فى ضرورة جلد الذات

02:22 مساءً الخميس 11 أبريل 2013
محمد فتحي

محمد فتحي

كاتب مصري، وأكاديمي وإعلامي، معد للبرامج التلفزيونية. وتنشر مقالاته في الصحف المصرية والعربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قبل يومين، أرسل لى صديقى على عبدالمنعم، طالباً منى الكتابة فى موضوع عن جهاد سامح، شقيقة صديقه الذى كان يعمل معهم فى «إسلام أون لاين»، التى ماتت داخل الجامعة بعد أن صدمتها سيارة كانت تقودها الدكتورة ليلى، إحدى أساتذة الجامعة. قرأت تفاصيل الموضوع ووجدتها مرعبة. بنت جميلة ومحترمة وطموحة ولها نشاط خيرى واجتماعى كانت تجلس داخل الجامعة فصدمتها سيارة الدكتورة، وداست على جسدها حتى صعدت السيارة فوق الرصيف بشهادة الشهود. الدماء أغرقت المكان، وبناء عليه نحن أمام مسرح جريمة، ومع ذلك تقول شهادات: إن الأمن جاء ليهيل التراب على الدم بمنتهى الهبل والتواطؤ، فيما بدأ الفصل الآخر من المهزلة المرعبة حين دخلت «جهاد» المستشفى ولم تجده مجهزاً، وبعدها ماتت البنت. من فضلك قبل أن تكمل السطور القادمة توقف قليلاً أمام عبارة «ماتت البنت». مجرد كلمتين لم تستغرقا منى ولو 15 ثانية فى كتابتهما لكنهما تعنيان أن حياة إنسانة انتهت، وألقت بظلالها الحزينة والمؤلمة على أب وأم وإخوة وعائلة وزملاء ومعارف، ولو لم تشعر بذلك فيكفى أن تتخيل الأمر يحدث مع أختك أو ابنتك التى نزلت كعادتها ولم تعد، ولن تعود أبداً بسبب إهمال جسيم ترتب عليه قتل خطأ، ثم تعالَ لأسألك: أين الموضوع من صحافتنا وإعلامنا؟ تقريباً لم ينشر الأمر سوى على صفحات «فيس بوك» و«تويتر»، ولم تهتم برامج الـ«توك شو» بحياة الـ«بنى آدمة» التى انتهت داخل جامعتها أو بالضغوط الشديدة التى مورست على أسرتها للتنازل عن حقوقهم وإقناعهم بتقبل القضاء والقدر.

والآن لنبدأ فى السؤال من جديد: متى بدأ الاهتمام بالأمر؟ بدأ الاهتمام حين نظم طلاب تظاهرات سلمية داخل الجامعة ثم حوّلتها حركة أحرار إلى اشتباكات بالخرطوش نتجت عنها إصابات وتعطيل للدراسة فى الجامعة، ووقتها، وقتها فقط، بدأ الجميع يلتفتون للأمر ويسألون: ما الذى حدث؟

قبلها بيومين كان هناك إضراب من سائقى القطارات نتج عنه تعطيل حركة السكك الحديدية فى مصر بأكملها، ربما منذ أيام ثورة 1919، وحين سأل الجميع عن السبب وسر سخط العمال عرفوا أن هناك مطالب لهم لم يهتم أحد بها، ما جعل الكيل يفيض بهم وينظموا الإضراب.

ما الذى أريد أن أقوله؟

باختصار: أصبح الإعلام طرفاً فى الخناقة الكبيرة التى تدور فى مصر الآن، وبالمناسبة ليس عندى أدنى مشكلة فى ذلك إذا كان يقوم بذلك بمنتهى المهنية، لكن المصيبة أنه نسى دوره الأهم فى خدمة «البنى آدم».

هناك يومياً آلاف من القصص التى تستحق أن يسلط عليها الإعلام الأضواء، لكنه لم يفعل لانشغاله بـ«مرسى» وفشله و«الإخوان» وقطر والقضايا والمحاكم، فيما لم يعطِ أحداً اهتماماً كبيراً ولائقاً بمقتل اثنين من مفتشى «التموين» فى البحيرة أثناء قيامهما بعملهما، ولا بالقسم الذى قطعه الوزير باسم عودة على نفسه بأن يتم إلقاء القبض على القتلة، وهو ما تم فعلاً خلال 48 ساعة، لكن غالب الأمر أن تناول هذا الأمر سيتم من خلال السخرية كأن يقول أحدهم: «ما دام وزير التموين جامد كده طب ما نمسّكه الداخلية»!! أو من خلال الحديث عن «تلميع» باسم عودة الذى يوشى بأنه قد يكون رئيس الوزراء القادم.

هناك كل ساعة حكايات وقصص تفضح الإهمال والفساد، وعشرات يموتون بسبب تدنى الرعاية الصحية، ومئات يبحثون عن قوت يومهم ولا يجدونه ولا يعرفون الطريق أو الطريقة، وهناك إعلام انصرف كثيراً عن «البنى آدم» لمصلحة الخناقة التى لا أطالب بأن يبتعد عنها، ولا أن يكف عن انتقاداته لـ«مرسى» وللجماعة، ولكل من يستحق النقد، لكن -فقط- أتمنى أن نقف قليلاً أمام أنفسنا لنقرر أننا -على الأقل- نحتاج للاهتمام بـ«البنى آدم» أكثر، أو على أقل تقدير بنفس قدر اهتمامنا بإسقاط «مرسى» وجماعته.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات