سليمان البسام على مسرح الكون : قمة آل هاملت وأخواتها

08:22 صباحًا السبت 3 مايو 2014
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

سليمان البسام

بعد مائة عام من بداية تقديم أعماله باللغة العربية لا يزال الكاتب المسرحي الكبير ويليام شكسبير حيًا ومتجددًا على المسرح العربي. وفي العمل الذي قدمه المؤلف والمخرج المسرحي الكويتي الشاب سليمان البسام (قمة آل هاملت), ندرك أهمية استلهام أعمال تتمتع بقاعدة شعبية وعالمية, وإعادة إنتاجها بما يتناسب مع ما تطرحه الساحة من موضوعات.

المسرحية التي طاف بها البسام – بنجاح – أربع قارات, وباللغتين العربية والإنجليزية, تقدم مع شقيقاتها من أعماله, لغة مسرحية جديدة ومغايرة, ضمن إدراكه أن الكون كله هو مسرحه, وأن قضايا وطنه وأمته جديرة بأن تطرح خارج الحدود, وأن الأفكار (الأخرى) بحاجة إلى محاورتها, بدلا من الصدام معها.

أحد ملصقات المسرحية

في عام 2001 قدم سليمان البسام أول إعداد لمسرحيته الأولى بالكويت تحت عنوان (هاملت في الكويت) في مهرجان المسرح المحلي الخامس, ثم بمهرجان أيام قرطاج المسرحية في تونس. ثم تحول المشروع إلى عمل فني جديد نصا وإخراجا بعنوان (قمة هاملت), أو (مؤتمر هاملت) كما هي الترجمة في بعض المراجعات التي تناولتها, من مهرجان أدنبره, بعد حصولها على جائزة النقاد الأولى (2002), في نسختها الإنجليزية التي قدمتها فرقة كونها سليمان البسام عام 1996, إلى القاهرة لتحصل في مهرجانها الدولي للمسرح التجريبي, وفي العام نفسه, على جائزتي أفضل عرض وأفضل إخراج. وكان ذلك الصدى مقدمة لدعوات أخرى لتقديم المسرحية, كعرض افتتاحي لمهرجان طوكيو, بإنتاج وزارة الثقافة اليابانية وتمثيل فريق من فنانين عرب في فبراير من هذا العام, ومهرجان باث الشكسبيري على مسارح لندن في الشهر التالي, وتستكمل رحلة هاملت, التي يتجدد نصها مثلما تتجدد أحوال هاملت وتتقلب, مع كل عرض جديد, حيث تلقى البسام دعوات لتقديم (القمة) في برشلونة ودبلن ونيويورك.

هاملت شكسبير تحول في مسرحية البسام إلى مواطن عربي, بكل ما تحفل به حياة هذا المواطن من ضغوط سياسية واجتماعية, تدفعه للتطرف (الذي هو الجنون في المسرحية الأصلية), أو الإرهاب, الذي يترأس مفردات قاموس وصف الإنسان العربي في القرن الواحد والعشرين. الإدانة التي يوجهها البسام والعمل هي إدانة مزدوجة, فهو ضد النظرة الغربية الاستعمارية التي تم تكريسها حين ينظر إلى الحقوق العربية, وهو أيضا ضد التسلط الداخلي الذي تنهار به القيم وتنهار معه أساليب الحياة الكريمة لبطله.ولغة المسرحية العالمية تأتي في ظل غياب مسرح عربي أو مسرح يقدم الأفكار العربية بلغة أخرى, ولا أدل على ذلك من سخط السفير الإسرائيلي في اليابان, بعد مشاهدته للعرض الذي افتتح به مهرجان طوكيو, وتقديم اعتراضه في شكل طلب حضور أعمال مسرحية إسرائيلية بالمهرجان عام 2006!

المشهد الرئيسي في المسرحية هو للجمعية العمومية أو لمجلس الأمة أو لبرلمان في إحدى دول الشرق الأوسط غير المسماة (بدلا من الدانمرك في المسرحية الأصلية). ويفيض النور فوق ست مناضد كل منها مزود بميكرفون, ومصباح, وآلة تصوير رقمية صغيرة, وهي تقنية تسمح بتكبير صور أبطال العمل, على شاشة خلفية كبيرة, مما يمنحك الفرصة لقراءة لغة الجسد وأنت تستمع إلى لغة الحوار.

وعلى الرغم من أن الأسماء المستعارة لآل هاملت تنتمي لشكسبير (هاملت, أوفيليا, كلاوديوس, جيرترود, لايرتس) فإنها تتحدث لغة غير شكسبيرية, قاموسها مشتق من اللغة المتداولة اليوم في الشارع السياسي, في مزج (حداثي) بين السياسي والبلاغي والشعري. وحين قدم العمل باللغتين العربية والإنجليزية في لندن كانت السطور الإنجليزية تصاحب ما ينطق بالعربية في كفاءة إخراجية نادرة.

أجدني أتذكر, من خلال الديمقراطية (الجديدة) التي ينادي بها كلاوديوس (الذي يعبد مال النفط), عملا روائيا آخر يقلب المفاهيم لجورج أورويل; رواية (1984), حيث إن الديمقراطية هنا ليست سوى الديكتاتورية الصريحة, كما أن المديح يكال لتاجر الأسلحة, وهو المسئول عن الدمار, تمامًا كما كانت كلمات الأخ الأكبر تعني عكس ما تلفظ في رواية أورويل. ومن هنا لا تلح المسرحية في اعتقادي على المسرح الشكسبيري وحده, بل تحيا بين سطور الأعمال الأدبية السياسية, إذا جاز التعبير.

من مسرحية قمة آل هاملت

ومما ينقل الإحساس (الدولي) بالمسرحية, واجتيازها عتبة التشخيص إلى فضاء الواقع هو هذه السطور المترجمة التي تبدو على الخلفية. ولا شك أننا في عصر الفضائيات اليوم نكاد ندرك المشهد المتناسخ في الشاشات لدى المحاكمات الدولية والاجتماعات على المستويات الكبرى, وصوت المترجم يلاحقنا أو سطوره تفسر ما نعجز عن متابعته. وهو ما أراه نوعا من مسرح كوني جديد, قابل للانتقال عبر فضاءات ثقافية مغايرة, وهو ما دعاني إلى أن أناقش مخرجه في إمكان إتاحة العمل عبر أكثر من صورة رقمية لجمهور أوسع لم يستطع التواصل مع العمل, الذي يمكن القراءة عنه في موقع الفرقة المسرحية www.zaoum.com و(زاوم) مشتقة من مسمى للمستقبليين الروس الذين ابتكروا لغة مسرحية جديدة, قبل نحو ثمانين سنة, تحكى بمفردات مبتكرة.

في استراحته بين تقديم العمل هنا أو هناك, يحلو للمخرج الشاب سليمان البسام أن يتحدث بصوت مسموع, ولذلك ناقشته في عدة أفكار, لا تخص (قمة آل هاملت) وحدها. وإذا كان الجمهور الكويتي قد تعرف إليه أكثر عبر مسرحية (ذوبان الجليد) في أول عمل مسرحي يجمع بين كويتيين وعراقيين منذ 15 عامًا, فقد شاهد له هذا الجمهور أيضا مسرحيته (المقايضة) التي نالت بمشاركتها في المهرجان المسرحي لشباب دول مجلس التعاون الخليجي (أكتوبر 2003) جائزة أفضل عمل متكامل, وجائزة أفضل ديكور, وجوائز ثلاثة من الممثلين المشاركين فيها. وإذا كانت حكايته الشكسبيرية قد أثمرت مع هاملت, فإن له حكاية أولى معه, قدمها في لندن عام 1999, بعنوان ماكبث تحت فانوس 60 واط!

ريتشارد الثالث، مر من هنا

ويقول البسام في تأكيده على أهمية دعم المسرح: (الثقافة, والمسرح ضمنها, مثلها كالصحة, والتربية, وكل ما هو أساسي ولا يمكن التخلي عنه من قبل الدولة).

ويضيف البسام: (إذا كنا نريد بناء مؤسسات على النموذج الاقتصادي الأمريكي – وهو ذاته طرح ملتبس – لا يتدخل في هذا الشأن الثقافي, فإن البديل مطروح وموجود وهو دعم الهيئات الخيرية والخاصة للثقافة بمقوماتها, بمليارات الدولارات المنفقة سنويا, ضمن منهج تطويري واضح, ومشاريع لها أهداف واضحة, وفي إطار تنسيق استراتيجي. وما أتحدث عنه هو الاستثمار الأفضل للقوى الموجودة, من خلال دورات, وورشات, وتشجيع كتاب شباب لكتابة نصوص مسرحية).

في مواجهة ذلك يجد سليمان البسام من واجبه أن يسعى, حتى فوق مساحة محدودة, ضمن حلمه بوجود جهات تعنى بالمسرح, مثل مؤسسة وطنية للمسرح, أو ورشة وطنية للمسرح, تخلق المشروعات وتدعمها, دون تطبيق دراسات الجدوى التي يلعبها المسرح التجاري. ولأن مثل هذه المؤسسات غير موجودة ولا توجد نية لتأسيسها, يظل الجهد الفردي عبثا, دون فكر تنويري داعم له, ومن هنا يبرز كحل, أو كبديل مؤقت, سعي البسام لتأسيس العلاقة مع المؤسسات الخارجية, دون أن يكون ذلك بديلا أبديا.

يقودنا الحديث إلى ما أسميته بكوزموبوليتانية الأعمال التي يقدمها البسام, ويحرص على أن يشترك في مسرحياته ممثلون وفنيون من أقطار شتى, فيقول عن مسرحيته (ذوبان الجليد): (من بين أهداف العمل الفكرية, ورسالته الإنسانية, تتطلب هذا المنحى الكوزموبوليتاني, وكان العمل نوعا من رد العمل الفني الذي يرفض النزعة الإقليمية المهيمنة على المنطقة. كما كان من باب الإنصاف الفكري أن أختار هاينر مولر ومجموعة أحداث ما بعد سقوط النظام النازي في برلين, مع تعريبها. في الوقت نفسه – وخلال أحداث تحرير العراق – كان هناك كاتب بريطاني يبدي غضبه مما يحدث, وطلبت منه نصا مدته 20 دقيقة لأضعه في سياق النص, فقدم لي عملا يحكي من وجهة نظر الغرب عن حيرة ما بعد الانتصار, وما بعد الحرب, وهو سؤال لا يزال مفتوحا. وهكذا كان لدينا ممثلون من الكويت والعراق وبريطانيا, ومهندس إضاءة من ألمانيا, وقد اشتركوا في العمل من دافع إنساني, وكان ريع العمل سيعود لمصلحة الأطفال من ضحايا الحرب في العراق, وكان تكوين الفريق – بخلفياته الثقافية وتكوينه الفني – يمثل تجربة مهمة داخل الكويت لأنها ترفد الحركة المحلية بخبرة وتجارب ولغات وآفاق لا يمكن طرحها داخل الساحة المسرحية المتاحة الحالية إلا بمثل هذه المشاركات, وهذا لا يتم إنجازه بين يوم وليلة, لكن الاستمرار مع الآخرين, يمكن بناء قاعدة محلية).

آل هاملت في طوكيو

لكنه يستطرد في نظرة للواقع المسرحي المحلي: (يجب أن ننظر إلى المرحلة التاريخية التي نعيشها, وهو واقع نتفق جميعا على أننا نعيش واقعا أردأ مما عشناه قبل 30 عاما, وكانت الحركة التي نشأت في الكويت قد لاقت مجتمعا متشوقا لرؤية هذه الحركة المسرحية, ومواكبا لتيار عام في الوطن العربي كله. لكن وقد انتهت فعالية موجة الرواد فإن واقعنا الآن في المسرح مخيب للأمل, ليس فقط لنا كشباب, ولكن لجيل آباء المسرح الذين عشقوا هذا العمل وقدموا خلاصة عمرهم لهذا الفن, فعلى صعيد الفرق الأهلية بقيت الفرق الأربع الأهلية كما هي, وهناك يأس وركود وعدم دعم لها. أما مسرح القطاع الخاص فهو مسرح عابر لا يبني خططا للمستقبل أو أجيالا للغد, ونحن نقدم محاولات فردية, ولذلك يجب أن نذكر المساندة الرسمية, رغم أن عليّ الاعتراف بأن هناك عدم تواصل مع مشروعي الثقافي, وهو ليس مشروعي الفردي وحدي, وإنما هي أعمال تعكس قلقي كمؤلف مسرحي, ومواطن عربي, وهي من ضمن التيار الخاص بالأعمال المسرحية والفنية والمنضوية تحت لواء المشروع الوطني. فإذا اتفقنا أن المسرح مشروع ملتزم في البنية التحتية لثقافة الوطن في احترامه للآخر, وتبنيه لمبادئ الحضارة والمجتمع المدني, فإن المسرح مثله مثل باقي الأنشطة الثقافية يجب أن يعلن ويقدم له خطة مستقبلية).ومثلما بدأنا مع هاملت, كان ستار النهاية, مع كلمات سليمان البسام حول اختياره: (لقد اخترت هاملت, كمشروع مسرحي, لأنني وجدت فيها ما يكفيني من تواصل, بين الحدث والفكرة, ومضمون المسرحية. ولم يكن ذلك دفاعًا عن هاملت, أو عظمة شكسبير, قدر وجود تلك الرغبة التعبيرية التي وجدت لها قناعًا مثاليًا أثرى المشروع بالمادة الخام التي تمثل أحد عناصر العمل المهمة, وعبر مراحل تحول هذا المشروع, دون أن يكف عن التواصل عن هذه المادة الخام التي وجدت ما أبحث عنه فيها ما يسهل مهمتي لتقديمه في العالم العربي أو خارجه, بما يساعد على التطور, وتجديد الأرض الخصبة لهذا العمل, وإضافة جغرافية جديدة للنص الأساسي).
——————————–
* نشر في (العربي)، أكتوبر، 2009

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات