المدونة: نورهان محمود
مدونتها: نُ
بدايةً أنا لا أهدف هُنا لإثبات حقائق , و لا أهدف لمقارنة بين عقائد ,
إنما أعبر عن أفكارى الخاصة و بعض الإستنتاجات من وحى بعض القراءات التى رُبما يكون فهمى لها خطأ و رُبما صحيح .
قديماً فى العصور الوسطى فى ظل الإيمان بـ ” تعدد الآلهه ”
فى عهد ما قيل عنهم إنهم ” وثنيين ” نظراً لعبادتهم الحِجارة حيثُ ( الإله الواحد ) يعيش معهم على الأرض مُتجسداً فى التماثيل دون أن يكشف عن نفسة وعن وجهه الحقيقى بل و ينقسم على ذاته فى عِدة أجساد لتماثيل فيكون تارة فاعل للخير و تارة فاعل للشر , و تارة مُسبب للداء و تارة أخرى هو الشفاء , فيستدعون كل فاعل منه ( الله ) وفق إختصاصة اى ( تصورهم الذهنى عنه ) ليُخلصهم من فعلتهم البشرية التى تسببت فى الشقاء و الدمار أو أياً كان , يستدعونة فى الضِيق و العُسر و يشكرونة عند الخلاص و اليسر .
أعرف ستقولون و لكنهم أعتقدوا بالفعل بوجود أن الله ليس واحد و إنما هناك الكثير منه.
حسناً وما الضرر فى أن ( يعتقدوا و يتصورا ) أن هناك أكثر من الله واحد ؟
إذاً قم بإعادة ما كتبت فى السطور الأولى لتجد الجواب واضح ,
إنها مجرد تصورات , وهى تصورات طبيعية بديهية لما كان العلم قد وصل و ما كان العقل البشرى يستطيع أن يُدرك , و لأنهم لم يتمكنوا وقتها من إستيعاب كيف لكل هذا الكون أن يكون القائم عليه ( واحد فقط ) بل و ( وحده ) , كيف تكون المتناقضات كما تصوروها أن تكون صادرة عن ( واحد ) فقط , لم يتمكنوا من إستيعاب إنها ( تعدد ) و إنه ( واحد قادر ) بلغة عصرنا الحالى ,
إذاً كما أرى لا مجال للقول هُنا بإنهم ( مُشكرين ) على الأقل فى نظرى , لأنهم بالفعل لم يشركوا بالله أحد و إنما لم يتمكنوا من إستيعاب و تصديق أن يكون هو الفاعل لكل تلك العظمة ,
ألم يحدث معك و أنت صغير أن وقفت لتتأمل السماء فـ بتلقائية فتحت فمك و إتسعت عيناك من هول الدهشة وحين سألت من فعلها و رفعها فأخبروك إنه الله فلم تصدق ؟
إنك لم تصدق هذا وقتها هنا لا يعنى ( الإنكار ) و إنما عجز عقلك عن الاستيعاب ,
إنها تلك الدهشة الصادمة التى تظل بعدها قدراتك العقلية و مُخيلتك مُعطلة .
و ماذا عن النبى ( إبراهيم ) الذى تمرد على الأصنام ولم يصدق إنها الله ؟
فـ إتجة نحو خالق آخر كـ الشمس و النجوم ثم تمرد على عقله و رفض عبادتها ثم ظل يبحث و يتفكر حتى وصل و لم تكن رحلتة إلى الله بقصيرة , و أدرك بعد حين إن كل ما كان يعبد يومً ما هو تجلى لله و ليس الله ذاته .
و من قال إن هؤلاء الوثنين لم يحاولوا فى وقتٍ ما تجاوز حدود تفكيرهم و التَفكُر فى أبعد من تلك التصورات البديهية , و الدليل أن بعضهم بدأ بترك عبادة التماثيل لأنه رفض أن يكون الله مجرد حَجر جامد لا قوة له ولا قدرة و قرر أن يرتقى بفِكرة و تصورة ليرتفع بتصور الله من الأرض للسماء , و مضى الكثيرين للبحث عنه ,
فكانت ( المسيحية ) قد بدأت بالأنتشار قائمة على فِكرة ( الوحدانية ) و الانتقال من ( الإله المُتعدد ) لـ ( الإله الواحد ) و تعارك الفريقين ليُثبت كُلاً منهما إنه الأسمى وإنه على صواب
رغم أن معاركهم جميعاً كانت محض وهم لإنها لا تهدف إلى مَنحى ( دينى ) و إنما إلى مَنحى ( تصور عقلى ) بل وزاد عليها إمتلاك ( السلطة ) الدنيوية على الآخرين و الهيمنة , و غطت الدماء الارض بأسم ( الله ) الذى هو برىء من كل هذا و ذاك , كما فعل اليهود أيضاً.
و هُنا كانت تصورات المسيحين لا تختلف كثيراً عن تصورات الوثنين فى الأعتقاد , كيف ؟
قبل أن أقول كيف هذا , ينبغى أن تلاحظ إننى هُنا لا أتحدث عن ( الديانة المسيحية ) او ( الوثنية ) و إنما أتحدث من البداية إلى النهاية عن إعتقاد ( الأشخاص التابعين للمسيحية ) و ( الاشخاص التابعين للوثنية ) فليست الديانة ذاتها بجوهرها هى المُتدينين الذين يتبعونها ,
المهم لنُجيب على السؤال ,
و أقول إن تصوارتهم لـ ذات الإله واحدة بمعنى إن المسيحين فى البداية ( أعتقدوا ) بأن ( عيسى المسيح ) هو ( المُجسد لذات الله ) على الأرض حيثُ كان له أن يعرف ما يعرف الله و ينطق بلسان الله بل و كان يشفى كل المرضى من جميع الامراض , حيثُ جاء إليهم بـ ( الانجيل ) وهو ( التبشير ) من الله , ثم تغير فكرهم و أعتقدوا إنه ( ابن الله ) كما ذُكر فى انجيل متى و انجيل لوقا ومن هنا كان لـ عيسى نفس ذات قداسة الله , وكان قول عيسى المسيح يُطاع لأنه قول الله , إذاً الله هنا فى تصورهم الفعلى ليس واحد و إنما مُنقسم على ذاته بين الذى فى السموات العُليا لا يُرى و الذى هو بقداستة على الأرض بين البشر, فأصبح عيسى ( معبود ) و ليس مثلهم عابد للمعبود له قداستة الخاصة , حتى بعد مماتة و إلى الآن ,
فألا ينطوى ذالك على نوع من ( الشرك بالله ) أو مُخالفة القاعدة الإيمانية ( لم يلد و لم يولد ) ؟
الأجابة متروكة لعقولكم ,
أما أنا أرى أن المسيحين يفعلون مع عيسى ما فعل الوثنين مع الأصنام و إن أختلفت الصور و الطريقة المهم أن نهج التفكير واحد , أعلم أن المسيحية و الفِكر المسيحى فى العقل الجمعى قد تغير و أرتقى إلى حدٍ ما وأن تعدد التصورات تختلف بتعدد المذاهب وأن هُناك من يؤمن أن عيسى هو ( نبى الله ) و ليس ( ابن الله ) وهناك من هو ثابت على إعتقادات القدماء ,
وفى كل الأحوال فأنا و عن واقع مُعاش ثَبت لىِّ أن بعض المسيحين كـ بعض المسلمين هم أهل ( تقديس أشخاص ) حد ما يُقال عنه ( شِرك بالله ) , و هم جميعاً يشتركون فى ذلك من حيثُ التصور و الإعتقاد العقلى و الخيالى و إن أختلفت العقائد الدينية و المذاهب داخل كل ديانة ,
فهل يعنى هذا إنهم يخالفون جوهر ديانتهم بالقول بـ ( وحدانية الله ) و إن هذا ينطوى على من ( الشرك بالله ) ؟
و لكن كيف ؟
ايضاً الإجابة متروكة لعقولكم ,
اما أنا أقول إنه إذا ذهبت إلى ( مسجد السيدة نفيسة ) أو ( مسجد الحسين ) ستجد أن هُناك مئات الأشخاص المسلمين قادمون من مُختلف المحافظات ليقدموا الهدايا لهؤلاء الاشخاص الموتى و يسألونهم أن يجيبوا دعائهم بالزواج و الخِلفة و النجاح و الانتقام لهم من فلان و الرزق المادى ثم يطوفوا حول المقام و يلمسوه بنعومة ليأخذوا البركة!
و إذا حضرت ( المولد ) و لنقل ( مولد السيدة زينب ) وأنا أشاهدة بالفعل كل عام فى شارعنا ستجد أن الجميع من المسلمين المتواجدين يفعلون ما يفعله هؤلاء مع مقام السيدة النفيسة ولكن هناك إختلاف تلك المرة , فالناس جميعهم يلتفوا حول المدعو ( الشيخ ) ويسألونة البركة و الدعاء و الشفاء!
هل تستطيع أن تخبرنى بماذا يعتقدوا بالفعل غير أن هؤلاء الاشخاص سواء الشيخ او السيدة نفيسة قادرين بالفعل على الشفاء و منحهم الرزق و إستجابة الدعاء كـ الله ؟
لا تقل لىِّ إنهم قِلة قليلة من المسلمين , و إنهم جُهلاء فقراء بمعنى إنهم غير مُتعلمين ,
لأنى سأخبرك إنى رأيت بعينى من هُم أغنياء جداً , و أعرف منهم من هُم على درجة عالية جداً من العلم ,
لننتقل إلى ( الكنيسة ) إذا ذهبت إلى الكنيسة اياً كانت ستجد أن المسيحين بمجرد دخولهم من الباب يبدأون بلمس و تقبيل تلك اللوحات لمن يطلقون عليهم ( شهداء المسيحية ) اى الذين ماتوا فى سبيل نشر الديانة او الذين تمسكوا بدين المسيحية و رفضوا ان لا يعتنقوها ومنهم ( القديسة باربارة ) و ( مارجرجس ) , يفعلون ذلك لتحل بهم البركة ثم يصلون ويسألونهم الشفاء و الخِلفة و الرزق و النجاح و منهم من يكتبون دعاء خاص فى ورقة و يضعونة بجانب حوض الشموع , وقد رأيت أنا ذلك بعينى , و رأيت تلك المرأة التى ركعت على ركبتها أمام ( راهبة و قديسة ) بالكنيسة بعد أن فقبلت يديها و راسها لتُباركها بالصليب ثم تسألها أن تجيب لها الدعاء بإنجاب ذكر !
حتى هؤلاء الذين يدعون ( المُلحدين ) رغم إنكارهم لله و عدم الأعتراف بوجودة , فهم يؤمنون بـ ( العقل ) و يعتقدون بقدراتة اللامحدودة لكنهم لا يستطيعوا القول بإن العقل قد خلق نفسه أو خلقهم , و لا إنه وجد هكذا من عدم , فهم يمجدون العقل وفق تصورهم كإنه الإله الذى هو مِلك الله بالأساس , فما الله سوى عقل العقل و مُحرك العقل .
ومن ثم
قد بلغت قداسة ( النبى مُحمد ) عند المسلمين أقصاها ,
و بلغت قداسة ( النبى عيسى ) عند المسيحين أقصاها ,
و بلغت قداسة ( التماثيل ) عند الوثنين أقصاها ,
و بلغت قداسة ( العقل – هيباتيا ) عند المُلحدين أقصاها ,
بل و قد بلغت قداسة ( طُهّر العذراء مريم ) عند جميع نساء العالم ما يفوق مداها ,
و بلغت قداسة ( الصليب ) حد إنه دليل على مسيحيتك ,
و بلغت قداسة ( السِبحة ) حد إنها دليل على إسلامك ,
إذاً قُل لىِّ ما الفرق بين هؤلاء من المسلمين و هؤلاء من المسيحين و الوثنين و المُلحدين الذين كانوا يسألون التماثيل أن تستجيب لهم الدعاء و تفعل لهم هذا و ذاك ؟
ولماذا هؤلاء , فلـ أسألك أنت :
ألم تدعو الله فى يوم أن يرزقك الصُحبة الصالحة ؟
و فى يوم آخر دعوت الله أن ينتقم لك من صاحبك الذى سرقك ؟
فأنت فى المرة الأولى دعوت الله بتصورة كـ رازق يهبك فعل الخير ,
و فى المرة الثانية دعوت الله بتصورة كـ مُنتقم ينطوى على فعل شر ,
هُنا هل يمكنك القول بأن هذا ينطوى على تناقض ؟
هل يمكنك القول بأنك قد أستدعيت فى المرة الأولى إله خير , و المرة الثاينة إله شر ؟
بالطبع لا , كل ما فى الأمر هو ( تصور ) منك عن لله ,
لأنه إذا كان إجابتك على السؤال الاول بـ ( نعم ) فهذا يعنى إنك ( تنفى عن الله تكاملة و كماله )
و إذا كانت إجابتك على السؤال الثانى بـ ( نعم ) فهذا يعنى إنك قد جعلت هناك ( شريك ) آخر لله
فالله ليس كـ مثله شىء , و له أسماء المُتعددة التى تتضمن صفات مُتعددة تبدو ( فى ظاهرها مُـتناقضة ) كـ الرحمن و الجبار , و هى فى باطنها مُتعددة حد التكامل التام , و من ثم فهو الكامل الذى ليس كـ مثله شىء ,
و بالتالى هذا يعنى إن ( تعدد الآلهه ) ليس إلا ( تصورات مُتعددة لـ ذات الإله الواحد )
و أن الوثنين لو كانوا قادرين على الإدراك التام و إمتلاك الفكرة لكتبوها و عبروا عنها كما حاولت أن أفعل , و لو كان البعض من المسلمين و المسيحين يُدرك ذالك لما فعلوا ما يفعلوا من تحقير فِكر الآخرين و قتلهم بأسم الدين ,
ولعل من الواضح إننى لم أهدف لتبنى الدفاع عن أحد أو الهجوم على آخر , إنما فقط عرض ما أزعُم إنى أدركتة و ما أفكر به , فلو كان لنا فى بلادنا و بقناعة ذواتنا مساحة كافية من الحوار و التفاهم و إحترام أفكار بعضنا البعض مهما عارضت مُعتقدتنا لكُنا مهما تعددت مذاهبنا الدينية و الفكرية و السياسية أمة واحدة , يوحدنا الأختلاف و لا يقسمنا حد قتل بعضنا البعض بل و أنفسنا بإسم هذا الوهم الذى يُدعى ( التدين الحق ) و الظن بإمتلاك معرفة الدين و مقصد الله .
فى النهاية أقول :
الله واحد عند الجميع , يتعدد بتعدد التصورات فى جميع الأذهان ,
فلا أنت و لا أنا نبى لنُدرك ماهية ذات الله بالفعل , و يبقى آنـا من روح الله ,
فتَصور بعقلك البشرى و فِكرك المحدود ما تشاء من تصور و كُن مُختلف , كأن تتأمل السماء و الكون و تتوهم إنك قد عرفت ما بها و من ثم أنت قادر على تصور ما وراءها فلا تعرف , فتأمل تأمل و حاول أن تتحد بروحك مع السماء و يبقى الله مُجرد من كل تصور و خارج الآفاق .
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.
rody
29 مايو, 2013 at 2:57 ص
حلوة يا نور تسلم ايدك بس حاسه ان في حاجه ناقصة بس مش عارفه ايه هي اول ما اعرف هقولك