عبث الشباب: بيرم التونسي

12:42 صباحًا الجمعة 24 يناير 2014
شريف صالح

شريف صالح

قاص وروائي وكاتب صحفي، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يروى أن أمير الشعراء أحمد شوقي قال: «أخاف على العربية من بيرم، ويقصد تأثير بيرم التونسي الشعري على اللغة العربية، وهو من يكتب قصائده العاطفية والوطنية والنقدية بالعامية التونسية.

بيرم الشاعر والزجال العظيم صاحب سيرة صاخبة، فهو التونسي المولود في الإسكندرية، وهو المصري حتى النخاع، والمناضل المنفي في باريس.. هو أيضاً ابن النكتة وخفة الظل، والذي خاض الحياة طولاً وعرضاً وتسربت لحظاتها، بحلوها ومرها، إلى شعره وأزجاله ومقاماته.

كما لا ننسى أن صاحب «الآهات» و«الأوله في الغرام» و«القلب يعشق» كان صحافياً ساخراً أسس العديد من الصحف النقدية الساخرة أشهرها جريدة «الشباب» التي أصدرها في تونس في ثلاثينات القرن الماضي وصدر منها 28 عدداً، وتقريباً كان يحرر وحده صفحاته العشرين «التابلويد».

ولمن لم يقرأ الجريدة الساخرة بما تتضمنه من أشعار وأزجال ومقامات وقصص، عدا عن سيرة بيرم في منفاه الباريسي، فقد قام الكاتب أشرف أبو اليزيد بجهد متميز لخص هذه التجربة كلها في كتاب «عبث الشباب: بيرم التونسي» فأعطى إضاءة وافية عن صاحب الجريدة، وأهم أبوابها وعرض نماذج متنوعة مما كان ينشره بيرم فيها.

عبث الشباب: بيرم التونسي، تقديم وتحقيق أشرف أبو اليزيد، صدر عن مكتبة الإسكندرية

ليمنحنا فرصة الاقتراب من روح بيرم التونسي الشاعر والإنسان، ومعرفة حميمة بجريدته التي تشبه «الكشكول» في تنوعها وثرائها، فهي وحسب تعريفها «تصدرُ ضاحكة عابثةً مازحةً»، وقد صدر العدد الأول منها الخميس 29 أكتوبر 1936 وصدر عددها العشرون والأخير الخميس 12 مارس 1937.

هي حلم من أحلام بيرم قصيرة العمر، لكنها توفر مادة دسمة عن شاعر عظيم، كيف كان يفكر ويحلم ويسخر ويكتب شعراً ونثراً. فلا غنى عن هذا الكتاب كمدخل إلى عالم وتجربة بيرم التونسي التي أثرت في شعر العامية المصرية كله، حيث كان الأستاذ والمعلم لأساطين هذا الشعر أمثال فؤاد حداد وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وعبدالرحمن الأبنودي.

أغلفة بعض الأعداد

ومن افتتاحية العدد الأول نقرأ ما كتبه بيرم، كأنه يتحدث عن اللحظة الحالية التي مازلنا نعيشها رغم مرور قرابة ثمانين عاماً على ما كتبه:

«وبعدُ فاضحك أيها الشباب. لأن كل شيء حولك على ما يرام: بلادك تجود بأكبر محصول من الزيت المبارك. وتخرج أجود أنواع التمر الشهي ومقادير هائلة من القمح الممتاز وفيها مناجم غنية بالفوسفات والرصاص والبترول ولكن آباءك وأعمامك هؤلاء يضعون أيديهم على خدودهم ويقولون والدموع تنهمر من أعينهم: الله غالب! بلادنا فقيرة معدمة مجدبة بائسة.

وهم صادقون….

فهذه المباني الشامخة مؤلفة من عشر طاقات والآخذة في الزيادة والامتداد، وهذه الفيلات الضخمة المحاطة بالحدائق الغناء. وهذه السيارات الخصوصية التي تبلغ عشرات الألوف.. كل هذه جلبه الإفرنج في حقائبهم من الخارج ووضعوه فوق أرض تونس.

ولك أيها الشباب مجلس نيابي يجعل بلادك مساوية للبلاد البرلمانية من إنكلترا إلى موناكو. يمثلك في هذا المجلس نواب توفرت فيهم كل المزايا اللازمة للنواب الأكفاء كالجهل بالقراءة والكتابة. والتجرد من الوطنية الصادقة والكاذبة. والاستهانة بتونس ومن عليها. وقد قاموا لك بواجبهم النيابي على أكمل وجه فاستطاعوا تأجيل ما عليهم من الديون وزوجوا بناتهم وطهروا أولادهم وعلقوا النياشين وتشرفوا بمعرفة كبار الموظفين.

وحولك أيها الشباب متاجر ومخازن ودكاكين كلها قائمه على أساس معين ونظام حسن فالجراج اليوم يتحول غدا إلى إسطبل أو صالة غناء. ودكان الحجَّام أو العطار يتحول إلى فطايرى أو خضار أو مكتب (عدل) وبسبب هذا التقدم المطرد والحركة الدائبة اكتسبت تونس ثقة البيوت المالية مثل الكريدي ليوني والكونتوار ناسيونال وبنك فرنسا.

ولك نقابات وجمعيات يدخل فيها من يشاء من النصابين الأشراف والجواسيس مخلصين.والعاطلين العباقرة وتتمتع هذه الهيئات بنعمه الخلاف و التناحر والانشقاق لتصل بتونس إلى أوج المجد العز كسائر الأمم التي تعيش تحت الشمس.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات