إعصار فاطمة .. يعصف بالقضاء التونسي

08:35 صباحًا الأربعاء 26 فبراير 2014
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

نزاع عادي بين المحامية ” فاطمة الماجري ” و إحدى موكلاتها كان سببا في إعصار أخذ في التصاعد ليعصف بالقضاء التونسي التواق للإستقلال و التنظيم منذ ما قبل الثورة التونسية التي كان للمحامين و القضاة دور الصدارة فيها خاصة و أنهم شكلوا كتلة واحدة في مواجهة الديكتاتورية و الإستبداد .. لكن خطورة الموقف في هذه الأزمة تكمن في الشقاق الذي ظهرت بوادره بين القضائين الجالس و الواقف و الذي لابد من وحدة صفيهما إن أراد التونسيون بناء دولتهم الجديدة و جمهوريتهم الثانية على أساس صحيح فالعدل أساس الملك .. و لن يكون هناك مستفيد من ذلك الشرخ إلا القوى التي تتربص بالدولة الوطنية و مدنيتها ..

 ترجع بداية الأحداث إلى الشهر الماضي حيث وقع نزاع بين موكلة و محاميتها و هو أمر معتاد في كافة البلدان .. تقدمت على إثره الموكلة بشكايتها إلى النيابة العمومية التي إستدعت الأستاذة ” فاطمة الماجري ” للتحقيق لتفاجئ في نهاية الأمر بقرار قاضي التحقيق بإيداعها السجن و في توقيت حرج و هو وقت الغروب فضلا عن أن يوم إيداعها يتزامن و عطلة نهاية الأسبوع و هو ما يعني بقائها قيد التوقيف في محبسها لمدة يومين قبل أن يستطيع أحد إتخاذ إجراء لإطلاق سراحها مما يعرضها لإهانة بالغة لمن كان في مثل وضعها الإجتماعي و الشعبي بين زملائها و هو ما تبين عمليا في رد فعلهم ..

شاهد فيديو سلمى الدقي: لم يحصل إعتداء على قاضي التحقيق وهذه تفاصيل الحادثة

 من الذي لا يحب فاطمة :

كان من الطريف لمن يتابع قضية المحامية ” فاطمة الماجري ” إذا غضضنا النظر عن الجانب المأساوي و السياسي في قضيتها أن يجد نفسه يتأرجح بين عنوانين شهيرين في عالم الدراما التلفزيونية .. فمن ” ميلودراما” ” ليلة القبض على فاطمة ” و ما صاحبها من ملابسات إلى ” دراما ” من الذي لا يحب فاطمة ” حيث كان رد فعل زملائها المحامين قويا و غير مسبوق فقد تحرك عدد كبير من المحامين و “عمادة المحامين  ” ” نقابتهم ” للمطالبة بالإفراج عنها متهمين قاضي التحقيق بمخالفة الإجراءات المتبعة عند توقيف أحد المحامين لإستنطاقه ؛ كما ترددت مزاعم حول التعسف في إستعمال السلطة و وجود بعد سياسي للقضية خاصة و أن السيدة ” فاطمة الماجري ” قرينة أحد الكوادر الأمنية رفيعة المستوى و هو ما يلقي ببعض الظلال على المشهد كما تردد في تلك المزاعم حيث يمكن أن يحدث شكل من أشكال التماس السلبي بين جهات التحقيق في المؤسسة القضائية و المؤسسة الأمنية ؛ كما ترددت مزاعم حول قضية بعينها كانت مثار جدل واسع مؤخرا و تردد فيها اسم رجل الأعمال ” كمال لطيف ” ..

تصاعد غضب المحامين الذين ملأوا ردهات المحكمة حتى أن سلطات الأمن إضطرت لإخراج قاضي التحقيق في حراسة مشددة بلغ عددها 40 رجل أمن

سفيان بالحاج محمد يعلّق على وصف روضة العبيدي للمحامين بفاقدي الأهليةو قد أعلن المحامون إضرابا مفتوحا و تجمعوا بأعداد كبيرة لم تعرفها تونس منذ ثورة 14 يناير “جانفي” بلغت نحو الألف محام عند المحكمة الإبتدائية حتى كاد شارع 9 أفريل أحد أكبر شوارع العاصمة أن يتعطل فيه المرور تماما و كذلك شارع ” باب بنات ” و ظل الموقف متأججا حتى صدر قرار الإفراج عن السيدة ” فاطمة الماجري ” .. لكن ما تردد من أقاويل حول وجود تلاعب في إجراءات الإفراج جعلت زملائها يصرون على التوجه إلى مكان توقيفها للإطمئنان إلى سلامة الإجراءات و لم يبارحوا إلا بعد عودة زميلتهم إلى منزلها .. و قد ظن الجميع أن الأزمة إنتهت عند هذا الحد ..

بيان الهيئة الوطنية للمحامين بتونس

إضراب القضاة :

رغم ظن كل من تابع أزمة المحامية ” فاطمة الماجري ” أن المسألة قد إنتهت مع الإفراج عنها إلا أن الأمر لم يكن كذلك حيث تحركت جمعية القضاة و نقابتهم ليعلن القضاة الإضراب لمدة أربعة أيام إبتداء من يوم 24 فبراير ” فيفري ” الجاري إحتجاجا على ما وصفوه إجمالا بإهانة القضاء و التعدي على هيبته و محاولة الإعتداء على قاضي التحقيق بأشكال مختلفة من العنف و إستخدام العنف اللفظي من بعض المحامين ؛ و قد تحدث عدد كبير من القيادات القضائية عن التهديد الخطير الذي يتعرض له إستقلال القضاء من خلال المساس بهيبته ؛ و قد تصاعدت الملاسنات العاصفة بين المحامين من جانب و القضاة من جانب آخر وسط تمسك كل منهما بأن موقفه هو الصواب أثناء أزمة السيدة ” فاطمة الماجري ” ..

أما المحامية ” فاطمة الماجري ” فقد أكدت منذ تم توقيفها حتى الإفراج عنها أنها ضد المساس بهيبة القضاء و إستقلاليته ولا تقبل بأي حال الإعتداء عليه حتى لو كانت هي الضحية و هو نفس موقف المحامين و عمادتهم ؛ و هو أيضا نفس ما يردده القضاء الجالس ..

– لا فرق بين الموقفين لدي المؤسسة القضائية برافديها الواقف و الجالس و كل منهما يكمل الآخر و لا غنى لهما عن بعضهما البعض لكنهما اليوم في تونس كطرفي المقص كل منهما يسير في إتجاه ..

تونس اليوم تصبو إلى الدولة المدنية الوطنية المستقلة و هذا لن يتأتى أو يكون إلا من خلال ترسيخ دولة القانون .. القانون العادل لأن العدل أساس الملك .. و آية ذلك رأب الصدع في المؤسسة القضائية

2 Responses to إعصار فاطمة .. يعصف بالقضاء التونسي

  1. ben rejeb رد

    27 فبراير, 2014 at 12:13 ص

    مع تطرقكم الموضوعي للمشكل فان الديباجة حملت مغالطة نرجو تصحيحها وهو ان ” المحامين و القضاة شكلوا كتلة واحدة في مواجهة الديكتاتورية و الإستبداد” .ليس صحيحا فدور القضاء والقضاة كان في خانة داعمي الدكتاتورية والاستبداد بينما المحامون كانوا ولا زالوا يناضلون من اجل دولة ديمقراطية اساسها احترام القانون وصون الحقوق والحريات.وباسلوب سطحي وكلنه واقعي من يقف امام القضاء متهما يعرف جيدا ان القاضي يتربص به ليزج به في السجن وتخف وطاة الخوف عنده من ذلك المصير حينما يقف وراءه المحامي ليدفع عنه التهمة وينجيه من خلفية القاضي التونسي الذي لا يعرف ان قرينة البراءة مبدأ، فالمحامي لسان الشعب افرادا وجماعات وتراه يصر اصرارا ملحا على انقاذ موكله من الموقف الذي تعرض له ومن المصير الذي ينتظره. ورجائي لا تنسوا دور المحامي مقارنة بدور القاضي وسيأتي على كل واحد منكم يوما يرى هذا المصير وحينها سيندفع الى منجد وداعم له وهو المحامي. فالدفاع عن المحامي دفاع عن انفسكم. افهموها وبلغوا عني.

  2. سعيدة الزغبي خالد

    khaled soliman رد

    28 فبراير, 2014 at 7:03 م

    السيد بن رجب نحترم وجهة نظركم بنفس القدر الذي نختلف فيه معكم في الرأي الذي نراه منحازا لطرف بعينه و هو القضاء الواقف ” السادة المحامين ” و يجعل النضال الوطني و الدور الثوري مقصورا عليهم دون غيرهم من فئات الشعب التونسي تماما كالذين إختزلوا الثورة في فئة المهمشين و البسطاء أو في شخص ” البوعزيزي ” ؛ كما أنكم تقعون في خطأ التعميم عندما تتهمون كل القضاة بدعم الديكتاتورية و الإستبداد و عم الإعتراف مسبقا بقرينة البرأة على حد تعبيركم و هو ما يجانب الصواب .. فقد كان للقضاة أيضا نضالاتهم و وقفاتهم في وجه الإستبداد و إلا ماذا نسمي وقوف القاضية السيدة ” كلثوم كنو ” في وجه النظام الديكتاتوري ” لبن علي ” و تنكيله بها وهذا على سبيل المثال لا الحصر .. ؛ العدالة لها جناحين تطير بهما و لاتستقيم بدونهما و لا يمكن أن تكون هناك فئة بأكملها من الأخيار و أخرى عن بكرة أبيها من الأشرار .. لذا لزم التنويه مع تقديرنا لمشاركتكم المحمودة بالرد

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات