شتاء السماء والأرض يقتل ابن النيل

12:48 مساءً الجمعة 20 ديسمبر 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ﺑﻬﺪﻳﻚ ﺍﻟﻔﻮﺿﻲ

ﺷﺠﺎﺭ ﻃﻔﻠﻴﻦ
ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ ﺭﻭﺿﺔ.

ﺑﻬﺪﻳﻚ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ
ﻫﺘﺎﻑ ﺍﻟﻤﻮﺗﻲ

ﻭﺻﻤﺖ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ

ﺑﻬﺪﻳﻚ ﺣﺰﻧﻚ
ﻭﺳﺘﺎﺕ ﺍﻟﻔﻮﻝ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺨﻤﺸﺔ.

ﺑﻌﺪ ﺇﺫﻧﻚ
ﺑﻬﺪﻳﻚ ﺇﺣﺒﺎﻃﻲ
ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺑﺮ
ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﺼﻮﺕ ﻭﺍﻃﻲ.

ﺑﻬﺪﻳﻚ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﻟﺒﻴﻦ ﺟﺒﻠﻴﻦ
ﻓﻘﺪﻙ ﻟﻘﻲ ﺩﻳﻦ.

ﺑﻬﺪﻳﻚ ﻃﻠﺔ ﻟﺒﻴﻮﺕ ﺍﻟﺨﻴﺶ
ﻭﺧﻴﻢ ﺗﻔﺘﻴﺶ
ﻭﺍﺳﻮﺍﻕ ﺍﺭﺧﺺ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ
ﺣﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻠﻪ.

ﺑﻬﺪﻳﻚ ﻣﺘﻤﺮﺩ
ﻭﺍﻟﻨﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﻛﺎﻧﺎﺕ ﺑﺎﻋﻮﻫﻮ ﺑﺮﺩ.

ﺑﻬﺪﻳﻚ ﻭﻻ ﺷﻲ
ﻭﺍﻗﻄﻊ ﻭﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﺴﻬﻮ ﻣﺸﻲ.

تلك كانت أبيات تحمل الأسى للشاعر والروائي والتشكيلي السوداني الراحل ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻴﻦ ﺑﻬﻨﺲ، الذي لم يمت مريضا على فراش الشيخوخة، أو متأثرًا بحادث تصادم، بل قتله البردان، برد الشتاء الآتي من السماء، وبرد قلوب البشر المحيطين به، الذين شاهدوا محنته، ثم تركوه يذوي، حتى إذا مات أخذوا منه مادة خبرية للأنباء السيارة، أو حيلة للرثاء.

ما حدث لبهنس يمكن أن يحدث لشخص عادي، لمواطن ما، وقد سمعناه بالفعل لأشخاص رحلوا متأثرين بالبرد القارس على أرصفة شوارع العالم كله، لكن هؤلاء ربما كانوا مجهولين، لن يسأل عنهم ذووهم، وربما تعودوا العيش على الأرصفة متسولين أو عمالا أجيرين،  لكن أن يرحل شاب سوداني معروف بإبداعه، كصاحب رواية (راحيل) شهيرة، وكاتب قصائد رقيقة وتشكيلي له سيرة من المعارض بين وطنه السودان، ومهجره فرنسا، فهذا ما أثار زوبعة لن تهدأ.

الكاتب السوداني حسام حيدر كتب على صفحته بشبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) إلي كل من تنصل عن بهنس ..ولا يزال ..ولا عزاء: “بِخصوص السُودانييّن المُقيمين بِمصر وبخصوص هذا السُودان ..والذيّن يَصمُون أذاننا صباحَ مساء عن الإنسانية ..فيما يَتعلق بمن يَتشدقون بالإنسانيةِ والحرية وحقوق الإنسان والحديث عن الإنقلابات العسكريةِ والديمقراطيةِ في الإسلام و الإسلام الليبرالي والتقدميةِ واليسار التقدميّ واليسار نفسهِ إلي من يتحدثَون عن الأدبِ والقصةِ والروايةِ والغناء ، إلي كل الزيّف والخداع البصريّ و(الوؤدان الممنهج ) إلي لصوص المواقف والأحزان وأيضاً من لايَحترمون حرمةَ الإنتقال والموت ، إلي من يتحدثون عن جمعِهم المال وبأس الحديث إلي من كانوا يُديرون وجوههم عن إبن جلدتِهم ، إلي الأطباء ،إلي حامليّ هذه الجنسيةِ البائسة التيّ تُمنح علي سُلم الطائرةِ للاعبين وتُنزع بالتشريد والقهر السياسيّ والإجتماعيّ والموت المجانيّ الذي يتوزع علي الطرقات والبيوت وكل رقعةِ جغرافيةٍ تحمل إسم هذهِ الأرض ، (محمد حسين بهنس) لم يَكن مجنوناً ،لم يَكن مشرداً كانت له حياة وله أسرة وله زوجة، محمد حسين بهنس لم يَكن يُعاقر الخمر ترفاً ،محمد حسين لم شحاذاً أيها الأوغاد ، محمد حسين كان يَعيش حالةً عاديةً من الإحباط ، حالةٌ فرضتها ظروف ٌ محددة وموضوعية ما أكثر مرارةً من فقدان الأحباء في وقتٍ وجيز الأم والأخ والابنة والزوجة ، ظروف سياسية وإقتصادية ، جميعنا نُعانيّ من حالةِ الإحباط تتعدد تَمظهراتها ومظاهرها ، كلٌ بحسب نصيبه ،الذيّ يحصل عليه ، أين الاطباء الذيّن يتحدثون عن حالتهِ ، تتَنصلون عن المسؤولية وكلٌ يرميها علي الله وقدرهـ ، كَنتم جميعكم تهربون منه كأنما هو أجرب كان يحتاجكم ،يحتاج لمشاعركم وليس مالكم يحتاج لحبكم ودفء إنسانيتكم ولكنكم لستم … لسَتم أي شئ سوي زيف ، لستم شئ سوي هرطقاتٍ وصرخاتٍ ومَحضُ هتاف ، تباً لزيفكم وتباً ليّ أولاً وأخيراً أنا الذي أتعامل مع هذا الزيف والخداع الإنسانيّ ، تَركتم جزءً منكم يَموت برداً ،يموت الحاجة ،يموت اليوم ويموت غداً فينا وتتحدثون عن الدنيا أن لازالت بخير ، أي دنيا تلك وماأنتم سِوي أبواقٍ وهراء” ..

تنقل محمد حسين بهنس بين شوارع وأزقة وسط البلد بالقاهرة حتى انتهى به المآل إلى الموت بردا وجوعا، عندما عُثر على جسده متلفحا بالموت يوم الثلاثاء الماضي على جثته على قارعة الطريق في قلب موجة البرد القارس التي ضربت القاهرة مؤخرا. أثار موت بهنس جدلا واسعا بين صفوف النخبة حول الجهة التي تقع عليها المسؤولية فيما حدث للفنان السوداني الشاب. ظل بهنس قرابة العامين مشردا في شوارع القاهرة بلا مأوى أو عمل يعاني حالة اكتئاب حادة ، منذ جاء القاهرة قادما من الخرطوم منذ أكثر من عامين ليقيم معرضا تشكيليا للوحاته، ومعرضا آخر للصور التي التقطها في أماكن متفرقة وغالبيتها تعكس الثقافة والفلكلور الإفريقيين.

بعض معارفه حكوا كيف عاش بهنس لبعض الوقت بإحدى شقق بوسط القاهرة إلى أن تدهورت أوضاعه المالية بعد فترة لم يجد فيها عملا ليحصل على قوت يومه، فأصابته حالة اكتئاب حاد دفعته للتجول في الشوارع والتسول في المقاهي بلا معين.

تتنبأ كلماته الشعرية بمأساته:

أهديك الغربة..

هتاف الموتى وصمت التربة..

أهديك إحباطي حديث عابر في مركبة عامة

يعزف بهنس كلماته على الجيتار يلحن أغانيه ويؤديها وسط أصدقاء في مكتبات وسط البلد وفي ميدان التحرير.

أقام بهنس (مواليد عام 1972 بمدينة أم درمان بالسودان ) معرضه التشكيلي الأول في الخرطوم عام 1999 ثم شارك في معارض تشكيلية أخرى في أديس أبابا ومدن أوروبية منها باريس حيث تزوج فرنسية أنجبت له ابنا عام 2005 ثم طلقها وقامت الحكومة الفرنسية بترحيله بحسب ما ذكر صديق له مما أشعل أزمته النفسية.

تعليقات الكثيرين جاءت صدى للمأساة، من صفحة حسين حيدر ، مجددا، نشأ حوار بينه ومعلقين على االحدث يبحثون عمن يضعون على أكتافه عبء الجريمة:

أشرف أبو سارة:

” موت بهنس بهذه الطريقة لوحة لرحيل وطن”.

وتقول أم اسامة:

” مثله كثر يعانون تتسالون بس وﻻ تعملون يا خيبتنا ويا فضيحتنا بين اﻻمم وطن يتشرد ابناه فى اﻻرض وحكامه ينظرون وﻻ يابهون فقط يملون بطونهم وجيوبهم ترى ماصا يقول اتحادات الفنانين والمهتمين بالفن ياااااااخيبتنا”.

 يدعو عبد المنعم محمد البشير لبهنس بالرحمة والمغفرة:

“لم أكن اعرف بهنس ولكني اعرف معني ان تنغلق الدنيا في وجهك وما يبقي لك منها الا ما تقدمه للأخريين اعرف طعم ان تعيش وسط الناس وانت ابعد من نفسك اعرف جيدا ماذا يعني ان تظل انسان رغم القهر البركة اللهم ايدله دارا خيرا من داره ولا عزاء يا صديق كما تود”

 ونقرأ أيضا أن “اللوم ليس موجها إلى أحد ولا فئة بذاتها يا شباب . ما أعرفه أن معظم السودانيين بالقاهرة هم بهنس وبهنس إلا . لنا الله جميعا . اللوم على مجموعنا كله. وعلى فقر الترابط الانساني بيننا . المفقود فعلا هي شبكة اجتماعية فاعلة قوامها الشباب والمبدعون أنفسهم . أصحاب الوجعة الحقيقية . وهدفها هؤلاء الشباب وهؤلاء المبدعين .غريزة اللوم في حد ذاتها لا تختلف كثيرا عن غريزة العجز والتعاجز الانساني نفسها. فلنتحرك سريعا من خانة التلاوم إلى خانة الفعل” .

وحسب (اليوم السابع) القاهرية، فإن مصدرا طبىا بمصلحة الطب الشرعى، أعلن أن “جثمان الأديب والفنان التشكيلى الراحل محمد حسين بهنس تلقى ضربة على رأسه قبل وفاته بساعات قليلة على رأسه أدت إلى نزيف داخلى بالمخ، وأن بهنس بالفعل كان موجود بمشرحة زينهم من يوم 12 من الشهر الجارى، لكن لم يتم التعرف عليه سوى يوم أمس من خلال أحد أصدقائه ومندوب من سفارة السودان، وذلك بعد التعرف على جثته لتسليمه للسفارة وإتمام إجراءات خروجه من المشرحة وتسفير جسمانه إلى بلده السودان لدفنه هناك. وأوضح المصدر أن تقرير الطب الشرعى المبدئى كشف عن إصابة بهنس بقرحة فراش بالظهر قطرها 20 سم فى 40 سم، وتركيب “كنلة” فى يده اليمنى، موضحا أن تم أخذ عينات من جميع أعضاء جسده للتأكد من سبب الوفاة الحقيقى”.

لكن علينا أن نوجه اللوم بالفعل لمن يتحدثون عن حقوق الإنسان وحرية الفنان، لمن يقيمون النقابات ويؤسسون الاتحادات، لمن يكسبون من نشر الروايات وبيع اللوحات، لمن يزعمون الإنسانية، ألم يكن أمامكم محمد حسين بهنس؟

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات