آسيا إن تحاور الشاعر والمسرحي والروائي السيد الخميسي

11:06 صباحًا الثلاثاء 7 مارس 2023
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
السيد الخميسي يلتقط صورة لنا في بورسعيد

شاعر ومسرحي وروائي، سيرة عملية في التعليم، ومسيرة أدبية في التنوير، ومسار نضالي من أجل رؤاه المقاومة والمثقفة. بين حين وآخر، تدور بيننا نقاشات قصيرة، عبر الهاتف، ورأيت اليوم أن أشارك قراء آسيا إن بإجاباته المتعمقة عن أحدث ما سألته. الشاعر والمسرحي والروائي السيد الخميسي ابن القنال والنضال، الذي يعطي صورة للمثقف العضوي المصري.

كيف تستوعب الأشكال الإبداعية حركة التاريخ وتعبر عنها، شعرا وسردا ومسرحا؟

السيد الخميسي: الدراما المكتوبة أساس كتابة القصيدة .. والرواية والقصة والمسرحية .. الاختلاف في التفاصيل .. يقوم الشعر على اصطياد اللفظة المتحدة بفكرتها بموسيقاها بزمنها .. ألفاظ الشعر مثل عود الثقاب لا تستعمل إلا لحظة التوهج، لا تحتمل الصورة الشعرية التكرار ولا الإرجاء، كما يقولون : الشاعر يصطادها وهي طائرة، دراما القصة القصيرة والرواية تختلف عن دراما القصيدة، الدراما في السرد تتحمل التروي والتؤدة، والبناء، عالم الرواية ممتد في الزمن، لا يتعامل مع اللحظة، زمن كتابة القصيدة زمن الشهاب المنطلق، تعتمد القصيدة “الإيقاع”، الذي هو في الرواية “الريتم”، دراما المسرحية أساسها الحوار، والمشهدية، تجسيد الأفكار والناس إلى مشهد نبصره على الخشبة، في المسرح الرؤية البصرية والتجسيد هما أساس الدراما المسرحية .

في الرواية، ينتقي السّارد شخصياته من الواقع، لكنه يجعل لها دورها الروائي، هل تتغير المصائر، أم يلتزم الكاتب بالسيرة الأصلية لشخصياته؟

السيد الخميسي: العلاقة بين “الفن”عموما و “الواقع” علاقة تلازم .. كل فن يعبر تعبيرا صادقا عن الواقع في الحياة هو الفن، يختلف الصدق الفني عن الصدق الواقعي، التاريخ صدق واقعي، الرواية صدق فني، كثيرا ما يكون الصدق الفني في الرواية أكثر صدقا من أحداث التاريخ، التاريخ يهتم بشكل الحقيقة التاريخية، الرواية تهتم بجوهرها، والفن أصدق، التاريخي تسجيلي، مادي .. الفن روحي، الفن أكثر صدقا و تعبيرا عن الحقيقة في جوهرها .

كيف يتحول المبدع للتعبير بين الشعر والمسرح والرواية، وما الذي يصنع الفارق بين الأشكال التعبيرية؟

السيد الخميسي: يقولون : “الشعر ديوان العرب”، ويقولون : “نحن نعيش في زمن الرواية”، ويقولون : ” المسرح أبو الفنون ” .. كل هذه الأقوال صحيحة، وأنا شخصيا أعتبر الأشكال الثلاثة تشكل مجتمعة سبيكة الدراما الإنسانية، أي نص أدبي مهما كان نوعة يخلو من ” الشعرية ” هو نص ناقص، كل نص درامي، مكتوب أو محكي هو نص مروي فيه من السرد الروائي، لايوجد نص مسرحي كامل إلا ويعتمد لغة الدراما السردية الشعرية بجانب أنواع أخرى من الدراما المستحدثة .. ولا يجب أن ننسى أن المسرح قد بدأ شعرا في المعابد المصرية القديمة، ونقله اليونانيون من مصر إلى اليونان ومنها للعالم أجمع، ثم تطورت دراما المسرح وتسلحت بالحوار والرقص والغناء وكل ما توصل إليه الفن المسرحي عبر الزمن ليتحول من نص درامي مكتوب إلى عرض مسرحي شامل، ما اقوله الآن هو تلخيص لمراحل انتقال تلك الدراما المتشابكة لما يمكن أن نعرفة الآن بالنصية، أي تماهي الأجناس الأدبية في جنس درامي واحد نسميه ” نصا ” .

نتحدث دوما عن النموذج والمثل الأعلى، في الكتابة وفي الحياة، فمن تختار لتضعه في تلك المكانة؟

السيد الخميسي: النموذج والمثل الأعلى في الكتابة عندي متعدد ليس شرطا أن يكون كاتبا أو اديبا فقط – على كثرة النماذج لكتاب صدقوا في إبداعهم وفي حياتهم .. أنا أعتبر الأنبياء نماذج صادقة في تبليغ رسالات السماء، دفعت من دمها وأرواحها في سبيل تلك الغاية السماوية النبيلة، سيدنا محمد، والمسيح الحي، وعلماء وفلاسفة عبر التاريخ ومبدعون محدثون وسياسيون، حينما تتحد أفكار الإنسان ومبادئة مع سلوكه ومواقفه تطابقا يستدعي التضحية بالنفس هذا خو الصدق الحقيقي والنبل، من منى ينسى قول سيدنا محمد : لو ضعوا الشمس عن يميني والقمر عن يساري، حتى أترك هذا الأمر ما تركته، وصلب المسيح وتعذيبة، هذه نماذج دينية دفعت من روحها وجسدها فداء للبشرية، أيضا فلاسفة وعلماء كثيرون، كوبرنيكوس، جاليليو، فولتير، وكثيرون عبر التاريخ القديم والحديث، إذا لم يكم الصدق الفني مدعوما بالتضحية وتحمل المسئولية فلا قيمة له، الأديب موقف وراءه رؤية وثابة شجاعة تدافع عن هذا الموقف .

بين الأديبين الكبيرين السيد الخميسي ومحمود قاسم

أنت تنقلت للحياة والعمل والحراك الثقافي بين شمال مصر وجنوبها، كيف ترصد بعين المبدع ملامح الشخصية المصرية؟

السيد الخميسي: شخصية المصري شخصية فريدة، يظنها الجاهل سهلة، في الواقع هي شخصية صعبة فريدة التركيب، شخصية فلاح صبور يتعامل مع الزمن في جدل مقدس تعود عليه عبر تاريخ طويل من تراث الآباء والأجداد، في صبر يحرث الأرض ويقلبها، ثم يلقي بالبذور في وقتها، و يظل يرويها وهي تحت الأرض يراها بعين قلبه وهي تنمو في باطن الأرض، يصبر صبر الموقن بالزمن وبحقائق الوجود: ” من زرع حصد “، حكمة الصبر، فلسفة النفس الطويل، كم أمم قهرته و زالت، شخصية المصري صلبة صلابة جرانيته وصخوره، شخص مؤمن بالغيب وفي نفس الوقت بالعمل والصبر .

السيد الخميسي في أنطولوجيا جاك هيرشمان

تتحول أعمال إبداعية من الكتابة إلى وسيط آخر، كالدراما التلفزيونية والأعمال السينمائية، ما هي الأعمال الفنية التي تجدها مثالية ومعبرة عن الكاتب؟

السيد الخميسي: تتطور الفنون الدرامية مع الزمن، وأيضا مع تغير الشخصية الإنسانية وتنوع ذائقتها الفنية .. استفاد الكتاب من اختراع السينما فتطورت من السينما الصامتة – دراما الصورة بلا صوت – عصر شارلي شابلن العظيم – إلى السينما الحديثة سينما الخيال العلمي وحروب الكواكب .. أنا شخصيا أحب فيلم “سبارتاكوس “، وسر خلوده في نظري تصويره للظلم الإنساني وهو ظلم حقيقي غريزي قائم على الصراع بين الخير والشر، وكذلك فيلم “الأرض”، و لا تقوم الدراما إلا على الصراع، الدراما هي الصراع، هي الحياة، وهذا هو الفرق بين الدراما المسطحة الميتة وبين دراما الصراع الحية، دخل التليفزيون البيوت وصنع مشاهديه، وهو وسيلة خطيرة تستخدمها بعض الحكومات استخداما خاطئا بغرض ترويض شعوبها على الرتابة والتفاهة ليكون الناس أسلس قيادا وهذه جريمة كبرى في حق شعوبهم، من أفضل من كتب الدراما التليفزيونية الهادفة الإيجابية أسامة أنور عكاشة، دراما صادقة وموجهة إيجابيا للشعور الوطني .

في ألبوم الحياة، أي الصور التي تستعيدها لتعلق عليها، سواء كانت صورا لأشخاص أو أحداث؟

السيد الخميسي: لا يمكن أن أنسي صورة الطائرات المعتدية على بلدي بورسعيد في ٥٦، أحرقوا شارع عبادي، كنت طفلا دون العاشرة رأيت الناس تخرج جثث الشهداء من تحت الأنقاض تضعها على عربات “الكارو ” تذهب إلى الجبانة لدفنها، لا يمكن أن انسى صورة جثث أبناء بلدي وهي مكدسة تتدلى أطرافها وتتطوح في الهواء والناس تسرع بالعربات تحت قصف الطائرات المعتدية ..

لا يمكن أن أنسى صورة أب يحمل طفله الغريق في بحيرة المنزلة بعد أن قصفت الطائرات المغيرة المدنيين المهاجرين من المدينة، لا يمكن أيضا أن أنسي صورة عبد الناصر وهو ينزل علم الاحتلال في منطقة “ديليسيبس” ويرفع العلم المصري .. صور حية محفورة في الوجدان .

التكريمات والجوائز، تثير اللغط، وتجلب تعليقات جمة، كيف تراها في مصر؟

السيد الخميسي: الجوائز والتكريمات في مصر .. لا تنفصل عن آلة النشاط الثقافي في مصر، تغلبها الشكلية والمظهرية والشللية وكثير من الفساد، أنا أرى أنه يجب على المثقف الحقيقي، أن لا يعتبر الجائزة هي الدليل الأوحد على تميزه – مع اعترافي أن هناك من المكرمين ومن أصحاب الجوائز من هم جديرون بها فعلا، يسيء إليهم أن يوجد بجوارهم كثيرون ممن لا يستحقون، يجب تطوير وتنظيف المؤسسة الثقافية بكاملها، لا نهضة لأمة من غير تعليم جيد وثقافة حديثة.

الشاعر مسعود شومان، واحتفاء الهيئة العامة لقصور الثقافة بالعودة للجذور في بورسعيد، مع المبدع السيد الخميسي

يمكن الرجوع في الهامش لإطلالات سابقة عن الأديب السيد الخميسي في (آسيا إن):

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات