الثقافة العلمية فى مجلات الأطفال العربية

10:30 مساءً الجمعة 20 ديسمبر 2013
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

فى المناهج الدراسية، خاصة فى العالم العربى، فإن الطفل لا يبدأ فى تلقى دروس العلوم إلا بعد أن يكون قد استوعب الكثير من المعارف الأساسية، خاصة اللغة العربية والحساب، ومعارف أخرى تؤهله لتفهم العلم وحقائقه فيما بعد.

يعنى هذا فى المقام الأول، أن الصفحات العلمية فى مجلات الأطفال، لابد أن توجه إلى الطفل، الذى يجيد فهم مفردات اللغة، ثم عليه أن يستوعب الحقائق العلمية، لذا فإن المجلات التى توجه إلى الأطفال ما قبل المدرسة، وايضا لمن هم دون الثامنة أو التاسعة.

والثقافة العلمية حاضرة دوما أمام الطفل فيما بعد، خلال مراحل عمره التالية، أيا كانت هوية الدراسة التى سوف يتخصص فيها، حيث عليه أن يتلقى أساسيات العلوم فى الصفوف المدرسية طوال ست سنوات على الأقل، تبدأ فى مصر من الصف الرابع، حتى الصف الأول الثانوى، حيث سوف تبدأ أول مراحل التخصص.

وهذه السنوات الست هى التى تتوجه مجلات الأطفال المهتمة بالثقافة العلمية، أو التى تضع ذلك فى اعتبارها، إلى قارئها، وسوف نرى أن هناك تباينا واضحا بين الاهتمام بالعلوم والثقافات العلمية، تعود فى المقام الأول إلى توجهات المشرفين على هذه المجلات ومدى قناعتها بأهمية تنمية قدرات الطفل العلمية، بشكل يتناسب مع روح المجلات، وأبعد ما يكون عن ما يكتب من مادة علمية جافة، أو مبسطة فى كتب المدارس.

ومن هنا جاء مصطلح “تبسيط العلوم” الذى يتضح فى الكتب أكثر منه فى المجلات، فحسب قراءتنا فى أكثر اصدارات المجلات العربية والعالمية، فإن هذا المصطلح لا يستخدم فى المجلات بقدر استخدامه فى الكتب، ولدى الناشرين.

بل ان مصطلح “العلوم” نفسه لا يستخدم بشكل مباشر فى هذه المجلات، وغالبا ما تستخدم مصطلحات بديلة تدل على المعنى، وسوف نرى ذلك فى الحالات التى اخترناها للدراسة، وتقديمها إلى القارىء.

وسوف نتوقف عند دراسة حالة واحدة تمثل كل بلد من البلاد العربية. باستثناء مصر، حيث سنتوقف عند مجلتين الأولى هى سمير، والثانية علاء الدين باعتبارهما مصريتان، تصدران عن مؤسسات رسمية، عمر الأولى نصف قرن، والثانية أثبتت مكانة فى السنوات الأولى لاصدراها قبل أن تخبو أهميتها.

مجلة ماجد الاماراتية صدرت فى العام 1979، وتولى ادارة تحريرها أحمد عمر، الذى عمل مع المجموعة نفسها من المؤلفين والرسامين منذ صدور المجلة وحتى الآن، بما يعنى ثبات الأفكار، رغم التجديدات السنوية التى تضاف إلى المجلة فى عيد ميلادها، وهى تعتمد على القصص المرسومة، وتتمتع بتبويب ذكى، فهناك أبواب للدين، والثقافة العامة، وعلى مدى سنوات المجلة، فإن الأبواب العلمية قد تعددت أشكالها بين فترة وأخرى، فهناك مثلا فى النصف الثانى من التسعينيات باب يحمل عنوان “بستان المعرفة” ورغم أن العنوان مرن، ومتسع، فإن الصفحات الأربع المخصصة، هى بمثابة طرائف العلم منقولة، مصورة، من وكالات الأنباء، وهى تضم معلومات خفيفية بسيطة حول ظواهر علمية أرضية وفضائية، ويعنى أن هناك أربع صفحات مدى التنوع فى المواد المنتقاة، والمختارة ويعد الباب مجد الدين فهمى.

وفى المرحلة نفسها، وسنوات لاحقة تستمر حتى الآن، فإن رؤوف وصفى كاتب العلوم، وتبسيطها يقدم بابا من صفحتين تحت عنوان “غدا وبعد غد”، يقدم فيه نفس المعرفة بشكل مختلف هى أكثر حداثة وتميل إلى الرؤى المستقبلية، من الباب المشار اليه آنفا، فالفقرات المنشورة يكثف فيها الثقافة الالكترونية أكثر من الثقافة العلمية التقليدية. كما أن انتصار عبدالحق تعد فى السنوات الأخيرة باب “هوايات” وهو أقرب إلى التقنيات الحديثة، ويشجع على الابتكار، ويعلم كيف تدار الأجهزة، وتخترع الآليات.

وتهتم المجلة أيضاً بنشر قصص الخيال العلمى. وقامت لفترة بعرض قصص الأفلام العلمية، والتى تنتمى ايضاً إلى الخيال العلمى.

أما مجلة “أسامة” السورية، وهى واحدة من المجلات الحكومية القليلة الصادرة هناك، والتى تأسست عام 1949، فإنه حسب الأعداد التى وصلت غلينا من اصداراتها فى السنوات الاخيرة، فإنها تضع فى اهتماماتها الثقافة الأدبية بشكل ملحوظ، وتكاد تخلو تماما من الثقافة العلمية، إلا من موضوعات عابرة، ففى عام 2003 تولى حسين الابراهيم الاشراف على باب “أصدقاء الحاسوب” وكيفية ادارته، والتعامل مع أزراره، ولا اعتقد أن هذا من العلم المألوف فى شىء.

إلا أن مجلة “نيلوفر” التى لم يصدر منها سوى أعداد قليلة منذ بداية صدورها فى العام 2003، فإنها تعطى للعلوم مساحة أكبر، وبشكل أكثر جاذبية، ففى العدد الثانى يلاحظ أن الثقافة العلمية موجودة بأكثر من صورة مثل باب “اريد أن أكون مثلكم” الذى يعلم الصغار كيفية التعامل مع التكنولوجيا كيف يصير “ميكانيكى”، “صيدلى صغير”، وما إلى ذلك. كما تعلم المجلة “الف باء الكمبيوتر” عن طريق الاستربس فى أكثر من حلقة، وهناك ايضا باب “لماذا عندى عين” حيث تتحدث أجزاء العين، كل منهم عن نفسها، والمفردات اللغوية المستخدمة هنا تبدو صعبة مع من هم دون العاشرة، بما يعنى أن الباب موجة لأطفال أكبر من ذلك السن عليهم التعرف على الملتحمة والشبكية، والبؤبؤ، وكل ما يتعلق بالعين، كما أن هناك رسما علميا للعين عليه بيانات كاملة.. لمن يريد ان يعرف.

و”نيلوفر” تهتم بشكل ملحوظ بالثقافة العلمية، عكس ما نرى فى مجلة “اسامة” فهناك باب عن “عالمنا” تحدث فى العدد المشار اليه عن “كيف تنقرض الحيوانات”، ” ماهو البركان”، “اسماء البحار”، “ما هو الصدى”.

لو نظرنا إلى الأبواب الثابتة فى مجلة “العربى الصغير” التى تصدر شهريا فى الكويت، فسوف نرى اكثر باب علمى، بما يعكس رؤية المجلة للثقافة العلمية، هى “العالم يتقدم” الذى يعده رؤوف وصفى، “بيتنا الأرض” الذى يعده محمد المخزنجى “لغة المستقبل” اعداد أحمد عبدالعال، ثم قدوتى العلمية وموسوعة “العربى الصغير”.

رؤوف وصفى ينظر إلى عصرنا الذى نعيش فيه بشكل تعكس رؤيته العصرية، فهو مثلا يتكلم عن المكنسة الكهربائية الاعصارية، وعن مظلات لانقاذ الطائرات، وروبوت للبناء والتشييد، هذه العناوين الثلاث تبدو غير تقليدية بالمرة بالنسبة للثقافة التقليدية، فهى عن علوم الحاضر والمستقبل وانجازات العلم والتقنيات فى بداية القرن الجديد.

أما باب “بيتنا الارض” فهو عن انجازات العلم فى شكل أقرب إلى القصص يحكيه طبيب متخصص فى المعرفة العلمية، فهو يقول مثلا فى بداية احدى القصص “كان العلم يتمشى وعند ناصية احد الشوارع توقف مندهشا عندما رأى رجلين يتناوشان باصوات عالية..

ويعتبر “لغة المستقبل” عن الكمبيوتر بمثابة التعامل ايضا مع كل ما هو جديد فى مجال البرامج، والكمبيوتر، والتعرف على المواقع الجديدة، أما “قدوتى العلمية” فهو يتعامل مع العلماء فى كل مكان باعتبارهم قدوة يجب الاقتداء بها، لذا فانه يأخذ الشكل القصصى.

عرفت الاردن باصداراتها المتعددة لمجلات الاطفال، ومن القراءة الأولى لبعض الأعداد التى وصلتنا من هذه المجلات، ومنها “أروى” و”وسام” فسوف نكتشف أن المشرفين على التحرير، وأغلبهم من أدباء الأطفال، لا يولون انظارهم من بعيد أو قريب إلى الثقافة العلمية، وتبدو المجلات متجهة فقط إلى الثقافة الأدبية، والفنية، وثقافة الحكى، والتسالى، والتعامل مع التراث.

وفى لبنان، فإن مجلة “أحمد” تعد الأبرز، والأطول عمرا، من كافة المجلات، التى تصدر هناك، وهناك اهتمام ملحوظ بما تقدمه من ثقافة علمية بشكل محدود، فتحت عنوان “صندوق الدنيا” هناك فقرات عن معلومات علمية، مثل فوائد اللبن، ومكوناته، وكيف تقرأ الرسالة المشفرة، وهناك ايضا باب مهارات بعنوان “اصنع بنفسك” وان كانت الفقرات العلمية التى قدمها الباب قليلة، أما حسن ماضى فيعد باب “عالم الكمبيوتر” وشبكات المعرفة على طريقة “أحفظ حسابك الخاص” و”أنشىء حسابا خاصا بأخيك الصغير” و”سطح مكتب خاص بالأطفال” والملاحظ أن هذه الأبواب غير ثابتة، فوجودها يتأرجح من عدد لآخر. وكما هو ملحوظ، فإن الفقرات المعلوماتية والمعرفية حول العلم، وقد لا ت كون من العلم، مأخوذة مثل أغلب المجلات العربية من الموسوعات المعرفية، أو ترسله وكالات الأنباء إلى المؤسسات الصحفية.

وهناك أبواب علمية فى مجلة “اطفال اليوم” التى تصدر من الامارات، ففى العدد الصادر فى سبتمبر عام 2002، هناك أبواب “البيئى الصغير”، “تعلم مع المعرفة العلمية، وتنشر معلومات عن الاختراعات، كما تهتم بتعليم الاطفال قواعد للغتين العربية والانجليزية، وحتى أبواب التسالى فإنها حول المعرفة العلمية.

فى المملكة العربية السعودية، تعتبر مجلة “باسم” هى الأطول عمرا، والاكثر اهمية، منذ صدورها فى عام 1987، وهى مليئة بالقصص المرسومة والكومكس، والقصص الدينية والأبواب الرياضية، وهناك بابان رئيسيان هما “باسم @ نت” اعداد محمد عاشور، وعنوان صفحات اسبوعية لكن الجديد فى الكمبيوتر والانترنت، اما الثانى فهو “نوافذ المعرفة” وهو عن طرائف العلم، اكثر منه باب عن الثقافة العلمية، فهناك فقرات قصيرة أغلبها عن الحيوانات، أو الحشرات، أو عن أبرز العلماء، مثل جراهام بل، وتوماس اديسون.

وفى مصر، فإن التجربتين اللتين اخترناهما تمثلان طول التجربة، وايضا عملتها، وقد لوحظ فى تاريخ مجلة سمير (50 سنة) حتى الآن، أنها تهتم بالمنوعات خاصة الأدب، والمعارف العامة، ومساهمات القراء، وقد أخذت الثقافة العلمية الحقيقية مساحات محدودة للغاية طوال عمر المجلة، وفى السنوات الاخيرة تعاملت المجلة مع الانترنت، من خلال جمع المعلومات اكثر منه محاولة للتعرف على العلم نفسه، لذا فلا يمكن اعتبار أن باب “البنات والصبيان والحياة” من الثقافة العلمية، قدر ما هى تجميعات معرفية متنوعة، وقد ظلت المجلة على هذا الحال طوال سنواتها رغم تعدد المسئولين عنها أو رغم أن بعض هؤلاء المسئولين قد ظلوا فى رئاستها لسنوات طويلة، ولم يستطع هؤلاء جميعا التفرقة بين المعرفة عن العلوم، وبين الثقافة العلمية، وقد خلت المجلة من التعرف الحقيقى على العلوم، ففى السنوات الأخيرة نشرت المجلة بعض الصفحات عن معارف ع لمية، مثل الديناصورات، لكنها لم تكن عن العلم نفسه، بالمنظور الذى قدمناه.

اما مجلة “علاء الدين” فإنها شهدت فى السنوات العشر الاولى من مسيرتها، خاصة فى ظل رئاسة تحرير عزت السعدنى، وقد بدا ذلك من خلال مساهمات رؤوف وصفى، الذى كان يعد بابا اسبوعيا تحت عنوان “موسوعة علاء الدين” التى ظلت تنشر فى أربع صفحات لسنوات طويلة، منها حلقات عن “استكشافات الفضاء” ثم توقفت تماما، كما نشر وصفى ايضا الكثير من قصص الخيال العلمى ويعنى ذلك أن المجلة قد اهتمت بالثقافة العلمية الحقيقية، ويتضح ذلك أكثر من خلال أسبوعى متخصص اعده على غنيم تحت عنوان “الكمبيوتر” لا يستطيع متابعته سوى المتخصصون فهو باب تقنى، متقدم يتحدث مثلا عن مبادىء وتصميم سير العمليات وكتابة البرامج أو “الكمبيوتر ومكوناته” أو “وحدات ادخال البيانات”.

كما نشرت المجلة طوال اعداد متتابعة “الباب العلمى” “صدق أو لا تصدق” تحت عنوان “من غرائب الطبيعة”.

ولعل المجلة العلمية الوحيدة للاطفال فى العالم العربى هى “الباحث الصغير” التى ظهرت فى السودان عام 1974، عن دار النشر والمجلس القومى للبحوث، ثم توقفت عن الصدور فى العام التالى، وهدفها هو ان “تحمل الجديد فى عالم المعرفة والعلوم” فى ثوب جذاب، وطباعة أنيقة، وهى تنشر مقالات علمية يكتبها متخصصون، ومن أبوابها “الانسان والبيئة، حديقة الخرطوم، عناصر الكون، بين المعرفة  والخرافة، الحاجة ام الاختراع” وكلها بمثابة مقالات علمية.

مما يتقدم يتضح أن اغلب مجلات الاطفال العربية، قد تعاملت مع الثقافة العلمية بتجاهل شديد او باعتبار ان العلم هو مجرد معلومات عن الحيوانات والعلماء، وان كان هذا لا يلغى ان هناك مجلات قد اعتبرت ان العلم امرا اساسيا ضمن اهداف المجلة مثلما حدث فى “العربى الصغير”، “ماجد”، “علاء الدين”، أما المجلات العلمية المتخصصة فإنها ظلت اصدارات نادرة للغاية عدا تجربتين هما: “علاء الدين”، التونسية، مجلة “الباحث الصغير” السودانية.

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات