كيف تحول الإخوان إلى فلول؟

07:35 مساءً الثلاثاء 28 يناير 2014
مصطفى شحاته

مصطفى شحاته

صحفى مصري، يعمل سكرتيراً لتحرير جريدة "التحرير"، مصر.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

هل كان الإخوان واضحين إلى هذا الحد؟، الذى جعلنا نتوقع أنهم مثل رجال مبارك، كلهم فلول ثورة 25 يناير.. الواقع والحقيقى والتصرفات الدائمة كانت تنم عن ذلك، ولم آت بجديد هنا فى فصل (“كيف تحولت “الإخوان” إلى فلول؟) وهو الفصل الخامس من “كتاب الفلول” الذى انتهيت من كتابته قبل أسبوع واحد من فوز د.محمد مرسي برئاسة الجمهورية منتصف عام 2012.. السطور القادمة ننشرها الآن لتكون شاهدة على أن الإخوان كانوا فلولا للثورة قبل أن يزيحهم الشعب بعيدا عن الحكم فى 30 يونيو.. هذه سطور للتاريخ أيضا، هو الشاهد الوحيد مهما كذب الكتاب والسياسيون على حد سواء..

كيف تحول الإخوان إلى فلول؟

“هل الإخوان أفضل أم الفلول؟ هل كان الإخوان أفضل بعد التَّنحِّي أم الفلول؟ وإجابتي الشخصية: لا فرق بين الاثنين، فقد تعاوَنا تعاوُنًا مُبرَمًا على إجهاض الأفكار الجديدة التي أتت بها الثورة. الإخوان لأن هذه عقيدتهم، والفلول لأن هذه مصلحتهم”([1]).

غيرت الثورة في مصر كثيرًا..

وأكثر ما تغيَّر هم الإخوان المسلمون.. من كان يفكر، ومن كان حتى يحلم بوضعهم الآن؟ قد يحلم الجميع بالديمقراطية ولكن هل جاء في الحلم أن الديمقراطية تعنى الإخوان؟ وإن جاء الإخوان إلى الحكم فعلًا بالديمقراطية، فالمستحيل أن يأتي في الحلم أو في الهواجس أن يصبح الإخوان من فلول الثورة.

نعم الإخوان أبرز فلول الثورة.. هذه حقيقة علمية بما قدمته أيديهم، لكن قبل شرح هذه الأمور والتدليل على ما أدى بالإخوان إلى التحول إلى “فلول” -ولاحظ أننا لم نقل إن الإخوان تحولوا من معارضة إلى فلول، لأن السطور التالية تؤكد للجميع أن الجماعة التي عانت كثيرًا بالفعل من جميع الحكام، لم تكن معارِضة.

قبل ذلك لا بد من التفهم الجيد لكيفية نشأة “الجماعة” وما دار بها منذ نشأتها خصوصًا علاقتها بالحكام أو العسكر تحديدًا.. حكام مصر منذ 1952.

حسن البنا بين تلاميذه

نشأة الجماعة:

في عام 1928، أسَّس الشيخ حسن البنَّا جماعة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية ثم بعدها انتقلت الجماعة إلى القاهرة لتنتشر دعوتها في عدد كبير من الدول العربية والإسلامية، وأهم الأحداث التي مرت بالإخوان هو قرار حلها من قِبل محمود فهمي النقراشي، رئيس الوزراء (26 أبريل 1888-28 ديسمبر 1948)، بتهمة “التحريض والعمل ضد أمن الدولة”، ثم اغتيال النقراشي، لتدان “الجماعة” في اغتياله وتتبرأ من القتلة ويقول البنَّا مقولته الشهيرة عن قتلته “ليسوا إخوانًا، وليسوا مسلمين”، وكان من قام بعملية الاغتيال طالب بكلية الطب البيطري بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، اسمه “عبد المجيد حسن” وهو أحد طلاب الإخوان وتم القبض عليه في الحال، ودخل السجن، وبعد اغتيال النقراشي بعدة أشهر، تم اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنَّا مساء السبت 12 فبراير 1949.

بدايات علاقة الجماعة بالعسكر:

منذ نشأة الجماعة وعلاقتها بالعسكر ملتبسة ويشوبها كثير من الغموض “ذلك النوع من الغموض الذي تعشقه الجماعة”، وهى العلاقة التي إن عرفنا بداياتها ربما تمكنّا من الوصول إلى سر تحوُّل الإخوان بعد ثورة 25 يناير إلى فلول.

ولعل الأزمات التي حدثت بعد الثورة بين العسكر والإخوان تظهِر أكثر هذه العلاقة خصوصًا فترة النزاع وحرب البيانات بينهما على خلفية محاولات سحب الثقة من حكومة الجنزوري عن طريق البرلمان “الإخواني”، وهو ما لم يوافق عليه “العسكري” وقتها، وغضبت الجماعة فأصدرت بيانًا تراشقت فيه الأحجار الإسفنجية مع المجلس، ورد عليها هو بدوره ببيان.

الضباط الأحرار

الجماعة والضباط الأحرار:

الالتباس بين الجماعة والعسكر بدأ منذ نشأتها، والاختلاط كان كثيرًا جدًّا بين الاثنين حتى إن تاريخ بدء تنظيم الضباط الأحرار كان في نفس توقيت بدء التنظيم السري المسلح للجماعة.

“العلاقة بين الضباط الأحرار والإخوان مرت بمحطات تاريخية، فهناك من جهة أُولى معلومات تؤكد ولادة الضباط الأحرار في 1939-1940، وهو تاريخ تأسيس النظام الخاص بـ«الإخوان»، وهناك من جهة ثانية وفي الفترة نفسها (1939)، تكليف الإمام حسن البنَّا الضابط محمود لبيب بتأسيس تنظيم سماه «الجنود الأحرار» (وكانت بياناته توقَّع أحيانًا باسم «الضباط الأحرار»). وقد أصدر عن هذا التنظيم في الأول من (ديسمبر) 1941 عريضة إلى الملك حملت مطالب أحرار الجيش، خصوصًا منع ما يتعارض مع الإسلام، وكان عبد المنعم عبد الرؤوف وحسين حمودة أول من قادا هذا التنظيم، ثم ضمّا إليه (حسب مذكراتهما وشهادات غيرهما) جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين، وهؤلاء شكلوا الخلية الأولى الأساسية للضباط الأحرار، قبل إن تضم لاحقًا البغدادي وعبد الحكيم عامر وأنور السادات وثروت عكاشة، وفق أنور السادات، الذي يؤكد هو وعبد الناصر أن الضباط انضموا إلى تنظيم محمود لبيب، وقال عبد الناصر مرة إنه هو مؤسس التنظيم لا محمود لبيب، وكذلك قال السادات إنه هو المؤسس، وإنه سلم المهمة لناصر بعد اعتقاله”([2]).

اُغتيل حسن البنَّا وتعرضت قيادات الجماعة للاعتقال والاضطهاد، وحدث ذلك لعدم قدرتهم على إيجاد من يحل مكان البنَّا، وخلال هذه الفترة ابتعد الضباط الأحرار عن الإخوان. وحقيقة العلاقة الغريبة التي جمعت المجلس العسكري الحاكم في مصر والجماعة عقب ثورة 25 يناير، تتكشف من خطوات الإخوان في هذا الفترة؛ فمنذ زمن بعيد والإخوان يلعبون سياسة، فقد هادنوا حكومة إسماعيل صدقي ضد الشعب، وهو ما اعتبره الضباط الأحرار وقتها انحرافًا عن الوطنية، لأنها مهادنة كانت ضد الشعب المصري كله.

“المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية شهدت تطورًا في وضع الضباط الأحرار باتجاه الابتعاد عن الإخوان المسلمين، ففي كتاب السادات «أسرار الثورة المصرية»، يقول إنه وقعت في فبراير 1946 حوادث الجامعة المشهورة، فأثارت حماسة الضباط للحركة الشعبية وحقدهم على السلطة. وفي خلال الأيام التي تلت هذه الحركة، وقعت المهادنة بين إسماعيل صدقي وجماعة الإخوان المسلمين، فأيدت هذه المهادنة دعوة الضباط الأحرار إلى عدم الارتباط بأي جماعة خارج نطاق الجيش، إذ وضح في أثنائها التناقض بين ضباط الجيش الذين كانوا كأفراد على صلة بالإخوان المسلمين وبين الإخوان كجماعة لها سياستها التي أوْحت لها في ظرف من الظروف أن تُهادن حكومة صدقي ضد حركة الشعب”)[3](.

استقلَّ الضباط الأحرار عن “الإخوان” لما رأوا منها من تناقضات وأفعال كلها تصب في مصلحة الجماعة فقط غير عابئة بأي شيء آخر، لكن لم يكن الاستقلال تامًّا، والخلاف أيضًا كان لتوجهات تقتضيها بيعة الضباط الأحرار من الإخوان للمرشد.

حريق القاهرة 1952

“ما جرى لم يقطع الصلة، بسبب حاجة الضباط إلى الإخوان كسند شعبي في حركتهم الثورية، ففي فبراير 1946 قال عبد الناصر في اجتماع للجنة الضباط الأحرار إنه يتوقع خيرًا كثيرًا من الإخوان. أما الإخوان فيقولون إنه في سبتمبر 1949 ظهر خلاف كبير بين الضابطين البارزين في تنظيم الضباط الأحرار: عبد الرؤوف وعبد الناصر، فعبد الناصر يريد الإسراع في الانقلاب، ويريد فتح التنظيم أمام ضباط الجيش عمومًا وإن لم يكونوا ملتزمين بالإخوان المسلمين بينما عبد الرؤوف ملتزم بالبيعة مع الإخوان وبالطاعة لتعليمات مكتب إرشاد الجماعة، ويطالب بقصر عضوية التنظيم على الضباط الإخوان، وعدم انضمام أي ضابط آخر إليه”([4]).

عادت العلاقة في ما بعد إلى مجراها الطبيعي والتقى ناصر مع الإخوان قبل بدء الثورة خصوصًا بعد حريق القاهرة وقامت الثورة وسط تحالف بين الإخوان والعسكر.

 “لقاءات الإخوان مع عبد الناصر نشطت بعد حريق القاهرة (يناير 1951)، فتكثفت الاجتماعات لدراسة سبل التعجيل بالثورة، وتناولت أهداف الانقلاب والأمور المترتبة عليه، مِن جهة مَن سيتولى الحكم والموقف من الأحزاب ومصير الملك، كما نوقشت قدرة الضباط على القيام بالانقلاب من الناحية العسكرية ودور الإخوان في هذا الانقلاب. إذن، قامت الثورة في 23 يوليو 1952 بتنسيق كبير بين عبد الناصر والإخوان المسلمين، وكان الضابط الإخواني عبد المنعم عبد الرؤوف هو الذي حاصر الملك في قصره بالإسكندرية وأجبره على التنازل (عنوان كتاب مذكراته: أجبرت فاروق على التنازل). وفي 26 يوليو، صاغت الهيئة التأسيسية للإخوان بيانها الشهير للإعراب عن فرحتها بنجاح الحركة المباركة لضباط الجيش في تحرير مصر. وفي مطلع أغسطس وفي أول ظهور له منذ وفاة ابنه، صلَّى والد حسن البنَّا في المركز العام للإخوان وخاطب المصلين قائلًا: «أيها الإخوان، اليوم تحققت رسالتكم، إنه فجر جديد لكم ويوم جديد للأمة»”([5]).

رفض عبد الناصر أن يشرك حسن الهضيبي المرشد العام للجماعة في ذلك الوقت، في الأمور السياسية واعتبر أن هذا الأمر سيمثل وصاية على الثورة، فانقسمت الجماعة على نفسها بعد ذلك منها من يؤيد الحكومة ومنها من يقف في الجانب الآخر، لذا كان “اعتقال ومحاكمة مجموعة الضباط من مجلس قيادة الثورة المرتبطين بالجماعة (عبد المنعم عبد الرؤوف وحسين حمودة ومعروف الحضري وغيرهم)”([6]).

قرر مجلس قيادة الثورة حل الأحزاب في 16 يناير 1953 وهو ما لم يرضَ به الإخوان، ليعرض ناصر عليهم الاندماج في هيئة التحرير وهو ما رفضه مرشدهم الهضيبي وقتها خوفًا من ذوبان الجماعة داخل التكتل الجديد وانتهائهم.

“قرار حل الأحزاب استثنى الإخوان، وتعامل معهم باعتبارهم حزب الثورة أو الغطاء الشعبي لها، وبدا ذلك واضحًا أيضًا عند قرار تشكيل «هيئة التحرير» وطلب ضباط الثورة من قيادة الإخوان الاندماج فيها، وهذه النقطة عرضها محمد نجيب باعتبارها أحد أسباب استثناء الإخوان من قرار حل الأحزاب السياسية. ووفق رواية لصلاح شادي، فإن قرار تشكيل «هيئة التحرير» ودخول الإخوان فيها نوقش في اجتماع كبير جرى نهاية ديسمبر 1952 في منزل عبد القادر حلمي وحضره صلاح شادي من الإخوان، وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وينقل شادي عن ناصر قوله في الاجتماع، إن رغبته هي أن تنصهر جماعة الإخوان داخل هيئة التحرير فلا يعود لها شكلها المعروف وإنما تذوب بقيادتها في الهيئة الجديدة كتنظيم جديد تدخله جميع الأحزاب من دون حساسيات تمنع حاليًّا انضمام أي منها إلى هيئة الإخوان المسلمين”([7]).

بدأ يظهر الخلاف الكبير بين العسكر والإخوان فقد كانت الجماعة ترى أن قيادات الجيش لا تستطيع حكم البلاد، وعليها مغادرة الحكم وتركه للإخوان، ثم إن الجماعة خافت من عبد الناصر بعد محاولاته لدمجها في “هيئة التحرير” وقد كان خوفًا فعليًّا فقد أراد بهم ناصر ما فكروا هم فيه.

إذن، العلاقة بين الإخوان والعسكر ملتبسة جدًّا خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالحكم والحاكم، لذا ورغم أن الإخوان ذاقوا كل صنوف العذاب والترهيب والاعتقال في عصر الرؤساء الثلاثة (عبد الناصر والسادات ومبارك) فإن الكل استخدمهم. واستخدَم الإخوان الرؤساء الثلاثة وفقًا لمصالحهم، حقيقيٌّ أن الغلبة كانت دائمًا للحاكم عليهم لكن ثورة 25 يناير أثبتت أن الجماعة مُحِبّة للسلطة ليس إلا، وتريد أن تسيطر وتتوغل داخل كل حارة وركن في مصر، دون أن تخسر شيئا ودون أن تحقق أي فائدة للشعب.. “الجماعة وبعدها الطوفان”.

“مصر ليست تونس”.. نصائح الإخوان لمبارك:

قبل الثورة بأيام قليلة، وتحديدًا في 19 يناير، حذرت الجماعة نظام مبارك من تكرار المشهد التونسي في مصر إذا لم يتخذ النظام الحاكم مجموعة من التدابير والإجراءات الإصلاحية اللازمة قبل الانتخابات الرئاسية التي كان مقررًا لها سبتمبر من العام نفسه، وهو تحذير غريب، فالمفترض أن الإخوان قوة معارِضة لكن تحذيرها السابق يضعها في مكان الخائفين على سقوط النظام وبالتالي فهم ينصحونه ويحذرونه بدلًا من مقاومته؛ لأن بعد ثلاثين عامًا من حكمه كان قد تأكد للجميع -ربما بما فيهم النظام نفسه- أنه لا فائدة منه ولا من نصيحته، وهذا بما يتناسب مع منهج الإخوان الإصلاحي لا الثوري.

وتوالت أفعال الجماعة لكن في نُصح مبارك فقط، ففي اليوم التالي حدد نواب الإخوان في مجلس الشعب الأخير والمزوَّر، لنظام الرئيس السابق 10 مطالب أهمها حل البرلمان وإلغاء قانون الطوارئ يرون أنها لو نُفِّذت فسيتم تجنيب البلاد ما وصفوه وقتها بـ”الغضب غير المحسوب للمواطنين”، مع ملاحظة أن دعوات التظاهر يوم 25 يناير في هذا الوقت لم تكن الجماعة من الداعين لها أصلا ولا مؤيديها كالعادة، لكنها في كل الأحوال كانت مستعدة للركوب على أي شيء حتى ولو ببيان، لأن القوى السياسية التي أعلنت في هذا الوقت أنها ستنزل للشارع للتظاهر وقَّعت على بيان خلا من الإخوان، وكان واضحًا عدم موافقة الجماعة على التظاهر بمباركة مكتب الإرشاد مشاركة شباب الإخوان فقط دون إعلان رسمي لذلك.

بدأت مظاهرات 25 يناير ونزل من نزل إلى الشارع فأسرعت الجماعة بإصدار بيان في اليوم التالي قالت فيه إن على نظام مبارك أن يسرع بإجراء الإصلاحات المطلوبة من قِبل الشعب -اللي هو الإخوان بس- داعين القوى السياسية إلى التوافق على موقف واحد. النظام وقتها رد سريعًا على الجماعة وشنَّ حملة اعتقالات كبيرة مساء جمعة الغضب على بعض قيادات الجماعة منهم الدكتور محمد سعد الكتاتني الذي أصبح رئيس مجلس الشعب في ما بعد، والدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة والإخوان لرئاسة الجمهورية.

الشعب في هذه الأثناء كان في وادٍ واحد هو “إسقاط النظام”، أما الإخوان فكانوا في الوادي الآخر يدعون إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، مع مطالبات لقوات الجيش التي كانت قد نزلت للشارع وقتها بحماية المتظاهرين، وهو ما عنى تغييرًا نوعيًّا في خطاب الجماعة التي قال مرشدها العام محمد بديع إن “مبارك أب لكل المصريين”، ثم قال في هذه الأثناء كلامًا مغايرًا تمامًا لهذه الكلمات السابقة ومغايرًا أيضًا لكل مواقف الجماعة بعد الثورة.

محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين

إخوان 28 يناير:

في اتصال تليفوني لمحمد بديع المرشد العام للجماعة، مع قناة “الجزيرة” طالب برحيل مبارك ثم قال «إن أي حوار ستشارك فيه الجماعة سيكون في إطار القوى الوطنية ولكن بعد رحيل هذا النظام وإن الجماعة وعناصرها لا يسعون مطلقًا للمناصب وليسوا سعاة لكرسيّ الحكم».

احفظ هذا الكلام جيدًا.

لماذا؟ لأن الجماعة نفته في اليوم التالي -5 فبراير- بإعلانها الاستعداد للدخول في حوار مع النظام -بعدما أكدت أنه لا حور إلا بعد الرحيل- وجلس ممثلون عنها أهمهم سعد الكتاتني ومحمد مرسي -كانا قد خرجا من السجون وقت الانفلات الأمني- مع عمر سليمان، ويا للعجب فالقوى السياسية بما فيها الإخوان -وهم الأهم طبعًا فلم تكن هناك قوى سياسية في مصر لها وضعها كما كان لهم- أصدرت بيانًا اتفقت فيه على تشكيل لجنة لدراسة واقتراح التعديلات الدستورية، ليعود الإخوان بعد ذلك بيومين لينفوا كلامًا كان قد خرج سليمان ليقول إنه تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع السابق.. وكانت حقيقة ما اتُّفق عليه هو صفقة سحب الشباب الإخواني من الميدان!

وما يشير إلى ذلك ويؤكده كلام عمر سليمان نفسه وقت ترشحه للرئاسة: “عندما تم تعييني نائبًا لرئيس الجمهورية قمت بالاتصال بالإخوان مباشرة لأنني كنت أعرف أنهم يقودون الميدان في ذلك الوقت، والتقيت اثنين من كبار قياداتهم، هما الدكتور محمد مرسي والدكتور سعد الكتاتني، للتفاهم على الحل، وأنا لم أبدًا معهم بأي خصومة، ويصدمني الآن أنهم يوجهون إليّ اتهامات وشتائم على عكس ما كانوا يقولونه لي في الماضي، أو على الأقل خلال الفترة التي دارت فيها الحوارات بيننا بعد الثورة، الآن يقولون إنني قاتل ويدي ملوثة، وهذا ضد موقفهم مني شخصيا في الماضي، وأحيانًا أسأل نفسي: من هذا الذي يشتمه الإخوان وهم يعرفونه، هل أنا هو هذا القاتل ذو اليد الملوثة؟! أندهش من هذه الاتهامات التي ظهرت فجأة ولم تكن تعبر عن موقفهم من قبل، كل هذا لأنني قررت الترشح، ولا أخفى عليك أنني توقعت هذا الهجوم، وأنتظر حتى يهدأ بخار هذا الغضب حتى نتفاهم”([8]).

أيْ أنه في الوقت الذي بدأ فيه مبارك أيام الثورة حملة اعتقالات لمكتب إرشاد الجماعة، وبعض قياداتها خصوصا ليلة جمعة الغضب 28 يناير 2011، كان الإخوان المسلمون أوائل الذين قبلوا الجلوس إلى طاولة عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع، وذلك من أجل عملية نقل السلطة، حيث أعلنت الجماعة في هذا الوقت أنها ستدخل في حوار مع النائب الجديد للرئيس من أجل مصر، والحقيقة أن الحوار كان من أجل الجماعة.

الحوار مع سليمان رد عليه الثوار وقتها بأن المجموعات التي تتفاوض مع عمر سليمان لا تمثلهم، وأهمهم الإخوان.

قبل ذلك كان نزول الإخوان إلى ميادين التحرير في المحافظات جميعها متأخرًا، ولم يبدأ سوى يوم جمعة الغضب، وقبلها كان موقفهم وبياناتهم الرسمية أنهم ضد التظاهرات لكنهم سيسمحون لشبابهم فقط بالنزول والمشاركة.

هذا ما حدث أيام الثورة، أن الإخوان نقضوا كل ما وعدوا به، وهم آخر قوة سياسية انضمت إلى ميادين التحرير، وأول من انسحب بالطبع بعد جلسة سليمان، ولذا لم يكن شيئًا جديدًا أن تكون الجماعة على رأس قائمة الفلول وإن كانوا هم يزيدون على الفلول بأشياء كثيرة أهمها سرقة الثورة لا محاربتها فقط.

إخوان ما بعد التَّنحِّي:

تنحَّى مبارك وتنفست الجماعة الصعداء ومعها كل الحق في ذلك، وقبل رحيله بيوم كانت تعلن أنها لن ترشح أحدًا في الانتخابات الرئاسية. الإخوان وإن كان لهم الحق في الترشح للرئاسة كأي مصري كذبوا في هذا الإعلان أكثر من عشر مرات سواء على لسان قياديي الجماعة أو حتى مرشدهم العام.

ولأن الثورة تُغيِّر والإخوان يستفيدون فقد أنشأت الجماعة حزبها في الثلاثين من أبريل من عام الثورة؛ لتحصل على حق لم تستطع أن تأخذه منذ نشأتها في عشرينيات القرن الماضي.

الشخصية الفلولية للإخوان اتضحت تمامًا في الفترة التي سبقت الاستفتاء على التعديلات الدستورية 19 مارس 2011، حيث لم تكتفِ الجماعة بإعلان موافقتها على التعديلات التي كانت كل القوى الثورية ضدها -وعرف الجميع مقدار ما خسرته الثورة بسبب الإخوان وكل من قال “نعم” للاستفتاء- من أجل أن تخرج النتيجة بـ”نعم”، واستعملت الجماعة أسوأ ما يمكن فعله بدعواتها -غير الرسمية- عن طريق أفرادها إلى التصويت لصالح التعديلات وربط ذلك باختيار “الله”، ولأن الإخوان جماعة تعادي الثورة منذ البداية فيقول موقعها الرسمي: «تورط عدد من الرافضين للتعديلات الدستورية في اللعب برأس المال في حملتهم، حيث دشنوا حملات إعلانية مدفوعة الأجر للترويج لرفض التعديلات الدستورية في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية».

وهو اتهام رسمي لكل من يرفض هذه التعديلات ويريد من الشعب التصويت لها بـ”لأ”.

رئيس مجلس الشعب المنحل سعد الكتاتني

هيوقَّعونا في “المجلس”:

رفضت الجماعة عقب هذه التعديلات كثيرًا من المليونيات التي دعت إليها القوى الثورية ضد تصرفات العسكر لفضّ قوات الشرطة العسكرية ميدان التحرير بالقوة، وإجراء كشوف العذرية لعدد كبير من الفتيات، وعمليات التعذيب الممنهجة في المتحف المصري والسجن الحربي، ثم المحاكمات العسكرية التي طالت عددًا لم يسجنه مبارك في سجون أمن الدولة طيلة فترة حكمه، ووصل تصعيد الجماعة في الاستخفاف بآراء الآخر ببيان صدر عنها في السابع والعشرين من مايو بعنوان “لمن يوجَّه الغضب؟” مالت فيه إلى فيه المجلس العسكري ورفضت من يتظاهرون ضده، واعتبر البيانُ الدعوةَ لموجة أخرى من الغضب ثورة ضد الشعب ومحاولة للوقيعة بينه والقوات المسلحة وقيادتها الممثلة في المجلس العسكري، ولم تخرج كلمة واحدة من الإخوان تدين الاعتداء على المقبوض عليهم من المتظاهرين خصوصًا الفتيات.

ودعا الإخوان القوى السياسية والشعب المصري إلى وأد الوقيعة أو الفتنة بين الصفوف أو بين الشعب والقوات المسلحة وعدم المشاركة في هذه الفاعلية، وأن تقتصر مشاركات المواطنين على فاعليات واضحة الهدف من أجل ما ادَّعوا أنه حماية مطالب الشعب واستكمال تحقيق أهداف ثورة يناير.

الثورة في الميدان والجماعة عند الجنزوري:

الفلول لم ينضموا أبدًا إلى الثوار في أيٍّ مما حدث عقب الثورة، وكذلك الجماعة -وبالتأكيد حتى صدور هذا الكتاب- وفي الوقت الذي اشتعلت فيه أحداث “مجلس الوزراء” و”محمد محمود” عقب إقالة حكومة عصام شرف والمطالبة بحكومة جديدة، أعلنت “الإخوان المسلمون” أنها ليست موافقة على ما يطلبه ثوار الميدان واعتبرتهم معطِّلين للإنتاج ولعجلته التي لا تتوقف إلا عند نزولهم للميدان -رغم أن الإخوان أنفسهم عندما ترشح عمر سليمان للرئاسة في شهر أبريل من عام 2012 دعوا لمليونية نجحت بالفعل وملؤوا أركان الميدان كله في جمعة “حماية الثورة” 13 أبريل، ولم يقل أحد عنهم إنهم يعطّلون عجلة الإنتاج أو حتى سيارته- ورحبت الجماعة باختيار كمال الجنزوري رئيسًا للوزراء وهو الذي كان رئيسًا لوزراء المخلوع في تسعينيات القرن الماضي، وذهبت قيادات من الجماعة مثل سعد الكتاتني ومحمد مرسي لمكتب الجنزوري لتهنئته بالمنصب.

كان الشهداء والمصابون يتساقطون كل ثانية لا كل دقيقة في الميدان، وكانت الجماعة تجلس على طاولة رئيس وزراء فلول مثلهم.

هي الجماعة نفسها أيضًا التي لم تعترف بتوجيهها الناخبين في انتخابات مجلس الشعب بمراحلها الثلاث، ووجهوا شكرًا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على لسان الكتاتني في الجلسة الأولى بعد انتخابه رئيسًا لمجلس الشعب: “إليكم خالص الشكر والتقدير على دوركم في إتمام انتخابات مجلس الشعب باعتباره مجلس الثورة المصرية المجيدة”.

والمتابعة لأداء هذا المجلس تؤكد لنا بـ”الهولز” أنه مجلس الفلول لا مجلس الثورة.

الجماعة التي يقوم عماد حياتها على السمع والطاعة أصبحت أحد أقطاب الفلول في مصر بعد الثورة، وسرقت الثورة بحجة أنها أبرز صانعيها، فما يصبو إليه الإخوان حتى الآن وما فعلوه منذ يوم التَّنحِّي جاء عكس كل ما قامت الثورة من أجله، فلا علاقة للإخوان بالعيش أو الحرية ولا العدالة الاجتماعية.



(1) أبو الفتوح وعمرو موسى، خالد البري، جريدة “التحرير”، 17 أبريل 2012.

(2) “تجديد العلاقة الملتبسة بين الإخوان والجيش في مصر”، سعود المولى، “الحياة اللندنية”، 4 أبريل 2012.

 

([3]) المرجع السابق.

([4]) المرجع السابق.

([5] ) المرجع السابق.

([6]) المرجع السابق.

([7]) المرجع السابق.

([8]) حوار مع عمر سليمان، خالد صلاح، جريدة “اليوم السابع”، السبت 14 أبريل 2012.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات