اقتصاد اليابان بعد الركود … هل يكذب أم يتجمل؟

09:23 مساءً الإثنين 16 ديسمبر 2013
شينخوا

شينخوا

وكالة أنباء، بكين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

طوكيو : غُلفت جهود اليابان الحثيثة الرامية إلى إنهاء عقود من الركود والانكماش الاقتصادي وخفض عبء الديون السيادية للبلاد في مبادرة سياسية تحظى بدعاية جيدة ويقودها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ويطلق عليها اختصارا “آبي نوميكس”.

وتشمل الإستراتيجية ثلاثية المحاور الرامية إلى إنعاش ثالث أكبر اقتصاد في العالم قدرا كبيرا من الحفز المالي وخطوات من جانب البنك المركزي الياباني لتخفيف السياسة النقدية من أجل تقوية إنفاق الشركات متعددة الأحجام والشركات الصاعدة، في حين يهدف تخفيف اللوائح إلى تشجيع مزيد من الاستثمارات في “مناطق خاصة” عن طريق إتاحة مزيد من رأس المال للمستثمرين والشركات الراغبين في الانتقال إلى اليابان أو توسيع العمل فيها.

وارتفع مستوى التفاؤل وفتحت شهية المستثمرين بدرجة كبيرة على خلفية الخطوات المالية التي اتخذتها الحكومة بالتنسيق مع بتك اليابان (البنك المركزي) وتعزز هذا المستوى من التفاؤل بالأنباء السارة من سوق الأسهم وتعزز بدرجة أكبر عن طريق مؤشر أسعار المستهلك الذي يشير إلى أن البلاد تسير على الطريق الصحيح للخروج من حالة الانكماش الاقتصادي ، في حين تشهد تكاليف الاستهلاك اتجاها صعوديا.

بيد أن الطريق المستقبلي أمام الاقتصاد الياباني قد يكون محفوفا بالمخاطر في ظل هذه المبادرة السياسية القاسية، إذ تضع البنك المركزي تحت وطأة ضغط شديد لتحقيق الهدف الحكومي الخاص بالوصول إلى مستوى التضخم عن 2 بالمائة في عام 2014، ما يعني أنه يتعين على البنك تطبيق مزيد من إجراءات الحفز المالي لإدارة عملية تحقيق هذا الهدف أو المخاطرة بفقد ثقة المستثمر في وقت نفيس، بينما يسعى آبي إلى رفع ضريبة المبيعات من 5 بالمائة إلى 8 بالمائة في ابريل 2014 وإلى 10 بالمائة في وقت لاحق من العام نفسه.

وفي هذا السياق، قال لوران سينكلير، الباحث في الشئون الباسيفيكية، لوكالة الأنباء ((شينخوا))، إن “الإنفاق على الأشغال العامة ازداد والخفض الضريبي المعروض لتحفيز الشركات سوف يزيد من إنفاق رأس المال ويشجع على رفع الأجور، وكلها أمور جيدة. وكشف بيانات الاقتصاد الكلي على مدار العام كذلك أنه في الوقت الراهن، وبشكل عام، يتحرك اقتصاد اليابان في الاتجاه الصحيح وعلى المشار الذي حددته سياسات آبي الصارمة”.

وأضاف سينكلير قائلا “إن ثمة أسئلة تدور على كل الألسن الاقتصادية وهي؛ هل هذا التوجه مستدام؟ هل وضعت الآليات الصحيحة في موضعها لإخماد الشكاوى من النتيجة الحتمية لزيادة الضرائب؟ وهل سيتحقق السهم الثالث لآبي – الإصلاح الهيكلي – والذي يعد المحور الأهم في نهج آبي نوميكس، بطريقة براغماتية ومستدامة لتدعيم عملية الإصلاح الاقتصادية الكلية؟”

وأشار سينكلير إلى أن المحورين الأول والثاني في نهج رئيس الوزراء الياباني يتجهان إلى تحقيق الهدف منهما على ما يبدو، إذ حقق القدر الكبير من التسهيل النقدي نجاحا إلى حد ما فيما يتعلق بشراء الديون الحكومية والمساعدة في كسر دائرة الانكماش المستمرة في البلاد منذ عقود، فضلا عن خفض قيمة الين، ودفع الصادرات التي تعتمد عليها اليابان كثيرا، والتي كانت تعتمد على ضعف قيمة الين لحفز الأرباح التي تتحقق خارج البلاد عند إعادة تحويلها إلى العملة اليابانية.

ومع ذلك، على حد قول سينكلير، فإن تحقيق الهدف المتمثل في الإصلاح الهيكلي هو معيار الحكم على وجود معجزة اقتصادية حقيقية من عدمه.

شرع رئيس الوزراء الياباني في خطة طموحةلإعادة هيكلة قطاعات الرعاية الصحية والطاقة وتكنولوجيا المعلومات في اليابان في مسعى لضمان نمو اقتصادي مستدام وسط التأثير الواهن للتيسير النقدي ولتجاوز الاتجاه النزولي الحتمي الذي قد ينتج عن رفع ضريبة الاستهلاك ما من شأنه أن يكبح شهية المستهلك نحو الإنفاق على الأمد القصير.

وتشمل المساعي الأخرى عدة خطط لتقوية قدرات الشركات الهندسية فيما يتعلق بتصدير الطاقة النووية وتكنولوجيا القطارات السريعة، إضافة إلى زيادة كبرى في عدد العاملات اللاتي يشكلن قوة عاملة تتناقص إلى حد كبير في اليابان، في خطة يطلق عليها “ومينومكس”، وتعكس اعتقادا متزايدا بأن العاملات قد يصبحن أساسا لنجاح مستقبل اليابان الاقتصادي.

وقد أوضح آبي علانية أن السيدات في بلاده يعتبرن أكبر “مورد غير مستغل”، وأنه لابد من اغتنام هذه الديموغرافية من أجل مستقبل جيد لاقتصاد البلاد.

ولكي يتحقق هذا، فثمة حاجة إلى تحول أيديولوجي ضخم في جوهر وعي الشركات اليابانية، التي تهيمن عليها الأفكار الذكورية التقليدية المحافظة، وإعادة السيدات إلى المناصب الإدارية بالشركات. ولكن هذا قد يكون تحولا مثاليا في قوة العمل اليابانية ويرى بعض الاقتصاديين وعلماء الاجتماع أنه قد يستغرق عقود.

وفيما يتعلق بهذه النقطة، أظهرت إحصاءات حديثة أن النساء يمثلن قرابة 12 بالمائة من أصحاب المناصب الإدارية في اليابان، في حين قارن مكتب المساواة بين الجنسين التابع لمجلس الوزراء الياباني بين هذه النسبة والنسبة البالغة 43 بالمائة في الولايات المتحدة و39 بالمائة في فرنسا و35 بالمائة في بريطانيا و30 بالمائة في ألمانيا. ومن الواضح أن اليابان لا تزال بعيدة عن ركب الدول المتقدمة الأخرى في هذا الصدد.

غير أن آبي يعتزم معالجة هذا الخلل عن طريق تطبيق إجراءات عملية لتسهيل وصول النساء إلى الوظائف وبناء مزيد من مراكز رعاية الأطفال وزيادة عدد الراغبات في الوصول إلى وظائف إدارية من واحدة إلى 10، وفقا لاستطلاع رأي أجراه معهد اليابان لسياسات العمالة والتدريب، الذي أشار إلى أن انخفاض الرقم يعود إلى الصعوبة التي تواجهها المرأة في “عمل توازن بين العمل والأسرة”.

وقال فيليب ماكنيل، المؤلف والمعلق المتخصص في القضايا الاجتماعية والسياسية اليابانية، لوكالة ((شينخوا))، “بالنسبة للمحور الثالث في إستراتيجية آبي، فلكي تحقق الحكومة هذا الهدف فسوف تضطر إلى معالجة الخلفية الاجتماعية والاقتصادية غير المفضلة في حين يزداد عدد المسنين في صفوف المجتمع الياباني سريعا ويتقلص عدد السكان في الوقت نفسه، ما يعني تقلص القوة العاملة والحاجة إلى تشجيع مزيد من النساء على العمل بعد الزواج والعودة إلى العمل بعد إنجاب الأطفال”.

وأضاف ماكنيل قائلا “ولذلك، فإذا فشلت عملية الإصلاح ، والتي بنيت على أساس تحويل الديناميكية في سوق العمل وزيادة إنفاق المستهلك والزيادة الحتمية في ضرائب الدخل، فسوف يدفع هذا البلاد إلى مزيد من الديون. ولهذا هناك آمال كبيرة معلقة على هذه السياسات الإصلاحية”.

وتابع ماكنيل قائلا “ولهذا السبب لا يمكننا القول بعد إن آبي نوميكس نهج ناجح. هذا الحكم يكون ممكنا فقط في وقت لاحق. وفي هذه الآونة، لا تزال الإستراتيجية مغامرة كبرى، إذ توجد أمور مبهمة كثيرة يمكن فقط التنبؤ بها ولا يمكن حسابها. لا يزال هناك قدر كبير من التكهن”.

وأشار خبراء آخرون إلى أن قرار آبي الخاص بالانضمام إلى اتفاقية التجارة الحرة الإقليمية المعروفة بالشراكة العابرة للباسيفيكي، والتي تقودها الولايات المتحدة، قد يؤدي نظريا إلى زيادة المؤشر التجاري الدولي لليابان من 20 بالمائة حاليا إلى 70 بالمائة بموجب الاتفاقيات الجديدة. ولكن القطاع الزراعي بالياباني قد يعاني بسبب تنافسية السوق الحرة المتزايدة إذا ما تمت إزالة التعريفات الباهظة المفروضة على هذه الصناعة، ما يعني أن الحكومة سوف تضطر إلى القيام بخطوات مالية لدعم هذا القطاع، ما قد يضيف إلى نفقات البلاد ، وبالأخير يزيد من ديون الدولة.

وفي هذا الصدد، قال ماكنيل “من الإنصاف القول إنه في هذه المرحلة تجاوزت إستراتيجية آبي نوميكس العبارات الرنانة ومحاولات إرضاء الشعب، إذ تم اتخاذ خطوات مهمة. وقد رأينا أن قيمة الين تراجعت، وزادت الصادرات. ولكن في الوقت نفسه، زادت تكاليف الاستيراد، وبخاصة استيراد الوقود، في حين لا تزال محطات الطاقة النووية اليابانية خارج الخدمة، ما تسبب في انعطافة بالميزان التجاري الياباني”.

واختتم ماكنيل حديثه حول الوضع المستقبلي للاقتصاد الياباني قائلا “لا تزال هذه الإستراتيجية رغم هذا بعيدة عن وصفها بالمعجزة الاقتصادية، إذ توجد تناقضات كثيرة. فضعف الين يساعد المصدرين، ولكنه يزيد أسعار الواردات. والتيسير النقدي الشديد يشجع الشركات اليابانية، ولكنه يشوه أسواق المال ويربك أسواق الأسهم. وإذا استطاعت اليابان النجاة من رفع الضرائب ومواصلة الإنفاق والتوظيف، فيمكننا البدء في استخدام مصطلح مستدام. وحتى ذلك الحين، تظل اليابان تمر بحالة أمل منطقي”.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات