الأب باولو: عاشق الإسلام ، مؤمن بعيسى

06:35 مساءً الأربعاء 1 يناير 2014
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يقص علينا فريد الدين العطار قصة الفراشات الثلاث اللواتي كن في حالة شوق واشتياق لنور الحقيقة ، لنور الايمان الى أن كان لهن مشوارهن لملاقاة هذا النور المنور . وما أن اقتربن من النور حتى أسرعت الفراشة الأولى لملاقاة النور على مسافة ما .شعرت بالامتنان والسكينة ، ولكن الفراشة الثانية فهمت بأن مسافة صديقتها الأولى لا تكفي، فاقتربت الى حواف الهالة النورانية ، فكان لها الاكتفاء . أما الفراشة الثالثة  نظرت    تجولت    تساءلت   اقتربت     ابتعدت    ثم أخذت الأنفاس وأغمضت العيون وابتسمت للنور لكي تتمازج به وتتلاشى بحضوره .

الكتاب

هكذا هو الأب باولو دالوليو :

فلتفكر فيما يورد الشيخ محمد حسين المارديني :

” بسم الله الرحمن الرحيم

تعرفت عليه منذ ثلاثين عاما في كلية الشريعة بجامعة دمشق ، وكان مستمعا للمحاضرات . تبادلنا الحوار المسيحي الاسلامي بفطرية المؤمن ، وتعمقت صداقتنا  وانتقلت الى زيارات في بيتي وقراءة التفسيرات القرآنية حول آيات خاصة بسيدنا المسيح وأمه مريم عليها السلام ، والتثليث والصليب والرفع الى السماء … الخ . شخصية محببة وقريبة الى النفس ، متواضع، مطلع ، يتقن لغات عديدة ، سافر الى عدة بلدان ، وشارك في المؤتمرات ن وفي تكريس الايمان المسيحي . انه معتمد من قبل بابا روما  ويعرض لقلة موجودة في الكنيسة ومقبولة . عندما استقر في دير مار موسى الحبشي بعد أن أحياه من الرمم ووسعه ، أحدث فيه المباني الجديدة ، صرنا نشارك في المؤتمرات والندوات بكل حب وأريحية ، ونلمس حقيقة الايمان بالله عبر الديانات المختلفة والمذاهب والمشارب ، شيء كنا نحلم به واذابه واقع نعاينه .

لقد استطاع الأب باولو دالوليو أن يصبح سوريا بكل معنى الكلمة في كلامه ولهجته ولباسه ومعاشرته ، وأن يدخل في صميم ا لحياة السورية ، ويصبح عضوا اجتماعيا فعالا ، وعلى كل اصعد . فترك بصمة مؤثرة في السوريين بكل معتنقاتهم .

ولا نزال منذ أول تعارفنا والى الآن نشترك بالدعاء بخضوع لله تعالى أن يهدينا سواء السبيل وأن يرحمنا في الدارين .

لم يكن همنا قط تنصير المسلمين ، ولا أسلمة المسيحيين ، بل تفتح القلوب والعقول على الحب والأخوة والتعاون والمحاورة العلمية اللطيفة في نقاط الاتفاق والافتراق بين الديانات ، وكشف الاشارات الحميلة والتأويلات الخفية التي تجعلنا أقرب الى روح الدين والوحي ….

انها محاولة جريئة لقراءة الآخر من خلال الآخر ، وعدم الاغلاق في القول أو الفعل ، بل ترك حرية الاعتقاد للجميع ، والله يفصل بيننا يوم القيامة . تبين لنا انه مشروع حضاري انساني يعلي قيمة الانسان أولا ، ثم الدين ثانيا ، بعيدا عن الحرفية البغيضة ، التعصب المقيت ، ومن دون حمل أفكار مسبقة….

انني أرجو لو كان كل معهد ديني ، وكل مسجد ، وكل كنيسة ودير ، يقوم بمثل ما قام به  “الأب باولو ”  ا لمحترم ن كما كان يحدث في أزمنة الاسلام الأولى ، وبخاصة ايام النبوة والخلاقة الراشدة ، وفي عهد المأمون ، من انفتاح رجال الأديان على بعضهم بعضا بنية التآلف والتعاون والتكامل … انه يحاول شرح رجاء وفاق المؤمنين أهل التقوى أمام قدوم الساعة .

انني أكبر هذا الرجل الذي هب نفسه بكليته للمحبة الانسانية متجاوزا الرسوم والتقاليد البالية ، والمهمة التبشيرية التكفيرية للمسلمين ، والتي تصب في مصلحة الاستعمار الغربي ، بل على العكس ، هو يناهض ذلك ويرفضه .

وأذكر من أكثر من عشرين عاما ، لما حضرت أنا والأب باولو فيلما سينمائيا عن عمر المختار ، كيف بكينا معا وتأسفنا على تلك الحرب الايطالية الوحشية ضد الشعب الليبي ، وقال لي باولو ان جده كان مشاركا ( ويا للمصادفات ) مع ا لجيش الايطالي المستعمر ….

لمسنا حينئذ أن المسألة في وئامنا القادم لا في خلافنا الماضي . ثمة ، ولا شك ن صعوبات في نسبية اللغة والمفاهيم بين منظارين مسيحي واسلامي ن على القارئ الكريم ألا يستعجل بالحكم وأن يتأنى في فهم ا لمصطلحات والرموز ، خصوصا وأن الطرح جديد وجريء .والموفق هو الله تعالى ، فمنه وحده نعمة الهداية .

علنا نصل الى رجاء مشترك ، يخص أهل التقوى منا في آخر الزمان ، ونتبادل روح الحق والحب والايمان ، لنتعايش حضاريا وسلميا بكل احترام .

طبعا، قلة هم الذين يرحبون بهذا الانفتاح من المؤسستين الدينيتين الاسلامية والمسيحية ، وكأننا في حقل ألغام ..!! .

قال الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم : ” وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ” سورة يوسف ، الآية 103 .

ونحن نحفل بهذه القلة الواعية والمعتمدة أمام الله والناس : ” وقليل من عبادي الشكور ” سورة سبأ ن الآية 13 . ”

 

غلاف الترجمة

وهذه مقدمة المترجمة :

كان يفترض أن يقوم الأب باولو دالوليو ( الراهب بولص ) نفسه بكتابة هذه المقدمة ، لكنه ، وللآسف ، هو غائب حتى كتابة هذه السطور . قد يكون لحظة اختفائه ذاهبا يحمل رسالة تعايش بين الأقليات والاثنيات والأعراق والتيارات في سورية ، وقد يكون ذاهبا بشجاعة معتمدا لغة الحوار مع ” أطراف معينة ” لإطلاق سراح المعتقلين …؟ !

أيا كان السبب سيظل باولو دالوليو من أهم وجوه التحضر والسلام بما يحمله في قلبه من احترام للإنسان وللذات ، وشجاعة وصدق ووفاء لمبادئه حتى لو كلفه ذلك حياته . وهذا الكتاب ، عاشق الاسلام ، مؤمن بعيسى ، سيجسد فكره سواء كان موجودا أو غائبا .

اختار باولو دالوليو أن يكرس حياته  ” لخلاص المسلمين ” ، وهكذا فقد أصبح الدين الاسلامي يخصه في الصميم . وفي هذه المودة نما لاهوته ، وتطور دير مار موسى .

ويعرف باولو علاقته بالإسلام على أنها انتماء ثنائي ، يجد ينبوعه في المسيح ، ولا يمكنه ايجاد طريقة الا في كنيسة تتطور . عندما يقول انه ينتمي الى الاسلام ن يعني أنه ينتمي اليه من المنظور الثقافي واللغوي والرمزي ، ففي العالم الاسلامي يشعر بعمق انتمائه مثلما يشعره في وطنه .

يتأسس هذا الانتماء الاسلامي – المسيحي  الثنائي ويتمحور باستمرار حول العلاقة الأصلية بعيسى وكنيسته . واذا كان بمعنى من المعاني قد اعتبر نفسه مسلما بناء على الطاعة الانجيلية ونعمتها ، فذلك لأن محبة المسيح دفعته الى تجذر ملتزم في عالم الاسلام الثقافي والروحي والديني أيضا . فهو مسلم بسبب حب عيسى للمسلمين والاسلام . وهو مسلم وفقا للروح وليس طبقا للحرف ، ” لأن  الكلام يقتل ، والروح يحيي ” .

له رأي يشرحه هذا الكتاب في  ما يخص تقديس السلطة واستخدام العنق على اعتباره فعل عبادة . وبرأيه ان شرعية العنف التي يبررها برنامج سياسي ديني هي مثار نقاش مفتوح داخل المجتمع الاسلامي . فالإرهاب الديني مأساة بالنسبة الى المجتمع الاسلامي قبل أن يكون خطرا على الغرب . ويصعب عليه قبول أن العنق الديني هو جزء من متاعنا الثقافي المشترك بيننا سواء كنا مسلمين أو مسيحيين . الأمر لا يعني التخلي عن التضامن مع الأمة ، بل المساهمة بتجديد الاسلام الذي يجد منبعه في صدق النبي وصحابته الأوائل .

فانتماؤه الى عيسى الناصري دفعه الى أن ينتمي الى الاسلام . وبرايه ن ينبغي على محاربي الأصولية والانغلاقية الدينية وتسخير الدين لخدمة السلطة أن يشكلوا جبهة واحدة على الرغم من الانتماءات الدينية المختلفة . فهذا يعني أن هذه المعركة تخص العالم المسيحي والعالم الاسلامي على السواء .

ومفهوم ” كنيسة الاسلام ” بالنسبة اليه هو تعبير عن طريقة في القدوم نحو الأخر ن طريقة قادرة أن تكسر الهويات المتحجرة القصيرة النظر . هذا القدوم ” نحو الآخر ” ليس ذوبانا أو مجرد خلط وانما انثقاف عميق يحترم أيضا هويات الكنائس المسيحية في المحيط الاسلامي .

كمات أنه أراد التأكيد على القيمة اللاهوتية لحسن الجوار ، لا بل لسر حسن الجوار . فحسن الجوار يفتح طريق المستقبل في كل مكان ،ومن خلاله يتقاسم المسيحيون والمسلمون  مجالات التعايش والعمل المشترك نفسها .

وبرأيه لا يمكن لي كان أن يبقى جامدا في هويته ، سواء في العالم الاسلامي ،أو في ” العالم المسيحي ” : نحن نحتاج الى تأويل جريء في آفاق الآخرة للنصوص المقدسة . نحن بحاجة الى حركة نبوية جديدة ، حركة نبوية تتجسد بالحوار والحوار بين الأديان ن وتتجسد سفي تجربة جديدة ضمن الفضاء المقدس الذي يشكله لقاؤنا بعضنا ببعض ، وممارستنا لضيافتنا المتبادلة .

وفي هذا ا لكتاب عالج باولو حب الاسلام باسم محبة الله . أن نحب ÷ يعني أن نستخدم رأسنا بطريقة مختلفة . يعلمنا القديس بوس قائلا :

” المحبة تصبر ، المحبة تخدم ، ولا تحسد ولا تتباهى ، ولا تنتفخ من الكبرياء ، ولا تفعل ما ليس بشريف ولا تسعى الى منفعتها ، ولا تحنق ولا تبالي بالسوء ، ولا تفرح بالظلم ، بل تفرح بالحق . وهي تعذر كل شيء وتصدق كل شيء ، وترجو كل شيء وتتحمل كل شيء . المحبة لا تسقط أبدا ” . ( رسالة بولس الرسول الأولى الى أهل كورنثوس، الاصحاح 13 ،الآية 4-8 )

ينطلق باولو من تجربته فيرى أن الأديان ، وبخاصة الدين الاسلامي ، هي بنوك للقيم والسبل التربوية التعليمية الضرورية لتثقيف البشرية ، وللوفاء ،وللمجانية ، وللجمال ، ولمعنى التضحية ، وللحنان ، وللسر ، وللمجتمعات الديمقراطية التي تتوق لاستعادة سحرها .

قد تواجه أفكاره في هذا ا لكتاب بعض الانتقادات ، ومقادها أنه يخلط المفاهيم المسيحية بالمفاهيم الاسلامية ، والأسوأ من ذلك ، أنه يخلط استشهادات كتابية باستشهاداتقرآنية . فمن الضروري في الحوار ، هذا اذا أردنا تجنب حوار الطرشان ، لبناء لغة مشتركة تقوم على أدلة نستخلصها من كلا التقليدين على صعيدي النص المقدس والأدبيات الدينية ، طالما انه ينبغي على كل منا أن يعلم لغة الآخر الدينية .

ربط باولو اسم النبي محمد بالدعاء الاعتيادي ” صلى الله عليه وسلم ” ، واختصره كما يفعل المسلمون ب( صلعم ) . فعل ذلك كبادرة احترام من جانبه ازاء فعل تقوى وايمان المسلمين المتأصل في صدق النبي .

قد يلاحظ القارئ لهذا ا لكتاب بنسختيه الفرنسية والعربية بعض الاستفاضة في شرح عدد من الفقرات في النسخة العربية فضلا عن اضافة هوامش لم ترد في النسخة الفرنسية (ومشار اليها بنجمة بجانب ضمن الرقم المتسلسل للهوامش – الرقم / …/ ثم النجمة * ) ، وذلك بغية توضيح فكره كي يكون مفهوما من قبل القارئ المسلم والمسيحي على السواء .

استمرت مراجعة الترجمة مع الأب باولو قرابة العامين ولم تنته ، حيث اضطر الى مغادرة سورية في حزيران من عام 2012 ، وكنا لا نزال  نراجع الصفحات الأخيرة منه .

اتوجه بالشكر الى الأستاذ أديب ا لخوري لإتمامه مراجعة الكتاب ، كما أشكر دير الآباءاليسوعيين في دمشق لاستقبالي والأب باولو اثناء قيامنا بعملنا لإنجاز هذا الكتاب ، كما أتمنى للقارئ المتعة والفائدة أثناء قراءة هذا الكتاب .

رجاء الشلبي

لقد أمسك بنور الحقيقة واقترب واقترب واقترب عندما كانت الثورة السورية في بداية طريقها ثورة سلمية فيها الأغاني والدبكات ،كان يحاول مع الذين يمسكون بالقرار لكي يقول لهم : اقتربوا من عالم الشابات والشباب ، ولنحاول الاصلاح .

وأيضا عندما تحولت الثورة السورية لمنطق الدفاع عن النفس ،كان يجوب سوريا ومن على أسطح المنازل كنا نشاهده عبر قناة أورينت ، يحث الجميع على الاحتفاظ بأكسير المحبة ويخشى على الروح الشامية من عوامل الانكسار والانشطار .

قيم التعصب آلمته كما تؤلمنا الآن .

ولكن علينا جميعا أن نتحرك باتجاه نور المحبة ، وكما قالت المفكرة الكبيرة  سيمون نايل ” ثمة أشخاص يعملون في التاريخ البشري عمل الرافعة العتلة ” .

تعالوا نمسك أشعة النور ، لنتحاور في كتابه هذا ، وانني بشكل شخصي افتقدته طويلا الى أن صادفت كتابه ” عاشق الاسلام مؤمن بعيسى ” .

هو النور وهو النار التي أشعلت نار المحبة  .

دعونا نقول له جميعا ”  عيد ميلاد مجيد ، وكل عام وأنت بخير ” .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات