هيفاء وهبى … والذبح خارج السلخانة!!

09:40 صباحًا الأحد 11 مايو 2014
بشير عياد

بشير عياد

شاعر ، وناقد ، وكاتب ساخر ، يغني أشعاره كبار المطربين، له عدة كتب في نقد الشعر، متخصص في " أمّ كلثوم وشعرائها وملحنيها " .

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

عندما يعجزُ الجزارُ عن تحقيق الربح بالطرق الشريفة التي تعرفها مهنة الجزارة المحترمة فإنه يلجأ إلى الطرق الملتوية المنافية للقانون وللأخلاق العامة، فيذبح خارج السلخانة بعيدًا عن أعين المشرفين البيطريين والمتخصصين في الصحة العامة، كما قد يذبح الحمير والكلاب والقطط، بل يتعدّى الأمر كل الحدود والحواجز عندما ينعدم ضميره وتموت في كيانه كل معاني النخوة والشرف والرحمة والإنسانية فيبيع لحوم الحيوانات النافقة من البقر والجاموس والماعز والخرفان والخيول والحمير وصولا إلى القطط والكلاب التي داسها مترو الأنفاق وقطارات الليل العمياء !!

هيفاء وهبي، بريشة الفنان عماد عبد المقصود، رسام جريدة فيتو

هذا الواقع البروتيني انتقل بكل تفاصيله ودقائقه إلى الواقع السينمائي ( والتليفزيوني للأسف )، وتحوّل من بروتيني إلى بروطيني، وغاص ـ بعنفٍ وقسوة ـ في وحل الإسفاف والانحطاط والقذارة، وتحوّلت المرأة على الشاشة من مُلهمة ومثيرة لخيال الشعراء، إلى كتلة من اللحم المشموم المذبوح خارج السلخانة تجذب الكلاب الضالة، وتثير لُعاب الذباب والحشرات الطُفيلية، وتثير كل مشاعر القرف والاشمئزاز في كل النفوس النظيفة وأصحاب الذوق الفطري السليم الذي لم يُدَنّس !
ما كنت أظنّ، وما كان ينبغي، أن يتورّط قلمي وينزل مستنقع القذارة هذا الذي طفح في الشارع العام جرّاء عرض فيلم “حلاوة روح “ للمدعوة هيفاء وهبي، فبالرغم من احترافنا الكتابة الساخرة لأكثر من ثلاثة عقود، فإننا ننأى عن الغوص في صغائر الصغار، أو النزول إلى حضيض الآخرين، ونتركهم في مستنقعاتهم وحضيضهم مع أشباههم ومَن يدمنون أكل الجيف والنوم تحت غطاء كثيف من أفواج الذباب وحشرات المستنقعات والمراحيض العامة، فعلى مدى العمر كله أبالغ في الحرص على نظافة حذائي فإذا ما شككتُ في بقعة ماء في شارع أسلكه، فإنني أمرّ إلى شارع آخر وأنزف الوقت والجهد لكي لا يلمس حذائي قطرة ماءٍ قد تكون غير نظيفة.
وما الذي ورّطك وأنزلك من عليائك وغرورك وبرجك العاجي لتغمس قلمك في هذا الوحل وتغوص في مستنقع هيفاء وغيرها ؟
أقول لك بكل وضوح وشجاعة: استفزني وأثار دهشتي واستغرابي أن ينشغل السيد رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب في الدفاع عن قرار الدولة بوقف عرض هذا الفيلم وسحبه من دور العرض حماية للمجتمع وللأخلاق العامة، وما كان ينبغي له ـ
في هذه الظروف العصيبة التي تحتاج منه إلى التركيز في المخاطر والتحديات والأولويات ـ أن يتنازل كل هذا التنازل، وأن يضيّع من وقته ولو دقيقتين مع عدد من الذين أطلقوا عليهم “وفد الممثلين”، ليبرر لهم هذا القرار، هؤلاء الذين عاش معظمهم على لحس أعتاب حسني مبارك ووزرائه صفوت الشريف وفاروق حسني وأنس الفقي، كما لم يتأخروا في تدليك مشاعر مرسي العيّاط وأهله وعشيرته، إنهم الآكلون على كل الموائد واللاعبون الأساسيون في ملاعب كل الأنظمة، ولا أدري من الذي اختارهم ليمثلوا المثقفين ؟
إنني لا أستخسر فيهم ذلك الوقت الذي سرقوه من السيد رئيس الوزراء، بل أستخسر فيهم أبسط واجبات الضيافة ولو كان قطرة شاي أو ماء أو قهوة ثمنها من خزينة الدولة التي لم يقدموا لها شيئًا سوى الكلام الأجوف والشعارات الكاذبة فوق ما استنزفوه من مال ومنافع من الأنظمة الرخوة المتعاقبة التي أتقنت تدجين الديوك والطواويس وحولتهم إلى فراخ بيضاء مهيضة الجناح تزحف بالكاد لتلتقط فتات الحبوب المنقوعة في مياه المذلة التي يرميها لهم صفوت الشريف أو فاروق حسني أو أنس الفقي طوال حقبة الخراب المباركية !!
الأغرب من ذلك هو ردود أفعال الكثيرين من العاملين في الوسط السينمائي ـ تحديدًا ـ إذ جاءت من النقيض إلى النقيض، فجانب منهم مع قرار الإيقاف والمصادرة، والجانب الآخر مع الفيلم تحت غطاء ما يسمونه في بلاد الفرنجة والدول المتقدمة “حرية الإبداع”، الجانب الذي أيّد القرار بشدة يضم ممثلين وممثلات كم ارتجفت شاشات السينما تحت أجسادهم وهم يؤدون المشاهد الجنسية الفاضحة وبشكل رقيع، والذين وقفوا مع حرية الإبداع لم يحددوا للجهلة أمثالي معنى الإبداع ومعنى الحرية !!
فإذا كانت الطبخات المشمومة هذه تسمّى إبداعًا فيجب أن أعتزل فورًا وأتنحّى وأعود إلى صفوف الجماهير، وإذا كان ما نشاهده من هيفاء وشبيهاتها محميًّا بغطاء الحريّة فألف أهلا بالتعسف والاستبداد والديكتاتورية وتكميم الأفواه والأجساد، وألف أهلا بالتسلط والعناد ولو وصل إلى إلغاء السينما بمؤلفيها وممثليها ومخرجيها ونقادها ومخرّبيها، أولئك الذين حوّلوا هذا الفن الرفيع إلى فن رقيع يشبه تجارة الرقيق الأبيض، وأصبحنا نشاهد إعلانات الأفلام الجديدة كأنها إعلانات عن قرب افتتاح بيوت دعارة، وتحوّلت دور السينما إلى أوكار يتكاثر حولها الشواذ وفتيات الليل اللاتي يعملن بالقطعة لحسابهن الشخصي، وأصبحت الأفلام مدارس ومفارخ تسكب في شوارعنا أجيالا مدرّبة ومحترفة من البلطجية والمتحرّشين والخارجين على كل القوانين والأعراف الاجتماعية والأخلاقية.
أصبح التحرش سمة من سمات الشارع العام تستوي فيه الأخت المنتقبة والأخت التي ترتدي ما قل ودلّ، أما الاغتصاب فتحوّل إلى عنوان ثابت في صفحات الحوادث، تتساوى فيه السيدة ذات السبعين، والطفلة التي لا تتعدى السنوات الأربع، ويأتي حماة الإبداع والحرية والفن والـ..والـ..والـ.. ليولولوا ويصرخوا: الفن في خطر !! خطر يلهفك منّك له، أنتم حراب فوق رقاب الأبرياء، وسوس ينخر عظام المجتمع، يا من تريدون أن تشيع الفاحشة بين الناس وتجرون وراء مطامعكم الدنيوية الدنيئة ولا تستحون من الله، إنني أستحي من وجهه الكريم جلّ جلالُه أن آتي بنصّ الآية الكريمة هنا، أستحي من الله الجميل نور السموات والأرض أن آتي بذكر اسمه العظيم هنا، وأدعوه تعالى أن يغفر لي فما أردت إلا التنبيه لتخجلوا، ولا تنسوا أنكم ملاقوه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ولا تشفع فيه الرقابة على المصنفات الفنية ولا الوزير المزمن صابر عرب، صابر عرب الذي أراد أن يثبت أنه يؤدي دور البطولة بامتياز، فراح يقول إنه صاحب القرار وليس السيد رئيس الوزراء، أي أراد أن «يشيل القضية» في مواجهة جبهة الإبداع الديمقراطية الشعبية الوحدوية البر مائيّة الابتدائية المشتركة ! صابر عرب الذي يعمل وزيرًا للثقافة لا أدري ما هو عمله بالضبط !
صُنّاع هذه الطبخة الحمضانة لم يصمتوا أو يقفوا مكتوفي الأيدي، المخرج انفجر في الفنانين الذين وقفوا ضد الفيلم وبعثرهم وفضحهم وعيّرهم بأفلامهم القديمة وكان على رأسهم المدعو محمد صبحي في فيلم “العبقري 5”، أما المنتج فلن أتكلم عنه من باب المبالغة في التعفف، بينما واصلت هيفاء الإفصاح عن تربيتها، فبعد ما فعلته مع الممثل الباهت إياه في برنامجه الرمضاني وسبّها الدين وإتيانها بألفاظ لم تكن مستعملة في العصر القديم، انفجرت هذه المرة على الإنترنت بوقاحة تليق بها فكان أول تعليق لها: بلا حكومة بلا بطيخ، ثم أرادت أن تعلمنا السلوكيات والآداب فكتبت: يجب غسل العقول والقلوب بفرشاة الأسنان، وعندما انتقدتها آثار الحكيم كتبت لآثار باللهجة اللبنانية الأرضية: ما تلوميني إذا فنك صار مع الآثار والأطلال، الأخطر من ذلك هو ظهور منافسة لهيفاء وهي أختها غير الشقيقة رولا يموت، رولا لديها جغرافيا تتميز بالهضاب والمرتفعات والمنحنيات الخطرة، ولديها استعداد طيّب للتعرّي وكشف المستور، وسوف يجيء اليوم الذي تبدو فيه هيفاء إلى جوارها مثلا للفضيلة والدفاع عن المبادئ وشرف المرأة العربيّة.
أما أخطر ما في هذه المزبلة فهو الحرب الطاحنة التي تدور على الإنترنت بين اللبنانيين والمصريين، هذا يدافع عن مصر في صورة القرار الصارم بوقف عرض هذه المهزلة، وذاك يدافع عن هيفائه باعتبار مصر والمصريين ـ وليس السينما المصرية فقط ـ أصل كل الرذائل وسبب كل البلاوي والمصائب التي حلّت على دماغ الأمة العربية، وأننا ـ كمصريين ـ علمناهم كل ما نشكو ونصرخُ أو نتبرّأ منه الآن !
والحقيقة أن إخواننا اللبنانيين محقّون إلى حدّ كبير في كلّ ما يقولون، نحن السبب بالفعل في كل ما جرى لهم، وما جرى لنا، غير أن قضية هيفاء لا تستحق أن تكون سببا في كل هذه المشاحنات، أطنان الكذب جعلت الإنترنت يزك ويتقيّأ خصوصا عندما يرى البعض هيفاء وهبي النجمة الجميلة التي أصابت الفنانات المصريات بالغيرة، ولا أدري أي غيرة ؟ عندنا روبي، وعندنا دينا الرقّاصة، وعندنا فريق بأكمله في مسلسل تليفزيوني ـ قلوب ـ يقول لقيء هيفاء انزل وأنا أقعد مطرحك !
وعندنا ممثلون لا تقوى هيفاء على مجاراتهم مثل سعد الصغير ومحمد سعد، هل تتمتع هيفاء ـ لا مؤاخذة ـ بمؤخرة طائشة ومنفلتة مثل مؤخرة الصغير ؟ أو تتمتع بوسط لولبي مفكوك مثل وسط محمد سعد ؟ وهل وهل وهل…. نحن “الأول “ في كل شيء بما في ذلك الخلاعة والرقاعة للأسف الشديد !!
نحن الأغرب والأعجب على وجه الأرض، كلما تعرّت ممثلة زاد الطلب عليها، لدرجة أن إحداهن ـ تمارس التمثيل وأشياءً أخرى ـ سرح نمل الإنترنت بفيلم جنسي لها تم تسريبه بقصد، وبعد أن شاهدها طوب الأرض وهي تؤدي الأداء الأمثل، ظن السذج أمثالي أنها ستختفي للأبد ولا تخرج إلى الشارع، ففوجئنا بأننا قصيرو النظر، وأصبحت المذكورة على رأس قائمة المطلوبات في الأفلام والمسلسلات والبرامج وانتهت إلى تقديم برنامج، وأخرى ـ غير مصرية ـ كانت تمارس الغناء وتمارس تقديم البرامج وتمارس التمثيل وتمارس الأعمال السرية الأخرى بشكل جماعي، وبعد أن انتشر لها مقطع فيديو مع مجموعة على الملأ، قلنا: انتهت، وفوجئنا بأننا “اللي انتهينا “!! وأعتقد أن الممثلة صاحبة القضية المعروضة الآن والمعروفة بقضية عزّ الثاني، ستكتسح خلال الأعوام المقبلة لتكون الأكثر طلبا والأعلى سعرًا، فما دمنا ندمن الفضائح ونبحث عنها في كل خرم إبرة، فإنهم يأتوننا بكل ما يثير في أذهاننا ذكرى الفضيحة أو رائحتها !
أما الراسخون في التبرير فقالوا إن السينما المصرية حافلة بما هو أبشع من “حلاوة روح “هيفاء، وقالوا إن أفلاما مثل “حمام الملاطيلي” و”ثرثرة فوق النيل “وغيرهما قد حملت ما هو أنكى من عري هيفاء وابتذالها، وتناسوا أن توظيف الجنس في تلك الأفلام كان تعبيرا عن السقوط العام الذي هوى فيه المجتمع بعد هزيمة يونيو 1967م، ولم تكن مجرد استغلال لجسد امرأة فاتنة للعب في أذهان المراهقين واستنزاف ما في جيوبهم المثقوبة.
نحن في عدة حروب قذرة تتعانق وتتقاطع وتتكالب علينا، وإن كانت حالة “حلاوة روح” تمثّل رمزًا للانحطاط الفني وللقذارة الإبداعية في أعلى صورها، فما كان ينبغي على السيد رئيس الوزراء أن يتورّط في الطبطبة وتبرير موقف الدولة عندما تدافع عن كرامة مواطنيها وشرفهم وأخلاقهم، وما كان له ـ سامحه الله ـ أن يسهو عما يفعله القتلة والمخربون في الشوارع والميادين والجامعات، ويتساهى عن أبطالنا الشرفاء الذين يسقطون شهداء في ساحة الشرف ( الحق ) لكي يستميل كذّابي الزفة، وما كان له ـ سامحه الله ـ أن يدفعني ويضطرني للنزول إلى هذا المستنقع القذر وتلويث حروفي بهذه الروائح الكريهة.

……………………………….

نشر المقال في جريدة فيتو، الثلاثاء 29 أبريل 2014

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات