أسامة أنور عكاشة: التلميذ الذي غلبَ الأساتذة وأصبحَ عميدًا للدِّراما التليفزيونية

09:55 صباحًا الأربعاء 8 يناير 2014
بشير عياد

بشير عياد

شاعر ، وناقد ، وكاتب ساخر ، يغني أشعاره كبار المطربين، له عدة كتب في نقد الشعر، متخصص في " أمّ كلثوم وشعرائها وملحنيها " .

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
  • جاءَ من الأدبِ إلى الدراما ، فأحدثَ نقلةً نوعية في تاريخ الفن التليفزيوني
  • كان اسمُه من أهمّ مفردات المائدة التليفزيونية الرمضانية ، وتحوّلت أعماله إلى فرصةٍ لميلاد نجوم ، ولترسيخ أقدام آخرين .
  • الذاكرة الفولاذية استوعبت التعدد المصري في كلّ أطيافه وتجلياته ، وفي اللحظة الحاسمة نطقت الشاشة بعصارة التجارب والخبرات .
  • تتعدد إبداعات أسامة أنور عكاشة بين الكتاب والمقال والسينما والمسرح ، لكن الدراما التليفزيونية تظلّ رأس الهرم الإبداعي له على الإطلاق .
  • تحفة ” ليالي الحلمية ” وحدها تكفي لخلود اسم مؤلفها ، وكلّ الذين جعلهم يمرّون بأرضها !!

       ربّما تكونُ واحدةً من الحالاتِ النّادرةِ في تاريخِ الدراما العربيّةِ … أنْ يأتيَ كاتبٌ ناشئٌ متسللاً على أطرافِ أصابعِهِ ، بالصدفةِ البحتةِ ، فيجدَ نفسَهُ كاتبًا للسيناريو والحوارِ التليفزيوني فيقلبَ الموازينَ ـ في زمن قياسيٍّ ـ ويُحدِثَ ثورةً كبرى تهزّ أركانَ هذا الفنِّ ، ويتحوّل من تلميذٍ إلى أستاذٍ إلى عميدٍ لهذا اللونِ الإبداعيّ ، وبدلا من أنْ يصبحَ قدوةً للقادمينَ الذين يتأثّرونَ به ، أصبحَ مدرسة جديدة تسعُ الجميعَ بالعدلِ والمساواة ، وفي مقدمة الصفوفِ يتعلّمُ منه الكبار الذين كانَ يرتعشُ لمجرّد قراءة أسمائهم على الشاشة .

لم يكن أسامة أنور عكاشة (27 يوليو 1941م / 28 يونيو 2010 م ) يضعُ في حُسبانِهِ أنْ يُصبحَ كاتبًا للسيناريو في يومٍ ما ، إنه القارئُ المولعُ بالتاريخِ والفلسفة ، وهو المنتمي إلى معسكرِ النثرِ ، وكلُّ آمالِهِ أنْ يستطيعَ في يومٍ ما أنْ يصلَ إلى القارئِ من خلالِ قصصِهِ ورواياتِهِ التي تملأُ خيالَهُ وتنتظرُ منهُ أنْ يُطْلِقَها في فضاءِ الأدبِ لتتحوّلَ إلى كائناتٍ حيّةٍ تمشي بين الناس !!

 كان أسامة أنور عكاشة ، فوقَ كونِهِ قارئًا ، يملِكُ عينين لاقطتينِ وذاكرةً حديديّةً ، يقرأُ وجوهَ الناسِ وطباعَهم وحركاتِهم ، ويختزنُ طريقةَ كلامِ كلٍّ من يدخلُ في أرشيفِ هذه الذاكرة ، ويشاءُ لهُ القدرُ أنْ يدورَ عدّةَ دوراتٍ بلا ترتيبٍ ولا إرادة ليطالعَ الأماكنَ بما فيها من ثابتٍ ومتحرّك ، وليملأَ ذاكرتَهُ بـ ” كلّ المصريينَ ” ويدّخرهم إلى اللحظةِ المناسبة ، فبالرغمِ من أنّهُ ينتمي إلى محافظةِ كفر الشّيخ بدلتا مصر ، إلا أنَّ ميلادَهُ كانَ بمحافظةِ الغربيّةِ ( بمدينةِ طنطا في السابعِ والعشرين من يوليو / تموز 1941 م ) ، وقضى شطرًا من طفولتِهِ الأولى بمدينةِ طنطا ( موطن الأم ) ، ثمّ انتقلَ إلى محافظةِ كفر الشيخ ( موطن الأب الذي يعملُ بالتجارة ) ، وهناك بدأَ رحلتَهُ التعليميّة من البدايةِ حتى نهاية المرحلةِ الثانويّة ، وأثناءَ الدراسة الثانويّة بدأت ميولُهُ الأدبيّةُ تفصِحُ عن نفسِها ، وفي الوقتِ نفسِهِ كانَ القدرُ يجمعُ بينَهُ وبينَ زميلٍ له ، له أيضًا ميولُهُ الأدبيّةُ التي تصبّ في نهرِ الشعر ، هذا الزميل / الصديق سوف يكونُ ـ في سنواتِ الإثمار والعطاء ـ أهمّ ضفيرة في حياتِهِ على المستويين الإنساني والإبداعي ، إنّه الصديق إسماعيل عبد الحافظ الذي أخذ طريقه إلى الإخراج التليفزيوني ليصبحَ ـ على الضّفّةِ الأخرى ـ عميدَ الإخراج الدرامي بلا منازع ، ولتتحوّلَ الأعمالُ التي أبدعاها معًا إلى علاماتٍ ناتئةٍ ، أو أبراجٍ شاهقةٍ ، في حقل الدراما التليفزيونية .

    ثمّ تتسعُ الحلقةُ ،وتبدأ دورةٌ جديدةٌ في حياةِ أسامة أنور عكاشة إذ التحقَ بكلية الآداب قسم الدراسات الاجتماعية والنفسية بجامعة عين شمس ليتخرّج فيها عام 1962 ، وقد كانت أولى محاولاتِه فى مجال التأليف خلال فترة دراسته الجامعية ، وبعدَ تخرّجِهِ بدأت الدورة الأكبرُ والأوسعُ والأسرعُ حيث عمل أخصائيا اجتماعيا فى مؤسسةٍ لرعايةِ الأحداثِ ، ثمّ مُدرِّسًا فى إحدى مدارس محافظة أسيوط ، بعدها انتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة بكفر الشيخ ، ومنها إلى رعاية الشباب بجامعة الأزهر ، وفي عام 1982 ، بعدَ أنْ وضعَ قدميهِ بثباتٍ على أرضِ الدراما ، اتّخذَ القرارَ الذي كانَ الأصوبَ في تلكَ المرحلةِ إذ قدّم استقالته من العمل الوظيفي ليتفرغ للكتابة ، ولتتحوّلَ هذه النماذجُ التي اختزنها من ” كلّ المصريينَ ” إلى شخصيّاتٍ حيّةٍ نابضةٍ تحملُ مصرَ بكلّ متناقضاتها ، وتسكنُ بها الشاشة والذاكرة .

أسامة أنور عكاشة

 و… كيف بدأت علاقة أسامة أنور عكاشة بالدّراما ؟

الصدفة لعبت دورَها ببراعة لتنفيذ سيناريو القدر !!! ففي عام 1967 أصدرَ أسامة عكاشة مجموعته القصصية الأولى ” خارج الدنيا ” ، وعندما قرأها الأديبان سليمان فيّاض وكرم النجّار اتفقا على تحويل قصّتينِ من قصصِ المجموعةِ إلى سهرتين تليفزيونيتينِ  ، وعند هذه النقطة بدأ أسامة أنور يدرسُ الأمرَ بجدّيّةٍ ، ويحاولُ أنْ يتوغّلَ في قلب اللعبة الدراميّةِ ليعرفَ خباياها وقوانينها ، ويقول : ما دام الأمرُ كذلك .. لماذا لا أقومُ بكتابةِ العمل من ألفِهِ إلى يائِه ؟ وراحَ يحاولُ ويحاولُ إلى أنْ بدأ الغيثُ بسباعية ” الإنسان والسراب ” ( 1976م ) ، ثمّ جاء مسلسل ” الشهد والدّموع ” في مطلع الثمانينيات ليكونَ القفزة الأولى التي أحدثت دويّا هائلاً وأدارت الرؤوسَ والأعناق إلى هذا الاسم ” المختلف ” ، وهذا الرسّام الذي يصبغُ الشاشة بالدهشةِ ، ويكادُ يكتبُ بمدادٍ من الذهب ، فلا زيادة ولا نقصان ، وكأننا سنحاسبه على الحروف !! الجمل رشيقة سريعة مدببة ، والمشاهدُ متتابعة في تلقائيةٍ وسهولةٍ بلا إجبارٍ أو حشوٍ أو حشر ، وأصبحَ من الصعبِ على المشاهد أن يديرَ عينيه بعيدًا عن الشاشةِ طوالَ الحلقة .

توالت بعد ذلك المسلسلات التى نالت شهرة واسعة ونجحت فى تغيير شكل الدراما التليفزيونية وكان من أهمها :”  المشربية ، ليالى الحلمية ، ضمير أبلة حكمت ، زيزينيا ، الراية البيضا ، وقال البحر ، ريش على مفيش ، أنا وأنت وبابا فى المشمش ، لما التعلب فات ، عصفور النار ، ومازال النيل يجرى ، أرابيسك ، أمرأة من زمن الحب ، أميرة فى عابدين ، كناريا وشركاه ، عفاريت السيالة ، أحلام فى البوابة ، المصراوية ، الحب وأشياء أخرى ، رحلة السيد أبو العلا البشرى ، الحصار ” بالإضافة إلى خمس عشرة سهرة دراميّة ، منها ” تذكرة داود ، العين اللى صابت ، الشرير ، الكمبيوتر ، البراءة ، مشوار عيد ، الملاحظة ، الغائب ، سكة رجوع ، حب بلا ضفاف ” .  وفى مجال السينما كتب عكاشة مجموعة من الأفلام السينمائية  من بينها ”  كتيبة الإعدام ، الهجامة ، تحت الصفر ، دماء على الأسفلت ، الطعم والسنارة ، الاسكندرانى “. وفى مجال المسرح كانت له مسرحيات ” القانون وسيادته ” لمسرح الفن ، ومسرحية ” البحر بيضحك ليه ” لفرقة الفنانين المتحدين ، ومسرحية ” الناس اللى فى التالت ” للمسرح القومى ، مسرحية ” ولاد الذينَ ” للقطاع الخاص .

كما  قـدم أسامة أنور عكاشة مجموعة من الأعمال الأدبية أهمها مجموعة قصصية بعنوان ” خارج الدنيا ” عام 1967 صادرة عن المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ، و رواية ” أحلام فى برج بابل ” عام 1973 ، مجموعة قصصية بعنوان ” مقاطع من أغنية قديمة ” عام 1985 ، و رواية ” منخفض الهند الموسمى ” عام 2000 ، و رواية ” وهج الصيف ” عام 2001 ، وله من الكتب ” أوراق مسافر ” عام 1995 ، وكتابا ” همس البحر ، تباريح خريفية ” فى العام نفسه.

تحفة ” ليالي الحلمية ” وحدها تكفي لخلود اسم مؤلفها ، وكلّ الذين جعلهم يمرّون بأرضها !! الصورة للراحل مع أبطال مسلسل ” المصراوية”

 . وتأتي ” ليالي الحلمية ” لتكونَ رأسَ الهرم الإبداعي لأسامة أنور عكاشة ، ففيها وضعَ كلّ ما يمكنُ أن يُقالَ في حقل الدراما التليفزيونيّة ، خمسةُ أجزاء قوامها مائة وخمسون حلقة كلّ حلقة منها تصلح درسًا لمن يريدُ أن يكونَ شيئًا !! أصبحَ اسم أسامة أنور عكاشة  من أهمّ مفردات المائدة التليفزيونية الرمضانية ، وأصبحَ وقت عرض أعماله مؤشرًا لخلو الشوارع من المارة ، بما يذكّرنا بحفلات أمّ كلثوم التي كانت تحوّلُ الشوارعَ العربيةَ إلى صمتٍ مطبق لا تقلقه قدمٌ  ولا يقطعه صوت !! وتحوّلت هذه الأعمال إلى حلم يراودُ الممثلين كبارهم وصغارهم ، وكم كانت إيذانا بمولد نجوم للمستقبل ، مثلما كانت شاهد إثباتٍ على ترسيخ أقدام آخرين ، وربما لا تجود الدراما التليفزيونية في المدى القريب ( وحتى البعيد ) بمباراة تمثل القمة في كلّ شيء ، وأعني بها مباراة يحيي الفخراني وصلاح السعدني ـ وبينهما صفيّة العمري ـ في ” ليالي الحلمية ” ، أو مناطحةٍ تعادلُ مناطحة سناء جميل وجميل راتب في ” الراية البيضا ” ، كتابةٌ من ” لحم ودم ”  تنبضُ بالقضايا الاجتماعية والسياسية الكبرى وترصد المتغيرات التي شهدتها مصر منذ بداية فترة الانفتاح الاقتصادي وسيطرة رأس المال على الحياة الاجتماعية للمصريين وما صاحب ذلك من تحولات في الواقعِ الاجتماعي والسياسي المصري ، وتظل معظم أعماله شاهدة على أكثر من عصر وأكثر من تحول ، تحملها تلك الخلطة السحرية التى تجمع بين الأدبى والفلسفى والسياسى والتاريخى ، إنها دراما الرأى والموقف والتأمل والتحليل ،  دراما الإنسان الخارجة من لحم الحياة ، من الحب المجهض إزاء قيم التوحش إلى الهوية التى باتت غير قادرة على صد الاختراق ، ومن مافيا الفساد إلى الهم العربى ، لتكونَ إبداعاته ـ على تعددها ـ نواقيس خطر تدقّ ليلَ نهار ، ولكن … ” لا حياةَ لمن تنادي ” !!! .

وربّما كان من حُسن حظّنا أن تجيءَ هذه الأعمالُ قبل أفول عصر الاحترام لعقل المشاهد ووقته ، وقبل أن يتحوّل الأداءُ التليفزيوني إلى سباقٍ إعلاني تتخلله ـ على استحياء ـ بعض المواد الأخرى !! كان من حُسن حظنا أن نشاهد معظم هذه الأعمال قبل زحف فضائيات الإلهاء وأوكازيونات اللحم الفاسد الرخيص ، وقبل تسليم مخرج الاستديو ـ الهواء ،، التنفيذ ـ قائمة بالإعلانات التي يجب أن يقطع المسلسل لعرضها ، فيصبح هذا المخرج / الموظف مثل جزّار يعمل خارج السلخانة ، يذبحُ بقلبٍ ميّتٍ وبشكل آلي ، فيقطع حينما يريد ، ويذيعُ متى شاء ، فتجد نفسك مشدودًا مع مشهدٍ يصلُ بك إلى قمة الشجن ويوشك أن يسيل دموعك ، فيصفعك المخرج المنفذ بإعلان منظفات صناعية أو بطاطس ومقرمشات ، بموسيقى صاخبة ، ومفردات قبيحة وأداء يوحي بأن الإعلان عن قرب افتتاح شقة للدعارة وليس عن نوع من أنواع البطاطس المغشوشة !!

  يعيدنا أسامة أنور عكاشة إلى قيمة الدراما القادمة من الكتب ، لا الدراما المكتوبة بالمقاس ( بالتفصيل ) لممثل أو ممثلة تظلّ ملتصقة بالشاشة طوال المسلسل لتجبرك على أن تكرهها وتكره المؤلف والمخرج والتليفزيون ومن اخترعه !! كان أسامة يكتب الأدب للأدب ، وحينما ” أدخلته يدُ اللهِ في التجربة ” ظلّ كما هو ، يكتب لنفسِهِ مستمتعًا منطلقًا بلا قيود ، وعندما زلّت قدمُهُ وكتب ” بالمقاس ” أصبح مؤلفا آخر يشبه الآخرين أو يقترب منهم ، وأعني بذلك ما كتبه للممثلة سميرة أحمد (” امرأة من زمن الحبّ ” ،، ” أميرة في عابدين ” ) ، كان أسامة أنور يكتبُ لنفسه كما قلت ، وكنا نقبل التفاوت بين الأعمال فهذا من طبيعة الأشياء ، لكنه عندما كتب بالمقاس فقد كثيرًا من طعمه ومذاقه الخاص ، بالرغم من مئات المقالات والكتابات الكاذبة التي أشادت بالعملين وامتدحتهما .

 وقد يظلّ أسامة أنور عكاشة متفرّدا في كونِهِ يذيبُ خبراتِهِ السمعية والبصرية وقراءاته ويمزجها معًا في خليطٍ سحري مغايرٍ تماما للخامات ( المتعددة ) الداخلة في تركيبته ( كالنحلة في صنع العسل ) ، فأنت عندما تتابع أعمال هذا العميد المتفرّدِ تشعرُ بكلّ ما في وجودِكَ ، لكنكَ لا تستطيعُ وضع يدك على المصادر التي جاء منها بخاماته ، بينما وأنت تشاهد أعمال الكثيرين تستطيع أن تقول : هذه الجملة من كتاب كذا ، وهذا المشهد من صفحة الحوادث بجريدة كذا ، وهذه الفكرة من التحقيق الفلاني بمجلة كذا ….

 

مطبّات

 

مثلما كان الطريقُ محفوفًا بالنجاحات ، كانت هناك مطبّاتٌ لعلَّ أبرزها موقف أسامة أنور عكاشة من الصحابيّ الجليل عمرو بن العاص ، وقولُهُ إنّه لن يكلّفَ نفسَهُ بعمل مسلسل عنه ، وما تبع ذلك من أصداء إعلامية لكثيرين حملوا عليه لأنّه لم يراع ما يليقُ بصحابة رسولنا الكريم عند الحديث عنهم ، لكنه أصرّ على موقفه ، وما تزال أصداء تلك الموقعة مشتعلة في فضاءِ الإنترنت .

 أمّا المطبّ الآخرُ فهو موقفه من الرئيس أنور السادات وعصره ، ذلكَ الموقفُ الذي حالَ دون إتمام مشروع عمل درامي ” فيلم ” عن حرب العاشر من رمضان ، السادس من أكتوبر ، إذ انطلقت عدة حملات صحفية ضده، تدورُ حولَ التشكيك في مصداقيته انطلاقا من ميوله وأفكاره الناصرية الواضحة، وعن ذلك قال بغُصّة : ” كنت سعيداً جداً بهذا المشروع، خاصة بعد ترشيحي من قبَلِ القوات المسلحة المصرية لكتابة هذا العمل العظيم، وشكلوا في سبيل ذلك لجنة مؤلفة من عشرين قائداً من القادة الذين شاركوا في الحرب ، وعقدنا جلسات عمل استغرقت أسابيع تعاقدت معي القوات المسلحة بعدها على كتابة فيلم ، غير أن هذا الإعلان أقام الدنيا ولم يقعدها ” .

 وكثيرا ما كان يعلنُ أنه سوفَ يعتزلُ الكتابةَ الدراميّةَ ويتفرّغُ لإصدار أعماله في كتب ، لكنه ما يلبث أن يستسلم للأفكار الطازجة التي تحاصره ولا يجدُ مفرّا من الاستجابة لها ، وقد رحل بعد أن كتب عشر حلقاتٍ فقط من مسلسل ” تنابلة السلطان ” الذي كان يعدّ له مع أهم رفقاء رحلة الصعود ، المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ الذي يقولُ عن ذلك : ”  كنتُ أتمنّى أن يخرج هذا المشروع للنور فهوعمل عظيم ومتميز ولكن من الذى يمتلك القدرة على استكماله بأسلوب صديق العمر أسامة أنور عكاشة.
لقد قمنا بعقد عدة جلسات عمل بشأن هذا المسلسل وكنت متحمسا بشدة له وأعجبنى جدا الأسلوب الذى صاغ به صديقى الراحل الحلقات الأولى منه ، وكان من المقرر البدء فى تصويره بعد انتهائه من كتابة كل الحلقات إلا أنّ القدر لم يمهله لاستكماله، وقد أصبح الأمر فى غاية الصعوبة لكون ما كتبه عكاشة يمثل ثلث حلقات المسلسل فقط ومن ثمَّ أعتقد أنه من الصعب جدا الاستعانه بكاتب آخر لاستكماله فعكاشة كان يتميز بأسلوب متفرد فى أعماله سواء التى قدمها معى أو مع غيرى من الزملاء المخرجين الآخري،
كما لم يكن هذا هو العمل الوحيد الذى كان من المقرر أن يجمعنى به فقد كان هناك مشروع مسلسل آخر بعنوان “الطريق 2000” أعجبنى موضوعه وفكرته بشدة بالإضافة إلى الجزء الثالث من مسلسل “المصراوية”  وغير هذا من المشروعات الأخرى التى لا أستطيع الآن معرفة مصيرها فهذه كلها أمور فى علم الغيب. “

 في النهاية ، يرحلُ المبدعُ تاركًا أعمالَهُ جزءًا من التراثِ الحضاري للأمّة ، وسوفَ تظلّ أعمال أسامة أنور عكاشة ، على تعددها وثرائها ، مسافرةً للأجيالِ المقبلة ، حاملةً طعم الأرض وملامح البشر وعصارة التجاربِ والأيّام ، وستظلّ مدرسةً مفتوحة أمام القادمين ، لمن يودّ أنْ يتعلّم ، ومن يود أن يكتفي بالمتعة والدهشة .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات