الأقزام لا يكبرون .. والجبالي من يسكن الجبل ويظل قزمًا في جواره

08:18 صباحًا السبت 8 فبراير 2014
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

رأيت تونس و عرفتها كبيرة لأنني دخلتها و سكنتها و صاهرتها من الباب الكبير أو بالأحرى من الأبواب الكبيرة .. و لم تعرف الإنسانية أكبر من بابي الفكر و التاريخ والإثنان مرتبطان .. كثيرون من المصريين و التونسيين يظنون أن العلاقات بين مصر و تونس و هي متجذرة على كافة الصعد بدأت منذ خمسة عشر قرنا فقط وهي الحقبة المرتبطة بدخول الإسلام إلى تلك البقعة من العالم ؛ و ربما أرجعها البعض إلى الحقبة الرومانية التي كانت البلدان فيها  ولايات رومانية .. لكن وقائع التاريخ تثبت أنها كانت أبعد من ذلك حيث ترجع تلك العلاقات إلى عهد الفراعنة في مصر و ما يعرف بحضارة “قفصة”في تونس و التي شهدت آنئذ علاقات تبادل تجاري بما يترتب على ذلك من مفاهيم منها أن هناك حالة سلام و وئام و إستقرار بين الحضارتين و من ثم يمكن تخيل وقوع هجرات و مصاهرة و وجود لغة مشتركة للتفاهم و المعاملات ربما كانت لغة واحدة أو مشتركة الجذر، إلخ ..

الزحف الهلالي

و بطبيعة الحال شهدت العلاقات تطورا كبيرا في الحقبة الإسلامية خاصة مع فترة ما يعرف في تونس “بالزحف الهلالي ” الذي كان قدومه في الأساس من ” صعيد مصر ” و الذي كان من نتائجه المباشرة تعريب تونس و ما ورائها بالكامل و تغيير التركيبة السكانية في المنطقة المغاربية دون إستثناء ؛ و بغض النظر عن الجوانب الإيجابية أو السلبية لهذه الفترة و وجهات النظر المتباينة فيها إلا أنه  كان من النتائج المباشرة لها هو إحياء و تقوية الصلات بين المشرق و المغرب في هذه البقعة من العالم و هو ما تكرر بدرجات متفاوتة بعد ذلك خاصة في فترة ما يعرف لدى الغرب ” بحروب الإسترداد ” و  إبادة و طرد عدد كبير من المسلمين و اليهود من الأندلس .. فضلا عن تنقلات مشايخ الطرق الصوفية و نزوح عدد من مريديهم ورائهم ؛ و في الفترة المعاصرة كان نزوح عدد كبير من المنطقة المغاربية خاصة تونس إلى مصر في فترة الحربين العالميتين و بالذات ” الحرب الثانية ” حيث تجد أن أبناء من هاجروا أو نزحو تحت وطأة الحرب يسكنون المنطقة الواقعة بين ” السلوم و سيدي براني ” و صولا إلى ” مرسى مطروح و الحمام و الإسكندرية ” بعضهم يحمل أوراق ثبوتية تونسية و هو لم ير تونس في حياته أو يأتي زائرا لأقاربه بين الآونة و الأخرى مثل صديقي ” محمود جراية ” السكندري التونسي و عميد الجالية التونسية في مصر ..

محمود بيرم التونسي على طابع بريد مصري

و فضلا عن طلاب العلم في الأزهر الشريف قديما .. ؛ مازلت أذكر مقولة الديبلوماسي الكبير السفير ” محمد جنيفاني ” ذات ليلة في إحدى سهرات ” دار الأوبرا المصرية ” عندما خطب فينا متحدثا عن الأخذ و العطاء المتبادل بين مصر و تونس .. و ” كيف حملت مصر لتونس الإسلام فأهدت تونس لمصر الأزهر الشريف أكبر و أهم جامعة دينية في العالم الذي شيده الفاطميون بناة القاهرة ” ؛ و أضيف إلى مقولته التي تذكرت ما قاله فيها بتصرف حيث كان ذلك منذ أكثر من عشرين عاما أن الحضارة الإنسانية تاريخ طويل من الأخذ و الرد لا فضل لأحد على الأخر إلا بحجم إسهامه البنّاء و هو أمر معلوم بالضرورة لغير المتخلفين الحمقى ..

كانت من البوابات الكبرى التي عرفت تونس من خلالها كما عرف التونسيون مصر من خلالها أيضا حيث أنها مفتوحة دائما في إتّجاهي الذهاب و الأياب .. سيدي القطب العارف بالله ” أبو الحسن الشاذلي ” الذي أكمل النصف الثاني من عمره في مصر حتى إنتقل إلى الرفيق الأعلى و دفن فيها ؛ و كذلك كانت سيرة العبقري العلامة ” ابن خلدون ” بين تونس و مصر ؛ و كثيرين لعل أكثرهم شهرة و بالتسلسل التاريخي العالم و الناشر ” بيرم الخامس ” و ” حسن حسني عبدالوهاب ” باشا و العالم الجليل ” محمد الخضر حسين ” أول شيخ غير مصري للأزهر الشريف منذ نهاية العصر الأيوبي و بداية عصر المماليك البحرية وقتما تولى مشيخة الأزهر “الشامي” ” العز بن عبد السلام ” سلطان العلماء .. ؛ و أيضا والد الشاعر العظيم ” محمود بيرم التونسي ” الذي كان من سلاطين الشعر و أساطينه مثلما كان الشيخ الجليل ” محمد الخضر حسين ” من سلاطين علماء الإسلام في عصره .. ؛ و القاسم المشترك الأعظم بين كل هؤلاء أنهم خرجوا من تونس بسبب المتطرفين في الجهل و الحماقة التي أعيت من يداويها ..

تذكرت كل هؤلاء العظام الكبار الذين عرفنا من خلالهم تونس كما عرفناها بشكل مباشر من خلال فنانين ينتمون لمعدن الكبار .. فمن ” محمد الجموسي ” الذي عرف في مصر مطربا و ممثلا باسم ” محمد التونسي ” إلى الفنانة ” حسيبة رشدي ” ؛ إلى الفنانة الكبيرة “عليا ” التي كان لقبها في مصر ” عليا التونسية ” و صولا إلى الكبير فنا و إنسانية ” لطفي بوشناق ” و الموهوبة المحترمة ” هند صبري ” و المرحومة ” ذكرى محمد ” التي عرفتها منذ قدومها إلى مصر و كان كاتب السطور وراء أول غلاف مجلة مشرقية أحتضنت صورتها الطيبة عن إستحقاق فني و إنساني فقد كانت تنتمي إلى خامة الكبار في هذين البعدين تغمدها الله برحمته و غفرانه .. ؛ و غير هؤلاء كثيرين عرفناهم كبارا في مجالات عدة لا يتسع المجال لذكرهم و ربما لم تسعفني الذاكرة أيضا ..

الجبالي

لكن و كما يقول المثل المصري ” اللي يعيش ياما يشوف ” و ها قد عشنا و شفنا مغني متواضع القيمة و القامة الفنية يقدم عملا ” مسرحيا ” أو هكذا أطلق عليه بإسم ” بلدي الثاني ” يسخر فيه من شخصية مغن مصري من النوعية الرديئة و من مصطلحات و تعبيرات أكثر شيوعا و إستخداما لدي المصريين كما صور له خياله السقيم من نوعية ” بلدي الثاني ” و ” بص ” و التي تعني في اللهجة التونسية    ” إطلاق الريح بصوت ” ؛ مع بعض التوابل الأخرى التي نسبها إلى نوعية الأغاني الرديئة مع أنها تنتمي لنوعية أغاني ” حثالة القوم و سفلة المراهقين ” و هم بطبيعة الحال نوعية متواجدة لدى كافة شعوب الأرض بيد أن المدعو ” محمد الجبالي ” آثر أن يفتئت على الشعب المصري حتى في مضمار الغناء الرديء و أن يخدع الجمهور التونسي بالخلط و المغالطة بشأن الواقع المصري .. ؛ ولا أظن أن هناك سببا لذلك سوى حب الظهور و إدعاء البطولة أو المعرفة .. و فات هذا ” الجبالي ” أن الجمهور التونسي حتى وإن لم يزر مصر يعرف الشيخ ” سيد درويش ” و ” زكريا أحمد ” و ” أم كلثوم ” و    ” عبد الوهاب ” و ” بليغ حمدي ” و ” .. حليم ” كما يعرفون مطربي الرداءة في مصر أيضا فكل بلاد الأرض لديها الفن الراقي و المنتج الشبيه الردئ .. ؛ تماما كما يعرف المصريون عظماء الفن في تونس مثل الشيخ ” خميس الترنان ” و ” أحمد الوافي ” و ” صليحة ” و     ” الهادي جويني ” و ” علي الرياحي ” إلخ .. و يدركون حقيقة من في قامتك الفنية حتى و لو لم يعرفوه ..

مقاطع الفيديو التي يسخر فيها الجبالي:

يقول المثل التونسي “قالو يا بابا وقتاش نوليوا شرفا .. قالو : حتّى يموتوا كبار الحومة ” .. و نظير هذا المثل في مصر عندما سئل أحدهم أباه ” إمتى أبقى كبير .. فأجاب الأب : لما اللي يعرفوني يموتوا ” .. ؛ و العبد الفقير إلى الله عرفك شخصيا حين قدمت إليه في إحدى حفلات سفارة تونس في مصر لعل ذلك كان بين عام 2006 : 2009 و كنت تطرق الأبواب هناك لكي تجد مكانا على الساحة الفنية  .. ساحة الكبار التي قدمت ” أسمهان ” و ” فريد الأطرش ” و ” صباح ” و ” فايزة أحمد ” و ” وردة الجزائرية ” وهم أيضا أصبحوا عنوانا للفن المصري رغم أن أصولهم ليست كذلك و منهم من إكتسب الجنسية و منهم من لم يكتسبها ؛ هذه الساحة الفنية الكبيرة و ” هوليود الشرق ” و إن أبيت .. حرص حتى من تحققوا فنيا على المستوى الإقليمي قبل أن يأتوا إلى مصر أن يتواجدوا على هذه الساحة بل و يكتسبوا أيضا الجنسية المصرية مثل الراحل العظيم ” وديع الصافي ” على سبيل المثال لا الحصر ؛ ربما لكونها أصبحت مكملة للإطار الفني لكل كبار الفن .. حيث يوجد الفن في صورته المجردة التي لا تعرف عنصرية الصغار حين يفشلون في التواجد على ساحة الكبار ؛ لذا كانت الحفاوة بالفنان الكبير ” لطفي بوشناق ” .. حفاوة مطهرة بدموع الجمهور المصري الذواق الذي بكى معه و هو يغني ” الكراسي” أنصهرت تونس و مصر في بوتقة واحدة ليخرج الوطن في صورته المطلقة أمام أعين الجميع ؛ نعم نحن نقول على كل بقعة من المحيط إلى الخليج أو بالأحرى من المحيط إلى المحيط ” وطننا الثاني ” لا نفاقا و إنما حقا و إستحقاقا يا هذا .. ؛ لأننا تربينا على ناموس مفكرين و زعماء كبار علمونا أن الوطن الصغير يبدأ من المنزل و ينتهي بالوطن الكبير الأشمل من ” تطوان إلى سلطنة عمان ” ..

بلاد العرب أوطاني و كل العرب إخواني

لقد ترفعنا و تجاوزنا القبلية و الجهوية و العنصرية و قص الوطن من محيطه و إجتزائه و إختصاره كمن” يحلق ” فردة شاربه و يترك الأخرى عند حلاق ردئ .. فكنا نحفظ في مدارسنا المصرية عن ظهر قلب ” بلاد العرب أوطاني و كل العرب إخواني ” ؛ كنا نتحدث عن أمة عربية واحدة في الرخاء و الشدة و الغنى و الفقر لا نستدعيها عند الحاجة فقط و دفعنا من أجل ذلك دمائنا قبل أموالنا و فنوننا أيضا ؛ هذا كله لم و لن تعرفه و لو عرفته ما أطلقت على ذلك العمل الردئ السخيف أسم ” بلدي الثاني ” من باب السخرية .. نعم وطننا الثاني دون منّ أو فضل منا لأنه واجبنا .. لذا كان ” مكتب المغرب العربي ” الذي أحتضن حركات التحرر المغاربية و كل زعماء المغرب الكبير في القاهرة ؛ و لذا كان أول سلاح وصل للجيش التونسي بعد الإستقلال من مصر .. كنا مع جبهة التحرير في الجزائر و في فلسطين و اليمن و الكونغو و أندونسيا و أمريكا اللاتينية لأنه قدر الكبار ؛ كان ” عبد الناصر مع بن بلا و ولي العهد الليبي ” مع الزعيم ” بورقيبة ” في بنزرت مع رحيل آخر جندي فرنسي و قف ” ناصر ” هناك يخطب وسط أهله في وطنه الثاني و كل بقعة في الوطن الكبير وطننا الثاني رغم أنفك .. ألم تطالع ذلك أبدا في جريدة أو مجلة في إحدى صالونات الحلاقة ؟!

السيدة أم كلثوم مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وزوجته، وهما يمنحان كوكب الشرق وسام الجمهورية

نعم نحن أيضا نقول على الجمهور التونسي ” ذواق ” و فنان و كريم مضياف لأن الذاكرة المصرية مازلت تتزين بإستقبال الزعيم ” بورقيبة ” و زوجتة ” الماجدة وسيلة ” لكوكب الشرق سيدة الغناء العربي ” أم كلثوم ” إستقبال الملوك و الرؤساء في مطار تونس لتستعرض حرس الشرف مع الزعيم ” بورقيبة ” ثم تخرج معه في سيارة مكشوفة و موكب رسمي لتحية الجمهور الذي أصطف على جانبي الطريق في رقي و تحضر لرؤية زعامات الفن و السياسة ؛ و يعرف المصريون أيضا أن الزعيم المثقف ذهب لمشاهدة الحفلة في ” قبة المنزه ” وسط الجمهور في تصرف غير مسبوق منه حيث كان يشاهد كل العروض الفنية التي تأتي إلى تونس في حفل خاص بالقصر ؛ و يعرفون أيضا أن تذكرة الحفل كانت باهظة الثمن حتى أنها كانت تفوق الراتب الشهري لموظف متوسط مرة و نصف و مع ذلك إمتلئت ” قبة المنزه ” عن آخرها بجمهور بالغ الرقي في المظهر و المخبر ؛ حتى بلغ إنسجام سيدة الغناء العربي ” أم كلثوم ” ذروته فقدمت 34 “قفلة” مختلفة خلال أدائها لأغنية الأطلال ” الأطلال ” ردا على الحفاوة التي إستقبلت بها حتى أن المحطات الإذاعية و التلفزيونية تقوم بالتنويه حين تذيع أغنية ” الأطلال ” في نسختها التونسية التي تعد من أروع المرات التي أدت فيها ” أم كلثوم ” هذه الأغنية حيث تفوقت على نفسها كما تفوق الجمهور الرائع على نفسه في حسن التلقي ليصبح مضرب المثل في الذوق الفني ؛ و أصبح كل فنان قادم إليه يحسب له ألف حساب ؛ و شتان بين من حلق في الماضي أو مازال يحلق اليوم مع تسجيلات ” أم كلثوم ” و ” جوجوش ” و ” فيروز ” في تونس ؛ و ” عبد الحليم ” في طبرقة و ” شهرزاد ” في بنزرت إلخ .. حيث تسمو الأرواح في سماوات الفن و تسبح الأنفس و القلوب في محيطاته اللانهائية ؛ وبين من يفتش في مستنقعات الرداءة و الإسفاف .. ؛ و بناء علي ما تقدم كان المصريون و مازالوا يعرفون الجمهور التونسي أنه ذواق فنان مرهف الحس على أساس منطقي لا نفاقا .. لكن بعضا من الناس لا يفقهون و في جهلهم يعمهون ..

حسين الجسمي : مصر هي بلدي الثاني و أنحني أمام بيادة من أصغر رتبة إلى أعلى رتبة بالجيش المصري العظيم

حاولت تجميل صورتك و صورة مسرحيتك الرديئة في إحدى البرامج التلفزيونية فقلت أنك تتحدث عن مغنين من النوع الرديء يأتون من مصر إلى المهرجانات التونسية  .. و هل هذه مسئوليتهم أم مسئولية من آتى بهم ؟! ثم تنتهز الفرصة للهجوم من خلالهم نافثا حقدك على كل ما تراه مقلقا لك و لمحدوديتك بشكل عام دخلت من باب اللهجة و بدأت بأغنية ” بص ” متلاعبا بمسألة الإحالة إلى معنى الكلمة في اللهجة التونسية ثم عدت لتقدم تبريرا واهيا تنكر فيه ما قصدته عندما إستهجن المشاركون في البرنامج ما قدمت متناسيا و متغافلا مستغفلا للجمهور المؤثر الموسيقي الذي وضعته في الأغنية ليظل شاهدا على سقم الوجدان و فقر الخيال ..

ثم قدمت فيما قدمت أغنية بعنوان ” الذبابة ” لتعف بها على ذوق الجمهور في كل مكان و فاتك أو تعمدت أن يفوتك أن تضعها حتى في سياق درامي يبررها حيث أن مثل هذه الأغاني بإفتراض أنها كذلك لا تغنّى إلا في أوساط حثالة البشر و أحط المجرمين .. تماما كنظيرتها في اللهجة التونسية ” شبيك متغشش يا ….. ” ..

و لعلك لو بحثت أكثر في اللهجة المصرية على ما يناسب مثل ذلك العمل من أغان منحطة لوجدت أيضا ” كذاب يا خيشة ” و ” خليك في كوزك لما نعوزك ” و ” أوعى الفحت لتقع تحت ” ..

– قبيلة الفن الرديء منتشرة و موجودة في أربعة أركان الأرض و لا تقتصر على جنس أو عرق أو بلد .. إلا أنها قبيلة واحدة توحدها الرداءة و إنحطاط الفكر و الذوق ؛ و عليه لا ينبغي لكائن من كان أن يلصقها بشعب أو فن محلي أو وطن هو الأكثر و الأكبر إسهاما في الحضارة الإنسانية .. وطن مسالم لا يتعدى أو يعتدي على أحد لكن عندما يحاول أحدهم أن يلحق به ما ليس فيه أو يفتئت عليها فهو قادر على رد الصاع ألفا و ألفين .. ؛ و كل ما ذكرته آنفا ينتهي بإنتهاء هذا المقال الذي أجده كافيا للرد على عمل و صاحبه أجدهما من وجهة نظر متخصصة محدودين في القيمة و القامة الفنية و الفكرية و ربما الإنسانية أيضا .. ؛ لكن لابد أيضا من التنبيه إلى أن ” الربيع العبري ” المنعوت كذبا و بهتانا ب ” الربيع العربي ” كان من مقدماته أزمات و إرهاصات مفتعلة مع سبق الإصرار مثل أزمة كرة القدم بين مصر و الجزائر التي مازلنا نضمد جراحها العميقة إلى اليوم .. ؛ أزمة كادت أن تفرق بين أشقاء و رفاق سلاح و كفاح حاربوا جنبا إلى جنب من 1956 : 1973 و مازال كفاحهم المشترك سيستمر بإذن الله إلى قيام الساعة .. على أن نكون يقظين أمام تصرفات الصغار محدودي القيمة و هو ما فعله قبلي أشقاء من تونس إستنكروا تلك الرداءة و العنصرية الفنية و الإنسانية  …

– و مع ذلك سيبقى من يحاول الإستسهال و الكسب السريع و إدعاء البطولة بعمل قائم على التلاعب بالألفاظ و دلالاتها في اللهجات المختلفة و ما أكثرها .. ألفاظ مستنكرة في المشرق و دلالاتها عادية مثل كلمة ” بعبوص ” التي تعني في اللهجة التونسية الذيل ؛ أو ” طابونة ” التي تعني في ريف مصر و تونس مكان صنع الخبز .. فيما تحيل إلى معنى بذئ جدا في المغرب الأقصي ؛ و ” طحن و طحين و طحان ” التي لا تعني في المشرق إلا طحن الحبوب و ما يتعلق بها أو ما شابه فيما تحيل في الدراجة التونسية إلى معان أخرى مشينة .. ؛ و هناك أيضا من سيوظفها علميا في مؤلفات فقه اللغة و اللهجات .. و بالتالي لا يستوي الأعمى و البصير .. ؛ و سيظل هناك أعمى يسبح بالناس في بحار الفرقة و الظلمات .. ؛ و في المقابل بصير يخرجهم من تلك الظلمات إلى نور أو أنوار تشبه شروق الشمس فى جوهرة الصحراء و واحتها الورافة ” توزر” التي تحمل أسم تلك الأميرة الفرعونية التي أسستها و عاشت فيها بعيدا عن روائح ” الضراط ” التي يعف عليها الذباب ..

و قديما قال الشاعر ” إذا عف الذباب على طعام .. رفعت يدي و نفسي تشتهيه …. وكم تأبى الأسود ورود ماء .. إذا كان الكلاب يلغن فيه ” ..

– و يبقى للنقابات الفنية دور في الحفاظ على مستوى الأعمال الفنية و منع الحماقات و الجرائم التي ترتكب بإسم الفن ..

تحية واجبة للفنان الكبير “لطفي بوشناق”

و تبقى تحية واجبة للفنان الكبير ” لطفي بوشناق ” الذي تحمل تسييس الفن في مصر و تونس عندما كانت توجه إليه الإتهامات لتحاسبه على مواقف سياسية نسبت إليه دون وجه حق .. متجاوزة إختيارات الرجل الحرة فتحمل و عبر عن قامته الفنية بتقديم فن محترم و مقدر له في الوطن الكبير الذي ينتمي إليه و الإنسانية التي يؤمن بها و خاطبها مرات معاتبا كما في أغنيته عن الأميرة ” ديانا سبنسر ” على سبيل المثال .. ؛ هكذا تعملق ” بوشناق ” ليصبح جبلا و بقي آخرون أقزاما يسكنون الجبل أو بالأحرى يقفون إلى جواره …

 ………………………………….

* هوامش :

التقديرو الشكر موصول لكل الفنانين الذين وردت أسمائهم في المقال أو من خانتني الذاكرة ففاتني ذكرهم و منهم الفنانة لطيفة العرفاوي .. كلهم بادلناهم حبا بحب و إحتراما بإحترام

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات