كم هي مزعجة الأخبار! تلك التي تخبرنا باعتيادية رتيبة أن الجروح مازالت تنزف، وأن الطغاة مازالوا يقهقهون على عروشهم مطمئنين، وأن الحقيقة محبوسة في زجاجة بعيدة، وأننا في قمة تعاطفنا نبدو باردين كبحيرة جليدية، أن العراء يلتهم السكينة والبرد يغرس نصله في أضلع ضعيفة، أن البشاعة بطلة الحكاية و النهاية جدا بعيدة.
ما قيمة أحزاننا الصغيرة أمام ما يحدث للضحايا؟! من يكترث بخيبة ضياع كتاب أو تلف سجادة أو عطل كمبيوتر، من يلتفت لإحباط إلغاء رحلة طيران أو تأجيل حفل زفاف أو خسارة ترقية عمل، من ينزعج من مشاوير التسوق وطلبات البيت والزيارات الاجتماعية، من يتأفف من مواعيد الطبيب وحفر الطريق وبلادة المناهج التعليمية؟!
أطفال سورية يتجمدون في رحم المعاناة ونحن نتفرج من خلف الحواجز، وكأن ما يحدث لا يعدو كونه مشهداً في كابوس طويل، آثار أقدامهم العارية على الثلج تزرع بذور الشك في إنسانيتنا، ارتجاف أجسادهم الغضة يرجم مدنيتنا الموهومة، صمت حكوماتنا يحفر قبورهم، نقلب الصفحة ونغير المحطة ونتمنى لهم حظا طيبا.
السماء لا تمطر بطانيات ومعاطف ثقيلة ووجبات ساخنة، والأرض لا تنبت كتبا ولعبا و بيوتا آمنة، سيمضي الشتاء مخلفا وراءه صفا طويلا من ضحايا الحرب والظلم والعواصف، سيلعننا التاريخ ونحن نحدق في إطار اللوحة السوداء دون أن نخطو خطوة واحدة نحوهم، الجريمة هي افتعال اللامبالاة، تدجين النفس على القليل من التعاطف، الالتفاف على عواطفنا وسحبها من دائرة التأثر خوفا على رهافتنا المغلفة بقشرة الأنانية السميكة.
دموع الكاتبة الإنسانة دلع المفتي المتأثرة بموت طفل بسبب عاصفة اليكسا، تتحول لعمل تطوعي جبار يجمع المساعدات الكويتية من أجل آلاف النازحين السوريين في مخيمات عرسال والزعتري، تشمر الجنية الطيبة عن ساعدها لتنثر الخير وتسهم في رفع الضر ولو لفصل واحد… فماذا عن كل واحد منكم؟!
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.