طلقاء وسجناء: ما أشبه الليلة بالبارحة!

12:25 مساءً الخميس 22 أغسطس 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ما من متأمل للمشهد السياسي المصري اليوم إلا وقارنه بأجواء ما قبل 2011 : السياسي د. محمد البرادعي في النمسا، غريمه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك مطلق السراح بعد تبرئته مما اتهم من جرائم خلال الثورة الأولى في 25 يناير 2011، ومرشد الأخوان المسلمين في السجن، وأتباعه يتساقطون عائدين إلى مكانهم الذي اعتادوا عليه، بعد ما فشلوا وطغوا خلال سنة من حكمهم، أسقطتهم ثورة 30 يونيو 2013.

مبارك: لم يعد وراء القضبان

يستبعد المراقبون أى تأثير لحكم القضاء إخلاء سبيل الرئيس الأسبق حسني مبارك على المشهد السياسي فى البلاد، مؤكدين أن خروجه المرتقب لا يمثل أى خطورة أو تهديدا.

وبينما دعا بعضهم إلى إنشاء محاكم ثورية لمحاكمة مبارك وخلفه مرسي، ورموز نظاميهما، من أجل تحقيق أهداف الثورة، طالب آخرون بضرورة احترام أحكام القضاء العادي من أجل اقامة دولة القانون.

وقررت غرفة المشورة بمحكمة الجنح المستأنفة بشمال القاهرة، إخلاء سبيل مبارك فى قضية حصوله على هدايا باهظة الثمن من المؤسسات الصحفية القومية بدون وجه حق، وهى آخر القضايا التى كان محبوسا على ذمتها.

ومن المقرر أن ترسل مصلحة السجون قرار اطلاق سراحه إلى النيابة العامة لتحديد ما إذا كان مطلوبا على ذمة قضايا أخرى من عدمه، وفى حال أعلنت النيابة أنه ليس مطلوبا سيتم اطلاق سراحه.

وعقب ساعات من الحكم، أصدر رئيس الوزراء حازم الببلاوي نائب الحاكم العسكري أمرا بوضع مبارك قيد الإقامة الجبرية فى حال اطلاق سراحه.

ورغم تنحى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير 2011، بعد 18 يوما من مظاهرات حاشدة خرج فيها ملايين المصريين فى إطار ثورة 25 يناير من ذات العام للمطالبة باسقاط نظامه، إلا انه لم يغب عن المشهد حيث كانت جماعة (الاخوان المسلمين) والرئيس المعزول محمد مرسي ينسبان اى مظاهرات ضدهما لأنصاره.

وفى هذا الصدد، قال الدكتور جمال زهران رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة بورسعيد إن قرار إخلاء سبيل مبارك لن يكون له ادنى تأثير، ولن يعقد المشهد السياسي الذى يعطى اولوية للتعامل مع جماعة الاخوان المسلمين والاحزاب الدينية.

وأضاف زهران، لوكالة أنباء (شينخوا)، إن الشعب لا يهتم فى الوقت الراهن بمبارك، ولا يهتم بخروجه من السجن من عدمه.

ومع ذلك، أبدى زهران اعتراضه على قرار اخلاء سبيل مبارك الذى اعتبره جزء من هزلية المشهد فى مصر، ودعا إلى “اعمال العدالة الانتقالية والمحاكمة الثورية لمحاكمة مبارك ورموز نظامه وإلا سيأخذون جميعا براءة من التهم”.

وواصل ” ما ينطبق على مبارك سينطبق على جماعة الاخوان، الصورة مأساوية وغير محفزة على انتاج واقع جيد، والحل فى محاكم ثورية”، متسائلا ” كيف تحاكم (رموز) الفساد بآليات الفساد وقوانينه؟”.

واعتقلت الشرطة المصرية أمس المرشد العام لجماعة الاخوان الدكتور محمد بديع واودعته سجن طره، بجوار مبارك، وذلك بعد القبض على عدد من قيادات الجماعة.

كما يقضى الرئيس المعزول محمد مرسي حبسا احتياطيا على ذمة التحقيق فى اتهامات بالتخابر مع حركة المقاومة الاسلامية (حماس) واقتحام السجون.

واعتبر زهران قرار اخلاء سبيل مبارك “رسالة سلبية للمجتمع”، مشيرا إلى أن مبارك يحاكم فى القضية الاخيرة بسبب حصوله على هدايا من مؤسسة (الاهرام) الصحفية، وقام باعادتها، لكن اين حق المجتمع؟.

وسبق ان حصل مبارك على عدة احكام باطلاق سراحه على ذمة قضايا منها ما يتعلق بقتل والشروع فى قتل المتظاهرين السلميين ابان الثورة ضده.

وحول ما اذا كان الخروج المرجح لمبارك من السجن ينذر بعودة بعض رموز نظامه الى المشهد السياسي، قال ” كل شئ وارد، المشهد السياسي كله مرتبك، ويمكنك توقع حدوث اشياء هزلية (..)غياب الارادة السياسية ينبئ بكوارث قادمة”.

إلا ان المحلل السياسي نبيل زكي كان له رأيا مغايرا بقوله إن ” مبارك انتهى، وصفحته طويت، وكذلك نظامه”.

واضاف، لـ(شينخوا)، ان الخروج المحتمل لمبارك من السجن لا تأثير له، ولابد ان يتعود المصريون على احترام احكام القضاء اذا اردنا دولة قانون.

وواصل ” لا خطورة من خروج مبارك، فلا هو ولا نظامه ولا حزبه المنحل يشكلون اى تهديد او خطر” على المشهد السياسي.

واردف ” ان حالة الهياج حاليا ضد مبارك أقل” بعد ان رأى الشعب تجربة الاخوان فى الحكم، مشيرا إلى ان الثورة اطاحت بمبارك فى 18 يوما ثم تم حل الحزب الوطني الديمقراطي، وجلس اعضاؤه فى البيوت دون ان يلجأوا إلى حرق او تخريب بينما لجأ الاخوان بعد عزل مرسي إلى تخريب الوطن.

وزاد ان المصريين يؤمنون بان نظام مبارك انتهى سواء خرج أو ظل فى السجن، مشيرا الى ان الاخوان المسلمين سوف تلجأ إلى استغلال ذلك سياسيا.

وحول ما اذا كان اطلاق سراح مبارك خطوة قد تتكرر مع مرسي ورموز نظامه، قال ” لا ، التهم التى وجهت لمرسي اخطر” وتتضمن ارتكاب جرائم قتل وتجسس.

واضاف ان مرسي أثناء توليه الرئاسة كان يعرف من قتل الـ 16 جنديا فى سيناء، ومن خطف سبعة اخرين، ومع ذلك منع الجيش والشرطة من ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، ومن ضرب البؤر الارهابية فى سيناء، كما انه اجرى قبل عزله بأيام اتصالات مع امريكا وحماس يحثها على التدخل فى مصر وهى أمور تندرج تحت جريمة ” الخيانة العظمى “.

ويعد اعتقال الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين، ضربة قاسية للجماعة, التي ينتمي إليها الرئيس المعزول محمد مرسي, والتي بات كبار قادتها في السجن بجوار رجال الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي كان نظامه يعتبر الأخوان “جماعة محظورة”.

وكان ينظر إلى بديع خلال العام الذي حكم فيه مرسي مصر على أنه الرجل الأقوى في البلاد, حيث كان أغلب المحللين والسياسيين يعتبرون مكتب الإرشاد الحاكم الفعلي للبلاد.

اختير بديع مرشدا للجماعة في 16 يناير 2010, في انتخابات أثارت الكثير من الجدل, وخلف فيها محمد مهدي عاكف, في سابقة هي الأولى على مر تاريخ الجماعة, حيث انتخب الأول مرشدا في ظل وجود سلفه على قيد الحياة, ليصبح عاكف صاحب لقب أول مرشد عام سابق للجماعة.

وعقب انتخابه مرشدا, أكد بديع أن “الجماعة لا تريد حكم مصر الآن” و”تؤمن بالتدرج في الإصلاح, وأن ذلك لا يتم إلا بأسلوب سلمي ونضال دستوري قائم على الإقناع والحوار وعدم الإكراه”.

لكن عندما وصلت جماعته إلى سدة الحكم, وباتت موضع اختبار, “طبقت عكس ما صرح به، حيث أقصت القوى السياسية الأخرى , واستأثرت بالحكم, وفرضت أجندتها على الجميع, فيما لجأت إلى العنف والإرهاب بعد عزل مرسي, في قرارات جميعها تتسم بالتسرع والعناد” حسبما قال مراقبون.

وبانتخابه، عزز التيار المحافظ داخل الأخوان من سيطرته على الجماعة , وتسبب فوزه بالمنصب في انشقاق الدكتور محمد حبيب، النائب الأول لعاكف عن الأخوان المسلمين, بعد أن اعترض على إجراءات انتخاب المرشد, واعتبر التصويت مخالفا للقواعد الداخلية بالجماعة.

وتولى بديع المنصب رغم تقارير ألمحت إلى وجود اعتراضات بين أعضاء التنظيم الدولي للأخوان المسلمين على انتخابه مرشدا, ورغبة في تولي الدكتور رشاد البيومي عضو مكتب الإرشاد منصب المرشد العام.

وكان بديع قبل انتخابه مرشدا صديقا مقربا للمرشد السابق مهدي عاكف, وكلاهما من تلاميذ منظر الجماعة سيد قطب الذي تم إعدامه في محاكمة عسكرية عام 1965.

وولد بديع, وهو المرشد الثامن في تاريخ الجماعة التي نشأت عام 1928, في السابع من أغسطس 1943, بمدينة المحلة الكبرى في محافظة الغربية شمال غرب القاهرة, وهو أب لفتاة وشابين أحدهما قتل في أعمال العنف التي جرت قبل أيام في ميدان رمسيس بالقاهرة بعد فض اعتصامات أنصار مرسي بالقوة.

وسبق أن حكم على بديع بالسجن ثلاث مرات, الأولى عام 1965 حين حكم عليه بالسجن 15 عاما, والثانية عام 1998 حين قضى 75 يوما في الحبس في قضية جمعية الدعوة الإسلامية بمحافظة بني سويف جنوب القاهرة، حيث كان يشغل وقتها منصب رئيس الجمعية.

كما قضت المحكمة العسكرية بسجنه خمس سنوات في قضية النقابيين عام 1999، وخرج بعد أن قضى ثلاثة أعوام وثلاث أرباع السنة.

وعمل بديع أستاذا لعلم الأمراض بكلية الطب في جامعة بني سويف, كما كان أمين عام النقابة العامة للأطباء البيطريين لدورتين, وأمين صندوق اتحاد نقابات المهن الطبية لدورة واحدة.

وعقب اعتقال بديع, أعلنت جماعة الأخوان اختيار نائبه محمود عزت رسميا لمنصب المرشد العام بشكل مؤقت, ليستمر “التيار المتشدد” في السيطرة على الجماعة، وفقا لمراقبين.

وأكد الأخوان المسلمون في بيان صدر الثلاثاء أن اعتقال بديع “لن يفت في عضد الجماعة” التي وصفها المجلس الأعلى للقوات المسلحة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي ((فيسبوك)) بأنها “جماعة الضلال والإرهاب”.

وقال المجلس الأعلى إن الأخوان المسلمين ” لم ولن يتعلموا الدرس, أي عقل يستخدمون, وأي جهل يضعهم في مواجهة الشعب”.

وأضاف المجلس “إنهم مغيبون, وإرهابيون, وقتلة, ظهرت كل تحالفاتهم مع الإرهاب, حتى أعلام (تنظيم) القاعدة رفعت لتكون أحد أدلة الإدانة أمام محكمة الشعب التي سيكون حكمها رادعا وليس له نقض”.

ويحتل المرشد العام في التدرج التنظيمي للأخوان المرتبة الأولى في الجماعة باعتباره رئيسا لها, وذلك طبقا للمادة التاسعة في اللائحة الداخلية, ويرأس في نفس الوقت جهازي السلطة فيها وهما مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام.

وينتخب المرشد العام عن طريق مجلس الشورى العام, وهو السلطة التشريعية للجماعة, ويجب أن يكون قد مضى على انتظامه في الجماعة أخا عاملا فيها مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة, وألا يقل عمره عن أربعين عاما.

وبعد انتخاب المرشد يبايعه أعضاء الجماعة, وعليه التفرغ تماما لمهام منصبه, فلا يصح له المشاركة في أي أعمال أخرى عدا الأعمال العلمية والأدبية بعد موافقة مكتب الإرشاد عليها.

ويظل المرشد في منصبه لمدة ست سنوات, قابلة للتجديد مرة واحدة, ويختار المرشد العام نائبا له أو أكثر من بين أعضاء مكتب الإرشاد العام. وفي حالة وفاته أو عجزه عن تأدية مهامه, يقوم نائبه بعمله إلى أن يجتمع مجلس الشورى العام لانتخاب مرشد جديد، وفقا للائحة الجماعة.

البرادعي : جاء وعاد باإشاعات

بعيدا عن مبارك وبديع، نختتم بالبرادعي. اليوم هناك دعوات تخوينية له، بعد استقالته الممسببة من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي حسين، اعتراضا على فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، وسافر مشيعا بلعنات محبيه قبل كارهيه. حتى أن هناك من يقول إنه جاء بأمر أمريكا وذهب ليؤسس حكومة إخوان في المنفى!

ما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن المشهد ليس أفرادا عادوا أحرارا، وآخرين سجنوا، لأن مصر اختلفت، والمصريون اختلفوا، والحلفاء قبل الأعداء كذلك.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات