كانَ الرجل يحملُ الوطن بداخله ، ويأخذه في أحضانه ليستضيء به ويستدفئ وينام ، الوطن بكل أطيافه وشرائحه ، وبأرضه وسمائه وأشجاره وأطياره وأنهاره ، منعوا عنه الزيارات ، والرسائل ، والصحف ، وآذوه نفسيا وجسديا ، وكان وهو يقاسي في الأشغال الشاقة خصوصا عندما نقلوه للعمل في الجير بدلا من الصخور ، يسترحمهم ليسمحوا له بارتداء نظّارة تقي عينيه الغبار الجيري ، لكنهم رفضوا ، وأصروا على طغيانهم وجبروتهم ليجبروه على التراجع والرضوخ ، فلم يتراجع ولم يرضخ ، وارتضى أن تصاب عيناه وأن يعاني حتى آخر حياته في سبيل أن تتحقق أهدافه وأحلامه التي لم يحلمها لنفسه ولا لعشيرته التي تعد من أكبر العشائر في جنوب أفريقيا ، كان الرجلُ يحلُم للوطن ، الوطن فقط ، وللأبد ، لم يحلم للجماهير التي تهتف باسمه في الشوارع والميادين والصحف ، ولم يحلم للذين تتفتح أعينهم ويعرفونه للمرة الأولى مع كل نهار ، بل حلُم لهم ولكل الأجيال المقبلة ، ظلّ يبذرُ أيّامه في صحراء الألم ويرويها بالصبر وبالقيم وبالثبات لتكون أشجارًا وثمارا وظلالا لكل القادمين على أرض بلاده إلى يوم القيامة ، أما الأنانية والمطامع الخاصة والمنافع الوقتيّة فلم تستطع التسلل إلى ضميره النقي ونفسه العفيفة الشريفة المترفّعة ، ارتضى قسوة السجون بكل ما فيها من امتهان وتعذيب ولا إنسانية ، نزف أجمل سنوات عمره ( من 12 يونيو 1964إلى 11فبراير 1990م ) ،
ودفعها راضيًا سعيدا ما دام فيها الخلاص والحريّة والسعادة والرفاهية لكل الأجيال القادمة ، كان يبتسم لمعذبيه وسجانيه ، ولم يهتز وهو في زنزانة قذرة عندما يتحدّاه نظام متكبّر تدعمه المرأة الحديدية ( مارجريت تاتشر ) وتحثهم على عدم الإفراج عنه ، وبرغم كلّ هذا خرج إلى صباحه الجديد الذي أشرق على أمته ووطنه ، قابل كلّ المساومات بالرفض ، ولم يسمح لأحد أن يتسلل إليه سرًّا ، وظلّ يفاوض ويثابر علنًا وعلى رؤوس الأشهاد حتى جنت بلاده ثمار ما زرع ، ورأت أحلامه تتسابق في شوارعها وميادينها ، وبعد أن أنهى سياسة الفصل العنصري ، وبعد أن اكتسح الانتخابات وصولا إلى رئاسة الدولة ، لم يشأ أن يستبد ، ولم يقل : لقد قضيت زهرة شبابي في السجون من أجلكم ، ولكن أصر على أن تكون ولايته ولاية واحدة بدأت في العاشر من مايو 1994م ،وفي التاسع والعشرين من مارس 1999 ألقى خطاب الوداع ليتقاعد في يونيو من العام نفسه ، بعد أن أسس للحرية والمساواة ، ووضع دستورا للوطن وليس لفئة على حساب الآخرين ، كما امتد نشاطه السياسي خارج الحدود معلنا عن ميلاد جنوب أفريقيا جديد ، وكان من أهم مواقفه تحدّيه لإسرائيل على أرضها إذ أعلن على الملأ أنه يدعم ياسر عرفات والفلسطينيين ويساندهم من أجل نيل حقوقهم المشروعة ، وأنهم مثله تماما عندما حارب من أجل تحديد مصير مواطنيه ، وقال إن على العرب أن يعترفوا بحق إسرائيل في الوجود ولكن خارج الأرض المحتلة ، وبعد تركه للرئاسة لم ينسحب من الساحة السياسية ، وكان من أشجع المجاهرين برفض العدوان الأمريكي على العراق في الحرب القذرة التي قادها الأرعن جورج بوش الابن وكان قاسيا في هجومه عليه في خطب متتالية ، ووصفه بما لا يجرؤ أحدٌ ( ذو قيمة مثل مانديلا ) على وصفه بها ، كما انتهز الفرصة ليمسح بكرامة الرؤساء الأمريكيين الأرض ـ بأثر رجعي ـ فانتقد ما فعلوه بهيروشيما ونجازاكي والفلبين ..إلخ ، مُجملا القول :” ليس هناك دولة في العالم ارتكبت فظائع غير قابلة للوصف مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، وهم لا يبالون ” .
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.
basheer ayyad
20 ديسمبر, 2013 at 12:49 ص
لن أتردد ، في كلّ مرة ، سأجيء لأعرب عن دهشتي وذهولي ، وعجزي عن الشكر !!
شكرا لروحك وذوقك ـ أخي أشرف أبو اليزيد ـ أنتم تعطون ما نكتب أبعادا أخرى بهذه الجماليات الخرافيات .
شكرًا كثيرًا لكم .