حنا مينه … قصة تعارف

06:50 مساءً الأحد 3 نوفمبر 2013
د. عبد الرحيم العلام

د. عبد الرحيم العلام

رئيس اتحاد كتاب المغرب، مستشار شئون المغرب العربي في آسيا إن

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

لم أرتبط بقراءة روائي عربي، خلال فترة زمنية طويلة نسبيا، بمثل ارتباطي بقراءةأعمال الروائي العربي الكبير “حنا مينة”، وخصوصا رواياته الأولى الصادرة إلى حدود بداية الألفية الثالثة، حيث حدث، بعد ذلك، أن خفت إيقاع قراءاتي ومتابعاتيلنصوصه المتزايدة، رواية بعد أخرى، موازاة مع تزايد التراكم الروائي العربي في كل البلدان العربية، مما يتعذر معه اليوم إيجاد الوقت الكافي لقراءة جديد هذاالتراكم ومتابعته.

حنا مينه

ويعود تعلقي بالروائي العربي السوري حنا مينة، وإعجابي بتجربته الحياتية والإبداعية، وبعوالمه الحكائية والسردية، إلى فترة حصل أن تواجدت خلالها بالجماهيرية الليبية، في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، في رحلة مغامرة عجيبة مع أصدقاء لم أعد ألتقي بهم اليوم، عبرنا خلالها الصحراء الجزائرية بالسيارة، من غير أن نمر بالأراضي التونسية. استغرقت إقامتي في ليبيا شهرا ونصف، قضيت معظمها ببلدة صغيرة تدعى “غريان”، تبعد عن طرابلس بحوالي ثمانين كيلومترا.

وأمام وفرة الوقت أثناء إقامتي في ليبيا، في انتظار السراب، وبالنظر إلى عدم وجود أماكن لتزجية الوقت، قصدت مكتبة عمومية صغيرة ب”غريان”، فإذا بي أصادف أمامي ذخيرة من روايات حنا مينة، وبعض الروايات المصرية والمغربية القليلة جدا. اغتنمت الفرصة لملء الفراغ القاتل، فواظبت على قراءة ما يتوفر في المكتبة من روايات حنا مينة المنشورة في دار الآداب. ولحسن الحظ أم لسوئه، لم يحدث أن عكر علي زائر ليبي أو غيره وحدتي في المكتبة، حيث أصبحت أنا من يفتح بابها صباحا ويغلقه مساء…

كانت تلك هي البداية الحقيقية لارتباطي بعوالم حنا مينة الروائية، إذ أحسست لحظتها أن حكايات رواياته ومغامراتها وأحداثها كثيرا ما تستجيب لرغائبي وأحاسيسي وذوقي… وأتذكر أنني قمت لحظتها بتدبيج مقال تحليلي لـ “المقدمات الروائية” العديدة التي تزخر بها روايات حنا مينة، بعثت به من ليبيا إلى الملحق الثقافي لجريدة “العلم” المغربية، وقد وجدت المقال منشورا بالفعل في الملحق، بعد عودتي إلى أرض الوطن.

تواصل إعجابي بعوالم حنا مينة الروائية وتعمق، وخصوصا بعد أن تعرفت على صديق جديد في الرباط، كان يدرس الطب، وقد أصبح اليوم طبيبا وكاتب قصة ورواية، هو الدكتور عبد الحكيم امعيوة، الذي وجدته بدوره مفتونا بعوالم الرواية العالمية، وخصوصا الروايات الألمانية، بحكم تمكنه من اللغة الألمانية، بمثل افتتانه أيضا بحنا مينة، وبعوالمه البحرية تحديدا؛ افتتان قرأنا صداه، فيما بعد، في رواية امعيوة “بعيدا عن بوقانا”، الصادرة عن منشورات اتحاد كتاب المغرب، وفيها يستوحي عوالم البحر، ما يشي بحدوث تأثر كبير بشيخ رواية البحر العربية، حنا مينة.

أتذكر أننا كنا، امعيوة وأنا، نقبل برغبة عاشقة على التهام روايات حنا مينة، وكثيرا ما كانت تشكل موضوع جلساتنا وسمرنا. وكلما ظهرت رواية جديدة لحنا مينة في المكتبات المغربية إلا وسارعنا لاقتنائها، رغم ارتفاع سعر روايات دار الآداب عموما، على الأقل بالنسبة لي، أنا ذلك الطالب الجامعي الذي كنته.

وحدث ذات شتاء، أن زار حنا مدينة الرباط، بالمغرب، فاستضافه اتحاد كتاب المغرب في أمسية بكلية آداب الرباط. كانت أمسية باردة وبدون طعم، بحيث لم ترق إلى مستوى الرجل ومكانته الأدبية الرفيعة، كما أنها لم تبلغ إلى ما كان يجب أن يحظى به كاتبنا من ترحيب وحفاوة واهتمام.. خرج حنا مينة من مدرج الكلية، بعد إلقاء محاضرته، غير راض تماما على اللقاء، فضلا عن غياب الجهة الداعية. وكنا لحظتها،امعيوة وأنا، نترصد خروج حنا مينة لننفرد به، وندعوه إلى جلسة، تمكننا من التحدث إليه، والتعبير له عن مدى إعجابنا برواياته، ولم لا إجراء حوار معه. ناديته لحظتها بـ “أستاذ حنا”، متوقعا منه ردا قد يشجعني على التمسك برغبتنا في دعوته، إلا أن انزعاجه السابق، جعله يرد على مناداتي عليه بكلمة فقط، هي “أيوا”، أي “نعم”. ارتبكت لحظتها، فقلت له “تفضل”، وتراجعت إلى الخلف، وأنا أرقبه ماشيا يغيب في ظلام الممر المؤدي إلى خارج الكلية…

تحولت خيبة أملي في التحدث إلى الأستاذ حنا مينة إلى إقبال عجيب على التهام رواياته والكتابة عنها في مرحلة زمنية سابقة. أعجبتني شخوصها، ومغامراتها، وتجليات المكون البيوغرافي فيها، كما سحرتني قدرة هذا الروائي على خلق عوالم حكاياته وشخوصها، وتجنب تنميطها ومكروريتها من رواية لأخرى.

وإذا كان حنا مينة ونجيب محفوظ يعتبران من أغزر روائيينا العرب إنتاجا إلى اليوم، فيمكن القول إن حنا مينة، بتنويعاته الروائية اللافتة، وباستراحاتها الإبداعية الممتعة، قد بقي وفيا للطابع الإبداعي المجدد في رواياته، من غير أن يسقط في شرك التكرارية المملة، والتي تشي عادة بنهاية رجل مبدع، بمثل استراحته الروائية الممتعة في روايته الشائقة “النجوم تحاكم القمر”، في انشدادها إلى مرحلة روائية، تتم فيها كتابة الرواية لسابقاتها من روايات الكاتب.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات