في العنف

10:50 صباحًا الخميس 28 مارس 2013
كامل يوسف حسين

كامل يوسف حسين

كاتب وناقد من مصر، رئيس قسم الترجمة، جريدة البيان، الإمارات العربية المتحدة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

من مشاهد الربيع العربي في اليمن

على امتداد دول عدة في عالمنا العربي، تندلع أشكال مختلفة من العنف السياسي، ابتداء من أقصى تجليات هذا العنف كما نراه في الحروب الأهلية، التي اجتاحت أكثر من دولة عربية، وحتى الاحتجاجات والمظاهرات، باختلاف درجات احتكام المشاركين فيها للعنف، على نحو ما نرى في معظم الدول العربية تقريباً.

 حتى سنوات قلائل لم يكن هذا كله وارداً، لكن الكثير من الدارسين والباحثين لنظرية العنف السياسي، كانوا يرونه ويتوقعونه ويحذرون منه.

أصبح العنف جزءاً لا يتجزأ من آليات الحياة السياسية، يهدد الجميع، سواء كانوا رموزا سياسية أم إعلامية

أما الآن، وقد أصبح العنف جزءاً لا يتجزأ من آليات الحياة السياسية، في العديد من الدول العربية، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما الذي يمكن أن تفعله شعوب هذه الدول لكي توقف تحوّل حريق العنف السياسي إلى جحيم يلتهم حاضرها ويهدِّد مستقبلها؟

 أول ما يتعين علينا أن نلاحظه في مواجهة علامة الاستفهام هذه، هو أنه في عدة دول عربية لا يزال ما نشهده من حراك سياسي، حتى وإن شابه العنف في جوانب عدة، لا يزال في نطاق ما تقوم به النخب السياسية وانعكاس مواقفها على الشارع.

 لكن هذا بالتأكيد وضع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، ففي مصر تتعدد الصدامات بين القوى السياسية المختلفة، في غمار سعي كل منها لتأكيد مصالحها ووضع يدها على السلطة، ولكنها جميعها تجهل أو تتجاهل أنها لا تملك رفاهية الاستمرار على هذا النحو طويلاً، لأنها في غمار ما تقوم به حجبت عن المجتمع كله الأمن، وحجبت عن شرائح هائلة فيه لقمة العيش. وهذا يهدِّد بخروج الملايين الهادرة، التي لا توجهها قيادة سياسية بعينها، للتعبير عن سعيها إلى استعادة ما ينقصها.

 منذ أقدم تجليات العنف في المجتمع الإنساني، كان غياب العدل مندرجاً في صميم جحيم حريق العنف، وهذا هو على وجه الدقة ما يسجله الحكيم الفرعوني إيبو وير مؤرخ ثورة الدولة القديمة.

 هذا الغياب للعدل يقترن دوماً بالحضور الدائم للبطش والطغيان، ويكتمل المثلث الجهنمي بإيقاف الطريق أمام البدائل.

 وإذا تأملت في الدول العربية التي تعيش ظاهرة العنف، فإنك ستجد هذا المثلث الرهيب حاضراً على الدوام. وحضوره يقترن بالعديد من الظواهر الأخرى، التي تكفل تصاعد ظاهرة العنف، وصولاً إلى حد الحرب الأهلية، مع تزايد عدد الضحايا واتساع نطاق التطاحن.

العنف يطال الذاكرة الإنسانية للتراث

وكما أن أسباب العنف السياسي غامضة وملتبسة، فكذلك طريق إطفاء حريقه المندلع لا تقل غموضاً ولا التباساً ولا تعقيداً. ولكنها في كل الحالات تمر بانعقاد الإرادة السياسية على الخروج من دائرة العنف.

 لاحظ أنك لو تأملت حالة كل دولة من الدول العربية التي تشهد تجليات مختلفة للعنف السياسي، فإنك ستجد دوماً غياب الإرادة السياسية، أو عدم انعقادها على الخروج من دائرة العنف السياسي. لاحظ أيضاً أن العنف السياسي لا يشمل الاحتكام إليه واستعماله في الصراع السياسي فحسب، وإنما يشمل أيضاً التهديد به، أو حتى مجرّد التوجه إلى توظيفه.

 لهذا على وجه الدقة، فإن الشعوب العربية مطالبة ببذل قصارى جهدها للخروج من دائرة العنف، مهما كانت التضحيات، لأنه لا يهدِّد الحاضر فحسب، وإنما يهدِّد المستقبل أيضاً.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات