هل اغتال نظام (بينوشيه) شاعر تشيلي الأشهر (بابلو نيرودا)؟

02:53 مساءً السبت 13 أبريل 2013
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

من مخطوطات بابلو نيرودا

تلقينا إتصالا هاتفيا في يوم 23 سبتمبر/أيلول1973 من بابلو نيرودا حيث كان نزيلا في أحد مستشفيات العاصمة سانتييجو وكنت أنا وزوجته في منزلهما في (إيلا نيجرا) لإحضار بعض المستلزمات الضرورية،كان نص المكالمة :”عودوا بسرعة, فعندما كنت نائما جاء طبيب وأعطاني حقنة في البطن“.

….. ولما عدنا مسرعين وجدنا بابلو نيردوا قد فارق الحياة في الساعة 11 مساء نفس اليوم” .

كانت هذه حكاية (مانويل آرايا) مساعد نيرودا الشخصي الذي أكد أن شاعر تشيلي الأشهر والحائز على جائزة نوبل في الآداب1971  بابلو نيرودا قضى موتا بالسم في مستشفى بالعاصمة وليس متأثرا بسرطان في البروستاتا كما تقول شهادة وفاته .

المشهد السياسي في تشيلي قبيل وفاة نيرودا

قام ديكتاتور تشيلي الجنرال (أوجستو بينوشيه) بانقلاب عسكري دموي أطاح بالحكومة الشرعية المنتخبة وأغتال فيه الرئيس الإشتراكي الأقرب لنيرودا (سلفادور الليندي) الذي سقط شهيدا في هجوم على القصر الرئاسي لحظة اجتياح العسكر للقصر بعد أن توجه بخطاب حماسي للشعب ألهب فيه حماسة الجماهير .

كان نيرودا ينوي التوجه إلى المكسيك حيث سيقود المعارضة الدولية للإنقلابيين، وأنه تم حقنه بالسم من قبل عملاء بينوشيه الفاشيين، هذا ما أكده مساعده الشخصي مشيرا إلى أن وفاته جاءت بعد 12 يوما فقط من إنقلاب بينوشيه واستيلائه على الحكم في البلاد .

لم يسر في جنازة نيرودا يوم وفاته إلا زوجته وأفراد عائلته المقربين لأن أغلبية من كانوا سيسيرون فيها كانوا بالفعل رهن الإعتقال أو تم اختطافهم أو اغتيالهم ….

يومها ساورت رفاقه الشكوك حول توقيت وفاته وملابساتها واحتمال أنها جاءت مدبرة من قبل قوات بينوشيه انتقاما منه وتكميما لصوته المنادي بالحرية والعدالة ونهجه الإشتراكي الواضح.

جارثيا ماركيز:”نيرودا أفضل شعراء القرن 20 بكل لغات العالم “

كان نيرودا متأثرا بالفكر الإشتراكي الشيوعي، حتى أن الشاعر والكاتب اللبناني الكبير بوول شاؤول والذي قدم ترجمة عذبة لأشعار نيرودا تحدث عن الظلم الذي عاني منه شعر نيرودا بسبب إصباغ الفكر اليساري الشيوعي على مجمل ابداعاته وذلك في مقدمة كتابه عن نيرودا الذي حمل عنوان (بابلو نيرودا .. قصائد مختارة) :” مازال شعر نيرودا يحتفظ بقوته ونضارته بعد زوال معظم الظروف التي ساهمت في شحن الجماهير ضده، ذلك أن الهالات السياسية التي كانت تغلف هذا الشعر وتحجب طاقاته الهائلة وتوجهه إتجاها أحاديا قد تبددت تماما لتترك الشعر وحيدا بحياته الخاصة “.

ومن القصائد المختارة من ترجمة( بوول شاؤول) قصيدة بعنوان (مرثاة)  في رثاء الشاعر اليساري الإشتراكي(ناظم حكمت) الذي عانى كثيرا مثله من الخلط بين الإبداع الشعري والأدبي من ناحية والتوجهات الأيدولوجية والسياسية من ناحية أخرى :

 ماذا فقدنا أنا وأنتم

عندما سقط ناظم حكمت كبرج

كما ينهار برج أزرق؟

يبدو لي أحيانا

أن الشمس ذهبت معه الذي كان النهار،

نعم، كان ناظم حكمت نهارا ذهبيا

يؤدي واجبه أن يولد من جديد كل فجر

برغم القيود والعقوبات

وداعًا، أيها الرفيق المضيء

نيرودا، صوت الحرية، عشقه الثوار وقراء قصائده، وافتتن به الفنانون

لغز وفاة نيرودا ينتظر تقارير الطب الجنائي

توفى بابلو نيرودا يوم 23سبتمبر 1973،وقد تم دفنه بحديقة منزله المطل على المحيط الهادئ إلى جوار زوجته ورفيقه دربه ماتيلدا أورويتا التي توفيت عام 1985 … وقد أصدر القضاء في سان تييجو العاصمة تشيلي قرارا بإستخراج رفات جثمان نيرودا من حديقة منزله الذي تحول إلى متحف يضم مقتنياته ومتعلقاته، ولكن المهمة تكاد تكون مستحيلة فقد مضى على وفاته أربعة عقود كاملة.

خبراء الطب الشرعي جاءوا للعاصمة من الولايات المتحدة وأسبانيا والأرجنتين لفحص رفاة الشاعر الكبير ..

الدكتور (باتريشيوبوستوس) مديرمعهد الطب العدلي في تشيلي والمشرف على عملية استخراج الرفاة وفحصها يعلق قائلا:” إن مرور الزمن سيجعل مهمتنا صعبة ولكن من جانب آخر فإن التطور التقني الهائل الذي طرأ في السنوات الماضية قد يعيننا”.

من جانب آخر قالت خبيرة طب الأسنان الجنائي وعالمة الأجناس (كلوديا غايدو فاراس) :” إنه مازال ممكنا العثور على أدلة بواسطة التحاليل السمية رغم مرور هذه المدة الطويلة… إذا كان السم قد تم استخدامه بالفعل فإن العثور عليه يعتمد على نوع السم والكمية المستخدمة وعدد الجرعات التي أعطيت له”.

ولكن اللغز الكبير الذي يؤكد شكوك (مانويل آريا) مساعد نيرودا الشخصي هو غياب السجلات الطبية من المستشفى الذي صدر منه التقرير الطبي  الذي يشير إلى وفاته بسرطان البروستاتا .

مؤسسة بابلو نيرودا التي تدير ممتلكاته تصر على أنه مات بالسرطان وليس مسموما، ولكنها تؤكد أنها ستتعاون مع الفريق الطبي وطاقم التحقيق العدلي والذي سيستغرق عمله عدة شهور.

سأعود

في يوم ما – أيها المسافر- رجلا كنت أم إمرأة

فيما بعد، عندما لا أكون حيا،

أبحث، أبحث عني

بين الحجارة والمحيط،

في ضوء الزبد

العاصف …

أبحث هنا،

أبحث عني

لأنني سأعود إلى هناك دون أن أقول شيئا،

بلا صوت، بلا فم، صافيا

سأعود إلى هنا وأكون

حركة الماء, قلبه

المتوحش

وسأكون هنا تائها ومستعادا,

هنا قد أكون حجارة وصمتا،

من حجارة تشيلي .

(مختارات من قصيدة حجارة السماء لنيرودا من ترجمة بوول شاؤول )

يسجل فيلم ساعي البريد صفحة من حياة نيرودا في المنفى، قبل عودته لبلاده ورحيله، فهل نرى فيلما آخر عن دراما وفاته؟

أمات نيرودا مريضا ؟ أم مات مسموما؟؟   

جزء مهم من تاريخ تشيلي وأمريكا اللاتينية الأدبي والسياسي قد تعاد قراءته وتضاف صفحة سوداء جديدة في تاريخ الديكتاتوريات العالمية والأنظمة العسكرية القمعية والتي طالما وجدت في الكلمة المكتوبة شعرا كانت أو نثرا عدوا مباشرا،وفي صاحبها خصما عتيدا يستحق الموت.. وهنا يتبادر للذهن أسئلة عديدة مترابطة في سياقها: لماذا اختفى جثمان لوركا شاعر أسبانيا الكبير بعد مقتله على يد قوات الطاغية فرانكو؟ لماذا تم تجريد شاعر تركيا العظيم ناظم حكمت من جنسيته ودفنه في بولند وحيدا بعيدا عن الوطن؟ وأخيرا وليس آخرا، فإن مقتل شاعر أمريكا اللاتينية بابلو نيرودا مسموما- إذا ثبت صحته – بقدر إيلامه للنفس ووقعه القاسي على وجدان محبيه فإن ذلك لن يبدل من محبتنا له ولا من شعورنا كشعوب عربية بأنه الشاعر اللاتيني الأقرب لمشاعرنا ووجداننا.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات