مديرية أمن القاهرة … لم نكن في حاجة إلى سكرة لتأتي الفكرة

06:09 مساءً الثلاثاء 4 فبراير 2014
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

باب الخلق، القاهرة

عندما إستفقت ذات صباح سيئ من صباحات الربيع العربي المزعوم و الذي لا يصدق أنه صدفة بحته سوى طراز فريد من الأغبياء لأجد في إنتظاري خبر تفجير مديرية أمن القاهرة و أنا بعيد عن أرض الوطن شعرت بغصة و ألم بالغ خاصة عندما عرفت حجم التفجير .. ؛ أصابني الرعب من فقدان قطعة غالية من تاريخ مصر المنقطع النظير .. لا أعني في ذلك “متحف الفن الإسلامي” فقط رغم أنه في مضماره الأكثر تفردا و روعة على مستوى العالم و إن أثلج صدري المقال الهام الذي كتبه الصديق ” د/ خالد عزب ” ؛ ربما فكرت قليلا فيما يحتويه ذلك المتحف من آثار أيوبية أصبحت قليلة جدا على مستوى العالم الإسلامي و ما تبقى منها بالغ الندرة و لعل هذا يفسر الإهتمام البالغ بقبة و مئذنة ” الصالح نجم الدين أيوب ” عندما ضرب مصر الزلزال الشهير في تسعينيات القرن الماضي .. تذكرت الإحتفال بالإنتهاء من ترميم ” قبة الصالح أيوب ” بالتعاون مع بعثة ألمانية و طافت بمخيلتي تلك البوابة الأيوبية الخشبية الرائعة في ” متحف الفن الإسلامي “, ترى هل تبددت بعد التفجير الذي قام به التتار الجدد ؟ لا رحمهم الله و لا رحم مرشديهم إلى الضلال ..

لكن وكما ذكرت آنفا لم يكن المتحف وحده هو ما عنيت به القطعة الغالية من تاريخ مصر .. لكن و على سبيل المثال لا الحصر قلقت على ” باب زويلة أو بوابة المتولي ” التي تعلوها مئذنتي جامع ” المؤيد شيخ ” ؛ و بجانبهم جامع ” الصالح طلائع أو جامع المسك ” أول مكان إستقبل ” رأس مولانا الإمام الحسين .. الشريف ” في بر مصر ؛ العديد من الأسبلة البديعة من مختلف العصور ؛ جامع ” الست فاطمة الشقراء أو جامع المره ” كما يطلق عليه السوقة ؛ جامع ” البنات ” الذي أصاب نوافذ الشخشيخة الخاصة به الضرر مع بعض النوافذ الأخرى .. ؛ جامع ” السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب ” رئيسة الديوان .. أم هاشم .. أم العواجز إلخ التي تجلس على عرش قلوب أهل مصر الطيبين ..
و رغم الألم و الغصة قلت لنفسي ” إرتكبت الجماعة الإرهابية غلطة عمرها ” و لن نكون في حاجة إلى ذهاب سكرة المفاجأة و الألم لكي تأتي الفكرة و يلقى المجرمون جزائهم الرادع لأن القبض عليهم مسألة وقت و جيز ؟! و لم لا ؟ .. لابد من أن وزارة الداخلية و رجالها الأشاوس يعرفون مئات أضعاف ما أعرف .. و إنتظرت .. و طال الإنتظار حتى القي القبض على بعض الإرهابيين بمحض الصدفة ؛ ثم ظهرت صور السيارة التي إستخدمت في التفجير و السيارة المرافقة لها و هي تجوب شوارع المنطقة بحرية و سلاسة قبل وقوع التفجير بنحو خمس ساعات دون أن يعترضها أحد من رجال الأمن .. عندئذ تأكدت أنني أعرف أكثر من وزير الداخلية و بعض رجاله .. و أن جهاز الأمن الذي قام بتفكيكه المجرم ” محمد مرسي ” و بقية العصابة الإجرامية التي يتزعمها ” محمد بديع و خيرت الشاطر و البلتاجي و العريان إلخ ” لابد من عودته فورا بتدخل من رئيس الجمهورية المستشار ” عدلي منصور ” مستخدما كافة صلاحياته بعد أن تفرق الآلاف من الجهاز الأمني القوي لمصر على المؤسسات المختلفة داخل مصر وخارجها لتستفيد من خبراتهم و كفاءتهم العالية فيما ينتشر الإرهاب كالورم السرطاني في جسد مصر .

أخشى أن من قرأ السطور الماضية يمكنه تصور أنها مجرد هجوم على الشرطة و أجهزة الأمن و إتهامها بالتقصير دون مبرر سوى الغضب الشديد مما حدث .. لذا سنسوق للقارئ الكريم ما لدينا من معلومات معروفة لدى أي قاهري قح أو شخص له دراية بالقاهرة العتيقة و التي كان من الواجب أن تأخذها المؤسسة الأمنية بعين الإعتبار ..
– من المعلوم لدى الكافة أن المربع السكاني الذي ينتهي غربا بأحياء ” زينهم ” و ” السيدة زينب ” و جزء من حي المنيل كإمتداد طبيعي عبر النيل و الذي تمثل أضلاعه الشرقية أحياء “الدرب الأحمر و الجودرية” و شارع “التبانة ” و شارع ” تحت الربع ” و هي مناطق متاخمة لمديرية أمن القاهرة و بعضها يقع خلفها مباشرة .. هي من المعاقل التاريخية لتنظيم الإخوان الإرهابي ؛ و يكفي أن تعلم أن بيت المرشد الأول و مؤسس الجماعة كان في شارع القلعة و مازال يقطنه أقاربه .. فيما كان قسم شرطة ” الدرب الأحمر ” الحالي هو المركز الرئيس لجماعة ” الإخوان الإرهابية ” و الذي قام المواطنون بحرقه إثر ممارسة الجماعة الإرهاب كعادتها في خمسينيات القرن الماضي ؛ الغالبية العظمى من ” مغالق الأخشاب ” الواقعة في المنطقة خلف مديرية الأمن و بينها و بين منطقة ” السيدة زينب ” و مقابلها في حي ” المناصرة ” مملوكة لعناصر من جماعة الإخوان الإرهابية و هي بإتساعها تصلح لإخفاء ديناصور لا سيارة مفخخة فضلا عن إحتوائها على مواد ومعدات يمكن توظيفها في الإرهاب دون أن تثير الشبهة بسبب وجودها في مثل هذه الأماكن و ” الورش ” .. ؛ في ذات المنطقة توجد مجموعة من البنايات الضخمة الأشبه بالقلاع ذات طراز معماري من سماته الأساسية القبح تشبه مركز الجماعة المحترق في المقطم كلها مملوكة لمقاول معروف بإنتمائه للجماعة و هذه البنايات التي تتسم بوجود أماكن متسعة و تصلح للإختباء تشغلها عناصر إخوانية و بها أيضا مكاتب و عيادات قيادات الجماعة و منهم على سبيل المثال لا الحصر المكتب الخاص بابن مؤسس الجماعة ..

أراجيح الأطفال في باب الخلق

ترى منطقة تغص بعناصر الجماعة الإرهابية و المقرات التابعة لهم تترك هكذا دون تمشيط و لا قلبها رأسا على عقب بعد عملية إرهابية بهذا الحجم .. ؟! ..
– في إحدى البلدان قال أحد جنرالات الجيش الكبار ربما في تبرير لتقصيره أن بلاده في حماية أولياء الله الصالحين .. و أنا أتفق معه في ذلك بالنسبة لمصر ” المحروسة ” و التي عرفت هذا الإسم منذ عهد الفراعنة ” لمن لا يعلم ” فقد كان معروفا أن كل إقليم في حراسة الإله المحلي و كل هذه الآلهة تحت رئاسة رب الأرباب في معتقدهم ” أمون رع ” ؛ ثم إنتقل المعتقد بتصرف قيما يبدو عندما عرفت مصر الديانات السماوية فأصبحت محروسة بالقديسين لدى المسيحيين و عند المسلمين بأهل بيت رسول الله ” صلى اله عليه وسلم ” و أولياء الله الصالحين ؛ بل و الغريب أن نعتي ” البطل و الشهيد ” يطلقان على ” مار جرجس .. أو سان جورج ” و على ” الحسين بن علي ” و لو تأملت سيرتيهما لأيقنت أن كل منهما يصلح لأن يكون معادلا موضوعيا للأخر .. و هذا من سمات عبقرية الشخصية المصرية ؛ و رغم إتفاقي مع الجنرال سالف الذكر في دور السماء و الأمور الغيبية في حماية الأرض و من عليها إلى جوار الأطفال الرضع و الشيوخ الركع و البهائم الرتع ؛ فضلا عن أن مصر دون غيرها من البلدان أخذت نصيب الأسد في الذكر تصريحا و تضمينا و تلميحا في ” الكتاب المقدس ” و ” القرآن الكريم ” .. لكن هذا كله لا يمنع المواطن أيا كان موقعه من تأدية دوره أولا ثم ترك النجاح و التوفيق على رب العزة ” سبحانه وتعالى ” ؛ هكذا علمنا الله أن نعد للعدو و الشدائد ” ما أستطعنا من قوة ” ثم نسلم الأمر إلى الله ؛ أما التواكل و الإهمال و البلطجة و ” الإستنطاع ” فإن كان يؤتي أكله مع الخلق فلا يمكن إلا أن يأتي باللعنة من الخالق عز و جل ..

أعرف أيضا عبقرية الإنسان المصري و برجماتيته خاصة إن كان مؤرخا حاذقا أو أبن بلد ” قراري .. دؤرم ” و تيقنت من ذلك عندما قفز إلى ذهني تساءل حول السر في تسمية المكان الذي بنيت فيه مديرية الأمن بعد ذلك بوقت طويل ..
كلنا يعرف أن الحي الذي بنيت فيه مديرية أمن القاهرة يدعى ” باب الخلق ” فيما أصل الإسم طبقا لأبواب القاهرة القديمة ” باب الخرق ” .. ؛ ترى هل كان العبقري الذي أطلق الإسم يخشى من إتساع “الخرق” على الراتق عندما يوسّد الأمر إلى غير أهله فيتركون خيرة رجال الأمن في مصر بعيدا عن صدارة الذود عن الوطن فنبه إلى أن ” باب الخرق ” في هذا المكان حتى نسده و لو بالأرواح قبل الأجساد دفاعا عن كنانة الله في أرضه مصر ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات