شيخ السينما التونسية نوري بوزيد: أرفض حجاب المرأة وتحديت السلفيين بالموت

08:15 صباحًا الخميس 4 أبريل 2013
حسنات الحكيم

حسنات الحكيم

شاعرة وكاتبة صحفية من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

نوري بوزيد: المنتجون المصريون رفضوا قصة فيلمه “مانموتش” لأنها ضد المعتقدات الاسلامية فنقلها إلي تونس، وحصد من خلالها جائزتي “أبوظبي” و”الأقصر” السينمائيين

حصل المخرج التونسي نوري بو زيد على جائزة أفضل مخرج عربي لعام 2012، في الدورة السادسة لمهرجان أبوظبي السينمائي، وبعدها حصد الجائزة الكبرى لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الثانية،  حيث أثار فيلمه “مانموتش” الكثير من الجدل، فشيخ السينما التونسية وهذا هو اللقب الذي يشتهر به، تعكس أعماله واقع الحياة في بلده تونس، فهو يتعامل معها بمشرط جراح، خصوصا في فيلمه الأخير الذي يهاجم فيه بشراسة الإسلاميين بعد ثورة الياسمين، ويعلن بسخرية واضحة رفضة لفكرة ارتداء المرأة التونسية للحجاب، ويعتبره رمزا للتخلف وضد التحرر، بل يتمادى ليظهر في الفيلم متحديا من يهددونه من السلفيين بالموت، فيؤدي دور عازف أوكرديون ضرير يلقى حتفه برصاصة في الرأس، ويكفن على الطريقة الإسلامية الشرعية، ويعلق على ذلك قائلا: (قدمت مشهد وفاتي حتى يكون وثيقة إذا تعرضت للاغتيال خلال الفترة المقبلة)، وحول أبواب الجحيم التي سيفتحها عليه فيلم “مانموتش”، والمخاوف من عدم عرضه في تونس، وتساؤلات عن المنتج اليهودي الذي موله، والتجاوزات التي تحملها أفكاره، فتح نوري بوزيد قلبه لـ”آسيا إن” خلال زياته السريعة للقاهرة في الحوار التالي:

لا يرى نوري بوزيد أي حرج في القول إن “ما نموتش” فيلم شخصي من وجهة نظره، رافضا التعبير عن وجهات نظر أخرى قد تكون أكثر موضوعية ولكنها لا تشبهه ولا يستطيع بذلك التعبير عنها بصدق، لكن يبقى السؤال، ما سر اختيار “مانموتش”، وما الرسالة التي أردت بثها من خلاله؟.

كنت ضمن لجنة التحكيم في مهرجان القاهرة السينمائي وتعرضت إحدى صديقاتي (وهي غير محجبة) للمضايقة في الشارع من قبل بعض الرجال، الذين تعاملوا معها وكأنها ملكية خاصة لهم ويحق لهم التحكم بجسدها، وقد أثارت هذه الحادثة ضيقي للغاية وألهمتني لكي تكون قصة الفيلم، وحين تحدثت مع تلك الصديقة عن القصة أبدت حماسة شديدة تجاهها، إلا أن المنتجين المصريين رفضوا فكرة الفيلم إذ اعتبروها مثيرة للجدل أكثر مما ينبغي، ورأوا أنه ضد المعتقدات الإسلامية تصوير فيلم من هذا القبيل، فقمت بنقل أحداث القصة إلى تونس، وكان يفترض أن يحمل العمل العنوان الفرنسي “ميل فيي” وهو اسم الحلوى التي تصنعها الفتاتان في الفيلم، إلا أنه ما إن انطلقت الثورة في تونس حتى قررت إضافة بعد سياسي له، وهذا أنقذ الفيلم، فالثورة أمدته بالحياة ونقلته إلي الأمام حيث أصبح موضوعه هو القضية الأكثر رواجا في المجتمع، فكان علي أن أغير في بنية الشخصيات حتى تصبح مرتبطة بالواقع والنزاع القائم، وهو ما استدعى في المقابل تبديل عنوان الفيلم إلي “مانموتش” خصوصا بعد حادثة تعرضي للضرب على الرأس خلال أيام الثورة.

تعلن في الفيلم، وفاتك برصاصة في الرأس، مقابل الحياة لأجيال جيدة في تونس، فهل الموت هاجس شخصي يؤرقك؟.

أرغب في أن يبتعد شبح الموت عن تونس وأجيالها، ولهذا تغني البطلتان “ما نموتش” في نهاية الفيلم، ولم أكن أريد أن تموت شخصيات أبطالي ولم أستطع التضحية بأي منهم في الفيلم فضحيت بنفسي من أجلهم، وكان من الضروري أيضا تقديمي لرد الفعل على التهديدات بقتلي التي تلقيتها ولا أزال.

نحمل جينات المساواة بين الرجل والأنثى وتونس تاريخيا حكمتها امرأة في أكثر من مرحلة

تطرح في الفيلم، إشكالية مثيرة للجدل من خلال قضية الحجاب، والسلفية التي أصبحت تسيطر على تونس، فهل كنت تعبر فقط عن وجهة نظرك، من دون النظر إلي الموضوعية في المعالجة؟

أنا لا أحب أن أقوم على إنجاز فيلم موضوعي، لأن الأمر عندها سيتحول إلى خطاب سياسي لا يعنيني بالمرة، والفن من وجهة نظري يلغي الموضوعية ويكرس للذاتي، فشخصياتي روائية خيالية، تعكس رؤية متأثرة بالواقع والمشاهدات، ولكن الثابت أن الخيال والذاتي عموما يعطياني الحرية التي لا يسمح لي بها الموضوعي، ولهذا أنا لا أريد أن أكون موضوعيا، ولا أن أعبر عن وجهات نظر الآخرين، وحتى في حديثي عن المرأة أسقط رأيي الذاتي عليها.

ولكن هذا اسقطك في فخ المبالغة؟

كيف ذلك؟

على مدار أحداث الفيلم كانت “عائشة” تدافع عن حجابها، ووجدت فيه حريتها ورفضت التنازل عنه فلم يكن مبررا أن تنزعه في المشهد الأخير؟.

لا أؤمن بفكرة أن المرأة يمكن أن تجد حريتها في الحجاب، لأن المحجبة ترى أن غير المحجبة أقل منها إيمانا بدينها.

ولكن “عائشة” المحجبة في فيلمك لم تر أن صديقتها “زينب” غير المحجبة أقل منها إيمانا؟

ولهذا خلعته في المشهد الأخير من الفيلم، كانت شاهدة على معاناة صديقتها التي رفضت ارتداء الحجاب واسترجعت علاقتها بجسدها مع “حمزة” واستعادت ابتسامتها وبدأت في تجاوز مشاكلها، حيث كان الحجاب بمثابة الغطاء الذي تخفي به مشاكلها، وعندما بدأت في تجاوزها لم تعد تجد أي معنى في ارتدائه فنزعته.

قضية الحجاب محورية في الفيلم، ونريد أن نتعرف على رأيك في هذا الموضوع؟

النص القرآني غير واضح في ذلك، ولا توجد آية قرآنية تفرض غطاء الرأس، والدعوة إلى الحجاب بالقوة أراه خطوة إلى الوراء وإعفاء للمرأة من دورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأساند المرأة في صمودها ولا أساندها إذا تنازلت وارتدت الحجاب لأنه يسلب شخصيتها، ومرجعي دائما هي أمي المسلمة التي ترتدي القميص وتغطي شعرها عندما تصلي وتعري شعرها بعد ذلك.

ظهر في الفيلم، أن والد السلفي يشرب الخمر مع خطيب ابنته، وقال جملته الواضحة (كنا نتعايش قبل ذلك بهذا الاختلاف)، فما الذي حدث؟

بالفعل هذا هو ما يحدث حاليا، كنا نعيش بأفكار وسلوكيات مختلفة تحت سقف بيت واحد، واليوم تنافرت التوجهات وزاد التعصب للدين، واصبح الأمر يستلزم استخدام القوة من قبل التيار السلفي لفرض رأيه وزعزعة هذا التعايش الذي كانت تشتهر به تونس.

لا خيار للتونسيين إلا العودة إلي الحياة المدنية والبعد عن التشدد الديني

وكيف ترى تونس في المستقبل خصوصا بعد سيطرة التيار السلفي؟

لا زلت أطالب بالحياة المفتوحة، ولا خيار لتونس إلا العودة إلى قواعدها المدنية، تدافع عن وسطيتها واعتدالها، وإن لم يحدث ذلك فسيصبح العيش فيها صعبا جدا حتى على المستوى الاقتصادي، والطبيعة التونسية هي التي خلقت التوازن لنفسها داخل العائلة وفي المجتمع ولا فضل في ذلك لا لأبن علي ولا لبورقيبة، ربما لأن تونس تاريخيا حكمتها امرأة في أكثر من مرحلة، ونحن نحمل تجربة تاريخية في المساواة بين المرأة والرجل، بل نحمل جينات هذه المساواة وعلينا أن نرى الأمر بالكثير من الحكمة والفلسفة.

هل صحيح أن المنتج الفرنسي المساهم في إنتاج “ما نموتش” يحمل الجنسية الإسرائيلية وداعما للكيان الصهيوني؟

هو يهودي مولود في الجزائر ويحمل الجنسية الفرنسية

ألا تخشى من عرض الفيلـــــــم في إسرائيل؟

هم أرادوا عرضه في “حيفا” ونحن رفضنا وهذا هو سبب الخلاف والاختلاف معهم، رفضت بشدة وقلت لن أذهب إلى هناك إلا إذا طلب مني الفلسطينيون المشاركة وإذا حطمت إسرائيل الجدار العازل.

وهل تتوقع مع قضية الحجاب، والهجوم على السلفيين، أن يعرض فيلمك في تونس؟

حتى هذه اللحظة، ومع الضجة التي أحدثها الفيلم في مهرجان أبوظبي مع عرضه العالمي الأول، لا أعرف هل يمكن عرضه في تونس أم لا، أو كيف ستكون ردود الأفعال حوله، فكل ما أردت أن أبينه هو أن ارتداء الحجاب وممارسة الشعائر الإسلامية وكل خيار آخر هو خيار فردي، وأن علينا أن نحترم الخيارات الفردية والثقافات الأخرى والناس.

لماذا تميل دوما في افلامك إلى أن تكون مثيرة للجدل؟

حين يصل المرء إلى عمر معين ويمر بالكثير من التجارب، تغدو هذه الأمور طبيعية بالنسبة إليه، فأنا لا أفكر بالأفلام التي أنجزها، ما أريده هو تحقيق الاستقلالية، ليس السياسية فحسب، بل الفكرية والدينية والثقافية، وفي اختياري لقضايا أفلامي أبحث دوما عن الموضوعات الهامة التي يخشى الناس التطرق إليها، وأمور لا يشغل المرء بها عادة في حياته اليومية إلا أنها أساسية في المجتمع، مثل الدعارة وعمل صغيرات السن في الخدمة المنزلية، والإرهاب والتعذيب والظلم والإساءة والسجن والدين وما إلى ذلك.

وهل تأمل بحدوث التغيير؟

فيلمي “مانموتش” هو مساهمة صغيرة جدا ضمن إطار أوسع بكثير، وآمل بالتغيير بكل تأكيد، لكن علينا ألا نلقي بالعبء كله على كاهل السينما أكثر مما تستحق ولاسيما في العالم العربي.

كنا نعيش بأفكار وسلوكيات مختلفة تحت سقف بيت واحد، واختلف الوضع اليوم

كوادر

عنوان الفيلم

يحمل الفيلم عنوانا بالعربية وهو “ما نموتش” أما باللغة الإنجليزية والفرنسية فيحمل عنوانا مختلفا هو “الجمال المستتر” أو “الجمال الخفي” (hidden beauties) لكن كلاهما يؤدي المعنى نفسه بالنسبة إلى رسالة هذا الفيلم الذي لفت أنظار عدد كبير من الصحافيين وصناع السينما، وأثار حالة جدل كبير حول مضمون فيلمه والأفكار التي يحملها.

مشهد لا ينسى

تدور أحداث الفيلم في الأيام الأخيرة من الثورة وما تلاها من أحداث عنف قيل إن القناصة هم محركوها وينطلق الفيلم بمشهد شبه حقيقي لاينسى تكريما للممثل التونسي الراحل “معز الكوكي” بالاعتماد على ممثل يشبهه لتجسيد دوره والرصاص يأكل جسده أمام زوجته الحقيقية التي شاركت في الفيلم واستعادت لحظة مؤثرة جدا.

حكاية “مانموتش”

تتبع الكاميرا حياة صديقتين الأولى (عائشة ـ سهير بن عمارة) محجبة تعمل في صنع الحلويات في مقهى وتعيل أختيها بعد رحيل رب العائلة، تجد في الحجاب حلا لحماية نفسها بعد أن حملت من خطيبها الذي تركها فجأة، وظهر فجأة أيضا ليختفي من جديد، أما (زينب ـ نور مزيو) فترى في الحجاب قيد يمنعها من أن تحلم بأن تصبح مصممة أزياء، في انتظارها زوج (لطفي العبدلي) الذي يلقى ترحيبا خاصا من قبل والدتها (صباح بوزويتة) بشكل خاص فهو مقاول غني يعيش في فرنسا، وتجد كل منهما في الثورة إعلانا لميلادهما من جديد، حيث تسعيان إلى تحطيم جدار الخوف، وكسر القيود، لكن استجد على هذه الحياة الجديدة تيار آخر ظهر من خلال (حمزة ـ بهرام العلوي) شقيق “زينب” والطامح إلى الارتباط بـ”عائشة”، عاد فجأة سلفيا هاربا من السجن آملا في أن الثورة ستغير المجتمع التونسي، وستتحول تونس إلى إمارة إسلامية تلتزم فيها المرأة بارتداء الحجاب والبقاء في المنزل فهي عورة عليها أن تعيش في الظلام.

حادثة شهيرة

تعرض المخرج التونسي نوري بوزيد لضربة قوية بآلة حادة على رأسه من شخص مجهول، خلال ثورة تونس، ورفض بوزيد اتهام طرف معين، وفضل التزام الصمت، تاركا القضية في عهدة السلطات الأمنية في تونس، وكان بوزيد قد واجه قبل الثورة انتقادات لاذعة، عندما دافع عن الفكر العلماني، رافضا ان يكون هناك رقابة أخلاقية على الأفلام، وداعيا إلى مناقشة المسائل الجنسية في المجتمع بكل حرية، ويرجح مراقبون أن تكون الضربة التي تعرض لها بو زيد، لها علاقة مباشرة بأفكاره الجريئة.

سيرة ذاتية

ولد نوري بو زيد في صفاقس عام 1945 ودرس السينما في بروكسل، وعمل مخرجا مساعدا بين عامي 1979 و1984، وفازت الأفلام التي كتب قصصها وأخرجها بوزيد بالعديد من الجوائز الدولية، ومن أبرزها “رجل الرماد” (1986)، “صفائح من الذهب” (1989)، “بيزنس” (1992)، “بنت فاميليا” (1997)، و”عرائس الطين” (2001)، و”الفيلم الاخير” عام 2006،  كما كتب العديد من السيناريوهات بما فيها أربعة للمخرجة مفيدة تلاتلي، وفاز بجائزة الرئيس السينمائية في تونس عام 1998.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات