بعد ست و عشرين شهرا بزيادة أربعة عشر شهرا عن الموعد الذي كان محددا للإنتهاء من كتابته خرج إلى النور الدستور التونسي الجديد أو دستور الجمهورية الثانية بموافقة 90% من أعضاء المجلس التأسيسي التونسي و الذي يأمل الجميع أن يكون أساس البناء للدولة الجديدة التي سعت إليها ثورة 14 يناير ” جانفي ” و التي مهدت لها مرحلة إنتقالية شهدت أوقاتا حرجة و إغتيالات سياسية قبل الإقتراب من خط نهاية تلك المرحلة مع ميلاد الحكومة الجديدة التي تزامن ميلادها مع ميلاد الدستور الجديد و تنتظر مصادقة المجلس التأسيسي عليها لكي تضطلع بعد ذلك بالإعداد للإنتخابات مع اللجنة العليا و التي ستسفر عن برلمان و رئيس للجمهورية التونسية الثانية التي يتوق شعبها للإسقرار و تأسيس وطن ينعم بالديموقراطية و دولة القانون ..
– وقد تباينت الأراء حول الدستور التونسي الجديد فهناك من تحمس له إلى حد القول بأنه من أفضل دساتير العالم و مثلا يحتذى به لمن يسعى إلى ديموقراطية حقيقية ؛ فيما رفضه البعض من تيارات الإسلام السياسي ” حزب التحرير و القوى السلفية ” الذين وصفوه بدستور الكفر المناهض للإسلام و شريعة الله المملى أمميا على البلاد و أنه لا بديل عن تطبيق الشريعة ؛ أما ” الصادق شورو ” عضو المجلس التأسيسي و القيادي بحزب حركة النهضة فقد صرح ” أنه كبر أربعا على هذا الدستور و أدى عليه صلاة الجنازة و دفنه ” متبرأ منه و قد سارع ” الصحبي عتيق ” رئيس كتلة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي بإستنكار تلك التصريحات قائلا أن حركة النهضة لا علاقة لها بهذا الرأي الذي لا يلزم أو يمثل إلا صاحبه ؛ أما ” الهاشمي الحامدي ” رئيس تيار المحبة فقد وصف الدستور الجديد ” بالدستور اللقيط ” .. و إعتبر أن النص الخاص بترشح رئيس الجمهورية موجها ضده شخصيا .. ؛ أما أصحاب الرأي المعتدل فقد وصفوا الدستور الجديد بأنه دستور توافقي مقبول ليس بالجيد جدا أو السيئ للغاية .. وأن الجمهورية الثانية الديموقراطية هي التي ستتولى تحسين الدستور الجديد و الوصول به إلى حدود الكمال الإنساني .. مضيفين أن الدستور الجديد هو أساس جيد يمكن تحسينه و البناء عليه ..
– لم يخل الأمر من مماحكات سببها إختلاف الأراء في أوساط النخبة حيث يرى البعض أن حزب حركة النهضة و من لف لفه حصلوا على بعض المكاسب خلال وضع مواد الدستور منها على سبيل المثال لا الحصر المادة التي تتعرض ” لهوية الدولة ” ؛ و ” النصاب الذي ينبغي لسحب الثقة من الحكومة ” ؛ و ” القانون المنظم للسلط العمومية ” خاصة الفصل الخاص بإستقلالية المجلس المالية .. و مدة بقاء المجلس بعد إتمام وضع الدستور؛ ومواد أخرى يمكنها تهديد مجلة الأحوال الشخصية التي تعتبر من مكاسب المرأة التونسية الهامة بعد الإستقلال ؛ لكن البعض الآخر يرى أن النص على مدنية الدولة مكسب كبير تم إنتزاعه من بين ظهراني أحزاب الإسلام السياسي ؛ و تبقى الأيام كفيلة بالإنتصار لأي من وجهتي النظر و كذلك المحكمة الدستورية العليا التي يفترض أن تولد في تونس خلال الفترة القادمة حيث لم تعرف تونس من قبل هذا النوع من المحاكم إلا أن طريقة تشكيل هذه المحكمة و حدود صلاحياتها و قبل ذلك كله معركة إستقلال القضاء التي لابد أن تحسم هي التي ستضمن نجاعة أحكام تلك المحكمة في تفسير مواد الدستور و تأويلها .. إذ ينبغي أن تكون هي السلطة الوحيدة التي تتولى هذا الأمر دون معقب عليها ..
– أما على المستوى الشعبي قوبل ميلاد الدستور بفرح بالغ كونه أعطى الشعب التونسي أمل في الغد بعد أن مر بأوقات عصيبة .. و هو ما سيمثل عبئا على الحكومة الجديدة التي ستتولى إجراء الإنتخابات و إستكمال الفترة الإنتقالية حيث يتصور المواطن البسيط أن الدستور هو العصا السحرية التي ستأتي فورا بالمعجزات فتوقف الإرتفاع الجنوني للأسعار و التدهور الإقتصادي كما ستعيد للعملة المحلية قوتها الشرائية و توفر فرص العمل .. و هو ما يضع الحكومة الجديدة في مأزق تسبب فيه هواة التصريحات الرنانة الذين أكدوا أن الدستور الجديد يضع تونس في مصاف الدول المتقدمة و أنه أفضل دستور في المنطقة العربية و الإسلامية إلخ .. و عليه فعلى الحكومة تقديم حلول سريعة جدا لمشاكل المواطن البسيط و إلا فسوف تكون مدانة أمامه ؛ و هكذا فلابد من بعض الإصلاحات السريعة و الناجعة على مستويين هما الإقتصاد و إستقرار الحالة الأمنية لكي تستطيع الحكومة إنجاز مهام بقية المرحلة الإنتقالية دون توتر على مستوى الشارع التونسي الذي ترسخت لديه قناعة بأن حلول مشكلاته ستأتي بعد إقرار الدستور مباشرة و هو ما لا يمكن أن يتأتى إلا في تصريحات لا ترد إلا على ألسنة ” جنرالات المقاهي ” أو محترفى التطبيل لطرف ما من أجل خداع شعب تواق كغيره من الشعوب للحرية و الكرامة الإنسانية ..
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.