فى السينما: إنهم يسرقون اللوحات

01:09 مساءً الإثنين 24 يونيو 2013
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يتجه اللصوص إلى حيث توجد الثروة..

يضعون الخطط المتقنة، من أجل الحصول على هذه الثروات، ولعل المقتنيات الفنية، خاصة اللوحات، هى البؤرة التى يسعى اللصوص إليها، مع الارتفاع المتلاحق لأسعار هذه اللوحات، ورغم أن السارقين يعرفون مدى خطر بيع اللوحات المسروقة.

اللصوص هنا بالغى الذكاء، يضعون خططا شديدة الدقة، ضد كافة الشفرات، والخطط الأمنية، وفى أغلب الأحوال فإنهم يحصلون على غنيمتهم، ويلوذون بالفرار، وهناك حالات كثيرة فى الواقع أكثر غرابة من الخيال بدليل أن لوحة “زهرة الخشخاش” لفان جوخ سرقت مرتين، المرة الأولى عادت إلى حوائطها سالمة بعد عامين، والمرة الثانية اختفت تماما عن الأنظار دون أن نعرف هل ستعود أم لا، لكن لا شك أن أسرار السرقة فى المرتين لا يعرفها أحد بما يعنى أن خيال المؤلف السينمائى لن يصل أبدا إلى حدود مخيلة السارق الذى نفذ عمليته بدقة واتقان وفاز بما سعى إليه.

الأرقام الفلكية لأسعار اللوحات تغرى اللصوص بالسرقة، كما أن مثل هذه العمليات اللصوصية تغرى أيضا كتاب السيناريو باستلهام قصص الواقع.. والذى دفعنى إلى كتابة هذا المقال، هو عرض الفيلم الأمريكى “مناورة” من اخراج مايكل هوفمان وبطولة كولين فيرت وكاميرون دياز، انتاج أمريكى عام 2012، وهو بمثابة اعادة انتاج لفيلم أمريكى بنفس الاسم، وكان يحمل عنوانا تجاريا فى مصر هو “خداع راقصة” اخراج رونالدنيم وبطولة مايكل كين وشيرلى ماكلين انتاج عام 1967، والمثير فى الموضوع أنه بعد عرض الفيلم القديم بسنوات قليلة، تم القبض فى مصر على عصابة حاولت التسلل إلى أحد المتاحف، وفى أثناء التحقيقات اعترف اللصوص أنهم استوحوا خطة التسلل إلى المتحف وسرقته من وحى ما شاهدوه فى “خداع راقصة”.

بالرجوع إلى مجموع الأفلام العالمية خاصة الأمريكية، التى تعرضت لسرقة اللوحات من المتاحف، فإنها تنتمى فى الغالب إلى السينما الضاحكة، وتم النظر إلى سرقة مقتنيات المتاحف على أنها أقرب إلى عمليات النصب، يستخدم فيها اللصوص، الطرفة، والذكاء، وغالبا يظفرون بما يريدون، ولا ينالون من العقاب ما يستحقون، وكأنهم فعلوا ذلك على سبيل المزاح، والتفكه، فهم فى النهاية لم يسعوا إلى القتل، أو سفك الدماء، لذا، فإن عمليات سرقات اللوحات فى السينما غالبا ما تنجح، وهى أيضاً غامضة، مثل سرقة اللوحات فى الواقع، وعلى رأسها حكاية سرقة اللوحات الكبرى، ومن أبرزها “الجيوكندا” لليوناردو دافنشى.. التى حدثت فى الواقع منذ قرن بأكمله.

هذا العام، وفى شهر ديسمبر القادم، تمر مائة عاما على السرقة الكبرى للوحة “الجيوكندا” حين قام عامل طلاء كان يعمل بمتحف اللوفر بسرقتها، آملاً فى إعادتها مقابل جزء من المال إلى بلدها الأصلى ايطاليا، وحسب معلوماتى، فإن السينما العالمية، لم تقدم فيلما عن هذا الحادث، إلا فى عام 1966، فى فيلم ايطالى بعنوان “سرقة الجيوكنده” بطولة جورج شاكيرس ابتعدت احداثه تماما عن قصة عامل الطلاء الذى سرق الجيوكنده.

فى سنوات الستينيات من القرن الماضى، انتشرت ظاهرة الأفلام التى تحكى قصصا عن سرقة اللوحات، وقد ارتبطت القصص أيضاً بعمليات تزوير اللوحات، أو المقتنيات، ومن أبرز هذه الأفلام “كيف تسرق مليون دولار” اخراج ويليام وايلر، وبطولة أودرى هيبورن، وبيتر أوتول، ويعنى هذا أننا أمام عمل مهم من أسماء من شاركوا فى عمله عام 1966، وأيضاً “توبكابى”، وهو اسم متحف تركى شهير، من اخراج جول واسان، وبطولة ميلينا ميركورى، وبيتر اوستينوف، ومكسمليان شل.. ثم سوف يأتى فيلم “خداع راقصة” فى عام 1966 ايضا، حيث كان لكل مجموعة من اللصوص خططهم للدخول إلى المتحف، والحصول على المراد، وسط اجراءات أمن مشددة، أو حراسة محاطة بأجهزة رصد بالغة التطور.

لم يكن هدف اللصوص فى “توبكابى” هو سرقة لوحة، بل قطعة من الزمرد الثمين تعود إلى السلطان محمود الأول موجودة فى متحف توبكابى، وقد قامت امرأة تدعى اليزابيث باستجلاب عدد من اللصوص المهرة من أوروبا، كى ينزلوا إلى حيث توجد الزمردة، دون أن يلمسوا الأرض، بعد أن نجحوا فى تعطيل أجهزة الانذار لوقت قصير جداً.. ونحن هنا أمام فليم كوميدى يعتمد على التوتر والحركة، فاللص الذى سوف يتدلى من أعلى المتحف، هو فى بدانة بيتر اوستنوف، ويرى الفيلم أن اللصوص ظفروا بالزمردة، لكن مصيرهم أيضاً إلى السجن.

أما فيلم “كيف تسرق مليون دولار” فإن هناك مزور لوحات يدعى شارل متخصص فى تصوير لوحات سيزان، وتعرف ابنته نيكول أن أباها باع لوحة بمبلغ 515 ألف دولار منسوبة إلى سيزان، ويستعد لبيع لوحات أخرى منسوبة إلى فان جوخ، وأيضاً تمثال لملكة الجمال فينوس إلى متحف اللوفر.

أحداث الفيلم تدور أغلبها فى ليلة واحدة داخل المتحف، حيث ذهبت نيكول بصحبة صديقها سيمون لاستعادة التمثال، قبل أن يتم اكتشاف حقيقته، وسيمون هذا هو خبير بمسألة تزوير المقتنيات الفنية واللوحات، وقد أراد أن يكشف جريمة الأب، فى الوقت الذى يكن فيه حباً للفتاة، والأحداث الكوميدية كلها تدور حول محاولات سيمون المتوالية، لاثبات أن جهاز الانذار الاليكترونى غير صالح، وذلك من خلال اطلاق صفارات الانذار أكثر من مرة، حتى يتم اغلاق الدائرة بكاملها، ويفوز سيمون ونيكول بالتمثال المزور، والفيلم يدور فى أكبر قاعة بالمتحف، فاللوحات موجودة على الجدران، والحرس قد يتناول أحدهم مشروبات روحية، حتى إذا رأى زجاجة النبيذ فى مكان التمثال المسروق، تأكد أنه مخمور.

وفى المشهد الأخير من الفيلم، نرى الأب، مزور المقتنيات الفنية، يبيع قطعة جديدة لمشتر يدفع مئات الألوف من الدولارات، ولن يملك سيمون الذى صار زوجا لنيكول أن يتدخل من جديد من أجل انقاذ سمعة حمية.

كما أشرنا فإنه فى العام نفسه قدم رونالد نيم فيلمه “مناورة” حيث تعتمد القصة على هارى وصديقه اميل اللذان يكتشفان تشابها بين فتاة المطعم نيكول وبين زوجة الثرى شاهبندر السابقة، ويقوم الرجلان باستغلال الفتاة من أجل سرقة احدى التحف الفنية التى يملكها الثرى وخداعه. وتبدأ الخطة من أجل أن تجذب الفتاة أنظار الثرى الذى يرمى شباكه حولها، فى الوقت الذى يتسلل فيه هارى لسرقة اللوحة فى خطة متقنة، لاستبدال القطعة الأصلية بأخرى مزيفة هذه الخطة التى شجعت لصوصا مصريين نفذوها بحذافيرها فى إحدى سرقاتهم، ونجحوا فى خطتهم لكن تم القبض عليهم.

وفى الفيلم الجديد.. مناورة 2012، فإن هارى لن يسرق من شاهبندر تحفة فنية، بل سوف يسرق منه لوحة للفنان مونيه، فهو يسوق عليه الفتاة التى تعمل راقصة استعراضية بأحد المطاعم، هارى يعمل خبيراً اللوحات لدى شابندر، ويعرف أسراره، فى الوقت الذى يصاحب فيه مزوراً للوحات، الذى زور له لوحة “غسق حقول القمح” لمونيه، وهى لوحة من الصعب تزويرها ويدفع بالفتاة بوزورنوسكى إلى أن تلهو مع شابندر، ويقوم بوضع اللوحة المزورة مكان اللوحة الاصلية، ويقوم بخداع شابندر الذى يكتشف الأمر، ويفلت باللوحة الأصلية، ويبيعها ثم يتفق المزور على عمل صفقة جديدة.

كما لاحظوا فإن لصوص اللوحات فى هذه الافلام يفلتون بجرائمهم، فهم يسرقون الأثرياء فى المقام الأول، وقد باع هارى اللوحة بعشرة ملايين دولار لرجل أعمال آسيوى قال له إنه ينتظر هذه اللحظة منذ ثمانية عشر عاما، وفى المطار، فإنه يبدأ صفقة جديدة مع المزور، وتستمر الحياة.

فى عام 1968 ايضا تم انتاج فيلم “عملية توماس كراون” اخراج نورمان جويزون حول رجل أعمال يدبر خطة لسرقة أحد البنوك من خلال مجموعة رجال، لا يعرفونه، ولا يعرفون بعضهم البعض، وبعد ذلك بحوالى ثلاثين عاما قدم جون ماكتونيان نفس الموضوع فى فيلم جديد قام ببطولته بيرس بروسنان، لكن السرقة هذه المرة كانت للوحة ثمينة من متحف المتربوليتان بنيويورك، اللوحة ثمنها مائة مليون دولارا، ايضا لمونيه، وقد دبر توماس كراون خطته للخروج باللوحة بشكل آمن، من المتحف، كى يواجه شكوك موظفة تأمين الشركة كاثرين التى تسعى للقبض عليه حتى لا تدفع شركتها مبالغ التأمين الباهظة للمتحف وتلعب معه لعبة القطة والفأر، وتقع فى غرامة وحتى لا يقع تحت طائلة القانون، فإنه يعيد اللوحة إلى مكانها.

ولأن الموضوع جذاب سينمائيا، وان مسألة سرقة اللوحات تتطلب المزيد من الخطط الذكية لسرقة اللوحات والمقتنيات الفنية، فإن السينما الأمريكية قدم الجزء الثانى من هذا الفيلم فى عام 2013 بعنوان “مهمة توبكابى” أى أن الفيلم حاول اعادة اخراج الفيلم القديم الذى أخرجه جون واسان فى تركيا، وبالفعل فإن هناك رجلا يذهب إلى تركيا، لسرقة قطعة فنية من متحف توبكابى ويلجأ إلى حيلة جديدة للتسلل ليلا إلى المتحف وينجح فى تعطيل جهاز الانذار، والرصد، ويفوز بالتحفة الفنية التى خطط من أجل الحصول عليها، والفيلم من بطولة بيرسى بروسنان، وانجلينا جولى، وقد تم تصوير الفيلم مجددا فى متحف توبكابى الذى يضم أندر التحف المصنوعة من الأحجار الكريمة.

وكما أشرنا، فإن أغلب هذه الأفلام قد صيغ فى اطار كوميدى، ومنها الفيلم الأول من سلسلة أفلام بريطانية تحمل اسم “السيد يين” تم انتاجه عام 1997، حول عملية سرقة، حيث يعمل بين حارسا للمتحف الوطنى الملكى فى لندن، ويتم ارساله فى مهمة رسمية إلى الولايات المتحدة، ومعه لوحة ثمينة تحمل عنوان “أم وايسلر” التى تبلغ قيمتها المليونى دولار كى تعرض فى متحف لوس أنجلوس من خلال معرض للوحات النادرة، وما إن يصل “بين” إلى مطار لوس أنجلوس حتى يتعرض للمتاعب، وتحاول عصابة لسرقة اللوحات الحصول على ما يحمله، و”بين” من طراز الشخصيات التى تغرق فى “شبر ميه” فهو يسبب لنفسه المتاعب كلما حاول حلها، حيث يتم القبض عليه اكثر من مرة، ويكون كل همه هو توصيل اللوحة إلى المتحف، ويفكر بين ان افضل طريقة لانقاذ اللوحة هو أن يضع مكانها لوحة مزيفة، حتى إذا سرقها اللصوص لا يهنأون بقيمتها وتبدو فى المعرض كأنها لوحة حقيقية.

فى بلادنا صار لدينا لصوص متاحف، يسرقون التحف الفنية واللوحات، مثلما يحدث فى العالم، والدليل تلك السرقات الغامضة مرتين للوحة “زهرة الخشخاش” وفى عالم السينما هناك تجربة لم يتم الالتفاف اليها فى فيلم “وتمت اقواله” لمجدى محرم عام 1992، حول عاصم المعيد الذى يتم فصله من الجامعة، لتعثره فى الحصول على الدكتوراه، بسبب تعنت الاستاذ المشرف على رسالته ضده ويستغله صديق صحفى فى كتابة مقالات لكنه يتهاون فى تقديم حقه المالى ولا يجد سوى راقصة افراح عجوز معتزلة تعاونه، وعندما يخرج سعيد ابن خالة عاصم من السجن يكتشف عاصم أن سعيد الفاسد صار ثريا، بينما يتعثر عاصم فى الحصول على مستلزمات حياته، لذا يفكر فى السرقة، ويخطط مع ابن خاله لسرقة لوحة “زهرة الخشخاش” الشهيرة، وتتم السرقة عن طريق التسلل إلى المتحف، ويتفق عاصم على بيعها بعد سرقتها لمافيا دولية مقابل مبلغ كبير على أن يسلمها لهم بعيدا عن مصر، ويقرر الهرب إلى الخارج ومعه اللوحة، وفى الغربة، يعلم عاصم بتطورات مفاجئة، فقد تم القاء القبض على سعيد للاشتباه فى سرقة اللوحة بينما تم اجهاض زوجته، وقرض جارته الراقصة العجوز مما يحتم عودته وتسليم نفسه للعدالة.

الفرق بين التجربة المصرية فى سرقة اللوحات من المتاحف، والسينما العالمية، أن الفيلم المصرى لم يكن كوميديا، كما أن موضوع السرقة قد استغرق وقتا طويلا، فأغلب الأفلام الامريكية تدور أحداثها فى ليلة واحدة هى ليلة التسلل إلى المتحف، أما الفيلم الذى كتبه فهمى عبدالسلام وقام ببطولته يحيى الفخرانى “عاصم” وسعيد صالح “سعيد” فقد أضاف المزيد من الحشو للموضوع، ولم نر سرقة اللوحة فى تفاصيل معقدة، مثلما نرى فى السينما العالمية حيث يتصرف السارق بذكاء خارق.

وهذا الفيلم لم يحظ بمشاهدة جيدة، وهو الفيلم الروائى الوحيد من اخراج صاحبه، ورغم أنه عرض مرات قليلة فى الفضائيات، فإن البرامج التليفزيونية التى أعدت عن سرقة لوحة الخشخاش فى المرة الثانية، لم تتمكن من العثور على نسخة من الفيلم الذى يمكن اعتباره قراءة للمستقبل، ولما يمكن أن يحدث فى متاحف الفن التشكيلى والمتاحف الاثرية، خاصة متحف محمود خليل، والجدير بالذكر ان هناك رواية للشباب عن سرقة مقتنيات من المتحف المصرى كتبها مجدى صابر لكن يبدو أن أحدا لم يلتفت إليها.

ونحن فى هذا المقال نتوقف عند سرقة اللوحات الفنية فى المقام الاول، لكن هناك عشرات الأفلام العالمية والمصرية تحدثت عن سرقة الآثار قديما وحديثاً.. وهذا موضوع مختلف تماماً.

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات