بشـــيـر عيـَّــاد يشكرُ سعيَهُ، ويرجوهُ الابتعاد عن السياسة: يونس مخيون، واللعبُ على الحصانِ المضمون!

08:40 صباحًا السبت 8 فبراير 2014
بشير عياد

بشير عياد

شاعر ، وناقد ، وكاتب ساخر ، يغني أشعاره كبار المطربين، له عدة كتب في نقد الشعر، متخصص في " أمّ كلثوم وشعرائها وملحنيها " .

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

سيكونُ من العيبِ الذي تأبّاهُ أخلاقُ القريةِ المصريةِ أنْ نقلِّلَ من حجمِ الدورِ الذي قام به “حزب النور” بقيادة الدكتور يونس مخيون في الحشد للتصويت بـ” نعم ” على الدستور ، ولا أبالغُ إن قلت إن الحزبَ ـ بشجاعة غريبة ـ ملأ فراغًا هائلا لم تملأه القوى الثوريّة الخفيّة ، ولا الأحزاب الهشّة التي تشبه الغبار المتطاير من حرق قش الأرز ، كما تفوّق ببراعة على كلّ ما قامت به الحكومة بجلالة قدرها ، وفي ذيلها حزب الوفد عالي الصوت من خلال مانشيتات جريدته ، بينما على الأرض لا ترى شيئًا ، كما تلاشى دور جبهة الإنقاذ النهري ، كذلك ما قام به أعضاء “لجنة الخمسين” أنفسهم ، فقد ظنّ كلّ منهم أنه “جاب الديب من ديله” ، وانفرد بنا ليفترسنا ـ نيابة عن الديب ـ من خلال القنوات الفضائية أو صفحات الصحف أو من كيس المخدّة ، عواجيز فرح الدستور كانوا فوق الحصر ، والمتعطشون للرغي والكلام والثرثرة لم تأخذهم بنا رحمةٌ ولا شفقة ، ولم يقدّروا ظروفنا النفسية بعد أن هرِمنا بسبب وقوعنا في كمائن الموائد الفوضويّة منذ مساء الجمعة ، الحادي عشر من فبراير المعظّم  سنة 2011م لو كنتم تذكرون !

وحدَه “حزب النور” الذي أخذ معركة التصويت على الدستور مأخذ الجد ،وخطط ودبّر ونسّق ونفّذ بإتقانٍ على أعلى مستوى ، وتحمّل رئيسه وأعضاؤه ما ينوء بحمله البشر من تخوين وسبّ وشتم وتمزيق للملابس والسمعة من الجماعة الإرهابية وتابعيها وفروعها في مصر وقطر وتركيا وأمريكا البلد ، وكانت مؤتمرات الحزب ـ النور ـ في القاهرة والمحافظات عاملا قويًّا ومهمًّا في إذكاء الروح الوطنيّة لدى عامة الشعب ، كما جاءت هذه المؤتمرات بتفاعلها الجاد المباشر لتزيح  الشّكَّ من أذهان عباد الله الصالحين الخائفين على الإسلام والشريعة من دستور إلهام شاهين وليلى علوي حسب ترويج  جيوش التضليل الإخواني ومناصريهم من أعداء الدين والوطن ، واستطاع دعاة حزب النور ومتحدّثوه أن يبثّوا الطمأنينة في قلوب الناس الأبرياء ، ويقنعوهم بأنّ ليلى وإلهام خارج الكادر تماما ، وأنّ الإسلام أكبر من الدساتير ، وأبقى من كلّ هذه المطامع السياسيّة النجسة ، وهو دين الله الذي لا يأتيه الباطل أبدًا ، وبالرغم من الخسائر الماليّة الفادحة ، والخسائر الماديّة الأخرى التي تكبّدها الحزب جرّاء الاعتداءات الإخوانجيّة الهمجيّة ، فإنّ أحدًا منهم ـ النور ـ لم يخرج ليحاسبنا أو يعيّرنا أو يطالبنا بالتعويض المادي أو المعنوي .

نعم؟

هذا الموقف الشجاع من الحزب في فترة ما قبل الاستفتاء كان جديرًا بأن يشعل الأسئلة في يومي الاستفتاء وبعدهما ، فقد كان الغياب التام لقادة الحزب وأعضائه عن المشاركة في التصويت يمثّل علامة استفهام ضخمة ، فلم نرَ منهم أحدًا ، ولم نرَ منهم أثرًا ، وأبادر فأشكرهم مرتين : على الموقف الإيجابي ، وعلى الموقف السلبي الذي أراه إيجابيًّا أيضًا (وأرفضه ، وكنت أتمنى أن يكونَ إيجابيًّا ويترجم إلى سلبي ) ، الموقف الإيجابي هو الحشد والدعوة إلى التصويت كما أسلفنا ، بينما السلبي هو الامتناع عن المشاركة ، ولماذا تترجمه إلى إيجابي حضرتك ؟ ( قد يسألني سائل ما ) ، فأقول : لأنهم لو شاركوا فإن تسعة وتسعين بالمائة منهم كانوا سيصوّتون بـ “لا “، وعندها قد تنزل النتيجة من 98% إلى 70 % على الأكثر ، فغيابهم ـ وغياب المقاطيع والمقاطعين ـ ترك المجال فسيحًا وعلى مصراعيه أمامنا نحن الانقلابيين وعبيد البيادة الذين أصرّوا على النزول والتصويت بـ “نعم “، فهذا التصرف السلبي ( الامتناع ) تمت ترجمته إلى إيجابي بتقليل نسبة “لا” بين المشاركين . ولماذا كنت تتمنّى أن يكون موقفهم إيجابيًّا ولو تمت ترجمته إلى سلبي ؟ ( قد يسألني آخر من بينكم ) أقول : مجرّد المشاركة فعل إيجابي ، “نعم “أو “لا “،لا تهم ، المهم  أن نتحرّك ، أن يؤمن كلّ منّا بدوره ولا يستصغره مهما يكن ، ومرور الدستور بـ 100% يتساوى مع مروره بـ 51 % ، غير أن الحضور الكثيف كان سيشكّل لطمة قوية على وجوه الإخوانجيّة والمتربّصين في تركيا وأمريكا والكشك القطري ، ويثبت للجميع أننا شعب حيّ ومتمسك بثورته وبإنهاء الوهم أو الكابوس الإخواني تحت أي ظرف !!

 وكما استمتعت بأداء حزب النور قبل الاستفتاء ، فقد استمتعت بحوار الدكتور مخيون ( جريدة الأخبار ، الأربعاء 22 يناير 2014م ، ص8 ) ، وأؤيده في تسعين بالمائة مما قال ، خصوصًا من كشفه وتعريته للجماعة الإرهابيّة وجرائمها ، غير أنني ـ وليسمح لي ـ لست متفائلا على طول الخط ، وأقولُ له كما قال أهلنا في أمثالهم الحكيمة :”اللي يتقرص من الحيّة يخاف من الحبل” ، أو:” اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الآيس كريم “، فإنني أصبحتُ أتوجّس خيفةً من كلّ مَن يتحدّث باسم الدين أو تحت عباءته ( عدا علماء الأزهر الشريف فهم أهل الدعوة وحماتها ، وهم ـ وأزهرنا ـ الذين أعزّ الله بهم الإسلام بعد وفاة نبيّنا الكريم ، صلّى الله عليه وسلّم ) ، ولا أتردد في تصديق ما يُقال من أنّ كثيرين من حزب النور كانوا بين معتصمي رابعة والنهضة ، والاعتصامان كانا من أكبر الجراح التي ألّمت بالوطن ، فكلّ قطرة دم سقطت ـ أو ستسقط ـ هي من رصيدنا المهدور بلا طائل ، وندرك أنكم ـ يا دكتور مخيون ـ حريصون على الدم المصري بكل أطيافه ، وأزعم أنكم لم تقوموا بما ينبغي أن تقوموا به من البداية لمحاولة تلجيم الجماعة وكبح جماحها ، ربما ـ أشكّ ـ أنكم كنتم تنتظرون توزيع الغنائم وأخذ نصيبكم من الكعكة أو التورتة التي هي الوطن ومستقبل أبنائه ، وعلى عكس ما تقول في حوارك للأخبار ، حزب النور ليس على موجة واحدة ، هناك شروخ واسعة تسرح فيها مياه ملوّنة لا حصر لها ، وكلّ التخوّفات من هذه الألوان في محلّها ، فالدين والسياسة لا يلتقيان ، الدين هو الشرف والنقاء والأخلاق والفضائل ، بينما السياسة مستنقع الرجس والكذب والنجاسة والنفاق ، ومن غير اللائق أن نخلط ضوء الدين بوحلِ السياسة على طريقة المارق الذي يتقيّأ من فوق منابر مساجد الدوحة في الولايات المتحدة القطرية ، لا نريد أن يتمخض مزج الدين بالسياسة عن ميلاد قرداتي آخر ، وما دام حزبكم قد أصبح موثوقًا به ( طبقا لتجربة الدستور ) فلماذا لا ينصرف إلى الدعوة البريئة بدلا من أن تكون له عين في الدين وعين في السياسة ؟ لماذا لا تغسلون أيديكم تمامًا من هذه الألعاب القذرة وتتفرّغوا للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة بعيدًا عن التخوين والتكفير والحط من قمم الأزهر الشريف ، وبدون الاتكاء على الرشاوى المقنعة المختبئة في أكياس الأرز والسكر وعلب الزيت كما كانت المحظورة الإرهابية تفعل !!

نادر بكار متحدثا أبديا

غيابكم المتعمّد عن المشاركة في عُرس التصويت على الدستور يثير الشك والريبة ، بالرغم الترجمة الإيجابيّة التي اقترحتها أعلاه ، وإن كانت القوى الثورية الوهمية لم تشارك ومعها تمرد وتجرد وكل تلك الأشكال ، فغيابكم ـ بعد كل الذي فعلتموه ـ سيظل مثيرا للشكوك وللأتربة والأغبرة التي تعدم الرؤية !

 انزعوا أقدامكم من وحل السياسة ( لو كنتم صادقين ) ، وأعدك بأن نتحمّل نادر بكار وكتاباته ولقاءاته ، أما إذا كان في الأمر التفاف ومراوغة ، فصدّقني أن هذا الشعب لن يعود إلى الوراء ولن يسمح لأحد ليتاجر بدينه أو وطنه ومستقبله ، لا النور ، ولا الإرهابية ، ولا فلول مبارك ، ولا العسكر ، ولا الداخلية ، ولا الجن الأزرق ، أمّا إذا أردتم أن تلعبوها سياسة ، فاتركوا الدين بعيدا عن المستنقع ، وانزلوا وواجهوا الشعب …. و”الميّه تكدّب الغطـَّاس “!!

ـــــــــــــــ

عن العدد 103 من جريدة ” فيتو ” القاهريّة ، الثلاثاء 28 يناير 2014م ، بورتريه ، ص9

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات