كواليس البوكر!

06:27 صباحًا الإثنين 17 فبراير 2014
شريف صالح

شريف صالح

قاص وروائي وكاتب صحفي، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تنتظر جائزة البوكر للرواية العربية تتويج الفائز السابع خلال أسابيع، ومع إعلان القائمتين الطويلة ثم القصيرة، تجددت أسئلة كثيرة حول ما يجري في كواليس الجائزة ، أولها، عادتها السنوية، في خروج أسماء مرموقة مثل إسماعيل فهد إسماعيل وإبراهيم عبدالمجيد وواسيني الأعرج وعبدالخالق الركابي وإبراهيم نصر الله، في مقابل الإصرار على تصعيد رواية «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» للروائي السوري خليفة خليفة، صحيح لا يوجد شرط يمنع اختيارها، لكن هدف الجائزة نفسه يمنع ذلك.. فالرواية فازت بجائزة نجيب محفوظ المرموقة وضمنت أن تُترجم، وحظيت بالدعاية والتسويق.. فما المبرر لأن تُزاحم غيرها مرة أخرى في «البوكر»، كأنه لا يوجد رواية عربية غيرها تستحق الترجمة والتسويق! وبشهادة رئيس اللجنة نفسه سعد البازعي «زخرت القائمة الطويلة هذا العام بالأعمال الجديرة بالاختيار».. فلكي أصدق كلام البازعي كان من باب أولى أن تعطى فرصة لرواية غيرها، احتراماً لهدف الجائزة ذاتها. ولو كانت رواية خليفة فازت بجائزة محلية، لقلنا لا بأس، لكنها فازت بجائزة مماثلة للبوكر في هدفها باستثناء «القيمة المالية»! فلماذا لم تضع لجنة التحكيم فوزها بجائزة أخرى في الاعتبار؟

عبد الله إبراهيم يتوسط محكمي الحائزة العالمية للرواية العربية، ومنسقة الجائزة (أقصى اليمين) فلور مونتانارو

يُضاف إلى ذلك تصريح منسقة الجائزة فلور مونتانارو: «هناك مفاجأة سارة تمثلت في المشاركة السورية القوية في هذه الدورة رغم الحرب والظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها البلاد»، ألا يعد كلامها عن «المشاركة السورية القوية» توجيهاً للجنة التحكيم؟ رغم أنه لا توجد أي رواية سورية أخرى عدا هذه؟ وللأسف التصريح توسعت فيه بعض المواقع لتؤكد أن جائزة البوكر هذا العام ستكون لسورية، تحية لثورتها! وهو إقحام لا مبرر له، لجائزة أدبية وليست سياسية! ونفس الكلام سمعته من صديق سوري عن توجه الجائزة لتكون «سورية» هذا العام، والتبرير القوي لهذا التوجه هو التجاهل التام العام الماضي لسورية (الدورة التي فاز فيها السنعوسي) ليكون «تفويز» خليفة بمثابة اعتذار!

محاصصة جغرافية

ما يقال الآن يذكرنا بما حدث في دورة 2010 التي فاز فيها عبده خال، وما قيل عن انسحاب واستقالة عضو لجنة التحكيم شيرين أبو النجا بسبب استبعاد رواية علوية صبح، وإصرار اللجنة على حسم الأمور بالتصويت دون أي نقاش جدي، وهو بالطبع ما يفتح الباب لـ «التواطؤات»!

ويعني أن الأمور تدار بواسطة التمثيل الجغرافي والمحاصصة ولا علاقة لها بالقيمة الفنية للرواية، لذلك ليس غريباً أن تبدأ بورصة التخمينات بأن الجائزة ستذهب إما إلى سورية وإما العراق، طالما أنها ذهبت في الأعوام الماضية إلى مصر ولبنان والخليج والمغرب.

أمر آخر يثير الريبة، ويكشف سوء المحاصصة، فعندما كانت الكاتبة اللبنانية جمانة حداد منسقة الجائزة في الدورة الأولى اختيرت في القائمة الطويلة أربعة أعمال من لبنان، وعندما كان هناك خليجي في رئاسة اللجنة ذهبت الجائزة إلى كاتب خليجي، وفي هذه الدورة عندما أصبح هناك عضو لجنة تحكيم من العراق وآخر من المغرب ظهرت في القائمة ثلاثة أعمال من العراق، ومثلها من المغرب.. فهل كل هذا مجرد صدفة؟ وحافظت هذه الأعمال على فرصها العالية نسبياً باستمرار أربعة منها في القائمة القصيرة، إلى جانب الرواية السورية «المحظوظة» جداً، ورواية مصرية «تبدو معدومة الفرص»، لأسباب كثيرة، وربما وضعت ليسهل استبعادها!

ورغم أن رئيس اللجنة في هذه الدورة خليجي، تم استبعاد الأعمال الخليجية وكانت ممثلة في إسماعيل فهد لأنه من المستحيل أن تذهب في دروتين متتاليتين إلى الكويت بعد فوز السنعوسي، عدا عن ذهابها إلى الناشر نفسه! كما استبعدت رواية الكاتبة السعودية بدرية البشر، رغم أن رئيس اللجنة خصها وحدها بالإشادة، لأن السعودية نالت حصتها مرتين بفوز عبده خال، ورجاء عالم، ما يعني أن فرصتها معدومة!

الحصة المصرية

ثمة علامات استفهام لا تنتهي بخصوص الرواية المصرية التي تصل إلى القائمة القصيرة، ففي العام الماضي وصلت رواية «مولانا» للكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، وهذا العام وصلت رواية «الفيل الأزرق» لأحمد مراد، فما سر الإصرار على اختيار هذه النوعية من الأعمال؟ فهي رواية بوليسية، تعتمد على السوق وإرضاء ذائقة الشباب والمراهقين، وتتغذى على قيم استهلاكية، مثلها مثل شعر هشام الجخ وروايات أغاثا كريستي.

نوعية من تلك الأعمال التي تعتمد على الصنعة وليس الإبداع، الاستجابة لمتطلبات السوق وليس الفن، وقيمتها الوحيدة فلوس وشهرة للكاتب والناشر.. مثل المزيفين المهرة الذين يقلدون لوحات بيكاسو ويبيعونها لمعارض الأثاث.. وهي نوعية موجودة ولها جمهورها. فهل هذه هي النوعية التي تريد لجنة تحكيم الجائزة تشجيعها، ومنحها شهرة لا تحتاج إليها، وهل مستقبلاً ستمنح اللجنة جائزة لسلسلة «رجل المستحيل»؟

إن المشكلة ليست في وجود هذه النوعية من الأعمال، ولا رواجها، بل في أن لجنة تحكيم، من المفترض أنها تضم نقاداً مميزين، وتمثل جائزة هدفها الارتقاء بالأدب العربي، ثم تجاري الطابع الاستهلاكي، وكان من باب أولى مساندة وتشجيع الأعمال الجادة، الإبداعية، وذات الطابع التجريبي. الأعمال القابلة للقراءة، مهما مرت السنون، وليس التي تم تصنيعها لاستهلاك مرة واحدة مثل «مناديل الحمام». لأن هذا الترشيح، يكرس منها سلطة معيارية باعتبارها «النموذج للرواية»، وهنا مكمن الخطورة.. ولو كان الأمر كذلك، لكن من حق أغاثا كريستي الحصول على جائزة نوبل 15 مرة على الأقل!

ولن نخوض في مصادفة أن معظم الروايات المصرية التي تصل إلى القائمة الطويلة والقصيرة، تعود إلى ناشر واحد هو «دار الشروق» التي كان صاحبها إبراهيم المعلم وراء فكرة إطلاق الجائزة! مصادفة أخرى بالطبع، رغم عشرات دور النشر في مصر!

ويبدو أن دار الشروق، التي تعلم بالطبع صعوبة فوزها بالجائزة للمرة الثالثة، اكتفت في الدورات الخمس بأسهمها في القائمتين الطويلة والقصيرة، وكل ما يهمها المراهنة على الأعمال الأكثر رواجاً تجارياً مثل «الفيل الأزرق».

وطالما تحدثنا عن الأعمال المصرية في القائمة، فما الذي نفهمه من تصريح منسقة الجائزة فلور مونتانارو وقولها «واجه بعض الناشرين المصريين أيضاً صعوبات في إيصال الروايات إلى مكتب الجائزة، بسبب الظروف في مصر».. فهل هو تبرير مبطن لاستبعاد روايات مصرية؟ لماذا لا يحدث ذلك طيلة سبع سنوات مع ترشيحات «دار الشروق»؟ وما قيمة هذا التبرير العجائبي، مع إنه المنسقة لو كلفت خاطرها بقراءة شروط الجائزة لوجدت الآتي: « للجنة التحكيم الحقّ، إذا ما رأت ذلك ضروريا ، في أن تنظر في روايات صدرت بين تموز (يوليو) 2012 وحزيران (يونيو) 2013 ولم يتمّ ترشيحها من جانب دور النشر. ويتم ذلك عن طريق «استدعاء» روايات معينة بواسطة منسقة الجائزة التي تقوم بدعوة دار النشر المعنية بترشيح العمل الذي طلبته لجنة التحكيم»، ما يعني أنه بإمكانه بالتنسيق مع المحكمين ضم روايات جديرة بالترشح.

في سياق مثل هذا يبدو مقال الشاعر المصري عبدالمنعم رمضان «ويسألونك عن البوكر» نافذاً إلى لب المشكلة، وهو يبدأ بسؤال ساخر: « في كل المرات التي صادفت فيها اسم الفائز بالبوكر، ماعدا مرات قليلة، ضبطت نفسي أتمتم، ثم أصرخ بصوت عالٍ: متى يأتي دور الروائيين؟»

بمعنى أن إكراهات «اختيار الناشر للرواية» حيث لا يهمه سوى الربحية وليس الإبداع، ومحاصصات الجغرافيا، وتحيزات أعضاء لجان التحكيم لبلدانهم، كل هذا أدى إلى وصول كتاب لا يستحقون صفة «روائيين»! يضاف إلى ذلك ما يسمى «ذائقة التحكيم» التي من الواضح أنها ذائقة حذرة جداً من التجريب، وتفضل «روايات طيبة» و»خالية من الدسم» ومن أية «نزعة إيروتيكية»، التي كانت سبباً في استبعاد رواية «باب الليل» لوحيد الطويلة التي أشار إليها رمضان في مقاله، والتي حظيت بكتابات لأسماء لامعة مثل صبري حافظ وصلاح فضل وفريد أبو سعدة.

عدد الروايات

نأتي إلى ملاحظة، قد تبدو شكلية، لكنها جديرة بالتوقف إزاءها، في تصريحات منسقة الجائزة قالت إن عدد روايات الدورة السابعة «160» والرقم نفسه قال به عبدالله إبراهيم في حوار منشور مع أعضاء لجنة التحكيم، بينما قال أحمد الفيتوري إنها «157»، وقالت زهور كرام «156» فمن نصدق؟ وهل أعضاء اللجنة الموقرة ليس لديهم على الأقل كشف بالأعمال المرشحة؟ وأين تاهت هذه الروايات الأربع؟ وكيف أثق بلجنة لا تعرف عدد الأعمال التي تحكمها؟

ومع افتراض صحة الرقم، فهو يقتضي من كل محكم تفرغاً كاملاً لمدة ستة أشهر كي يقرأ كل يوم رواية ويكتب تقييما عنها.. وهو أمر من رابع المستحيلات.. فكيف استطاع المحكم تقييم كل هذه الأعمال وقراءتها؟ لابد أن هناك خريطة ما تساعده في عبور هذه المتاهة، بأقل الخسائر، وبحلول ترضي جميع الأطراف!

One Response to كواليس البوكر!

  1. بشير عياد

    بشير عـيـَّـاد ، شخصيًّا رد

    17 فبراير, 2014 at 7:16 ص

    تحليل أكثر من رائع
    سلِمَ ذوقك ودام إبداعك

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات