علي طليس فنان متوحد موهوب يفخر الناس باقتناء لوحاته

12:07 مساءً الجمعة 26 سبتمبر 2014
غنى حليق

غنى حليق

كاتبة وصحفية من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بيروت ــ علي طليس فنان تشكيلي مُصاب بمرض التوحد، بدأ الرسم منذ كان عمره ست سنوات،وبفضل رعاية واهتمام والديه والمشرفين عليه في المدرسة التابعة للجمعية اللبنانية للأتيزم-التوحد، والتي كان والده أحد المؤسسين لها، استطاع أن يتقدّم ويتطور، ويلفت أنتباهنقيبة محترفي الفنون التخطيطية والرسوم التعبيرية السيدة ريتا مكرزل صعب التياكتشفته وساعدته حتى وصل إلى باريس، بعدما عرض في بيروت وحقق نجاحاً ملفتاً كفنان تشكيلي موهوب يفخر الناس باقتناء أعماله الفنية، ويدفعون آلاف الدولارات للحصول عليها.

علي طليس مع رئيس الحكومة السابع نجيب ميقاتي ووزير الشؤون الاجتماعية وائل ابو فاعور ووالده والسيدة اروى حلاوي خلال افتتاح معرضه

التقينا الفنان علي طليس والسيدة ريتا مكرزل صعب واضطلعنا منهما على تفاصيلمسيرة النجاح التي يقوداها، وكان هذا الحوار: بكل براءة وعفوية أخبرني علي أنه أصبح فاناً مشهوراً، يرسم الاشجار والأزهار والطيورويلونها بألوان الأمل والفرح التي تشع من عينيه وشفتيه. يقول علي:”أحب الرسم كثيراً،  أرسم بالأكريليك وألوّن باللّون الأحمر والأزرق والأصفر. أحب رسم اللوحات الكبيرة ، وشجرة الربيع وشجرة الخريف. وأحب أيضاً رسم وجوه الناس. رسمت وجه أبي ووجه أمي، ورسمت نفسي. أحب الناس رسوماتي، عرفوا أني رسام كبير وأحبوني… أنا بعرف أرسم وأغني واشتغل بالمعجون.” حاول علي إخباري بكل ما حدث معه وما يجول في خاطره ، وتحدّث عن الأشياء التي يحبها بلغته البسيطة والعفوية، فأخبرني أنه كان منذ طفولته يرسم أشجار حديقتهم في الضيعة، وأن والده كان يمده بالألوان ويشجعه على الرسم. يثني علي على حبه لرفاقه في المدرسة وكذلك حبّه للسيدة أروى حلاوي رئيسة الجمعية اللبنانية للتوحد، ويقول أنه تعلّمالقراءة والكتابة والحساب والرسم والرياضة. يحب علي أيضاً السيدة ريتا صعب التي تشرف على توجيهه بالرسم والتي علّمته مزج الألوان وأسلوب الرسم بالتنقيط: “ريتا ساعدتني كثيراً، علمتني كيف أخلط الألوان وأنقط وأختار ما أريد من الألوان ، وكيف أستعمل الريشة فقط”. يقول علي بفرح كبير سأسافر إلى فرنسا، وأعرض لوحاتي في باريس. أحب السفر إلى فرنسا، وأحب رؤية كل ما فيها، “بحب فرنسا كتير”. علي المتوحد يجيد الكلام والتعبير ببراءة، ولكن لا يعرف الأجابة بدقة على أسئلتي، لذلك كان يكرر أحياناً ما أقوله بفرح وينتظر مني مزيداً من الأسئلة، هو لا يجيد إلا الرسم والغناء والحب وما تعلمه في المدرسة والبيت، وهذا حال أغلب مرضى التوحد. لم أشأ ارباكه بأسئلتي وتركت له حرية التعبير والكلام ، فأخبرني عن الرسم والألوان والفصول والناس، علي يحب كل شيء حوله ويشعر بالإمتنان من جميع الذين ساعدوه، لذا حمّلني في رسالتة شكراً لهم وعدّدهم بالأسماء ريتا ، أروى ، رولى وألين وكل الأساتذة الذين يهتمون به. درس علي في صغره في مدرسة الليسيه عبد القادر، في القسم التابع لمرضى التوحد، وأنتقل بعدها للدراسة في مدرسة الفرير في قسم “LAS” الذي تشرف عليه السيدة أروى حلاوي، ولما كانت الجمعية تنظم معارضاً خاصة لطلابها، ولما كانت السيدة مكرزل المستشارة والمشرفة على برنامج الدعم الاجتماعي “CSR” الذي تنظمة شركة “ألفا” والذي يعنى بذوي الحاجات الخاصة، التقت بعلي، ولفت إنتباهها أسلوبه في الرسم والتلوين.

علي يتوسط السيدة حلاوي والسيدة مكرزل

بدورها تقول مكرزل :”التقيت بعلي في المعرض الذي تم تنظيمه في قاعة “الميوزك هول”، الهادف الى دمج الأولاد والشباب ذوي الحاجات الخاصة في المجتمع. كان جميع المشاركين بالمعرض يعرضون منحوتات من المعجون، فيما علي كان يعرض منحوتات ولوحات. لم تجذبني منحوتاته، ولكن لفتتني لوحاته التي كان يصور فيها صورة مبنى “الميوزك هول”، والتي رسمها قبل أن يراها”. أسلوب علي في الرسم جذب مكرزل، وهي الخبيرة في الفن المحلي والعالمي، والمطلعة على أشهر وأغلب المعارض العالمية، إضافة إلى خبرتها في تعليم مادة الرسم والتي تفوق ال12 عاماً. “عدت إلى لوحة علي بعد إنتهاء المعرض، ووجدت فيها خطوط و(ضربات) قلم مميزة، ولما شاهدت باقي رسوماته عرفت أنني أمام مشروع فنان مميز”. إكتشاف موهبة علي من قبل مكرزل جعلها تنظم معه ورشات عمل مكثفة في الرسم، إذ باتت تلتقي به بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع، وتمضي معه ما يقارب الخمس ساعات في اليوم. كانت تدربه وتعلمه على كيفية الانتقال من الرسم على الورق إلى الرسم على القماش، ومن الرسم على مساحات صغيرة إلى الرسم على مساحات كبيرة، إضافة إلى تعليمة تقنيات مزج الألوان واستعمال الريشة مباشرة، وخلال فترة قصيرة أصبح علي فنان مبدع لا يمكن لأي رسام عادي الوصول إلى مستواه الفني ما لم يمضي خبرة عشر سنوات في الرسم (بحسب مكرزل). وترى مكرزل أن علي هو فنان موهوب جداً ويتمتع بضربات لونية جميلة، وحس فني جميل وهو متخصص في أسلوب التنقيط، “علي يحفظ جيداً المشاهد وينفذ بدقة ما يراه، وهذه ميزة ينفرد بها مريض التوحد. إن أغلب مرضى التوحد يتميزون بدقة حفظ الاصوات والمشاهد والروائح ، لأن لديهم قدرة على التركيز أكثر من غيرهم”. تتحدث مكرزل عن علي بحماس وشغف، لأنه يركز كل إحساسه على فنه وينفذ كل ما تلقنه من دروس بدقة، فهو إذا غاب فترة عن ورش العمل يبقى محافظاً على المستوى الذي وصل إليه ولا ينسى شيئاً منه، ويلتزم بكل التعليمات والملاحظات التي تعطيها. وتتابع :”يكرر الاشياء دون تعب ، وبنفس النسق والأسلوب، ولا يحتاج وقتاً لمباشرة العمل، أو الدخول في جو اللوحة، يقرر ويركز وينفذ وهذه ميزة المتوحد”. أولى معارض علي المنفردة كانت في العام 2011 ، في غاليري مارك هاشم ، إذ باع في هذا المعرض ما يقارب 90% من لوحاته، وجنى 24 ألف $ تبرع بنصف ثمنها للمدرسة التي يتعلم فيها، وسدد بالنصف الآخر قسطه المدرسي. وعن هذه الخطوة تقول مكرزل:”حاولت أن أخرج بعلي خارج معارض المدرسة، وأطلقه كفنان في المجتمع، و كيأرى الأصداء التي سيحدثها. كانت خطوة جريئة قمت بها بمساعدة السيدة حلاوي، إذ قصدنا غاليري مارك هاشم وحملنا معنا بعض لوحات علي، وطلبنا منه تسعيرها لنا دون أن نفصح له عن إسم صاحبها. سعّر يومها اللوحات كقطع أصلية من الدرجة الأولى، وقدّر قيمة اللوحة ما بين 3000 $ و5000$ . بكيت يومها من فرحي ، وشعرت أنني أستوفيت حقي وتعبي، وأكتشفت فنان مهم “. وعن المعرض الثاني الذي أقيم ضمن معرض “بيروت آرت فير” في البيال، والذي تم افتتاحهبحضور معالي وزير الثقافة كابي ليون وبرعاية وزير الشؤون الأجتماعية وائل أبو فاعور، وحشد من الوزراء والسفراء، وبحضور سفيرة كندا في لبنان هيلاري شيلدز ادامس وسفيرة الاتحاد الاوروبي في لبنان رانا رحيم وحشد من الرسميين والفنانين المحترفين والهواة وأصحاب المعارض والاختصاص. تقول مكرزل :” لقد أثنى الجميع على موهبة علي في الرسم،  فقد ثبت أن المتوحد يمكنه الانصهار في المجتمع و يمكن أن يكون فاعلاً ومنتجاً.في هذا المعرض تم بيع أغلب اللوحات، وتم شراء لوحتين من قبل مؤسسة “كريستي” البريطانية واقيم مزاد عليها في مدينة دبي. وهذا انجاز آخر مهم في سجل علي الفني”. وبالسؤال فيما إذا كان للتعاطف والتشجيع  دوراً في ترويج وبيع أغلب لوحات علي؟ قالت مكرزل:”لا أحد يتعاطف بدفع آلاف الدولارات، الناس كانوا يقيّمون اللوحات ويشترونها ويفتخرون بتعليقها في منازلهم ومؤسساتهم. لقد نظّمنا في شهر نيسان حفلاً في السراي الحكومي بمناسبة اليوم العالمي للتوحد، وأهدى علي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لوحات أدهشت الحضور.

علي بين لوحاته

حضر هذا الحفل حشد من السفراء والشخصيات والرسميين من الدول العربية والأجنبية وقارب الحضور ال 1000 شخص والجميع عبروا عن اعجابهم بموهبة علي وفنه”. معارض علي التي بدأت في بيروت وحققت نجاحاً ملفتاً، انتقلت إلى باريس الشهر، وخصوصاً بعدما أعلنت فرنسا اهتمامها بمرضى التوحد ومساعدتهم ودمجهم في المجتمع. عملت مكرزل مع علي للسفر إلى باريس، ودعمته خلال التحضير لهذا المعرض الذي اقيمفي غاليري مارك هاشم في باريس، وعن هذا الحدث تعلق:” شاركنا في هذا المعرضب16 لوحة منوعة ما بين طبيعة، ووجوه ورسم علي أيضاً برج إيفل. يتقدم عمل عليويتطور وينتقل من مرحلة الى مرحلة فنياً وتقنياً وسأبقى أتابعه وأدعمة ليحقق مزيداً من النجاح ، ومن الممكن أن يصل إلى مرحلة التجريد”. تشعر مكرزل أن علي هو اكتشاف مهم بالنسبة لها، وهي كلما تراه يرسم ترى أن عليها العمل مثله، “علي يبدأ فوراً بالرسم ودون أن يفكر بخطواته أو يدرسها، وعليَّ أن أكون مثله. هكذا كان الفنان بيكاسو يرسم بشكل فوري دون تفكير باللوحة وهذه تقنية مهمة تحتاج إلى تركيز، نحن نضيع في مشاغلنا وهمومنا ونحتاج دائماً إلى وقت قبل أن نباشر في الرسم والدخول إلى هذا الجو فيما هم يوفرون كل هذا الوقت والعذاب”. وبالسؤال عما إذا كان ما حصل مع علي قد ينطبق على باقي حالات التوحد، وكيف تنظر إلى موهبة علي كفنانة، تقول:” حالة علي مختلفة وهو فنان موهوب، كما أنه مصاب بدرجة توحد خفيفة. أما بالنسبة لباقي حالات التوحد يوجد قسم كبير منهم يمكن العمل عليهم، ولكل حالة أسلوبها الخاص”. وتختم مكرزل حديثها بالقول :”من خلال حالة علي والنشاطات والمعارض التي أقمناه،غيّرنا نظرة المجتمع لمرضى التوحد، وأصبحت الناس تعرف أهمية العمل على الشخص المتوحد. كما أن بفضل علي تجاوبت معنا وزارة الشؤون الإجتماعية وصنفت مرضى التوحدعن باقي الحالات، وأفرزت لهم قسماً خاصاً بهم. لقد أعطاني علي أكثر مما أعطيته، وأعتبر خبرتي معه هي خبرة مع فيلسوف وليس مع فنان ، تعلمت منه كيف يرى الحياة سهلة ويتعاطى معها ببساطة بعيداً عن التعقيدات والمشاكل وهذه أهمية علي”.

بحسب مركز دبي للتوحد تفيد بعض الدراسات أن غالبية عباقرة الفن والأدب وبعضهم حائزعلى جائزة نوبل، كانوا يعانون من خلل جيني في المخ مما جعلهم مرضى بالتوحد أو مايسمى مرض”أسبرجر” .وهناك نحو 21 شخصاً من الكتاب والفلاسفة والمؤلفينالموسيقيين والفنانين التشكيليين يذكرهم التاريخ ويشير الى أنهم كانوا يعانون من أعراض مرض التوحد.. وبالرغم من أن الفن وحده كان يمدهم بعذابات ومتع متعذر تفسيرها أو تبريرها إلا أن هذا المرض ومعاناته يعد في حد ذاته الطريق الوحيد للوصول إلى قمة القدرة على التخيّل.
من بين هؤلاء العباقرة : موتسارت وبيتهوفن ومايكل أنغلو وهيرمان مليفل وإسحاق نيوتن وأينشتاين وفانغونغ

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات