موسم الهجمة على الجيوش!

06:01 مساءً الأربعاء 15 مايو 2013
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تزامن الهجوم علي مؤسّسة الجيش في مصر و تونس: هل هو محض صدفة ؟

مظاهرة سلفية في تونس، صورة أرشيفية

منذ اندلاع الانتفاضات التي بدأت في تونس ثم انتقلت إلى مصر فيما أطلق عليه زورا وبهتانا ربيعا عربيا و ثورة ياسمين إلخ ؛ و على الرغم من رفض قطاع شعبي كبير في تونس لمصطلح “ثورة الياسمين ” إلا أن الإعلام الغربي و حلفائه المعلنين و المستترين في المنطقة أصروا على تكريس المصطلح ؛ و لا أخفي على القراء الكرام سرا حين أقول أنه قد ساءني منذ اللحظة الأولى تسمية هذا الحراك الاجتماعي الثوري بالربيع فقد أطلق هذا المصطلح على تحركات مشابهة في أوروبا الشرقية في نهاية عقد الستينات أشهرها ” ربيع براغ” و صعود أسماء مثل ” دوبتشيك” .. ثم دارت الأيام لنكتشف أن الكثير من قادة هذه الحركات و محركيها كانوا ممن ارتبطوا سرا مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه ” بشكل مباشر .. تماما كما حدث مع بعض الأسماء التي ظهرت فجأة خاصة في مصر و تحولت لرموز أبدى الرئيس الأمريكي ” أوباما ” الإعجاب بها علنا و تم ترشيحها لجوائز دولية دون أن يكون لها تاريخ وطني يذكر و لذا تم التكريس لهم إعلاميا من أجل صنع تاريخ لهم و لو من خلال إبتزاز معنوي عبر دموع التماسيح في البرامج الليلية و ما إلى ذلك وهذا بطبيعة الحال على سبيل المثال لا الحصر.

خرج اليمين الديني المتطرف من وراء قناع الاعتدال

فجأة توارى هؤلاء الأبطال الوهميون المصنوعون عن صدارة المشهد بعد أن قاموا بعملية التمويه المطلوبة منهم لتظهر قيادات اليمين الديني المتطرف في ثوب معتدل بعد أن تم الاتّفاق مع الإدارة الأمريكية الحاليّة التّي منحتهم دور البطولة مقابل ضمانات سريّة و علنيّة في صدارتها أمن ” الكيان الصهيوني ” الذي ما أن تأكّد للإدارة الأمريكية أن اليمين الديني قد صدق وعده في حماية أمن “الدولة العبرية” حتّى خلع اليمين الديني المتطرف ثوب الإعتدال و أظهر وجهه القبيح بصورة مذهلة خاصة في مصر .. ؛ و من حنث بيمين دستورية إلى عدم وفاء بالعهود إلى إعلانات دستورية باطلة يتم إلغائها دون إلغاء أثارها الكارثية و جمعية تأسيسية مشكوك في شرعيتها إلى دستور ملئ بالعوار بشهادة بعض من وضعوه ؛ و النظام نفسه الذي وعد بإجراء تعديلات فيه فيما بعد ؟! ؛ وصولا إلى مجلس شورى مشكوك في أمره هو الآخر و مع ذلك منح حق التشريع على الرغم من كونه منتخبا بنسبة 7% من الأصوات وحوالي ثلث أعضائه معينين .. ؛ لا أحب أن أستطرد فيما هو معلوم لدى العالم بأسره و تتغاضى عنه ما يسمى بدول العالم الحر و على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية المتواطئة ربما إلى حين.

بيد أنه لابد من ذكر أن المؤسستين القضائية و الإعلامية قد تعرضتا لهجمات في غاية الشراسة في مصر و تونس ” بالحق و بالباطل ” و هو ما يهدد بتقويضها تماما خصوصا و أن هذه المؤسسات لا تمتلك عناصر القوة المادية ضمن أدواتها في مواجهة يمين ديني سياسي متطرف لديه ميليشيات كانت و مازالت و ربما ستظل تعتدي بالعنف المادي على كل من يعارضها في الرأي إعتداءات وصلت إلى حد القتل و هو ما رأيناه في أحداث “قصر الإتّحاديّة ” في مصر من  ” قتل و تعذيب ” و منه ما حدث داخل أسوار قصر الإتحادية ؛ ثم في تونس و ما و قع من صدامات بين أنصار اليمين الديني و المعارضة و التي تصاعدت حتى بلغت تونس محطة الإغتيال السياسي الأولى مع أغتيال ” لطفي نقظ ” الكاتب العام الجهوي لإتحاد الفلاحين التونسيين و القيادي ” بحركة نداء تونس ” أكبر حزب معارض للترويكا الحاكمة ؛ إلى أن بلغ العنف ذروته مع إغتيال الزعيم اليساري ” شكري بلعيد ” و الذي أجّج إغتياله الشّارع السّياسي التّونسي و الدولي ..

– خلال تلك الأحداث كانت علاقة الحكام الجدد مع قوات الأمن الداخلي خاصة الشرطة تراوح ما بين الشد والجذب و التهديد بتفكيك تلك المؤسسات و إعادة هيكلتها لإدخال أعداد كبيرة من أنصار اليمين الديني ؛ أو محاولات تدجين تلك المؤسسات بوسائل عدة منها وضع قيادات موالية للحكام الجدد .. ؛ لكن المؤسسة التي بقيت عصية على الإختراق بالنسبة لليمين الديني المتطرف كانت هي الجيش نظرا للتركيبة المعقدة و الأكثر انضباطا التي تحكم هيكل تلك المؤسسات ..

مظاهرة سلفية في بنزرت، تونس، صورة أرشيفية

– و على الرغم من أن الجيش في تونس يختلف عن الجيش في مصر أنه كان بعيدا تماما عن مجريات الحياة السياسية منذ الإستقلال ؛ إلا أنه قام بدور شريف و مشرف في حماية شعبه و الوقوف إلى جانبه عندما إنتفض ضد نظام ” بن على ” ؛ و الأمر نفسه هو ما كان من الجيش المصري على الرغم من بعض الجدل الذي ثار حول أحداث معينة فضلا عن أسلوب إدارته للبلاد ؛ و قد ساهم في تضخيمها و تزيفها تيار اليمين الديني المتطرف الذي بدأ دوره المشبوه في الإتضاح يوما تلو الآخر خاصة في مصر التي قام أنصار تلك التيارات بتهريب ملابس الجيش المصري إلى “قطاع غزة ” و ليبيا ” و هو ما يعني خلق تهديد لمصر من جهتي الشرق و الغرب و ربما الجنوب حيث تتواجد عناصر تنظيم القاعدة و الإخوان المسلمين التي يمكنها التنكر في هذا الزي و الإندساس وسط جيش البلاد للقيام بأعمال إرهابية أو تصرفات تسيء لصورته وهو ما قيل أنه حدث من قبل على أيدي عناصر من “حركة حماس” و ” حزب الله ” .. ؛ جدير بالذكر في هذا الموضع أن الجيش المصري الذي تحمل عبئ حماية البوابة الشرقية للأمة العربية الإسلامية منذ ظهورها ؛ بدءا من إنتصاره على التتار و الصليبيين و حتى اليوم .. ؛ و كونه الجيش العربي القوي الوحيد الباقي في هذه المنطقة التي تتصارع عليها عدة قوى منها ” الدولة العبرية ” و ” تركيا ” و “إيران” .. بعد تدمير الجيش العراقي و إنهاك الجيش السوري في حرب داخلية مع المعارضة و حلفائهم المرتزقة ؛ و هو ما أظن أن هناك من يحاول إستدراج الجيشين المصري و التونسي له ؛ و قد بدا ذلك جليا من خلال تواجد للإرهابيين في شمال سيناء في مصر حيث وقعت عمليات إرهابية أشهرها قتل ستة عشر جنديا مصريا في “رفح المصرية”؛ و بالنسبة لتونس فهو ما يحدث منذ فترة و حتى الآن من عمليات إرهابية في ” جبل الشعانبي ” في ولاية “القصرين ” بالقرب من الحدود الجزائرية  ..

– لن أتعرض عن قرب سيناء الشمالية من حدود فلسطين و بالتحديد ” قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس ” ؛ و لن أسلط الدور أكثر على منطقة “جبل الشعانبي” التونسية على حدود “الجزائر” التي ربما فر إلى داخلها عناصر القاعدة الهاربة من “مالي ” والتي أعلنت الطوارئ هي الأخري في سبع ولايات .. فهذا معروف للعالم بأسره .. ؛ لكن الأمر المؤكد أن التفسير التآمري لابد أن يفرض نفسه بقوة على الموقف حينما يتعرض الجيشان المصري و التونسي للهجوم من تيار بعينه و في نفس التوقيت و ما أكثر تزامن المواقف في الشارع السياسي في تونس و مصر لكن أكثر الناس لا يعقلون خاصة في المعارضة ..

قيادي من اليمين الديني المتطرف يدعى عبد السلام بسيوني

– وقد روعني أن يأتي قيادي من اليمين الديني المتطرف ” عبد السلام بسيوني” و بحضور ” يوسف القرضاوي” أحد عرّابي ذلك التيار و المعروف بمواقفه المزدوجة ” موقف معلن و آخر سري ” ليدعو على الجيش المصري مستمدا بركات شيخه القريب من “دويلة قطر ” التي تلعب في المنطقة اليوم دورا مشبوها لا يخفى على أحد  من خلال سياساتها و إعلامها و من المضحكات المبكيات أيضا مخابراتها ؛ تزامنا مع ذلك يقف قيادي سلفي في مدينة ” بنزرت” أحد المعاقل العسكرية التونسية الهامة خطيبا وسط أنصار تياره أمام مقر الولاية ليهاجم الشرطة و الجيش واصفا إيّاهم أنهم في خدمة الطاغوت بخطاب تكفيري محرض ثم يدعوهم لأتباع منهج الحق الذي يظن أنه ممثله لاشك ؛ و يخرج زميل له منتميا لنفس التيار الذي تدعمه بعض أطراف قريبة ممن هم في سدة الحكم ليعلن أن بن لادن هو رسول هذا الزمان وبطله .. ؛ لم يسفر حكم أمثال هؤلاء إلا عن الخراب و الدمار و الأشلاء و لننظر جميعا نحو ” أفغانستان ” و ” الصومال” ثم لننتقل إلى نظام الإخوان الذي قسم “السودان ” و مازال .. و أفقرها فيما رئيسها مطارد في أربعة أركان الأرض من قبل المحكمة الجنائية الدولية التي أصبح سيفها مسلطا على رقبته لكي يرضخ للنظام العالمي الجديد طوعا أو كرها قبل أن ينتهي دوره و يستغنى عن خدماته ؛ و بناء على ما ذكرناه آنفا لابد للشعبين التونسي و المصري من الإلتفاف حول جيوشهم الوطنية لأنها لا تنتمي لأيديولوجية أو مذهب سوى أرضها و شعبها ؛ أن هؤلاء جنود بواسل و رجال لا يقبلون أبدا أن يكونوا عسكر عثمانليّة تحت أمرة ” أردوغان ” و حلفائه العبريين و القطريين و الأمريكان .. ؛ كما أنه لابد أيضا من إدراك دلالات الأماكن التي إختارتها قيادات اليمين الديني المتطرف لتوجيه ذلك الخطاب الكارثي في نفس التوقيت ؛ فلا يمكن إغفال أن ذلك الخطاب في الحالة التونسية وقع في مدينة ” بنزرت ” الإستراتيجية على مستوي جنوب المتوسط بأكمله و التي تعد من أهم معاقل الجيش التونسي منذ حقبة ما قبل الإستقلال ؛ و في الحالة المصرية كان ذلك الخطاب المشبوه في سيناء و شمال سيناء .. بالتحديد قدس أقداس العسكرية المصرية و بوابتها الشرقية الأقرب لفلسطين و الشام الكبير ؛ فضلا عن كونها النقطة المسيطرة على قناة السويس و خليج العقبة و الحاكمة لسواحل البحرين الأحمر و المتوسط ؛ و لايمكن فصل ذلك عن ما يتردد حول مشروعات مشبوهة و قوانين يراد تمريرها بليل تستهدف ” قناة السويس ” و “سيناء” ؛ أغلب الظن أن ما يحدث في المنطقة مرتبط ببعضه و بخطة دولية خيوطها الرئيسة تدار من خارج المنطقة تحرك داخلها دمى ملأت قياداتها رؤوسها بأوهام إستعادة الخلافة و أحلام إمبريالية حتي أنهم فقدوا الإيمان بفكرة الوطن فيما أسمى أحلامهم العودة إلى حظيرة الدولة ” العلية .. لبني عثمان” و هو ما صادف هوى عند ” أردوغان ” الذي يحلم بإستعادة الإمبراطورية العثمانية و إن كان ذلك مشروعا بالنسبة لرجل يحلم بإستعادة مجد بلاده .. فهو ليس مشروعا بالتأكيد لبعض العرب الذين لا يدركون أن بلادهم عاشت ذروة إنحطاطها في عهد تبعيتها للدولة العثمانية بإسم الإسلام الذي لم يراعيه حكامها العنصريون القتلة خاصة مع أبناء دينهم في تلك البلاد ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات