(حماس) و (الإخوان) : (العملاء. الراشدون)

01:29 مساءً الجمعة 29 نوفمبر 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
نشرت جريدة (الوطن) القاهرية مقالا للكاتب محمد عبدالهادى علام ، نقدمه هنا لأهميته الكاشفة، وتحليله البارع، ومقاربتها المقارنة بين دوري حماس في فلسطين والإخوان المسلمين في مصر

ياسر عرفات

كاد الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات أن يبكى فى الجلسة الختامية للقمة الإسلامية فى داكار 1994، وهو يعلن غضبه أمامها من قرارها حذف عبارة من مشروع البيان الختامى درجت القمم السابقة على تضمينها بيانها تنص على: «حق الشعب الفلسطينى فى الجهاد من أجل تحرير أراضيه المحتلة».. ناعياً للمسلمين فى العالم إغلاق قادة دولهم باب الجهاد.

كان المشهد عبثياً بامتياز.. فنفس الرجل قبل عام كان قد وقّع مع إسرائيل «اتفاق أوسلو» الذى جاء نتاج مفاوضات سرية من وراء ظهر شركائه العرب فى مؤتمر مدريد، وبمقتضاه توقفت الأعمال العدائية والتحريض ضد إسرائيل، وتحولت الأراضى الفلسطينية من أراضٍ محتلة إلى أراضٍ متنازع عليها، وقبل ذلك بأربعة أعوام (1989)، وبناءً على نصيحة الرئيس الفرنسى ميتران ألغى من الميثاق الوطنى العبارات التى اعتبرتها إسرائيل تدعو إلى زوالها، وقبل ذلك بعام (1988)، وبناءً على وساطة وزير خارجية السويد ستين أندرسون اعترف فيما سمى بـ«وثيقة ستوكهولم» بحق إسرائيل فى الوجود وبحدود 1967، مقابل اعتراف إدارة الرئيس الأمريكى رونالد ريجان بالمنظمة، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطينى، وبدء حوار معها فى تونس.
والمدهش أكثر أن «عرفات» كان قد طلب من القمة نفسها أن يتضمن بيانها الختامى تأييد الاتفاق الفلسطينى – الإسرائيلى دعماً له فى مواجهة «جبهة الرفض» للاتفاق فى الداخل وفى العالم العربى!!
أمام هذا المشهد العبثى، انفعل بعض قادة الدول عليه قائلين: «يا أبوعمار.. لقد اعترفت بإسرائيل، واخترت التفاوض سبيلاً.. وحذف هذه العبارة مجرد إجراء روتينى يلى ما قمت أنت به.. فلماذا أنت غاضب الآن؟».
لكن أبوعمار لم يكتفِ.. ففى العام التالى (1995)، وعلى خشبة مسرح قصر المؤتمرات خلال توقيع «اتفاق القاهرة»، رفض «عرفات» التوقيع!! بدعوى أن الخرائط المرفقة غير دقيقة.
وبعد ذهاب الرئيس الأسبق «مبارك» وإيابه على المسرح بين «عرفات» ورئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين.. وقّع «عرفات».
تلك المشاهد كانت جزءاً من أداء «أبوعمار» السياسى.. فالرجل يريد أن يقول لأصحاب القضية والمتعاطفين معها إنه يتعرّض للضغوط، وما كان ليقبل ما قبل به لولا الضغوط والتحولات فى مواقف معسكر المؤيدين والداعمين.. أى محاولة لتغطية موقفه هو بالقبول بهذه التسوية أو تلك الخرائط.

حماس: مقاومة ضد من؟

طوال الوقت كانت «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) -التى أنشأها الاحتلال الإسرائيلى عام 1987 إبان الانتفاضة الأولى لمناوأة حركة فتح، مستفيداً من خبرات بريطانيا بإنشاء جماعة الإخوان المسلمين خلال احتلالها مصر لضرب الحركة الوطنية بها- تزايد على المنظمة و«فتح» و«عرفات» باسم الإسلام.
فهذا كبيرها ذو اللحية يرفض أوسلو.. ورجاله فى غزة يدرون على المساجد خطباء يتلون من آيات الله ما يرمون به إلى اتهام «فتح» وقياداتها بالخيانة.. وكوادرها ينظمون المسيرات لتلعن من باعوا الدين وفلسطين ولتسحل المعارضين، وقياداتها ترفض الانخراط -كما جماعة الإخوان فى مصر- فى الحركة الوطنية الجامعة (منظمة التحرير)، كون ذلك لم يكن من بين تكليفات الاحتلال الإسرائيلى عندما أنشئت، مثلما لم يكن ذلك من بين تكليفات الاحتلال البريطانى للجماعة عندما تأسست.
وصلت «حماس» إلى السلطة فى الانتخابات التشريعية 2006، وشكّلت الحكومة، وظن المخدوعون أن إعلان الجهاد المقدس لتحرير فلسطين وطرد اليهود منها على الأبواب.. فإذا بـ«حماس» تقبل بـ«أوسلو»، ابتداءً، وبحدود 1967، ولأن هذه السياسة تحتاج إلى غطاء فقد شنّت حملات إعلامية ضد مصر بدعوى أنها ومجاهديها يتعرّضون للضغط والحصار.
كانت قمة داكار «لحظة حقيقية» واجهها «عرفات»، وكان وصول جماعة الإخوان إلى الحكم فى مصر «لحظة حقيقية» مماثلة تعرّضت فيها «إسلامية» حماس للانكشاف، حيث ظن المخدوعون مجدداً أن إعلان الجهاد المقدس بات وشيكاً.. ولمَ لا، وقد فاز مرشح الجماعة -التى رفعت حملته الانتخابية شعار «على القدس رايحين شهداء بالملايين»- بالرئاسة؟!

صديق بيريز الوفي يستقبل زعماء الدول الاسلامية في القاهرة

ففى ظل حكم الإخوان أبرمت «حماس» اتفاقاً مع إسرائيل بوساطة الإخوانى محمد مرسى «صديق شيمون بيريز الوفى» تعهدت فيه بعدم إطلاق صاروخ واحد على إسرائيل من غزة! وانخرطت فى صفقة أمريكية – إسرائيلية – تركية – إخوانية لاقتطاع 700 كيلومتر مربع من سيناء، كامتداد للقطاع لإقامة دولة حماس الغزاوية! ولا ندرى على أىّ أساس «شرعى» استندت إليه تلك الحركة «الإسلامية» للذهاب إلى حيث مصالح الاحتلال.
لكن ما برحت «حماس» تمارس نفس اللعبة لتبرير الإضراب عن الجهاد، ووفّرت لها قناة دولة قطر الفضائية «الجزيرة» وتركيا والتنظيم الدولى للإخوان هذه المرة غطاءً إعلامياً.. تارة بالتصعيد ضد مصر ما بعد 30 يونيو.. وتارة أخرى بتجنيد رجال دين ينادون على الخلافة الإسلامية، حيث أرض المسلمين للمسلمين.. أما عن «حماس» فقد تجلت الحقيقة.. وانتهت صلاحيتها بعد 26 عاماً من إنشائها.
ويظل الفارق كبيراً بين «عرفات» ورفاقه الذين لم يكونوا عملاء لأحد، ومارسوا السياسة وحققوا إنجازات لا تُنكر، أما «حماس» وقياداتها فقد تم توظيفهم فى ألاعيب السياسة، فأضاعوا القضية أرضاً وشعباً.. تضحيات ومستقبلاً.. باسم الدين.
كتب «زيبجنيو بريجنسكى» مستشار الأمن القومى فى عهد الرئيس كارتر فى مذكراته عن حرب أفغانستان إن بلاده اكتشفت فى صراعها خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتى أن الاستثمار فى جماعات الإسلام السياسى من أنجح الاستثمارات للمصالح الأمريكية.. وها هى واشنطن فى ثورات الربيع العربى تكتشف أن جماعات الإسلام السياسى لا تزال -بعد 20 عاماً من سقوط الاتحاد السوفيتى واتخاذ «حلف الناتو» الإسلام نفسه عدواً – صالحة للاستخدام كاستثمار ناجح تحقق فيه الولايات المتحدة مصالح بلا حدود.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات