شكرا عبلة الرويني ،ديون قديمة لن أردها لك أبدا

07:38 صباحًا الإثنين 18 مارس 2013
سيد محمود

سيد محمود

شاعر وكاتب وصحفي، يعمل في مؤسسة الأهرام، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

عبلة الرويني

كان يوما عاديا من أيام الدراسة الجامعية المفتوحة على العالم ، كنا  في أوائل التسعينيات شلة محظوظة   بالمواهب التي تحلم بوعد الكتابة   ، كنا نطحن أنفسنا  في عراك مع أفكار كبيرة لها كل الوهج ، في ذلك اليوم الذي يبدو بعيدا الان جاءنا الى  كلية الاداب   شاعر زميل من دار العلوم يدعونا لحضور احتفال بذكرى الشاعر أمل دنقل  وأغرانا بحضور أرملته عبلة الرويني ، ذهبنا  ولم يكن في عقلنا سوى أمل وحيد هو أن نلتقي بالكاتبة التي اختصها صاحب ” لا تصالح ” بحب كنا قد تمنيناه جميعا لحبيباتنا ، واختصته هي بكتاب ” الجنوبي ” الذي لا يزال مثل وردات الحب الأولى محتفظا بعطر كأنه ولد الان.

ذهبنا الى دار العلوم في مناسبة لم تتكرر كثيرا وعدنا ومعنا شريط كاسيت كانت قد جلبته وتضمن أشعار الغرفة 8 بصوت ( أمل ) ،  في حديثنا الذي امتد لأيام  ، توقفنا طويلا أمام نبرتها الواثقة ولغتها البهيجة في الحكي عن شاعر لا يموت ولسنوات طويلة ظلت معي تلك النبرة ، تصحو في أذني كلما التقيت بعبلة  التي رأيتها كثيرا   فقد كنت أكثر أصدقائي حظا  لان مهنة الصحافة بكرمها منحتني فرصا للتقارب معها والتعرف عنها عن قرب واكتشاف مكامن ضعفها الانساني وهو ضعف من النوع النبيل الذي  عليك ان تتعلم كيف ترعاه لكي لا تسبب لها اي ارتباك ، فعبلة التي عرفتها  عن قرب في اول رحلة لي خارج مصر تحتفظ في قلبها بطفلة  لا تخرج الا لتلعب في حديقة لها قدرة استثنائية على الشغب  كرسامي الغرافيتي الان وهم يملأوون حياتنا بالشواهد التي تؤرقنا والالوان التي  ، بالامل  تصحو في مناماتنا

لكن احذر منها لان   عبلة  تملأ قلمها  بطلقات تصوبها الى هدف وحيد هو أعداء الجمال

وفي  تلك الرحلة   وكانت   الى سوريا  تعلمت من عبلة  ،  وصفة حب دمشق ، فالمدن لا تدخل الا عبر الناس ، أهدتني   وهي الكريمة في المحبة  صداقات ظلت معي  ، أخذتني لبيت ممدوح عدوان في يوم عصيب  والى مقهى محمد الماغوط ، كانت ” ماما نويل ” التي  لا تتوقف  هداياها  ،فيما بعد كانت تستغرب العلاقات التي بنيتها في مدينة صارت  ” مرآة روحي ”  كما يقول محمود درويش ، فأرد باجابة واحدة ” انها هديتك  لي  ” والهدايا لا ترد لكني في رحلة الى دمشق جمعتنا بعد سنوات  أخذتها الى سهرات أصدقائي ،   تعرفت الى خالد خليفة وخليل صويلح  وسمر يزبك واسامة غنم  ،كنت أمد لها الجسور مع جيلي لتصبح عابرة للأجيال ،  فأنا الذي كنت أحسدها دائما لانها تكتب كتابة عابرة للتصنيف ،  أقرأ مقالاتها وأندهش ،لان الصحافة بعيدة عن هذه اللغة ،لكن  عبلة تأتي بها من “جراب ” لا يحمله الا السحرة ،  تكتب بلغة رشيقة ، ناعمة أحيانا وحادة دائما كشفرات الموسى ، تكتب لتقول ما تريد  لذلك  يعمل لها الجميع ألف حساب ،فهي بلغتها لا ترواغ أبدا و كلما التقينا أذكرها بمقالات كانت تكتبها في ” الاهالي ” وأدب ونقد ” كانت تمثل بالفعل كتابة عبر نوعية تستعصي على التصنيف.

أحد الأعداد التي أصدرتها (أخبار الأدب) برئاسة تحرير عبلة الرويني: انحياز للثورة واحترام للمهنية

وحين صارت رئيسا لتحرير أخبار الأدب اعتبرناها  حائط صد لحماية  هذا المشروع  الذي كان فعلا من بين أدوات قوة مصر الناعمة وقبل هذه الخطوة خططت لاصدار صفحة أدبية في  جريدة “الأخبار ”  كانت بابا لمواهب كبيرة ،فهي لا تعرف الا الانحياز للمواهب وتدافع عن ذائقتها بشراسة نمرة  واليوم حين يقرر أصدقاء على رأسهم الشاعر شعبان يوسف تكريمها  في ورشة الزيتون  أجد مناسبة لأقول لها ”

شكرا عبلة  ” فقد كانت دائما حديقة  ،  تبشر زهورها بالحقيقة


اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات