رحلة الإسبانية التشكيلية (كارلا) من طنجة إلى بكين

07:24 صباحًا الإثنين 8 أبريل 2013
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الفنانة التشكيلية الإسبانية كارلا كيريخيتا المقيمة في المملكة المغربية هي موهبة استثنائية دون شك. في معارضها تقدم رؤى رحالة، في المكان والزمان، وتستخدم طريقة خاصة بها تمزج فيها خامات تؤلفها فتألفها. في أحد معارضها الذي زرته قدمت رحلة بدأت في طنجة وانتهت بها بعد مرورها بعاصمة النور باريس ودرة الشرق بكين. في مدينة (أصيلة) المغربية على شاطيء الأطلسي كان لقاؤنا:

 أهلا بك كارلا . أنت تقيمين هنا في المملكة المغربية .. كيف كان لذلك من تأثير على عملك بشكل عام وعلى هذا المعرض بشكل خاص؟

أنا أسكن في طنجة. في الواقع أنا من عائلة تنتمي جذورها إلى مدينة طنجة. وهي ليست المرة الأولى التي أرسم فيها بالمملكة المغربية. لكنها المرة الأولى التي أسكن فيها المغرب لفترة طويلة. أنا أسبانية، ولست مغربية، ولكن قبل زمن طويل، حين كانت مدينة طنجه مركزا عالميا، كان فيها العديد من (الغرباء) ممن جاءوا للعيش بها، وهكذا جاءت عائلتي للعيش في المغرب. ولدت في أسبانيا، في شمالها، بمدينة بامبلونا،  وعشت متنقلة بين بامبلونا ومدريد ولكنني كنت آتي إلى المغرب دائما لأقضي فترة العطلات. وكنت أزور أجدادي، وأصدقائي، فالمغرب هي جزء مني، ومن حياتي، ومن عملي كذلك. ومن المهم جدا أن أشير إلى أنني حين بدأت البحث كان رسم شرفات مدينة طنجه هو شاغلي. لقد بهرتني مدينة طنجة. عمارة المدينة العربية. في الطريق التي نراها كل يوم وتلك المباني. سترى مدينة أخرى وحياة مغايرة. وهذا ما جعلني أبدأ الرسم على هذا النحو.

 أدركت أن البشر على اختلافهم، وتنوع ثقافاتهم في مركب واحد؟

كان لدي معرض في طنجة، نظمه معهد ثربانتس، في شهر أبريل الماضي. وقد طلبت السفارة الاسبانية أن ينتقل هذا المعرض لمهرجان الفنون في أصيلة. كي يمثل أسبانيا في منتدى أصيلة الثقافي الدولي. فالمعهد والسفارة ينظمان فعاليات إسبانية تشكيلية وموسيقية ولهذا طلبوا مني هذا العام أن آتي للمشاركة بأعمالي. هذه هي قصة مشاركتي.

 هذه المدن .. وتعبر أيضا عن ثلاث حضارات .. كيف وجدت التآلف بينها أو الاختلاف

نعم، لأن هذه هي حياتي. أراقب فضاءات العالم. أسافر كي أجد الإلهام للرسم.

أدركت وأنا أرسم العمارة هنا أنها مختلفة عن العمارة الإسبانية، وكان بحثي في الأمكنة كطريقة للتعرف على بشر مختلفين. هؤلاء الذين بنوا هذه الفضاءات أو الذين يعيشون فيها.

في أعماق كل  منهم حياة. سواء كان صينيا أو فرنسيا أو أفريقيا. هذا ما شدني كثيرا. أن نعيد بناء ذواتنا من خلال المكان حولنا.

ليس حقيقيا أنها رحلة منتهية كدائرة مغلقة. بل لنقل إنها ثلاثة خطوات في رحلتي.  فرحلتي لم تنته. لذا أنا بدأت في المغرب، وذهبت للعيش في باريس. وكان لي صديق يعمل في العاصمة الصينيى بكين، وقد حدثني عن الثقافة الصينية وكيف يشعرون ويمارسون حياتهم وكيف يعيشون. من هنا بدأ اهتمامي بهذه الثقافة للمرة الأولى في حياتي.

لذلك حين أرسل لي صورة لمعبد صيني، قلت إن علي أن أرى ذلك على الطبيعة. ولذلك سافرت إلى الصين، ثم عدت إلى المغرب بعد العيش عامين آخرين في إسبانيا، أقمت خلالها عدة معارض، ثم جئت ولا أدري كيف يشرح المرء حياته. لست أدري، فأنت تقتفي خطوات طموحك.

ربما نستطيع القول إن البشر جميعا متشابهون. لكنهم في الوقت نفسه مختلفون.

وعن التشابه بيننا هو أننا جميعا نبحث عن الحماية، وننشد الأمان، ونريد أن نبني أماكن تضم حيواتنا المشتركة، ولكن كل على  طريقته.   فالألوان تختلف، والشخصيات تتباين، ولكن هناك أشياء مشتركة كما أخبرتك، هناك الأسقف التي تحمي سماء حياتنا، والأرض التي نحيا فوقها، عالم كامل ولكن بطريقة مختلفة في كيفية الفضاءات المفتوحة أو المساحات المغلقة.

وكذلك سبل الاتصال بين الأماكن. هذا مختلف وهو ناجم عن كوننا بشر لنا فلسفات تحكمنا وتتحكم فينا طرق تنشئتنا، ونشأتنا في مجتمعات مختلفة. وكذلك الخامات التي نستخدمها من أجل البناء. حتى الطعام الذي نتناوله، والعطر الذي نتنسمه، والهواء الذي نتنفسه. هذا يؤدي إلى أن يكون كل فضاء مختلفا عن الآخر.

العمارة والبشر كارلا هما مكونان رئيسيان في أعمالك كيف وجدت تلك العلاقة بين الإنسان والمكان

فلنقل ماذا اكتشفت؟

اكتشفت أن الأمكنة أحد وسائل نقل الثقافات. فنحن نعلم أطفالنا ونحاول أن ننقل تقاليدنا، ودياناتنا وسبل  عيشنا، والسلوك، والأمكنة  أيضا أحد سبل نقل الثقافة لأنها نتاج لما في داخلنا نحن ونحن نستخدمها كي نمنح حياة لأطفالنا تمكنهم من التعرف على ذواتهم وجذورهم

وكيف يجب أن تكون الحياة، هناك دائما خط يصل بينما ما كنا عليه، ويصل أيضا أمنياتنا، وآمالنا، وهذا أمر مدهش حقا.

حدثيني عن البعد الثالث في أعمالك.. مجسمات مختلفة الأبعاد الأعماق وكذلك متنوعة الخامات.. رغم صعوبة أن أسأل الفنان عن سر تقنياته …

الأمر صعب قليلا أن نحدد ذلك. حين انتهيت من دراستي الجامعية، وكنت بالطبع أرسم، ولكنني كنت أرسم بالطريقة التي اعتدت الرسم بها، خلال سنوات الجامعة. وبعد فترة أحسست أنني أريد أن أكون ذاتي، أن أذهب بعيدا في البحث عن لغتي التعبيرية الخاصة بي.

في فترة أحسست أنني أريد أن أحطم الخامات التي أستخدمها، ولم أكن أدري سبب ذلك. بل لعلني كنت أعرف، لأن لوحاتي ليست فقط تعبيرا عن ثقافات مختلفة، بل هي في الوقت نفسه تعبير عن ذاتي. وكنت أنظر لنفسي من خلال الرسم بالمثل. كما أنظر إلى نفسي من عدسة ثقافات مختلفة. ولهذا أجد أجزاء من ذاتي في أماكن مختلفة. وأجد مشاعر مشتركة بيني وبين الآخرين.

وطرق حياتهم، وليس ذلك فحسب، بل لأنني ظللت أبحث عن الأمكنة والفضاءات وعلاقات البشر بها، مثلما بحثت أيضا عن ذاتي. لذلك بدأت الخروج عن إطار موادي الخام، حتى ولو لم أعي تماما سر ذلك. ولكنني أعتقد أننا أحيانا نفهم عن حياتنا فيما بعد.

كانت أعمالي الأولى مرسومة على قماش، وشيئا فشيئا بدأت إضافة مواد أخرى إلى النسيج، وحدث هذا أثناء السفر على ما أظن، أردت أن أضيف ما هو أكثر، وأن أحطم ما هو أكثر، أن أخرج عن إطار لوحاتي، أقترب منها أو أبتعد عنها.

لذلك حين كنت في باريس بدأت بإضافة الخشب، لم يحدث ذلك آنذاك بوفرة، وهذه فكرة جاءت معي من الصين، بعمارتها التي تتميز بالكم، وبالتماثيل النحتية، وبالطريقة التي تُبنى بها أبراج الباجودات، وحين أكملت (مجموعة) من هذه الأعمال لاحظت أن هناك نوعا من هذه التقنية ستظل معي. وأنني سأبدأ في فهم الأماكن الأخرى بطريقة مغايرة.

لك عين بصيرة في مراقبة الأزياء وطرق الحياة …زخم يتضح في أعمالك

ما أرسمه هنا في المغرب الآن، يختلف عما كنت أرسمه هنا قبل سنوات. والسبب هو أنني لم أعد الفنانة ذاتها. ولم أعد الشخص نفسه.

لست متأكدة، أعتقد أنني أردت أن أكتشف دائما، وأن أفهم، فعدم معرفتي يدفعني للمغامرة بالدخول في عوالم مختلفة. وهذا يجعلني أبحث عن التكامل بين عملي وحياتي.  الحقيقة أن الحياة البشرية معقدة تماما. رغم بساطتها الشديدة أحيانا، وتعقيدها يجعلها مثل قصيدة شعرية لا نهاية لها.

كيف أطور ذلك؟ أنا أبحث وأحاول الفهم وأبقي عيني مفتوحتين على اتساعهما. وحين لا أستطيع الفهم، فأنا أحاول القبول بما هو غامض عني واحترامه ولذلك أقرأ كثيرا، وأتحدث مع الآخرين، وأكتب أيضا. كما أنني أحاول أن أتثبت من حقيقتي في الفضاءات التي عشتها. أو من خلال ما يرويه الناس عن حياتهم. ومن خلال طرق أخرى للحياة. أحاول أن أسأل ذاتي، وأن أبحث فيما أعرف، وأن أحاول الفهم.

وأنا أتفق معك كارلا في هذا المنحى …  أنا أرى هذا المعرض مثل رحلة قديم هو ابن بطوطة….. بمثابة طريق حرير فني تشكيلي جديد

 ربما يبدو للوهلة الأولى أنه بداية طريق الحرير الخاص بي وحدي. البشر في ذلك التاريخ الغابر كانوا يتبعون طريقهم بين الشرق والغرب، ولا أعلم كم اكتشفوا، فلدي عالم مغاير. منذ طفولتي كنت أعلم أنني مهتمة بالحضارات القديمة. وقد اكتشفت عظم الثقافة الصينية، مثلما اكتشفت وجود نوع من التواصل بين تلك العوالم، ولكن حافظ عليها قليلون جدا.

نحن الآن لدينا ميزة القدرة على السفر، والتواصل، لكننا نفتقد لللجدية. ففي الماضي كان السفر يكلف شهورا من التنقل، بين مكان وآخر ، ربما لا يستطيعون السفر إلا ثلاثة أو أربعة مرات طيلة حياتهم كلها. الآن نستطيع نحن أن نسافر مرات كثيرة كل عام. لدينا الكثير من التسهيلات، ويجب علينا أن نستفيد منها.

نحن محظوظون. أن تكون لدينا مثل هذه التسهيلات بالسفر. للتعرف على الناس، ولمشاركة الأشياء والحياة، هذا أمر مهم بالنسبة لنا.

 هذه التجربة المعروضة في أصيلة بموسمها 33 هناك تجاوب من الجمهور ..  دفتر التوقيعات .. زوار معرضك

 نحن نرسم في الورشة بقصر الريسوني في قصبة مدينة أصيلة،  كثير من الفنانين قدموا من بلدان شتى. يتشاركون العمل والحياة لمدة شهر كامل. وهم أيضا يتشاركون التعرف على أعمال كل منهم وتجاربهم. هناك يابانيون ومغاربة وأسبان وسوري وهناك فنان من بوركينا فاسو، وآخر من السنغال. ونحن نتحدث لغات كثيرة : فرنسية وإنجليزية وغسبانية وقليل من العربية ويحاول كل منا أن يفهم الآخر. نبحث عن الكلمات وعن طريقة للتفاهم.

وهذا أيضا جزء مهم من عملي. أن أتشارك مع هؤلاء الفنانين تجاربهم. أنا أعمل معهم وهم فنانون كبار، وليس فقط المغاربة ولكن من قدموا إلى أصيلة لاكتشاف المهرجان سواء من يعيشون في أصيلة أو من قدموا من الخارج. إنها تجربة ثرية جدا. لعمل كل واحد منا.

في الختام بم تتوجهين إلى جمهور ك من  العرب؟

الفن هو أفضل وسيلة للحياة بسلام. يجب أن يحاول كل منا أن يفهم الآخر. فنحن جميعا متساوون. لدينا الأحلام نفسها، والآمال ذاتها، نعشق ونبكي، ونبحث عن حياة أفضل، ومن المؤسي أن نفعل بعالمنا ما نفعله الآن، وانظر إلينا هنا كيف يتشارك اعمل والحياة فنانون من مختلف الأجناس والأديان والبلدان، أنا أحب المغرب والثقافة العربية، وهي بطريقة أو بأخرى جزء مني. وأعتقد أن أفضل طريقة للفهم هو الحياة معا. من الشرق والغرب، أيا كان، إنها محاولة للفهم، وأنا اخترت الفن كطريقة حياة، ولكن لكل منا طريقته الخاصة، للتواصل والفهم مع الآخرين. لكي يصنع عالمه الخاص.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات