الطوارق..الرجال الزرق

09:56 مساءً الإثنين 15 يوليو 2013
أحمد محمد حسن

أحمد محمد حسن

كاتب ومخرج بالتليفزيون المصري، القاهرة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الطوارق شعب من الرحل يقطنون في مساحة شاسعة من الصحراء الأفريقية ، فإذا نظرنا إلى الخارطة الجغرافية لأماكن وجود الطوارق في أفريقيا لوجدنا أنهم يتحركون فوق حيز جغرافي واحد مشترك من الصحراء الكبرى يقع بين عدد من الدول (جنوب الجزائر إلى جنوب ليبيا ، شمال وغرب مالي ، وشمال بوركينافاسو وغرب النيجر) وهم موزعون سياسيا واجتماعيا بين هذه الدول ولكنهم يتنقلون بينها وفق خارطتهم الإجتماعية والقبلية متجاوزين كل الحدود الجغرافية والسياسية مستندين إلى موروث عتيق وخبرة في التنقل عبر الصحراء لا يضاهيهم فيها أحد .

والطوارق مسلمون سنيون مالكيون مع خلط من العقائد الأفريقية ، وللطوارق لغة خاصة بهم تسمى اللغة الطرقية وهي مزيج من لغة السواحلية واللغات الأفريقية الموجودة في دول الساحل الأفريقي تتحدث بها جميع قبائل الطوارق أينما وجدوا .

وعبر الطوارق عن حريتهم في لباسهم الأزرق كلون السماء دلالة على أن رحابة الحرية لدى الطوارق كرحابة السماء لأن الرجل الطرقي يعشق الحرية وقد أكسبهم لباسهم الأزرق إسما آخر هو “الرجال الزرق” .

ومحاولات الطوارق لتأسيس دولة تابعة لهم بدأت منذ خمسة عقود وقامت عدة حركات سياسية ومسلحة في منطقة نفوذ الطوارق ولكن قيام كيان سياسي موحد لهم يجمع أماكن وجودهم الجيوبوليتيكي من الصعوبة بمكان ذلك أن الدول التي ينتمون إليها اليوم تعارض بشدة أي إستقلال لهم أو قيام كيان سياسي خاص بهم لما في ذلك من إنعكاس سلبي وتداعيات على الوحدة السياسية لهذه الدول ولما يختزنه هذا الحيز الجغرافي من موارد ثابتة (كاليورانيوم) وإمكانات إقتصادية واعدة (كالغاز والنفط والذهب) تستفيد منها هذه الدول ومن خلفها بعض الدول الكبرى .

ويكاد هذا الوضع في حالة الطوارق يشبه حالة الأكراد الموزعين بين عدد من دول الشرق الأوسط (تركيا وإيران والعراق وسوريا) وسيبقى طموح الطوارق ببناء كيان سياسي واحد يجمع هذه الشظايا الموزعة بين الدول والمتناحرة قوميا ودينيا (التيارات القومية والتيارات السلفية) طموحا تتقاذفه لعبة الأمم بين إرادات قادة الطوارق أنفسهم ومصالح دول الأقليم الذي ينتمون إليه وإرادات الدول الكبرى صاحبة المصلحة والقرار كما تدل على ذلك الأحداث التي تعصف بالمنطقة والعالم .

وفي صراع الطوارق مع الدول التي ينتمون إليها يبدو على السطح ما تشهده المناطق الشمالية من جمهورية مالي التي تشهد قتالا ضاريا حيث يواصل متمردو الطوارق تقدمهم محرزين انتصارات على القوات الحكومية فقد تمكن المتمردون من دخول مدينة جاو وذلك عقب إستيلائهم على مدينة كيدال ذات الموقع الإستراتيجي ويحارب الطوارق من أجل تأسيس دولة خاصة يطلقون عليها اسم “ازاواد” وقد رفع المتمردون الطوارق علم هذه الدولة على مدينتي جاو وكيدال ولكنه من غير المرجح أنهم سينجحون في تحقيق حلمهم بالإستقلال ومع ذلك فالتقدم الذي يحرزه المتمردون الطوارق في مالي يتواصل حيث أنهم يحاصرون الآن مدينة تمباكتو التاريخية .

وفي ليبيا أعلن الطوارق عن تأسيس مجلس أعلى لهم يتولى إدارة كافة شؤونهم ومتابعتها مع المؤسسات الرسمية في الدولة وجاء ذلك خلال إحتفالية بالذكرى الثانية للثورة التي أقيمت بمدينة أوال قرب مدينة غدامس جنوب غرب ليبيا بحضور أعيان ومشايخ قبائل الطوارق ولفيف من أعضاء المجلس الوطني الإنتقالي السابق .

ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد الطوارق في ليبيا ولكنهم لا يمثلون نسبة كبيرة من إجمالي عدد السكان البالغ ستة ملايين نسمة وطوارق ليبيا عانوا لعقود من الحرمان والتهميش وتطالب قبائل الطوارق بتوفير فرص عمل وضخ الإستثمارات في الجنوب الليبي وتوفير كافة الخدمات لاسيما الصحية .

والطوارق شعب قديم يحكم حياتهم نظام عتيق من التقاليد والعادات ورثوها عن أجدادهم ولديهم إرث قديم من الأدب والعلوم الطبية وعلم الفلك فهم يتجولون في كامل الصحراء الكبرى بإستعمال النجوم ويستعملون في علاج الأمراض الأعشاب والحرق بالنار والجراحة إن إقتضت الحاجة .

وللمرأة مكانة عظيمة لدى الطوارق وتتمتع المرأة الطوارقية بإستقلالية كبيرة وهي لا تحجب وجهها بل الرجل هو الذي يتلثم أي يحجب وجهه حيث يضع رجال الطوارق لثاما يبلغ طوله إثنى عشر مترا من القماش الأبيض الرقيق يشد به الرجل الطرقي وجهه ماعدا العينين ويلف جزء كبير منه على رأسه أشبه بالعمامة .

وتعود قصة اللثام حسبما رواها عدد من مختلف أعيان قبائل الطوارق ، والذين أتفقوا على روايتها لتبدو جزءا من تاريخهم المشترك .. وهي أن غزاة هاجموا ذات يوم القبائل الطرقية ، ونهبوا ماشيتهم ، وأرزاقهم وأسروا بعض رجالهم ..فثارت النساء الطرقيات أيما ثورة في وجوه رجالهم الجبناء المهزومين ، فأخذت النسوة سلاح الرجال من سيوف وتروس ، وامتطين المهارى ، وتعقبن الغزاة ولحقن بهن ودارت معركة طاحنة بين الطرفين ، انتصرت فيها نساء الطوارق واسترددن مانهبه الغزاة واستولين على ما كان معهم ، وفكوا أسر رجالهم وعادت النسوة بالغنائم إلى شيوخ قبائل الطوارق وقد حكم الشيخ لهن بريادة وقيادة شؤون العائلة ، بأن تكون المرأة هي الرقم الأول في العائلة وحكم على الرجال بستر وجوههم كتعبير عن عار هزيمتهم . غير أن بعض رجال الطوارق اعتبروا الحكاية من الأساطير الشعبية وعارية من الصحة وأوضحوا أن مكانة المرأة المرموقة في المجتمع الطرقي ، تعود إلى أسباب موضوعية وهي السفر الدائم للرجل الطرقي وغيابه بالأشهر وربما أعوام في ترحاله لكسب العيش مع القوافل ما بين مالي والنيجر وليبيا والسودان ، لذا أوكلت إدارة شؤون العائلة للمرأة بإعتبارها مستقرة دائما في البيت .

One Response to الطوارق..الرجال الزرق

  1. أحمد محمد حسن

    احمد محمد حسن رد

    16 يوليو, 2013 at 1:11 م

    المقال ده انا كتبته يوم 6 رمضان

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات