الشيخ محمـَّـد عيـَّـاد الطنطاوي: أول أستاذ عربي يدخل روسيا

09:17 صباحًا الأربعاء 29 يناير 2014
بشير عياد

بشير عياد

شاعر ، وناقد ، وكاتب ساخر ، يغني أشعاره كبار المطربين، له عدة كتب في نقد الشعر، متخصص في " أمّ كلثوم وشعرائها وملحنيها " .

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

من أعلام محافظة الغربيّة ، وأحد أبرز أبناء الجامع الأزهر في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وأول أستاذ عربيّ يدخل روسيا ، الشيخ العالم محمد عيّاد الطنطاوي الذي بهر الروس وملك أفئدتهم من قبل أن يصل إلى أرضهم إذ سبقته سمعته إليهم على ألسنة تلاميذه وأقلامهم ، فلما وصل إلى هناك في التاسع والعشرين من يونيو 1840 م قوبل بحفاوة غير مسبوقة ، واستمرت الحفاوة به إلى اليوم ، فمقبرته بقرية فولكوفا ما تزال صامدة في مقاومة الزمن ، بالرغم من رحيله في السابع والعشرين من أكتوبر 1861م .  اسمه بالكامل : محمد بن سعد بن سليمان عيّاد ، وكان يضيف إليها : المرحومي ( نسبة إلى محلة مرحوم ) الطنطاوي ( نسبة إلى طنطا ) الشافعي ( نسبة إلى المذهب الشافعي ) هذا ، من قبل أن ينتقل إلى القاهرة ليدرس ـ ثم يدرّس ـ بالجامع الأزهر .

وُلد شيخنا في قرية ” نجريد ” التابعة لمحلة مرحوم في العام 1225هـ الموافق 1810 م ، كان أبوه تاجرا للأقمشة والبن والصابون ، وكان يوزعها على التجار بنفسه في إقليم الغربية ، وكان يملك بيوتا في طنطا والصافية ونجريد بالإضافة إلى بيته الذي في محلة مرحوم ، وقت أن كانت محلة مرحوم أهم من طنطا التي لم تكن عاصمة للإقليم بعد ، وعندما بنى علي بك الكبير المسجد الأحمدي تكريما للولي السيد أحمد البدوي ، بدأت طنطا تخطف الأضواء إذ  راجت التجارة حول المسجد خصوصا في مولده ، وأصبحت طنطا موطنا روحيا كذلك لدور المسجد كمركز للعلوم الإسلامية . في سن السادسة بدأ  الطفل حفظ القرآن بالكتّاب بطنطا ، وقبل أن يكمل العاشرة كان قد أتم الحفظ مرتين ، كما حفظ عددا من  المتون النحوية والفقهية ، وفي الثالثة عشرة انتقل إلى القاهرة ، وعلى الفور انضم إلى طلاب العلم بالجامع الأ زهر ، وفي مذكراته وصف تلك  الأيام بـ ” أيام السعادة ” ، وكان من حسن حظه أن يكون معلمه الرئيسي علاّمة الأزهر في ذلك الحين الشيخ إبراهيم الباجوري الذي صار شيخا للأزهر فيما بعد ، بالإضافة إلى عدد كبير من شيوخ ذلك العصر ، وفي زمن قياسي لفت عيّاد الأنظار إليه ، وأصبح من أهم أصدقاء زميله رفاعة الطهطاوي الذي يكبره بعشرة أعوام  ( وفيما بعد سيرحل الطهطاوي إلى باريس ، وعيّاد إلى روسيا ) .

ثبت الاسم كما ذكره أغناطيوس كراتشكوفسكي

توقّف الشيخ عيّاد رغم أنفه عن مواصلة الدراسة بالأزهر بسبب وفاة أبيه ليقوم  بشؤون الأسرة ، فعاد إلى طنطا ليعمل بالتدريس ، وفي أوقات فراغه يتحوّل إلى دارس بالمسجد الأحمدي ، وقبل أن يكمل الثامنة عشرة أعطاه الشيخ القناوي إجازة تدريس كتب الحديث الستة بالإضافة إلى موطأ مالك . في العشرين من العمر أصبح الشيخ محمد عيّاد مدرّسًا بالأزهر ، وبسبب تفوّقه على بقية زملائه في اللغات الأوربية كانت حلقته أكبر حلقة في الجامع الأزهر ، وهذا ما جعل عددا كبيرا من أعلام الاستشراق في ذلك الوقت من تلاميذه ، وبسببهم ازدادت معرفته باللغات الفرنسية والألمانية ثم الروسية ، وكان من بين تلاميذه اثنان روسيان هما نقولا موخين ورودلف فرين ، وكان موخين في سن الشيخ عياد تقريبا ، بينما كان فرين يصغرهما بعامين ، وكانا ـ معا ـ السبب الأول لحب شيخنا لروسيا وترحيبه بالسفر إليها ، وقد استغرقت المكاتبات الرسمية الخاصة بسفر الشيخ إلى روسيا وقتا طويلا ، إلى أن دعاه محمد علي باشا وحثّه على دراسة اللغة الروسيّة وإتقانها ، ووعده بعطفه وعنايته به . ليغادر الشيخ القاهرة في يوم السبت الرابع والعشرين من المحرّم 1256هـ ، 16 مارس 1840م عبر النيل إلى الإسكندرية ليصل إليها مساء الجمعة 22 مارس ، وفي السادس والعشرين منه ركب باخرة نمساوية لأول مرة وأبحر إلى روسيا ، وبعد توقّفات كثيرة وصلت الباخرة إلى أودسّا في الخامس والعشرين من أبريل ، ثم إلى كييف في 25 مايو ، ليصل في نهاية المطاف إلى بطرسبورج في 29 يونيو ، بعد عناء شديد في سفر طويل لمدة ثلاثة أشهر ونصف الشهر قضى منها أكثر من شهرين في الحجر الصحي.

وكان الاستقبال حافلا ، والترحيب غير مسبوق ، فكتبت صحيفة ” فدومستي بطرسبرج ” : ” أنت تسألني : مَن هذا الرجل الجميل في لباس شرقيّ ، ووعمامة بيضاء ، وله لحية سوداء كجناح الغراب ، وعينان تشعان بإشعاع غريب ، على وجهه سمة الذكاء ، وقد لفحت الشمس بشرته ، وليست بالطبع شمس بلادنا الشمالية الباردة ، لقد رأيته مرتين يسير بخطوات وئيدة على بلاط شارع نفسكي في جهته المضاءة بالشمس . ولقد لفت هذا الرجل نظرك كما لفت أنظار زائري هذا الشارع في أيام الجو الطيب وتريد أن تعرف من هو ؟ .. هو ضيف جديد من ضفة النيل ، واسمه الكامل الشيخ محمد بن سعد بن سليمان عياد الطنطاوي .وطنطاوي بدون أداة التعريف أل هي نسبة إلى مدينة طنطا ، وطنه في مصر …”

كتبت صحيفة ” فدومستي بطرسبرج ” : ” أنت تسألني : مَن هذا الرجل الجميل في لباس شرقيّ ، وعمامة بيضاء ، وله لحية سوداء كجناح الغراب ، وعينان تشعان بإشعاع غريب ، على وجهه سمة الذكاء ، وقد لفحت الشمس بشرته ، وليست بالطبع شمس بلادنا الشمالية الباردة

استمر الشيخ في أداء رسالته ، اتسعت شهرته ، وتزايد عدد تلاميذه ، وأصبح نارا على علم في ربوع روسيا ، غير أنه لم يتمكن من زياة مصر سوى مرة واحدة ربما كانت في العام 1844م ، كما زار تركيا وكتب عنها ، وكان تنوع معارفه وعلومه مع  بساطته وحلمه سببا في حبّ نلاميذه وزملائه له ، وأصبح له تلاميذ متعددون من جميع الدول المجاورة ، وفي العام 1950 أنجب ابنه الوحيد أحمد ، وقبل وفاة الشيخ توفيت زوجته وكان المرض قد ضرب جسده ، فطلب إلحاق ابنه بإحدى المدارس الداخلية ، ثم رحل الشيخ في 27 أكتوبر 1861م ، فتدخل عدد من الأساتذة بجامعة بطرسبرج من أجل أن يُصرف معاش الشيخ لابنه ، ثم توفّي أحمد في الخامسة والثلاثين تاركا طفلة صغيرة ، وتم إلحاقها بدار أيتام مسيحية ، و… غدت مسيحية !!

المرجع الرئيسي ، كتاب حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي ، تأليف : أغناطيوس كراتشكوفسكي ، ترجمة : كلثم عودة ، ط2 ، عام 2000 ، ذاكرة الكتابة ( 14 ) ، الهيئة العامة لقصور الثقافة

ترك الشيخ محمد عيّاد واحدا وأربعين مصنّفا أهمها “وصف روسيا “، ولم يسعَ أحد من المسؤولين لاستردادها ، وكانت صدمتنا مروّعة ، آل عيّاد ، بعد صدور الطبعة الثانية من كتاب ” حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي ” عن سلسلة ذاكرة الكتابة بهيئة قصور الثقافة عندما قرأنا هذا الرقم ، وقد طلبت من الدكتور شاكر عبد الحميد ـ عندما كان أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة ـ أن يعمل على استعادة نسخة من هذه الكتب وسنساهم نحن ـ ” مؤسسة آل عيّاد الخيرية ، التي أشرف بكوني عضو مجلس الأمناء وأمين الصندوق بها ” ـ في إصدار هذه الكتب ، غير أنه انتقل وزيرا للثقافة ثم ضحّى بنفسه لكي تعيش الحكومة ! كما سطا المنافقون على المدرسة الابتدائية التي كانت تحمل اسم شيخنا بمحلة مرحوم وجعلوها باسم الرئيس المخلوع ، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه أن الانترنت يرد الاعتبار للشيخ في آلاف المواقع ، غير أننا لن نفقد الأمل .

***

عن جريدة فيتو القاهريّة ، العدد رقم 57 ، الثلاثاء  26 فبراير 2013م 

One Response to الشيخ محمـَّـد عيـَّـاد الطنطاوي: أول أستاذ عربي يدخل روسيا

  1. بشير عياد

    بشير عـيـَّـاد ، شخصيًّا رد

    30 يناير, 2014 at 3:24 ص

    ألف ألف شكر

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات