقافة أيضاً فى تمويله.

وهكذا جاءت فعاليات أول مهرجان تمت اقامته فى فندق سان ستيفانو القديم، ومن اللحظة الأولى بدا كم يختلف المهرجان الذى يقام فى الثغر، عن المهرجان الأم، فى القاهرة، فهو يقام فى مدينة أخرى، ولابد من اشراك بعض أبناء المدينة من هواة السينما خاصة مجموعة الفن السابع، التى تأسست عام 1977، وقد اشترك بعضهم فى أنشطة المهرجان وخاصة فى تحرير المطبوعات، وقامت هيئة تنشيط السياحة بدور بارز فى أنشطة المهرجان، من حيث تدبير قاعات العروض، وحفلات الافتتاح.. والختام، وبدا المهرجان مختلفاً منذ الدورة الأولى، فلاشك أنه يحتاج تكاليف أكبر، من حيث أن فريق المهرجان بأكمله لابد له من الاقامة فى الفنادق الفخمة، وقد حدث ذلك فى السنوات الأولى فى فنادق الحرم، حتى تمت فعالياته فى فندق شيراتون حيث كانت ترى هذه الفنادق أن نزول كبار النجوم وطاقم المهرجان أفضل دعاية لها، فكانت تقدم للجمعية تخفيضات ملحوظة، وكم امتلأت قاعات الفنادق بوسائل الإعلام خاصة القنوات التليفزيونية المحلية.

ليلى علوي مكرمة في إحدى دورات مهرجان الاسكندرية لسينما البحر المتوسط

الاقامة الكاملة للضيوف، لعبت عبئاً على المهرجان منذ دورته الأولى، وحتى الآن، وبسبب العديد من التجاوزات والأخطاء، تم النظر دوماً إلى المهرجان على أنه نشاط فنى ملىء بالأخطاء، فالكثيرون يريدون المزيد من الاهتمام، وكوبونات الطعام، واقامة مريحة، وقد لوحظ دوماً أن أغلبهم لا يشاهدون عروض الأفلام الأجنبية، بينما تمتلىء القاعة بالمشاهدين للأفلام المصرية، باعتبار أن تعرض قبل العرض التجارى، كما أن الفنانين المشاركين فى هذه الأفلام كانوا حريصين دوماً على المشاركة فى العروض، والندوات التى تعقد حول الفيلم.

انتقلت عدوى المصطلح الشهير “قصة” والا “مناظر”، من المشاهدين فى القاهرة إلى الاسكندرية، فلم تكن المهرجانات ظاهرة فنية بالمرة، بل هى فرصة اجتماعية للجماهير أن تشاهد الممنوع مباحاً فى الصالات، وظهر نوع جديد من المشاهدين، يرون الفيلم لأول مرة، فإذا كانت به مشاهد عرى، فإن العروض التالية للفيلم نفسه تزدحم بالمشاهدين الذين يخرجون من القاعرة عندما تنتهى عروض هذه الافلام.

جاءت هذه المهرجانات فى القاهرة والاسكندرية لفترج كبتاً استبد بالشباب فى المقام الأول، الذين كانوا يملأون القاعات صخباً، حتى غذا حان عرض المشهد الجرىء، فإن الصمت يسود فى القاعة ولا تكاد تسمع حتى لهاث المتفرجين، حتى إذا انتهى المشهدد، تفجرت الحناجر بالتنهيدات وينتظر الجميع المشهد الجرىء التالى.

هكذا جاءت الدورة الأولى لمهرجان الاسكندرية السينمائى الدولى فى منتصف صيف عام 1979، بين 16 إلى 22 يوليو، وتم النظر إلى أنه مهرجان لافلام حوض البحر المتوسط، وقد عرض فى اطار بانوراما السينما الفرنسية ستة أفلام جديدة، منها La femme qui jleure، coup de etet، L’amour en fuite، وقد شاهد السكندريون أفلاما لفرانسوا تريفو، كما عرض بالمهرجان خمسة افلام من اخراج الايطالى فيتوريو دى سيكا وتم الالتزام بأن تكون أفلام المسابقة من انتاج دول تقع على حوض البحر المتوسط، وقد اشتركت فى المسابقة أفلام من أسبانيا، ويوغسلافيا، وتركيا، وفرنسا، واليونان وتولى الناقد الايطالى جيوفانى جران سيدنى رئاسة لجنة التحكيم التى ضمت أيضاً الناقد الفرنسى كلود ميشيل كلونى، والناقدة الايطالية شتاتا كاجودنيس، والكاتب الاسبانى بيجوين انجيل ديار، والمخرج اليونانى كوستاس فاريس، والمخرجين المصريين كمال الشيخ ويوسف فرنسيس.

وعلى هامش المسابقة الرسمية عرضت سبعة افلام مصرية، فيما يسمى بليالى السينما المصرية، منها فيلم “ضربة شمس”، لمحمد خان، و”لايزال التحقيق مستمراً”، لأشرف فهمى، و”البؤساء” لعاطف سالم، و”خائفة من شىء ما” ليحيى العلمى، أما طاقم ادارة المهرجان فقد تكون من كمال الملاخ رئيساً للمهرجان، ومحمد الدسوقى نائباً له، وأحمد الحضرى مديراً للمهرجان، وفوزى سليمان سكرتيراً عاماً للمهرجان، وحسن عبدالرسول مسئولاً عن المركز الصحفى.

بدا كل شىء مبهجاً، وجاداً، وعاش السينمائيون معاً سبعة أيام مليئة بالدفء، تجمعهم فى النهار المشاهدة، والنقاش، والندوات، وقراءة النشرات، وفى الليل، فإن حفلات السمر، والجدل تأخذهم حتى الصباح، انها أجواء لا تحدث بالمرة فى مهرجان القاهرة، وهذا فارق ملحوظ.

وعندما أعلنت الجوائز، كان هناك شعوراً عاماً بالارتياح، فقد فازت أفلام وفنون يمثلون الدول التى جاءوا منها، عاصمة الدولة المضيفة، ومنحت جوائز لأفلام قصيرة، وعندما غادر الجميع المدينة كانوا قد تواعدوا أو تمنوا أن يلتقوا فى الاسكندرية فى العام التالى..

لكنهم لم يلتقوا فى عام 1981، بل جاءت الدورة الثانية للمهرجان فى العشرين من سبتمبر عام 1982، ولمدة سبعة أيام، وجاء حفل الافتتاح بسينما مترو بفيلم “حدوتة مصرية”، ليوسف شاهين، وحسب كتالوج المهرجان، فإن الجهات والشخصيات التى دعمت المهرجان مالياً، وبالجوائز كانت كثيرة العدد، وللمرة الثانية على التوالى شاركت فرنسا بمجموعة جديدة من أفلامها فى اطار البانوراما، وعلى هامش المهرجان اقيمت بانوراما للأفلام المصرية الجديدة، كانت بالنسبة للجمهور بمثابة عضد المشاهدة، ومن هذه الأفلام “الطاووس”، لكمال الشيخ، و”العذراء والشعر الأبيض”، لحسين كمال، و”أرزاق يا دنيا” لنادر جلال، أما الأفلام الفرنسية فمنها I comme I care اخراج henri eroneinel، و revanche اخراج piere hary، eaux jrofondes اخراج ميشيل دوفيل Michel deville، وعرضت ايضا مجموعات من الأفلام التركية، واليوغسلافية والمغربية والاسبانية.

وهكذا سارت الأمور فى الأعوام التالية، حيث بدا كمال الملاخ، رئيس المهرجان شخصاً متزناً، يحترمه الجميع، حتى خصومه، وهذا مفتاح انهيار الأمور عندما سيشتد الخلاف بين الرجل وبين وزير الثقافة آنذاك محمد عبدالحميد رضوان، حيث اقيمت الدورة الثالثة فى الخامس من سبتمبر 1983، وحتى الحادى عشر منه، إلى جانب نشاط المهرجان، عرض فى بانوراما السينما المصرية ستة عشر فيلماً جلبت المزيد من المال للجمعية، وأيضاً الأضواء، وصارت هذه البانوراما هى القبلة التى اهتم بها نقاد السينما فى الدورة الرابعة، حيث عرض تسعة عشر فيلماً، حصل أغلب العاملين بها على جوائز الجمعية، وشهادات تقدير، أما دول البحر الأبيض فقد شاركت بافلامها، وكانت هناك أفلام متميزة لمخرجين من طراز برتران تافرنيه، وفرانسيس فيبير، وشاركت لبنان لأول مرة فى المهرجان.

فى كواليس المهرجان، حدثت خلافات حادة بين وزير الثقافقة، وبين رئيس الجمعية، هدمت المعبد على من بداخله، حيث تم ابعاد الملاخ عن الصفحة الأخيرة بجريدة الأهرام، وهى الصفحة التى تعطى لمحررها قوة إعلامية، تجعله يؤثر على مؤسسات رسمية عديدة، وقد أدى هذا الخلاف إلى سحب مهرجان القاهرة من الجمعية، واسناده إلى سعد الدين وهبة، وتوقف مهرجان الاسكندرية عن نشاطه، وتخبطت الجمعية فى أنشطتها، وتولى فوميل لبيب رئاسة الجمعية، إلا أن الموت ما لبث أن طارده، كى يتولى أحمد الحضرى ادارة المهرجان عام 1988، ويأتى فى ملصقاته أنه تحت رعاية وزير الثقافة، الجديد آنذاك فاروق حسنى، وللمرة الأولى يخرج المهرجان عن كونه لسينما البحر المتوسط، وعرض فى الافتتاح الفيلم البريطانى cri of freedom وفى عام 1989، كان الفيلم المصرى “الأراجوز” هو فيلم الافتتاح، كما عرض الفيلم التونسى le memoire tatouee اخراج رضا الباهى، كما عرضت أفلام فرنسية جيدة منها “رجل عاشق” لديانى كيريس، حول حياة الروائى الايطالى بافيزى، وكانت الافلام اليونانية أقرب إلى ذوق أهل الاسكندرية، وقد اعتبرت السينما المصرية، ركيزة أساسية فى دورتى عام 1988، و 1989 مما يعنى أننا أمام مهرجان محلى، تتخلله عروض عالمية.

برحيل كمال الملاخ، دخلت جمعية كتاب ونقاد السينما مرحلة من الضعف الملحوظ، وبدأ رجال أقل شكيمة فى قيادة الجمعية، فرئيس الجمعية الجديد كان عليه أن يستعين بمذيعة تليفزيونية من أجل تدبير لقاء مع محافظ الاسكندرية، وصار عليه أن يقلص العاملين فى المهرجان، وكان تقريباً يقوم بإعداد المهرجان وحده طوال أكثر من عشر سنوات، وأضيفت جوائز جديدة، مثل جائزة العمل الأول باسم كمال الملاخ بالإضافة إلى الجوائز الإعلامية التى تمنحها وزارة الإعلام للأفلام المصرية بجائزة المهرجان، وارتكز الاهتمام على بانوراما السينما المصرية عام 1989، حيث عرض أحد عشر فيلماً، وبدأ موسم التكريمات لأول مرة فى المهرجان، وتم تكريم المخرج صلاح أبو سيف بمناسبة حصوله على جائزة الدولة التقديرية، وأيضاً كمال الشناوى، ومن بعده صارت التكريمات تقليداً تتبعه أغلب مهرجانات مصر المحلية والعالمية، وعام وراء آخر كانت دول البحر المتوسط تشارك فى فعاليات المهرجان، ففى عام 1989، شاركت الجزائر بفيلمين هما “ورد الرمال”، اخراج رشيد بن حاج، و”القلعة” لمحمد شويخ، بما يعنى أن الدول العربية كانت تغيب أحياناً، لتظهر دولة أخرى، أما فرنسا وايطاليا واليونان وتركيا فقد كانت دائمة المشاركة فى المهرجان.

وفى عام 1991، تخلى المهرجان من جديد أن يكون للبحر المتوسط فقط، حيث شاركت فى العروض أفلام جاءت من بريطانيا والنمسا، والولايات المتحدة، وفى عام 1992، تم افتتاح الدورة الثامنة للمهرجان بفيلم “ايما الحلوة وبيب العزيزة” للمجرى ستيفان زابو وأطلق على المهرجان اسم “مهرجان الاسكندرية السينمائى الدولى الثامن”، وظل التركيز على بانوراما الأفلام المصرية وعلى جوائزها، وعلى الحضور المكثف لنجوم هذه السينما من القاهرة، ورغم عدد الأفلام الذى جاء من الأرجنتين، والصين، وألمانيا، والهند، وبولندا، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى دول من البحر المتوسط، حيث بدت الجمعية، كأن عليها أن تسير فى ركاب مهرجان القاهرة الذى كان يحقق نجاحاً ومكانة بفضل العقلية الادارية اللامعة لسعد الدين وهبة، ومع عام 1993، بدأت الاستعانة بأسماء بارزة من نجوم الأدب، حيث ترأس الدكتور عبدالقادر القط رئاسة لجنة التحكيم الخاصة بالافلام المصرية، أما المسابقة الدولية فقد تولى رئاستها مخرج مصرى هو صلاح أبو سيف، وتم تكريم نادية لطفى، وماجدة، ويوسف شاهين، وانطونيوتى، والمصور يوهان.

لم تتغير الآلية كثيراً، طوال السنوات، هناك محاولة لتجميع الأفلام واستحضارها من المهرجانات أياً كانت هويتها، وفى كواليس المهرجان كان هناك خلاف ادارى بين النقاد والمهرجان حول الاقامة المجانية من قبل الصحفيين، والنقاد، ولم يكن هناك تجديد فى الرؤية، فهو مهرجان محدود الرؤية، ينظر إليه محاضرومن على أنه مصيف فى أحد فنادق الاسكندرية مع نهاية كل صيف، وفى عام 1996، شاركت دول عديدة فى المسابقة الرسمية، كلها من دول البحر المتوسط، أما مسابقة العمل الأول فقد شاركت فيها آلاف من استونيا، وهولندا بالاضافة إلى أذربيجان، واليابان.

فى عام 1998، تولى الناقد السينمائى رؤوف توفيق ادارة المهرجان، وتغيرت الآلية، وكانت دورة هادئة وتم الاحتفاء بالشاعر الاسبانى جارسيا لوركا بمناسبة مرور ميلاده، وفى عام 1999 تم تكريم محمود ياسين، ونيللى والمخرج سعيد مرزوق، وتولى رئاسة المهرجان محمد صالح الذى استطاع أن يدبر اعتمادات مالية جيدة، وأصدر المهرجان مطبوعات متميزة على الأقل فى الطباعة، وفى كل عام كان هناك رئيس جديد للمهرجان، ومنهم محمد كامل القليوبى وعندما تولى السيناريست ممدوح الليثى رئاسة الجمعية، كان يقوم أحياناً برئاسة المهرجان، وفى أحيان أخرى يترك آخرين يقودون المسيرة، ومنهم ايريس نظمى، وتم الاحتفال بمناسبة مرور ربع قرن على المهرجان عام 2009، وتباينت الدورات فى أهميتها، الا انها عادت للاهتمام بسينما البحر المتوسط ابتداء من عام 2008.

  • ثالثاً: مهرجانات دولية

فتح نجاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى تحت رئاسة سعد الدين وهبة الباب له، ولوزارة الثقافة أن يتم ضخ المزيد من المهرجانات فى مصر، سواء على المستوى الدولى أو على المستوى المحلى، فاقامة مهرجان جديد أيا كان اسمه أو مكانه، يعنى تدبير ميزانية من المؤسسات العديدة وعلى رأسها وزارة الثقافة لعمل نشاط سينمائى فى اطار المهرجان.

ومن هذه المهرجانات: مهرجان سينما الأطفال الدولى، ومهرجان الاسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة، وهو بمثابة امتداد أو نشاط مجدد، لاحتفاليات سنوية خاصة بالأفلام التسجيلية كان يقيمها المركز القومى للسينما، كما أقيم أيضاً مهرجان محلى باسم المهرجان القومى للسينما المصرية، على غرار ما قدمن دوما طوال خمسين عاما جمعية الفيلم، وبدت وزارة الثقافة كأنها تحولت فجأة إلى نشاط مهرجانى، حيث توافق الأمر مع هوى المسئولين على التواجد الإعلامى، والحصول على مكافآت عن هذه الأنشطة، لذا فإن رجال الوزير هم الذين تولوا دوماً رئاسة هذه المهرجانات، هذا الوزير الذى ظل فى منصبه قرابة ربع قرن منذ عام 1987، وحتى ثورة يناير 2011، وهو أمر لم يحدث قط سوى فى الدول المركزية مثل سوريا.

واذا كان سعد وهبة هو الذى أسس المهرجان الدولى لسينما الأطفال، وتولى رئاسته وامتلاكه ست سنوات تقريبا، فإن رئاسة المهرجان فيما بعد قد أسندت إلى فوزى فهمى أحد رجال الوزير الذى تولى رئاسته قرابة خمسة عشر عاما، وهو واحد من أصحاب المناصب الثقافية المتعددة فى مصر لأكثر من عقد من الزمن.

اقيم مهرجان سينما الطفل لأول مرة عام 1991، بالطاقم نفسه الذى كان يدير مهرجان القاهرة، ومن مقر اتحاد الفنانين العرب، وباسم سعد وهبة، وكان أفراد الطاقم يشرعون فى الإعداد لدورة مهرجان الأطفال عقب انتهاء مهرجان القاهرة مباشرة، وقد أقيم المهرجان دوماً فى بداية شهر مارس، أى فى بداية الفيلم الدراسى الثانى، والغريب هو اقامة مهرجان لسينما الأطفال فى بلد لم يعرف انتاج هذا النوع من الأفلام، وكان السؤال الذى يطرح نفسه دوماً هو لماذا تقيم مصر مهرجاناً لسينما الأطفال، دون أن تنتج فيلماً واحداً ولو من أجل المهرجان، ولم يكن هذا الأمر يعنى المسئولين عن المهرجان، فالمهم هو اقامة النشاط وكأن ما يحدث بمثابة “سبوبة” لصناع المهرجان، ففى كتالوج المهرجان كانت تنشر صور لأنشطة الدورة الأسبق، تبرز الوزير، ورئيس المهرجان، كأنهم النشاط.

أقيم مهرجان القاهرة لسينما الطفل، كأنه صورة مصغرة مما يسمى بالمهرجان الكبير، مسابقات رسميتان، الأولى فى الأفلام الروائية، سواء الأفلام الكارتون أو اللايف، والمسابقة الثانية للأفلام القصيرة، والتى كانت مصر تشترك فيها بقوة، من خلال افلام يتم انتاجها فى القنوات التليفزيونية الرسمية، أو لدى بعض الشركات، وهناك لجنتان تحكيم أعضاؤها من مصر، ودول العالم، وفى كل دورة هناك مكرمون، يعملون فى مجال ثقافة الطفل، وليس فى مجال سينما الأطفال بمصر وهناك كتالوج بلغ أقصى حد من الفخامة فى عام 2010، وكان الافتتاح والخيام يتم فى دار الأوبرا التابعة لوزارة الثقافة، أما العروض فتقام فى المسرح الصغير التابع لدار الأوبرا، كما تم دوماً تشكيل لجنة تحكيم دولية من الأطفال، ومن أبرز أقسام المهرجان “اضواء على”، و”بانوراما”، وقد تعرض المهرجان لهزة حقيقية عقب يناير 2011، فتم الغاؤه فى السنة نفسها، وفى العام التالى تولى ادارته من ليست لديهم خبرة فى هذا المجال، فقيل ان الاطفال لم يذهبوا إلى مهرجانهم، مما أدى إلى الغاء دورة عام 2013.

أما مهرجان الاسماعيلية الدولى للافلام التسجيلية والقصيرة، فقد اقيم بمدينة الاسماعيلية لأول مرة عام 1992، بالاتفاق بين محافظة الاسماعيلية، وصندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة، وهو مهرجان اقامه على غرار مهرجان الاسكندرية، أى أنه يتم انتقال كافة الطاقم الادارى، والضيوف للاقامة لمدة أسبوع فى الاسماعيلية، يقيمون فى المكان نفسه، فى البداية كانت الاقامة فى فنادق ضخمة ثم صار كل الضيوف يقيمون فى بيت الشباب، وقد تولى رئاسة المهرجان فى الدورات الخمس الأولى سمير غريب رئيس صندوق التنمية الثقافية، ثم تولى على أبو شادى رئاسة المهرجان لأكثر من خمسة عشر عاما، بالاضافة إلى رئاسته لمهرجان الأفلام الروائية، ومناصب أخرى عديدة فى الوزارة، وقد اتبع المهرجان نفس السياسى التى سارت عليها المهرجانات الأخرى، سواء الدولية، أو المحلية فهناك مطبوعات فخمة سنوياً، خاصة الكتالوج، وقد أعلن المهرجان فى مطبوعاته أن هدفه هو تشجيع المبدعين من العاملين فى حقل الافلام التسجيلية، والقصيرة، لذا تم تكريم العديد من صناع السينما التسجيلية على مدى عشرين عاما، منهم العراقى قيس الزبيدى، والمصرى فؤاد التهامى وآخرين، ومثل كل مهرجان، فإن هناك مسابقة رسمية، ولجان تحكيم، وجوائز، وقد احتشدت دورات المهرجان بالكثير من الأفلام التسجيلية، وافلام التحريك العالمية والمصرية والعربية الطولية والقصيرة، وقد توقف المهرجان بعد عام 1995، وحتى عام 2001 حيث تولى ادارته أمير العمرى، ثم أسند المهرجان إلى على أبو شادى، وفى عام 2012، تولى العمرى إدارة المهرجان، وفى عام 2013 تولى الادارة كاتب السيناريو على حفظى، وقد تغير موعد اقامة المهرجان اكثر من مرة، من شهر سبتمبر أى بعد نهاية فصل الصيف، إلى شهر يونيه، وقد خصصت جوائز مالية تدفعها وزارة الثقافة تصل إلى ثلاثين ألف دولار.

امتلأت مدن مصر بالمهرجانات، وبدا أن المستفيد الأكبر هم المشرفون على هذه الأنشطة، نفس الوجوه، يتم تبادلهم فى الأنشطة والتكريمات، ولجان التحكيم، وبدت السينما المصرية كأنها تخص فصيل دون غيرهم، بدا هو بكل وضوح فى المهرجان القومى للسينما المصرية، الذى أقيم لأول مرة عام 1994، برئاسة سمير غريب، مدير صندوق التنمية الثقافية، ثم تولى ادارته الناقد على أبو شادى لأكثر من خمسة عشر عاماً، وقد جاء المهرجان ليحاكى أنشطة جمعية الفيلم، فى مسابقاتها السنوية، لكن بفخامة، وميزانيات ضخمة، ومطبوعات، وجوائز مالية، لم تكن تمنح لأى مهرجان قبل، وقد جاء فى لائحة المهرجان أن من أهدافه دفع عملية تنمية وتطوير السينما المصرية كجزء من عملية التنمية الثقافية عن طريق تدعيم الانتاج الجيد، إلا أن رئيس المهرجان فى العام العاشر اعترف أن السينما المصرية شهدت تراجعا ملحوظا فى انتاج الافلام الروائية، ورغم ذلك تم الاستمرار فى عقده، رغم ان الوزير لم يكن راضيا عنه فى دورته الأخيرة عام 2010، وتوقف المهرجان بعد يناير 2011 ولم تكن هناك آلية حقيقية لاختيار أفلام المسابقة، مثلما كان يحدث فى مسابقة جمعية الفيلم حيث أنه يتم اختيار المسابقة عن طريق استمارة يحررها النقاد، واعضاء الجمعية، اما فى المهرجان القومى، فكانت أغلب الأفلام المنتجة فى العام الأسبق تشارك فى المسابقة أيا كانت قيمتها، علما أن السينما المصرية شهدت انهياراً ملحوظاً فى تلك السنوات، وتم انتاج أفلام كوميدية تافهة، كانت تجد طريقها إلى المسابقة، والغريب أن المهرجان اختار أدباء ونقاد أدب ليست لهم أى علاقة بالسينما، لرئاسة لجان التحكيم، منهم عبدالقادر القط، ومحمود أمين العالم وبهاء طاهر، وأحمد عبدالمعطى حجازى، والسيد ياسين، ولا نعرف هل قام الأدباء باسناد رئاسة مؤتمراتهم الكثيرة إلى أى من السينمائيين علىك ل فهذه الظاهرة ما لبثت أن تقلصت، وتم التمرد عليها، وهى تعكس بأى كيفية يفكر المسئولون عن المهرجانات السينمائية، بصرف النظر عن الجوائز فبأى حق يشارك فى المهرجان أفلام من طراز “فتاة المافيا” لشريف يحيى، أو “امبراطورية الشر” لاسماعيل جمال عام 1999، و”فل الفل” لمدحت السباعى عام 20000، والأمثلة كثيرة، كما أن هناك أفلاماً تليفزيونية تم ادراجها ضمن المهرجان، منها “حبيبتى من تكون” عام 2001.

فى عام 2012، عقدت الدورة الأولى من مهرجان الاقصر للسينما الاغريقية، من خلال مجهودات خاصة ووسط ظروف قاسية ثم عقدت الدورة الثانية من المهرجان عام 2013.

 

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات