انتقام

05:08 مساءً الجمعة 10 مايو 2013
محمد فتحي

محمد فتحي

كاتب مصري، وأكاديمي وإعلامي، معد للبرامج التلفزيونية. وتنشر مقالاته في الصحف المصرية والعربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ولاد الكلب الشياطين، الذين ينتظرون مترو الأنفاق على الرصيف، وما إن يبدأ فى المغادرة، حتى يضرب أحدهم الكوع، الذى يبرز من شباك المترو بحذائه، أو يبصق على إحدى النوافذ، ليفاجأ الجالسون باللعاب المتطاير على ملابسهم، أو يصرخوا فى فزع، وكأن أحدهم سقط تحت عجلات المترو، ليفزع الناس، بينما يسمعون بعد ثانية ضحكاتهم الساخرة، أو إنهم يضربون المترو بالزلط ويجعلونه هدفاً للتصويب بعد مغافلة عسكرى شرطة المترو، أو يسبون الناس بأمهاتهم دون ذنب، أو يتجشأون بصوت عالٍ، يثير الاشمئزاز والقرف، كل هؤلاء سينتقم منهم، فقد فعلوا فيه كل ما سبق، وكأنهم يقصدونه تحديداً دون غيره.

فى البداية، فكر فى الحديث معهم، فخرج من عمله، ووهب نفسه هذا اليوم لنصحهم فى محطة حلوان، لكنهم استمعوا إليه بلامبالاة، وهو يقول لهم:

«حرام يا ابنى اللى بتعملوه.. ترضاها لأبوك وأمك.. عيب عليكم يا رجالة»

وحين أعطى لهم ظهره، قالوا وهم يشاورون عليه :

«العبيط أهه»، ليزفوه ويجعلوه عبرة.

بعد أن هدأ قليلاً، فكر فى أن يغير خطته، فدخل بعدها بيومين، وبعد تكرار السيناريو إياه، ليشتكى لضابط نقطة الشرطة فى المترو، إلا إن هذا الأخير نظر له باستخفاف، وهو يقول:

«نسيب إحنا بقى أشغالنا ونجرى ورا العيال الصغيرة.. عيب يا حاج إنت راجل كبير ما تخلنيش أعملها معاك.. اتكل على الله».

توكل على الله فى يوم ثالث، وقرر أن يطارد من يفعل ذلك، ويقدمه للشرطة، طالما أن الضابط لا يريد القيام بعمله، وحين أمسك بأحدهم، وصفعه بقوة وهو يردد:

«مش هسيبك يا ابن الكلب» ، تجمع الناس حوله، ونهروه وهم يرددون:

«حرام عليك يا حاج».. «قدك ده».. «هتعمل عقلك بعقل عيل يا جدع إنت».. «اتقِ الله يا أخى».. «عيل وغلط.. زى عيالك معلهش».

خلصوا الولد من بين يديه، ونهروه قبل أن يتركوه، ويمشوا، بينما وقف الولد على الرصيف المقابل، وهو يشتمه، ويقول له:

«وحياة أمك لأوريك».

كان من الممكن أن ينسى الأمر تماماً، لولا أن تكرر الأمر من جديد فى اليوم التالى مباشرة، وألقى أحدهم كيساً بلاستيكياً مملوءاً بالمياه على النافذة، التى يجلس بجانبها، فارتطم به الماء، ومشى فى الشارع مبلولاً، وهكذا قرر أن ينتقم.

فى هذا اليوم اتخذ كل احتياطاته، نزل من بيته مودعاً أولاده الصغار، مؤكداً على زوجته عدم ركوب المترو، ومحذراً ابنه من أى خطأ يقترفه، مؤكداً أن العصفورة ستقول له.

اختار مقعده بعناية بجوار النافذة داخل المترو، أخرج يده كلها بعدم اكتراث فى طريق دخول المترو للمحطة، وتعمد أن تكون ظاهرة، وكأنه يعد كميناً لفريسته، وما إن دخل المترو للمحطة، وما إن لمح بعضهم يقف منتظراً إياه من بعيد، بينما المترو يهدئ من سيره، وما إن استعد، حتى فوجئ بصفعة قوية تأتيه من داخل المترو.

التفت سريعاً، ليجد رجلاً طاعناً، يعاجله بصفعة أخرى، ويضربه بعصاه التى يتوكأ عليها، وما كاد يفيق من الصدمة، حتى صرخ الرجل فى وجهه:

«مش عيب عليكم يا ولاد الكلب.. عايز تضرب النسوان وتحط إيدك عليهم يا وسخ»، حاول أن يتكلم، أو يدافع عن نفسه، لكن الناس التفت حوله:

«إيه قلة الأدب دى يا عم إنت.. إيش حال راجل كبير»

وأجبره أحدهم على النزول فى محطة المترو التالية، وهو يسبه، بينما كان يبكى بشدة.

فى اليوم التالى كان قد تعلم الدرس..

نزل مشحوناً، ركب المترو، جعل يده فى الداخل، ظل فى المترو ذهاباً إياباً، حتى رأى أحدهم، وقد أصبح يعرفهم جميعاً بمجرد النظر.

وفى اللحظة التى مد أحدهم يده ليصفعه من خارج المترو، وقت مغادرة المترو للمحطة، أمسك بيده.

فوجئ الولد، وفوجئ ركاب المترو، وظن الجميع أنه سيترك يده، بعد أن جعله يشعر بالذعر، لكنه ظل ممسكاً بها، والمترو يمشى، فاضطر الولد أن يجرى مع المترو، وهو يصرخ، وبدأت الصرخات تتعالى، والمترو يكمل طريقه، والسائق غير عابئ بما اعتاد أن يسمعه، بينما صاحبنا يجذب الولد وهو يصرخ:

«عشان تحرموا يا ولاد الكلب.. عشان تحرموا يا ولاد الكلب»، ولم يترك يده، حتى بعد الدماء التى ارتطمت فى وجهه، والمترو يدخل إلى النفق، والناس تواصل صراخها، بينما هو يضحك بشدة.

(قصة من مجموعة.. محاولة أخيرة لقتل بوجى)

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات