السيد الخميسي: وجهٌ للثقافة المصرية

09:33 صباحًا الثلاثاء 4 فبراير 2014
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تحيا مصر حرة سعيدة .. السيد الخميسي في ميدان التحرير

تمثل كوكب الشرق وجهًا للثقافة المصرية، مثلما هي تجسيد للثقافتين الإنسانية والعربية، هكذا يمكن أن نقول عن نجيب محفوظ، ويوسف شاهين، وأمل دنقل، وآدم حنين، وعشرات، ومئات، إن لم نقل الآلاف من المصريين عبر التاريخ، عن شاعر هنا، وروائي هناك، وفنان بين المسافات وخارج الأطر. فما الذي يجمع بينهم جميعًا، ومتى يمكن أن نطلق صفة (وجه الثقافة المصرية) على شخص ما؟ هذا ما يمكن أن نتلمسه ونوجزه في كلمة واحدة: الصدق؛ صدقٌ مع الذات والتاريخ معًا، صدق مع الأنا والآخر، وصدق مع المدون والشفاهي. بداية، نقرأ معًا هذه السطور:

“بعد تخرجي من كلية الآداب جامعة القاهرة دفعة 1969 اشتغلت معلما ووصلت في التعليم إلى وظيفة موجه عام ولولا نشاطي السياسي لأصبحت وكيلا للوزارة .. وعملت في الصحافة .. رأست تحرير مجلة أصداف الثقافية الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة .. وكنت مديرا لتحرير جريدة ” 23 ديسمبر ” الصادرة عن الحزب الناصري وكنت أيضا أمين الإعلام بالحزب في بورسعيد ..

السيد الخميسي في معسكر جوالة جامعة القاهرة بالفيوم .. الأسمر أعلى الصورة رسام الكاريكاتير العبقري محمد حاكم والخميسي على الأرض فوق سامي صلاح .. (المرحوم د. المسرح سامي صلاح)

بدأ اهتمامي بالصحافة من السبعينات في مجلة “السد العالي” مع المرحوم حجاج الباي والمرحوم هاشم زقالي وصلاح الراوي أطال الله عمره .. مهنتي الأساسية حلواني ورثتها عن أبي ومارستها فعلا وأنا طفل صغير مع أبي في محل “ديليسيبس للحلويات الإفرنجية ” لصاحبه الخواجة جورجي مانوفولي الواقع في ميدان ديليسيبس – المنشية حاليا – ثم في محل أبي في شارع “كسرى” في حي العرب ..

في عام 68 تم استدعاء السيد الخميسي للمقاومة الشعبية .. كانت حرب الاستنزاف قد بدأت تؤتي أكلها .

وبعد ثورة الجوعى في 18 و19 يناير الشهيرة وقيادتي – مع محمد طبل وأبو الفتوح عزتلو ومسعود البابلي وآخرون من تنظيم المعلمين الأحرار – إضراب المعلمين في السبعينات .. وبعد أن شردني السادات ونقلني إلى معهد المعلمين في الزقازيق .. وبعد أن رفضوا استقالتي عملت تاجرا للأحذية المستوردة في محل استأجرته في شارع التجاري .. ثم مات السادات وذهبت للسعودية أربع سنوات عدت بعدها لمصر .. أصبحت مالكا لمحلين للأحذية المصرية في برج ريالتو في حي الإفرنج ومحلين للأحذية في شارع عدلي والتجاري .. ولم يتركوني فبعت محلاتي وقنعت بكشك لتصوير المستندات .. ولم يتركوني فبعته .. خرجت إلى المعاش نفيت نفسي إلى الإسماعيلية حتى أتقي شرهم .. فرحت بثورة يناير واشتركت فيها وأنا في هذه السن وكأنها ثورة اسبارتكوس لتحرير العبيد .. وعدت لبورسعيد .. عندما أخبرت صديقي الشاعر الغنائي محمد البنا برغبتي في تغيير مهنتي في بطاقتي الشخصية بعد خروجي للمعاش قال : من حقك أن تكتب أنك شاعر أو كاتب فأنت عضو في اتحاد الكتاب .. أو تاجر أحذية فمعك سجلاتك التجارية .. قلت له نفسي أكتب حلواني .. رحمك الله يا أبي “وحشتني”.

الكلمات السابقة هي للروائي المصري السيد الخميسي، وليست توحي فقط بقدرته على تكثيف تاريخ ستة عقود في أقل من 600 كلمة، ولكنها تعكس الروح المصرية للدأب، والمعادل الموضوعي للمثابرة والمقابل المميز للإخلاص والسيرة المعبرة عن الوطنية.

شهادة حسن سير وسلوك تثبت إنهاء العلاقة وتحرر الوطني من الأجنبي .. يومها قال الخواجة لأبي : ما الذي فعله بكم جمال عبد الناصر ؟ …… قال أبي : فعل الكثير يا خواجة .. حررنا وقال لنا : ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعمار

دخلتُ إلى صفحته على صفحة التواصل الإجتماعي (فيسبوك) من خلال إشارة للصديقة سامية أبو زيد، لأجد نفسي محاطا، في صوره وتعقيباته، بتلك الروح المصرية، التي تجعل منه وجها لثقافة وطني:

“عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر رفض أبي أن يظل لحظة يدير محلا يملكه أجنبي .. محلا تربى فيه منذ صغره .. وغادر ميدان ديليسيبس وحي الإفرنج واشترى محلا في شارع كسرى في حي العرب وتلك قصة طويلة سردت بعضها في روايتي البشروش . .. هذه شهادة حسن سير وسلوك تثبت إنهاء العلاقة وتحرر الوطني من الأجنبي .. يومها قال الخواجة لأبي : ما الذي فعله بكم جمال عبد الناصر ؟ …… قال أبي : فعل الكثير يا خواجة .. حررنا وقال لنا : ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعمار” .

بحسه الوطني، واستجابة لما يدور الآن في الشارع المصري عبَّر السيد الخميسي عني، وعن الملايين حين قال:

“قاطعتُ الانتخابات الرئاسية الماضية؛ قلتُ لاشفيق ولا مرسي وكانت النتيجة التي تعرفها .. الآن لازم نختار يا صاحبي .. هذه المرة نختار بين الدولة – حتى لو محلك سر – وبين ضياع مصر .. يجب أن لاندفن رأسنا في التراب ونقول : واحنا مالنا …. انقلاب انقلاب .. ولا يهمنا الأسماء .. المهم مصر تتحرر من عبودية لصوص مبارك وتخرج من ظلام الإرهاب .. ولفلاسفة النخبة الموسوسين .. افهموا بقى لن تعود الديكتاتورية .. دفع الشعب دما غزيرا من أجل الديموقراطية .. لن يعود الزمن للوراء صدقوني .. بسيسي أو بغيره خرجت مصر للهواء والنور …. المثقفون السفسطائيون يقولون : تأييد الجيش يضعف من موقف السيسي .. تصوروا وصلنا لفين .. منهم لله ضيعوا مصر زمان ويحاولون الآن .. عاملين زي عواجيز الفرح قلة لازمة وطولة لسان”.

لدى استقبال أدباء المغرب في أمسية للشاعرة سمية الألفي، الحس العروبي في ثقافة السيد الخميسي تجعله في صدارة مشهد الاحتفاء بالأشقاء العرب، تلك هي ثقافة الشخصية المصرية

ويخاطب أصدقاءه المثقفين الحالمين بالديموقراطية ويتخوفون من السيسي :
“هذا ظرف تاريخي حتمي .. لن تأتي الديموقراطية في يوم وليلة في بيئة لم تنضج بعد .. ولن ينتقل شعب مقهور عشرات السنين للحرية في يوم وليلة .. الديموقراطية ثقافة تحتاج لشعب متعلم . .”.

ثم يوجه كلمة من القلب:

“إذا حضر الماء بطل التيمم .. زمان قلت لك : المتغطي بالإخوان عريان .. والآن أقول لك : إذا أردت أن تحتفظ بمكانتك عند الناس لاتخسر السيسي ياحمدين .. السيسي إرادة شعب”.

يختلط اليومي بالتاريخي، يمتزج السياسي بالثقافي، ويذوب كل شيء ويبقى ما هو معلق بحب الأرض، وأبناء الوطن، هذه هي وجوه المصري، الذي يتذكر روحه المحلقة بين ربوع مصر، طائرا صادقا، ويكتب كأنه يعاتب نفسه:

“نفسي أحضر ندوة مناقشة إبداع صديق عمري سمير الفيل اليوم في دمياط .. تصوروا أصبح سفري لدمياط القريبة جدا لبورسعيد مشكلة .. آه يازمن فين أيام الشباب أيام كنت أملأ تانك سيارتي البيجو وأفتح صدري للريح و أطير و أخترق الزمان والمكان ولا يهمني أجعص مكان فيك يا مصر .. صحيح الشباب من روايح الجنة .. تاج لا يراه إلا العواجيز من أمثالي” .

دمت شابًا، ووجها مضيئا للثقافة المصرية، العزيز: السيد الخميسي.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات