نحو ألق ثقافي/ سعداء الدعاس … ونسق الناقد الأديب

02:57 مساءً الخميس 2 يناير 2014
د. علي العنزي

د. علي العنزي

استاذ النقد والأدب المسرحي، المعهد العالي للفنون المسرحية، دولة الكويت

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

سعداء الدعاس

لم يكن فوز الروائية والقاصة والمؤلفة المسرحية والناقدة ذات القدرات، سعداء الدعاس، للمرة الثانية بجائزة الدولة التشجيعية عن مسرحيتها (أنتم من قال ذلك)، مفاجأة من العيار الثقيل بالنسبة لي؛ حيث أنه بات من المعلوم، أن مداد قلمها، لا يسيل إلا على ما هو زاهر!

ومنذ عهدنا بسعداء، (التي هي أستاذة زميلة في قسم النقد والأدب المسرحي، تضع اللمسات الأخيرة، على أطروحتها للدكتوراه، في فضاء نقدي مُستعص، إلا وهو نقد النقد)، فقد انجلى لدينا، أن لديها القدرة ككاتبة، على إجلاس الأدب على عرش النقد، حيث عُرفت في بداياتها كقاصة، بعد صدور مجموعتها القصصية الأولى بعنوان (عتق)، ثم وفي أقل من عامين، لوحظ مجدداً، أن حنينها إلى التأليف، أخذها صوب ديوان العرب الجديد، لتؤسس محاولتها الروائية الأولى، بصدور رواية (لأني أسود)، والتي كانت قد حازت عنها على جائزة الدولة التشجيعية، عقب ظفرها بعدة جوائز مرموقةسابقة، أذكر منها ميدالية طه حسين، وجائزة إحسان عبدالقدوس.

وبمسح بصري بسيط لاستكناه حقائق إنجازات الدعاس، نؤكد أنه ما كان لأي أدب (نقد – مسرح – شعر – رواية – قصة قصيرة) أن يحتل هذا الاهتمام لدى القراء والتكريم لدى الدولة، داخل حقل من حقول الإبداع، إلا لمكانة ما، تفيد بأنه يستأهل أن ينعت بالبراعة والمهارة؟

من أعمالها كمخرجة مسرحية

وحيث أننا إذ نتابع اليوم التمايزات الإبداعية لدى الدعاس، فإننا نقوم بذلك، لا سعياً وراء الخوض فيأدق تفاصيل (أنتم من قال ذلك)، بل بغية الاهتمام بالصورة العامة التي تسم هذا المبدعة، ولهذا فإننا نترك الخوض في تفاصيل (أنتم من قال ذلك) لمقالة أخرى، أو لدراسات علمية تتوخى الإمساك بالجزئيات.

ومن هنا، فإنه بعيداً عن أهمية تكريم المبدعين، فإن أكثر ما يلفت بين أبناء الوسط الثقافي في الدعاس،التي كتبت تقريباً في أغلب الأجناس الأدبية، أنها تعد نسقاً مميزاً للناقد العربي المثقف بجدية؛ باعتبارها لم تقبع في برج النقد العاجي، منفصلة عن المجتمع الذي يعجز عن الارتقاء لفهم أفكارهاالمتسامية!…. وإنما اضطلعت بأدب لامست عبره هم الإنسان وقلقه العارم، محققة على عدة مستويات،ارتباطاً لائقاً وعميقاً بمعاناة الإنسان!

وفيما اعتدنا على أقلام نقدية مثقفة أخذت تلوك المصطلحات فقط ، ظناً من بعضها أن ذلك شفيع الانتماء الحداثي، فقد واكبت سعداء هذا الاستحضار، وصدرت لها في السنوات القليلة الماضية أعمال أدبية لاقت كل الاستحسان والتقدير…

غلاف  : عتق

ولما كان ما تقدم، فإنه مما لا شك فيه، أن مسرحية (أنتم من قال ذلك)، سوف تستقطب اهتمام النقاد الذين قد يألفوا مع نجاحها وتكريمها، حدثاً خليقاً بالاستكناه، باعتبارها مختارة أدبية، تستحق أن تنال حظها من التقري وإلطاف النظر والبحث والدراسة، وعمل خليق الاهتمام بدقائقه…

وكم هو جميل أن تثير الأعمال الأدبية لأحد أبناء النقد، بفضل من تدفقها بالحياة، مسائل نقدية، يحاول زملاءه النقاد أن يُجيبوا على معطياتها، للوقوف عليها وتبين الإجابة على ما يكتنزه محيط هذه الأعمال  من مفاهيم.

هذا ويحسب للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهو يقرر تكريمها للمرة الثانية عقب جائزتها التي نالتها عن رواية (لأني أسود)، أنه لم يضع في اعتباره للمرة الثانية على التوالي، أن الدعاس، كانت دوماً صاحبة موقف نقدي لافت فيما تعبر عنه قولاً أو كتابة، إزاء أنشطة المجلس، ولطالما طالت سهام نقدها من على منصات المهرجانات المسرحية، أو عبر عمودها السابق في صحيفة أوان، كل ما يمكن اعتباره، قضية مثيرة للجدل في علاقة المثقف/بالمجلس الوطني، وتولت الأمر، من دون أن يعتريها أي خوف على زخرف أو عرض دنيوي، لربما أصابته من وراء عملها الثقافي! فتحية لهم على موقفيهما المتحضرين!!

توقع (لأني أسود)

وبالنسبة لمن يود الاطلاع على (أنتم من قال ذلك) أقول، أنه من المعلوم، عبر تجربتي سعداء (عتق – لأني أسود) أنها تتباعد ككاتبة قدر الإمكان، عن لغة الكتاب والنقاد الكلاسيكيين العرب، ممن كان شغلهم الشاغل، تعالق الشكل بالمضمون، حيث أن الشغل الشاغل لدى قلمها، لم ينحصر في البحث عن قوالب، بقدر ما هو متمحور حول “الكتابة المتصلة بالحاضر”، للتعبير عن التحولات الطارئة على مستوى المجتمع، وعن آرائها الفكرية المتحضرة، والجديرة بالتأمل.

ولوحظ أن الدعاس، عموماً، حينما تستنهض الفن والأدب كمرآة تعكس الواقع الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي في المجتمع الكويتي، فإنها تعلم أن وظيفة الأديب لدى الكتابة عن المجتمع ليست تصوير هذا المجتمع على نحو فوتوغرافي مجرد، بل الكتابة عن قيمه، وسبر أغوار النفس البشرية لقاطنيه،ممكنة المتلقين من رؤية الواقع الذي تقدمه، والاستمتاع بمرارة تأمله نقدياً، بفضل أسلوبها الذيالمثري للذائقة.

إنه رغم تعدد الأفكار والمواضيع التي تتناولها الدعاس في نتاجها، فإنه من الجلي علمها أن الأعمال الأدبية المهمة والمؤثرة حققت شهرة كبيرة عبر التاريخ بسبب قدرتها على تصوير تناقضات الحياة التي تنب ، ولهذا السبب، نجدها تبذل في كتابتها جهداً أدبياً كبيراً… استحقت عليه اهتمام الدولة، وقبل ذلك بالتأكيد، اعتزاز وتقدير الجميع بشخصها الكريم.

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات