الفنان عبد الوهاب عبد المحسن

أتابع مسيرة الفنان الكبير عبد الوهاب عبد المحسن منذ سنوات، معجبا بتلك الخطوات الوثابة والرؤية العميقة التي ميزته منذ عشق الفن، ودرسه، إلى أن أصبح أستاذا أكاديميا له في مصر وخارجها، فضلا عن دوره التنويري الذي ينبع من مواطنته الصالحة، العاشقة لكل ما هو مصري، وترى ذلك جليا في معارضه التشكيلية النوعية المرتبطة بتراب هذا الوطن، وفي مداخلاته الواعية النقدية، وأخيرا في إنشاء “مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن للثقافة والفنون والتنمية”.

تبدى حب الفنان لبحيرة البُرُلُّس ، التي تقع بمحافظة كفر الشيخ، مسقط رأسه، شمال القاهرة، وتجلى هذا الحب في المعارض التي تناولت سطح البحيرة الذي لا يمل من رسمه، دون تكرار ، بل في فرادة تامة، تعي أدوات الفنان، وتدرك تجدد مياه البحيرة ووجوهها.

البحيرة، ألوان مائية، بريشة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن (٢٠١١)

البحيرة لم تعد مياهًا وحسب، ولا محيطا جغرافيا فقط، بل أصبحت كرة أرضية، أو كوكبا يعيد عبد الوهاب عبد المحسن تعريفه لنا، بتفاصيل سطوحه، وساكني أعماقه، وناسه ، مفتونا بعنصري التكوين الماء والتراب، يضيف لهما نار الفن التي يوقدها بخامات شافة لكنها دالة، وساخنة، وحية مثل البشر الذين يعشقهم.

البشر حاضرون في لوحاته، حتى وإن غابوا جسديا، يكفي أن تتمعن في الأسماك والطيور، لندرك أنها صور معادلة للحضور البشري. إن تلك الكائنات جميعا لو غابت، فإن سطح الماء يذكرنا بمداعباتنا لوجه مياه النهر والبحر والترعة والبحيرة، فهذه المداعبات بالفقاقيع المتدفقة من الغيب والدوائر المتراقصة إلى ما لا نهاية، كلها تستحضر البشري الغائب.

الفنان عبد الوهاب عبد المحسن ، في قرية البرلس في أولى فعاليات المؤسسة ؛ ملتقى الجداريات الأول ، بمشاركة خمسة عشر فنانا وفنانة تشكيلية برعاية المستشار محمد عزت عجوة ، محافظ كفر الشيخ

لكن دور الفنان تجاوز إطار اللوحة إلى مجتمعه، بإنشاء مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن للثقافة والفنون والتنمية، ولتتحول قرية البرلس في أولى فعاليات المؤسسة إلى مرسم مفتوح بفضل ملتقى الجداريات الأول ، بمدينة برج البرلس والذي يشارك فيه خمسة عشر فنانا وفنانة تشكيلية واختير الموعد متزامنا مع العيد القومي لمحافظة كفر الشيخ ، وشارك الفنانون أطفال مدينة البرلس فى الورش الفنية والتي ستمتد لـ30أكتوبر الحالي تحت رعاية المستشار محمد عزت عجوة ، محافظ كفر الشيخ ، ووفرت المحافظة وفرت كل الإمكانيات المادية من حيث الإقامة والإعاشة والخامات والتنقلات لإنجاح الملتقى وتهيئة المناخ المناسب لتفاعل أهالي وأطفال المدينة مع الفنانين المشاركين من نجوم الحركة التشكيلية والمتطوعين المخلصين للعمل العام وإعادة وجه مصر.

الأطفال في البُرُلُّس وفرحة بأعمال الفنان عادل مصطفى، في الصورة، مع قوميسير الملتقى الفنانة إيمان عزت

مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن للثقافة والفنون والتنمية تعطي اليوم مثلا لكل فنان وكاتب بأن يتجاوز شوفينته،
وأن يفكر خارج إطار ذاته، فلم تعد الثقافة شعارات تقال في حوارات صحفية ، بل أسلوب حياة ، وموقف من المجتمع، وتفاعل مع عالم أكثر اتساعًا وهو ما تبشر به المؤسسة التي استعدت لتنفيذ برنامج للورش مع شباب الجامعات والمدارس فى محافظات الدلتا المتعددة .

نساء العائلة والفن، وإبداع ياسين حراز، ملتقى الجداريات الأول ، ٢٠١٤

القرية التي شهدت معركة البرلس البحرية، تخوض معركة جديدة ، في ذكرى استشهاد شقيق الفنان خلال حرب العبور ٢١ أكتوبر ١٩٧٣، وكان بين ٣ أشقاء يخوضون معركة الكرامة على الجبهة، عاد شقيقاهم محمد ومحمود واستشهد عبد السلام ، من أجل الأرض التي يعشقها الفنان، من أجل الوطن الذي يحلم به ليكون أفضل.

جولة ، لاستلهام سحر البحيرة

الصور المبهجة التي نتابعها على صفحة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن بفضاء التواصل الاجتماعي فيسبوك، للفنانين المشاركين في ملتقى الجداريات الأول، لحظات تنشر الفرح، و البهجة، الغداء المشترك، الجدران الملونة، الوجوه الباسمة لأهل القرية، وخاصة الأطفال، كل ذلك يؤكد نجاح تجربة الفنان الذي عشق أرضه وناسه فرسم عالمهم، وها هو يستدعي الفن كائنا حيا يعيش بينهم، ويسبح في بحيرتهم.

… وجولة برية

Tweet