عندما شرع الموسيقار الألماني الكبير جورج فريدريك هاندل(1685-1759) في كتابة موسيقى أوبرا (يوليوس قيصر) كان يحمل وراءه سلسلة من الأعمال الأوبرالية الفارقة التي وضع موسيقاها عندما كان لايزال في ألمانيا قبل أن ينتقل إلى بريطانيا ليستقر هناك , فقدم أوبرا (ألميرا ) وأوبرا (نيرون) في عام 1705 ,وكان معروفا بأسلوبه الكلاسيكي المحافظ وقدم أعمالا كنسية ودينية لاقت نجاحات كبيرة ..

 سافر فريدريك هاندل من ألمانيا إلى إيطاليا وتوطدت صداقته مع الموسيقار الكبير (سكارلاتي) قبل أن يستقر في لندن ويقدم مجموعة من أروع الأوبرات العالمية مثل: أوبرا( تيمور لانك) ,(إليساندرو) ,(روديلاندا),وأوبرا يوليوس قيصر.

 هاندل بين موسيقى فالي وتراجيديا شكسبير:

الموسيقى قبل النص الشعري , كان هذا شعار هاندل غير المُعلن عندما قرر وضع موسيقى هذه التراجيديا العالمية , وكان الموسيقار الإيطالي (فرانشيسكو فالي) 1602-1676 قد وضع موسيقى لأوبرا بعنوان (الإزدهارالتعس لجوليو سيزاري,ديكتاتورا) وقد تأثر به هاندل في إطار محاولاته لاجتذاب الجمهور الأوروبي الذي ضاق ذرعا بالموسيقى الكلاسيكية وكانت المدرسة الإيطالية في فنون الأوبرا والموسيقى الأوبرالية والأوركسترالية قد لاقت قبولا كبيرا وكانت دائما تلعب على العواطف والمشاعر الرومانسية الدافئة  … وحتى المسرحية الخالدة التي كتبها وليام شكسبير لم يتوقف هاندل عند تفاصيلها بل اختار فترة محددة من سيرة القائد الروماني يوليوس قيصر ليقدمها, وترك النهاية مفتوحة بعد سريان شائعة مقتل يوليوس قيصر بين روما ومصر ولم يتطرق إلى النهاية المأساوية للملكة المصرية كليوباترا, حتى أن بعض النقاد الفنيين كتبوا معلقين على وقائع وأحداث أوبرا يوليوس قيصر: أنه كان بالأحرى أن يختار لها اسم (يوليوس قيصر في مصر) ليكون العنوان دالا على الأحداث لأنها ليست سيرة ذاتية ولا رصد لمسيرة هذا القائد الروماني المليئة بالصراعات والمعارك وقصص العشق والبطولة , فكانت أوبرا (يوليوس قيصر) مزيجا سحريا بين ثلاث مدارس أوروبية كانت فيها موسيقى هاندل هي الأيقونة التي جعلت من هذا العمل علامة فارقة في تاريخ الموسيقار الألماني هاندل وجعلته في صدارة الموسيقيين العالميين, وكان العرض الأول لها على خشبة المسرح الملكي بإنجلترا في شهر فبراير/شباط 1724    .

أوبرا يوليوس قيصر موسيقى سيمفونية خالصة

نيكولاس هايم الشاعر البريطاني الكبير هو من كتب أوبرا يوليوس قيصر في نص شعري ميلودرامي عذب , ولما وضع هاندل الموسيقى لهذه القصيدة الشاعرية بما عُرف عنه من الصرامة والجدية تحققت لتلك الأوبرا ميزة التكامل بين النص الشعري والموسيقى الأوبرالية … فكانت الغلبة للموسيقى وليس للسرد التاريخي .

 تدور أحداث أوبرا( يوليوس قيصر) في مصر, عندما يصل إليها القائد الروماني يوليوس قيصر بعد أن قتل بعض رجال البلاط المصري القائد بومبيوس العدو الأكبر ليوليوس قيصر ..

بطليموس وقائد جيوشه أخيلاس حليفان قويان ومتفقان على رغبتهما المشتركة في السلطة والنفوذ في البلاط المصري إلا أن عشقهما لأرملة بومبيوس يُفرق بينهما ويتخلص كل منهما من الآخر ومن ثم تصبح كليوباترا الحسناء شقيقة بطليموس ملكة على مصر , تقع في غرام يوليوس قيصر القائد الروماني الذي يُوفر لها الدعم والنفوذ ,إلا أن الشائعات تنتشر بمقتل يوليوس قيصر .. وهنا تنتهي أوبرا (يوليوس قيصر) , وهنا أيضا يتجاوز هاندل وهايم النص الشكسبيري الذي يُقدم الدراما وصولا إلى نهايتها المأساوية , فجمهور الأوبرا يعرف أن شائعة وفاة يوليوس قيصر ليست حقيقية , ولكن هذا الأمر لا يشغل هاندل , فقط هو يقدم موسيقى أوبرالية خالدة تصلح أن تكون سيمفونية موسيقية متكاملة موضحة للنص الشعري لا استكمالا له , وهنا تكمن العبقرية ويتجلى الإبداع. 

Tweet