كانت هذه هي الزيارة الأولى لجمعية الأورمان، وتحديداً لإحدى دور رعاية الأيتام التي أنشأتها الدار . يخبرني مصطفى زمزم المستشار الإعلامي كيف عانوا الأمرين لتغيير فكرة (الملجأ) التي ترسخت في أذهان الكثيرين وعلى رأسهم الحكومات المتعاقبة. كلمة (ملجأ) نفسها تؤثر نفسياً بشكل سلبي على الطفل الذي وجده أحدهم مصادفة بعد أن تركه أهله أمام باب جامع أو في صندوق القمامة، القصص مؤلمة، ستبكيك حتماً لو كان قلبك لايزال قابلاً للشعور بغيرك، ومنها مثلاً الطفل الرضيع الذي وجدوه مربوطاً في (شنطة زبالة)، ظل أحد الكلاب يعبث بها فكاد أن يخنق الطفل بعد أن شد الغطاء على رقبته. سمع أحد المارة صرخات طفل رضيع، فالتقطه وتوجه لأقرب قسم شرطة. في القسم يقومون بعمل محضر ويختارون اسماً عشوائياً للطفل اللقيط، وقد يكون على اسم أحد الضباط أو أمناء الشرطة، قبل أن توجه النيابة الطفل إلى أحد دور رعاية الأيتام على سبيل الأمانة!!
لو كان حظ الولد عاثراً، سيوجهونه لوزارة الصحة التي تتعاقد مع (مرضعات) يقمن برعايته مقابل أجر شهري زهيد ربما لا يتجاوز 200 جنيه لترعاه بمنتهى الإهمال وترضعه حتى يبلغ العامين، فتسلمه بمحضر آخر للشرطة التي تضعه في إحدى الدور الحكومية لرعاية الأحداث، ولكم أن تتخيلوا ما سيصير عليه هذا الطفل بهذه الرعاية، أما لو كان حظه جيداً فستوكل النيابة رعايته لدار كبيرة مثل الأورمان التي تتلقى العديد من التبرعات لكفالة اليتيم، مما يساعدها على الصرف عليهم، وتوفير أمهات بديلة أغلبهن من ذوي المؤهلات العليا.
زرت الدار وشاهدت الغرف وطريقة المعاملة لأطفال أكبرهم لم يبلغ عامه الثالث بعد، ثم شرحت لي (هبة) مديرة الدار باقي المأساة. كل الأطفال دون الثانية في مرحلة الرضاعة يحتجن أم بديلة، وتبذل الدار جهداً كبيراً لإدماج الطفل بأسرة تكون في الغالب تعاني من العقم وفي حاجة لأطفال، فيتوجهوا للشئون الاجتماعية التي تقوم بفحصهم والتأكد من أنهم قادرين على رعاية الطفل، وتشترط كونهم من المؤهلات العليا، وتعطيهم إذناً – بعد العديد من الإجراءات الرخمة – لاختيار طفل يستريحوا له من الأطفال الرضع، وهنا تأتي مشكلة شرعية في صلة الطفل بالأم، وهو ما حصلت به الدار على فتوى من دار الإفاء بوجوب إرضاع الأم له خمس رضعات مشبعات، ليحرم عليها ويصير مثل الابن، أو ترضعه إحدى شقيقاتها لتكون هي محرمة عليه، أو يساعدها جهاز استوردته الدار من فرنسا على إدرار لبن الرضاعة لإشباع الطفل الذي يصير ابناً لهم، دون تبني ، ويفضل – نفسياً وشرعياً – أن يقال له فيما بعد أنه ابن أحد أقاربهم الذي توفى هو ووالدته في حادثة فعهدوه برعايتهم، لأن الحقيقة دائماً مؤلمة ومضرة وغير مأمونة النتائج.
وتتابعهم لجنة من الشئون الاجتماعية بين فترة وأخرى لتتأكد من أن الأسرة تتعامل بشكل طيب مع الطفل الذي يكبر داخل أسرة ترعاه وتعوضه عن تلك التي تخلت عنه وألقته في الشارع.
أما بعد سن العامين، يصبح الطفل كبيراً بالنسبة للدار، فتستمر في رعايته، ويستمر فيها حتى يكبر، شاعراً بكل أحاسيس اليتم والمهانة والألم مهما كانت رعايته على أعلى مستوى، لأنه، نفسياً، يدرك حقيقة وضعه، ويعرف أنه سيظل حبيساً في دار لرعاية الأيتام.
دار الأورمان وحدها أوجدت ما يقرب من 3500 أسرة بديلة، ل3500 طفل، وترعى كل من كبر في السن، ولديها الآن – وحدها – 250 طفلاً يبحثون عن أسرة بديلة، قبل أن يكملوا العامين من أعمارهم.
من فضلك.. تخيل كل طفل فيهم ابنك، أو احتضن ابنك واحمد الله على نعمة أنه نشأ وسط والديه في جو أسري يعينه على أن ينشأ نشأة كريمة بشكل أو بآخر، ثم فكر : كيف يمكنك أن تساعد هؤلاء؟؟
نحتاج لقنوات وصحف محترمة تدعم هذا الموضوع وهذه الثقافة قبل حلول يوم اليتيم في الجمعة الأولى من أبريل القادم، ولإعلاميين ورياضيين ووجوه محبوبة من المجتمع، ودعاة محترمين ، ومثقفين ينشروا هذه الثقافة، وقبل كل ذلك إدراك من الحكومة ومن المجتمع
نحتاج لأن نترك مصمصة الشفاة والدموع ، ونفكر في مساعدة هؤلاء الأطفال ونزع فتيل أزمة قد تنفجر فينا جميعاً إذا لم نحلها الآن.
نحتاج إلى أسر بديلة ترعى هؤلاء، وتكفلهم
فهل يمكنك أن تساعد ؟؟
لن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي أكتب في هذا الموضوع، ولا أريدها أن تكون كذلك بالنسبة لك، فقد عرفت وأصبحت شريكاً، بالمساعدة والدعاء والتضامن، أو بالطناش وتكبير الدماغ، وساعتها لن نقول لك سوى : الله يسامحك
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.