لغة الأشياء / صديقتي لا تحب الجو الغائم!

01:39 مساءً الخميس 9 يناير 2014
باسمة العنزي

باسمة العنزي

روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أكتب لك في هذا اليوم البارد وأنا أفتقد وجودك في ساعاتي النهارية التي قضينا أغلبها معا، والمسافة بيننا دائما لم تكن تتجاوز الأمتار، أكتب لك كلمات سأخبئها لحين عودتك معافاة من رحلتك الطارئة والباعثة في نفسي القلق عليك. لم تحبي الطقس الغائم عكسي أنا المخلوقة الشتوية التي تتماهى مع انفعالات الشتاء، كنت تخبريني في بداية كل شتاء كم ينقبض قلبك من الجو الضبابي وطين الطريق والمطر على نوافذ السيارات، الآن الجو غائم أكثر من قبل وعلى جميع الأصعدة!
يا للسنوات كم تمضي سريعة! الزمالة التي تتحول بفعل الزمن والمكان الواحد لصداقة جميلة لم نخطط لها، الاختلافات المفيدة،و الخلافات التي تتصاعد وتطير كبالونات هواء، القرارات العنيدة، النصائح السريعة، فنجان قهوة الصباح والحديث المباغت بالمقاطعات المستمرة، تفاصيل حياة كل منا أو أجزاء منها، همومنا التي تنثر نفسها تلقائيا مع أول فرصة سانحة، الكثير من التحليل والدوران حول ذات القضايا، الضحكات المطرزة ليوم العمل المضغوط بكافة التفاصيل، الأسرار التي لا تعود أسرارا، الدعم المعنوي، خططنا لأيام الراحة ومشاريع التقاعد البعيدة، عشرات العبارات التي تبدأ بكلمة «لو» تتصاعد بخفة ثم تهبط اضطراريا.
لطالما أعجبتني دقتك وانضباطك و شجاعتك، ولم يدهشني أنك برباطة جأشك وقوتك المعهودة استوعبت الحقيقة المرة من دون جزع، تلك الحقيقة القاسية التي تباغت الآلاف مع شروق شمس كل نهار بين أروقة مستشفيات العالم، العالم الحديث الذي طور كل الأسلحة النووية والبيولوجية وعجز عن وأد السرطان و دحره، أو حتى تخفيف الهلع عن ضحاياه. أعترف لك حزنت لخبر مرضك وحاولت أن أبين لك أن الأمر عادي جدا وستتجاوزين المطب بقوتك التي اخبرها جيدا، لكن في داخلي دموعا لم تذرف أمامك، ما الذي يمكننا تقديمه لمن نودهم إن داهمتهم الأقدار سوى مناديل بيضاء وبعض الأمنيات الطيبة والدعوات الصادقة بالشفاء؟!
رسائلي الهاتفية لا تصل لك و أنت في عاصمة الضباب تطرقين باب الأمل، وتيرة الحياة التي اهتزت، الروتين الذي نشتكي منه دائما و أبدا نتمناه بشدة حينما تنثر مسامير المرض في دربنا، نعود لنتقوقع على أرواحنا ننشد السكينة ونحاول التخلص من ضجيج و حماقات و صغائر العالم المتغير من حولنا.

إنها الحياة يا صديقتي

إنها الحياة يا صديقتي، اذكر أننا كثيرا ما رددنا باعتيادية بعد كل هم نهاري «المهم العفو والعافية»، ما قيمة الحياة من دون الصحة؟! كلنا يدرك هذه الحقيقة، نهز كتفينا ونحن نمضي في دروب الحياة التي أقل ما نتمنى فيها أن نعيش بسلام وصحة جيدة.
ستعودين لدائرة العمل المتحركة دوما، وسنجلس سوياً عند كل فترة راحة نقتنصها، وسنتحدث عن الطغاة الذين أزيحوا والذين في طريقهم لمزبلة التاريخ، و الثورات التي لم تتنفس هواء الحرية، وفوضى العالم وتناقضات البشر، وتلك السفينة المقاربة على الغرق، أراها وقد وصل الماء لمنتصفها والكل استسلم لمصيرها الحزين، وسنصمت لعجزنا عن إيجاد حلول للتلوث الذي انتشر، ومستشفياتنا التي امتلأت بمرضى الأورام، وساستنا الذين يلاحقون كل شاردة وواردة إلا ما يفيدنا، ولن أفوت المناسبة دون أن أذكرك أن كل ساستنا الأفاضل لا يعالجون في مستشفياتنا الكئيبة ولا يكترثون بتلوث هوائنا ونفوسنا!
ياه… لدي الكثير من الملاحظات وأنت بالتأكيد مثلي، سنتحدث عنها حتى يقل حجمها وثم تقارب على الاختباء منا. إلى أن نلتقي اهتمي بصحتك، وحافظي على أجمل ما فيك صلابتك، وارسمي ابتسامة عريضة قادرة على مقارعة كآبة الجو الغائم.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات