الطواف حيث الجمر: لماذا اخترت هذه الرواية؟

12:50 مساءً الثلاثاء 26 مارس 2013
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قصر لأحد سلاطين زنجبار

حققت المرأة العربية مكاسب حقيقية منذ قامت حركات التحرر في المنطقة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي فأصبحت تتبوأ أرفع وأعلى المناصب وتتساوى مع الرجال في معظم الحقوق والواجبات ,إلا بعض الأعمال الشاقة نسبيا .. ولما قامت ثورات الربيع العربي في منطقتنا منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا – إذ ما يزال الشعب السوري يناضل من أجل حريته وكرامته- تضاعفت الآمال في الوصول إلى العدالة الإجتماعية والكرامة التي طالبت بها كل الشعوب الثائرة فإذا بنا نعود للخلف عقودا وعقودا تحت سيطرة حكومات متأسلمة لاترى في السلطة إلا وسيلة للإنتقام ولحصد الثروات متناسية مطالب الشعوب غير عابئة بها والحجة جاهزة, أنهم يتحدثون باسم الدين وأن من يعارضهم يخالف الشرع , وكانت المرأة العربية في مقدمة من استهدفتهم مخططاتهم الرجعية يريدون العودة بها للوراء وأن تكتفي بالبقاء في المنزل تربي الأبناء وتنسى أمور الحياة وترضى بأقل مما كانت لاتقبل به.

لذلك وجدت في رواية (الطواف حيث الجمر) نموذجا لسعي المرأة للتحرر ورفض القيود البالية والنظرة الذكورية للحياة .. فكانت ثورتها ضد الظلم , متوازية مع ثورة الشعوب الإفريقية المحتلة من قبل العرب المسلمين المتأسلمين يوغلون فيهم ظلما وتجارة في البشر .. فلا حرية بلا ثمن .. مهما عظم وبدا بعيد المنال. 

  • المؤلفة

بدرية الشحي هي أول إمرأة عمانية تكتب الرواية بمفهومها الفني والحرفي بل يمكننا القول أن رواية (الطواف حيث الجمر) هي العمل الروائي العماني الأول بالمفهوم الأدبي الإحترافي .

حصلت بدرية الشحي على بكالوريوس العلوم قسم الكيمياء في جامعة السلطان قابوس,واتبعتها بدرجتي الماجستير والدكتوراة من الجامعات البريطانية .

تقع الرواية في 280 صفحة, نشرت عام 1999 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت.

  •  خلفية تاريخية وجغرافية

تقع أحداث الرواية في الستينيات من القرن الماضي قبيل ثورة الساحل الشرقي الإفريقي (منطقة زنجبار,ممباسا وبمبا) على الإستعمار العُماني بعد قرون من التجارة في كل شئ لا سيما تجارة العبيد التي كانت محرمة في العلن ولكنها كانت رائجة تماما مثل تجارة السلاح وقت الحروب.

حدود سلطنة عمان سنة 1856 (باللون الأحمر)

لما تحررت عمان من الإستعمار البرتغالي لأراضيها أولت دولة اليعاربة الحاكمة وقتئذ اهتماما خاصا لمنطقة شرقي إفريقيا, فقام الإمام (سلطان بن سيف الأول) بتحريرها من قبضة البرتغاليين ومن ثم تغلغل الوجود العماني في هذه المنطقة وعهد الإمام إلى شخصيات عمانية نافذة بإدارة جزرها (زنجبار, بمبا, مومباسا) .

عمل بعد ذلك مؤسس الدولة البوسعيدية (أحمد بن سعيد) 1741-1783 على تعزيز التواجد العماني هناك, ثم قام (سعيد بن سلطان) 1806-1856 في عام 1828 بقيادة حملة عسكرية إلى منطقة الساحل الشرقي لإفريقيا, وفي عام 1832 اتخذ قرارا بجعل (زنجبار) عاصمة ثانية للشطرالإفريقي من الإمبراطورية العمانية إدراكا منه للمزايا الإقتصادية والإستراتيجية لتلك البقعة الحيوية من القارة السمراء.

امتد النفوذ العماني من شواطئ بلاد فارس (بندر عباس), ومن (بلوشستان) حتى (زنجبار) لتصل إلى (رأس دلجادو) على شواطئ إفريقيا – الحدود الشمالية لموزمبيق حاليا- كما امتد نفوذ الإمبراطورية العمانية في الإتجاه الشمالي الغربي حتى مملكة (أوغندا)وغربا حتى أعالي (الكونغو).

بعد وفاة السلطان (سعيد بن سلطان)/ سلطان عمان وزنجبار قسمت الإمبراطورية بين أبنائه, وتولى السلطان (ماجد بن سعيد) أمر زنجبار 1856, واعترف به صاحب مسقط كسلطان عليها, ثم توالى سلاطين الأسرة البوسعيدية حتي حكم السلطان (جمشيد بن عبدالله) 1963-1964, عندما قامت الثورة التي أنهت الإحتلال العماني للساحل الشرقي لإفريقيا.

 مغامرة أنثوية بحثا عن الذات وسعيا نحو التحرر:

تعرض بدرية الشحي أحداث رواية ( الطواف حيث الجمر) بطريقة سردية عذبة, وقد اختارت لها اسما معبرا عن محتواها إذ أن الطواف هو دليل على إستمرارالحركة وانتظامها دون توقف ولم تختر مثلا السير على الجمر..

أتت الرواية حافلة بمفردات تعبر عن البيئة التي تعيش فيها حيث الجبل والزراعة والبحر, مثل ( الرخال- الهاوندة –الخرس-الزطي-الأفلاج-نوخذه…)

  تدور الأحداث بطريقة سردية على لسان (زهرة) الفتاة التي تجاوزت الثلاثين من العمر وفقدت حبيبها وابن عمها (سالم) الذي ركب البحر تاركا كل هذه الطقوس والمعتقدات الخانقة للزواج من فتاة افريقية, وسرت الشائعات أنه مات غرقا في البحر.

رفض الجلوس على هذا الجبل ,طلب الرحيل بعد اشتعال الحرب المهولة في البلدة,رحل قبل أن تنهزم الفلول المحتمية بالجبل, وقتها أدركت أنه لن يعود“.

لماذا لم تأت وفضلت أن تموت بعيدا في أحضان إمرأة غريبة من بلد غريب؟”.

ماذا جلبت له الإفريقية السوداء غير الموت, مات غرقا بعد أن غرق قاربه في البحر ..مع أنه كان يسبح كالسمكة في الفلج, مصير مبهم … وأنا أنتظرهنا كالبلهاء“.

 تجد زهرة نفسها مجبورة على الزواج من ابن عمها (عبد الله) الذي يصغرها بأكثر من عشر سنوات وكانت تداعبه عندما كان طفلا ,استعدادا للزواج تسافر(زهرة) مع والدها وعمها وأخيها لشراء مستلزمات الزفاف,وبعد أن يمنحها عمها ذهبا وفيرا كهدية الزفاف تفكرفي الهروب مع أحد القراصنة الذي يدعى (سلطان) ولكنها ابنة شيوخ لهم جاه وشرف والأمر خطيرولوعلموا بفعلتها فسيكون الموت مصيرها ولكن شيئا بداخلها يرفض الإستسلام, إنها تريد أن ترى أرملة سالم ,تلك التي فضلها عليها .

ولدت وأنا في الثلاثين ,ثلاثون عاما ضاعت سدى, وجاء حلم العصيان يرسم بعثا خلف كل هذي الحدود والأسوار الكئيبة“.

العرب العُمانيون في زنجبار

  •  صراع أنثوي ضد الموروثات القبلية البالية 

 تتذكر (زهرة) كيف أجبرها والدها على ارتداء البرقع لما لاحظ نظرة رجل غريب لها عندما كانت في طريقها مع أخيها محمد إليه في الحقل ولم تكن قد أكملت عامها الحادي عشر بعد.

“لم يكن يأبه للشوك الملقى في الطريق,ولا لقدمي الحافية التي نزفت منها الدماء, كنت أشعركمن إقترف ذنبا لا يغتفر دون علم بماهو,لم أخرج بعدها طليقة الوجه,وضعت أمي على وجهي هذاالبرقع وأمرتني ألا أخلعه مهما كانت الظروف, ولم أخلعه”.

“لم أر أبي يجر أحدا من إخوتي على كثرتهم كما فعل معي وفي غمرة غضبه تلك لم ينس أن ينتقي لمحمد أخي مكانا آمنا من الشوك وأن يربت على شعره المسترسل ليخفف من بكاءه”.

هو الرجل نفسه في المجتمعات البدوية مهما اختلف وضعه أو عمره : شيخا كان أم عبدا, تاجرا كان أم قرصانا, كهلا كان أم طفلا , نفس التسلط والغطرسة والبحث عن حقوقه التي كفلها له الشرع والعرف متناسيا أن للمرأة كيانا وشخصية وأنها مخلوق له حقوق موازية .

صورة تاريخية من زنجبار، وتجارتان حُرِّمتا، العبيد وناب الفيل

  • إزدواجية المعايير والقيم بين العرف والدين

على الرغم من نهي الدين الإسلامي عن تجارة البشر والعبودية بكافة أشكالها ,إلا أن الوجود العماني في منطقة الساحل الشرقي لإفريقيا تميز بصورة صارخة بتجارة العبيد الأفارقة واستقدامهم في سن صغيرة لإستعبادهم وليخدموا في البيوت , تماما كما كان الوضع قبل ظهورالإسلام .

تتذكر(زهرة الحديث الذي دار بين والدهاوأخواتها حول زواج (سالم)) من فتاة إفريقية:

 “بنات افريقيا يارجل , ماذهب رجل إلى هناك إلا وتزوج واحدة.

الرحيل إلى افريقيا لايبدو مسليا , مشاق الطريق وأخطار البحر من أجل الزواج بعبدة تخرب النسل.

ضحك علي على تعليق محمد فقاطعهما أبي والمسبحة لاتفارق أصابعه: لافرق بين الناس إلا بالتقوى, لكن خادمة؟ ترك الحرات من أجل خادمة.

وشتان بين جملة أبي الأولى والأخيرة ,بين المسبحة الفيروزية من مكة وبين رنة الإحتقار الواضحة في جملته الأخيرة“.

لما وصلت (زهرة) مع القرصان (سلطان)إلى مدينة صور, استعدادا لركوب البحر نحو الساحل الإفريقي الشرقي, تنزل ضيفة على (أم سلطان) في منزلهم, تعلق عليها زهرة قائلة:

كانت ملامحها نسخة قديمة من ابنها القرصان ,ويدور بينهما حديث” البنت التي تتحدى التقاليد هي بنت فاسدة لاتصلح لشيء“.

–        قولي هذا لولدك لص العبيد.

وتخبرها الأم أن سلطان له ثلاث زوجات ,ابنة عمه ,واحدة في زنجبار , وأخرى كانت عبدة اعتقها سيدها فقررت العودة لموطنها الأصلي.

-ألا يخاف ابنك من التلاعب بحياة الناس, يبيع ويشتري؟ألا يخاف الله؟

-إنهم عبيد.. عبيد ..أتفهمين؟

-وأنتم؟

– نحن لانباع , نحن عرب.

سلطان وأمه المجنونة هذه ماهما إلا سارقين بارعين جشعين يربطهما الدم الفاسد النتن“.

 يدور حوار بين (زهرة) و(إلياس) الخادم على ظهر السفينة تعرف منه أن (ميا) زوجة (سالم بن مسعود) ابن عمها , لما مات غرقا لم تصرخ ولم تبك, بل حملت صغيرها ودخلت دارها بهدوء ولم تخرج منه إلا في صباح اليوم التالي حاملة معولها وربطت الطفل على ظهرها ومضت تسقي حقلها وكأنه يوم عادي.

البحر من جديد بمساحاته الشاسعة وأمانه الغريب , لماذا لم أخافك ولم أغضب منك وأنت سرقت الأحلام والعمر“.

أتراك يا بحر الغضب تنتقم مني يوما لأني جلبت العار لناسي,أو لأنني سلمت من جنجر شرف ثائر لا .. لا أظن هذه الموجات الناعمة تعرف شيئا عن الحب“.

في أثناء رحلة زهرة على السفينة يتقدم (سلطان ) للزواج منها , لكنها تعرف أنه له إمرأة في كل ميناء فترفض طلبه ولكنه يلح فتنهره.

كان (سلطان) قد عين عبدا اسمه (ربيع) لحراستها ومراقبتها, بينما (صالح) البحارالذي كان يحبها بجنون يعتقد أنها على علاقة به فيوشي به ويبلغ عنه في مدينة (ماليندي)الساحلية أنه يتاجر في العبيد والسلاح ,يساوم صالح زهرة لتتزوج منه مقابل أن يخبرهم بمكان سلطان, وبالفعل تتزوج زهرة من صالح.

الوقت يمضي معاكسا لكل الرغبات والمركب بمن فيه يغيب في الصمت أكثر وأكثر ,ماذا بقي في العمر لأخسره؟؟ صرت عجوزا ولن يكون هناك سالم آخر, كل الطرق مسدودة وليذهب سالم لطرق الفردوس“.

يعود( سلطان) خائر القوى بعد أن قاموا بتعذيبه بشراسة فكانوا يشقونه بالخيل كل يوم , لقد حطموه تماما… تشرف (زهرة) على علاجه وتتحول حياتها مع (صالح) إلى جنة فاشترى لها مزرعة من القرنفل وذهبا وفيرا , لكن فرحتها لم تكتمل عندما مات صالح مطعونا بسكين.

 يصل أخوها إلى المدينة باحثا عنها, فتلجأ مجددا إلى (سلطان) الذي يساومها على كل ماحصلت عليه مقابل أن تركب معه السفينة مغادرة البلدة ويطلب منها الزواج فتوافق بشرط أن يمنحها دارا ومزرعة في (بمبا) بإسمها ويكون لها مطلق الحرية في التصرف حتى تنقضي فترة العدة ويتم الزواج .

لن ينالك أحدا, اطمئني سأعود لك قبيل الرحيل إلى زنجبار, ولاتهربي أما الآن فعندي مهمة ..”. هكذا طمأن( سلطان) زهرة ولكنه حذرها أن صاحب توكيل المزرعة(كتمبوا) سينزعج لما يرى أن التوكيل قد تحول إليها,كان من أهل البلدة وله كلمة مسموعة بين العمال البسطاء والعبيد الذين يعملون خدما في بلدهم وأرضهم التي سلبها المحتل العماني منهم .

كانت المدينة مثلها مثل باقي مدن الساحل الشرقي لإفريقيا تموج بالغضب وتشتعل ثائرة ضد الظلم والعبودية وضد المستعمر العماني لأراضيهم وثرواتهم دون وجه حق .

ماذا جرى لك؟ هذا ليس لصالحنا ماتفعلينه , تعرفين أن التمرد شاع في هذه البلاد , والسرقات في كل مكان , وهناك جرائم قتل تحصل في الخفاء, الرجل قادر على أن يؤلب علينا العالم بأسره“.

هكذا كان يتحدث الخادم (ربيع) إلى (زهرة) بعد شجار محتدم بينها وبين (كتمبوا) بسبب رفضا للتعامل مع أهل البلدة كمواطنين هي فقط تعاملهم كعبيد مثلها مثل باقي المستوطنين العرب.

تناولت الحقبة التاريخية لسلاطين عمان في زنجبار كتابات كثيرة، منها رواية الشحي، ودراسات أدبية، وكذلك السيرة الذاتية لإحدى الأميرات (الصورة أعلاه)

  •  الثورة تشتعل  في الساحل الشرقي الإفريقي

تسوء الصلة بين (زهرة) و(كتمبوا) ويعلن الخدم في مزرعتها العصيان,وتفقد زهرة كل البقر والمواشي الذين ماتوا بالسم عقابا لها على جبروتها.

 تعرف زهرة أن سبب إعتلال صحتها أنها حامل في شهرها الرابع من زوجها المرحوم صالح .. لم يبق معها إلا ربيع وحمود العبدين اللذين جلبهما لها (سلطان) و(كوزي) الخادم  الذي كان يعلمها اللغة السواحيلية .

تشتعل زنجبار بأكملها , فالزنوج يحرقون ويمزقون كل مايقابلونه من زرع وضرع, والجثث الممثلة في فروع الشجر بالمئات ..إنها الثورة ضد الظلم والقهر .. ولكن زهرة ترفض أن تترك منزلها ومزرعتها مهما كان الثمن .. حتى لوكانت حياتها وحياة وليدها الذي لم ير النور بعد .. إنها الحرية التي تركت لأجلها بلدها وأهلها وضحت بمستقبلها لتنال شرفها وتستنشق نسيمها دون قيود ..

رواية قد تكون صادمة ولكنها في الحقيقة تنقل لنا صورة حية لسعي المرأة نحو التحرر والمساواة .. مهما اختلف الزمان والمكان .. ولو كان الثمن هو بالفعل الطواف حيث الجمر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات