مع ابن عربي … داعش هُم الإخوان والسلفيون

09:12 صباحًا الإثنين 5 يناير 2015
احمد الشهاوي

احمد الشهاوي

شاعر من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الجاهلُ من يحرقُ لا من يُحاججُ ،

والدَّعيُّ هو من يُصادرُ لا من يُناقشُ بالعقلِ والمنطقِ  ، مُقدِّمًا الأدلةَ والحِججَ والبراهينَ ،

وكونك تختلفُ مع كتَابٍ لا يعني أن تحرقَهُ وتحرقَ صاحبه ،أو تحرقهما معًا  ، كأنَّ من يُقدِمُ على حرقِ الكتبِ يعلنُ دونَ مواربةٍ أنَّ ” كتب أعدائنا هي أعداؤنا ” .

وما حدث من داعش في أمرِ جمع كُتب ابن عربي ” المدفون في دمشق ” وحرقها أمرٌ ليس جديدًا على الأمَّةِ العربيةِ الإسلاميةِ ، التي سبق لها أن حظرتْ كتابَه الأشهر ” الفتوحات المكية ” الذي أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب ، وكان قد صدر أول مرة مطبوعًا سنة 1853 ميلادية  بقرارٍ صادرٍ من البرلمان المصري في عام 1978 ، وتكرَّر الموقفُ في عام  2009 ، ثم في 2011عام  حيث رأى الإخوان  ” في برلمانهم الخصوصيِّ بالمشاركةِ مع السلفيين ” أنَّ ابن عربي صوفيٌّ مُتطرفٌ ، ونسوا أنَّه لولاه ما حمل ” رئيسهم ” محمد مرسي ، اسم مرسي ، لأنَّ ابن عربي الأندلسي وُلد في مرسية التي ينطقها الإسبان الآنَ مُرثية ، وقد اشتهر اسم مرسي في مصر فقط ، بسبب مجيء أبو العباس المرسي ” توفي سنة 686 هجرية ” تلميذ أبي الحسن الشاذلي ، ونحن في مصر نقدِّمُ الاسمَ المنسُوبَ إلى المدينةِ على اسم العلم فنقولُ المُرسي أبو العباس .

الإخوان لم ينتبهوا إلى ذلك لأنَّهم لايقرؤُونَ ولا يفقهُونَ تاريخَ التصوف ولا تاريخَ الأندلس ، حيثُ الأهم عندهم أن يُكفِّروا ويُلفتوا الانتباهَ والأنظارَ ،  خُصوصًا في مجالِ الثقافةِ والفُنونِ ، ولا ينتبهوا إلى الجوهريِّ من مُشكلاتِ العصر ، وما أكتبهُ مثبتٌ في مضابطِ البرلمان ، ولا آتي بجديدٍ من عندي فيما يتعلَّقُ بتقديم طلبِ إحاطاتٍ في البرلمان ، لمصادرةِ الكُتب ، والمطالبةِ بعدم تداولها ، ومن هذه الكتب  كتابي “الوصايا في عشق النساء ” بجزئيه اللذين صدرا في عاميْ 2003 و2006 ، وقد خرجتُ من هذه المحنة كافرًا كفرًا صريحًا بشهادةٍ من الإخوان وفتويين من الأزهر معا .

29940_book-cm,ykومافعله الإخوانُ ، والسلفيون ، والمُتشدِّدون من مختلفِ الجماعاتِ والفِرَقِ الإسلاميةِ مع ابن عربي  فعلته داعش ، وما أكثر الدواعش في مصر والبلدانِ العربيةِ الآنَ وقبل الآنَ ، هؤلاء الذين يُؤمنون بحرقِ الكُتب إذا اختلفوا معها أومع أصحابها في العِرْقِ أو الدينِ أو المذهبِ أو العقيدةِ ، إذ يروْن الكُتبَ عدُوًّا لهم ، وهي بالفعل عدُوٌ للأحمقِ والجاهلِ وصاحبِ الدماغِ الجائعةِ الجوفاء من أيةِ معرفةٍ أو علمٍ ، وعادةً ما يكونُ ردُّ  فعلِ هؤلاء الأسرع هو حرقُ الكتبِ أو حرقِ أصحابها أو حرقهما معًا ، والتاريخ الإسلامي ممتلىءٌ حدَّ الخجلِ بمحارقَ كثيرةٍ في العُصُور الأمويةِ والعباسيةِ والأندلسيةِ ، وحتَّى العصور الحديثة .

ففي عام 1979 من القرنِ الماضي حظرَ مجلسُ الشعب المصري الكتابَ العمدةَ في سلسلةِ مؤلفات ابن عربي وهو ” الفتوحاتُ المكيَّةُ ” الذي صدر منه مُحقَّقا أربعة عشر جُزءًا  ، ولم يكتمل تحقيقه لوفاة مُحققه الدكتور عثمان يحي ، والكتاب الأصل  الذي طبعته مصر في القرن التاسع عشر في مطبعة بولاق التاريخيةِ يصلُ إلى سبعةٍ وثلاثين سِفْرًا ، تتضمَّنُ خمسمئة وستين بابًا .

وفي عام 2009 تقدم عددٌ من جُهلاء الإخوان ، وقد اعتادوا هذا النهجَ التكفيريَّ الإقصائيَّ ، بطلبِ إحاطةٍ يطلبونَ فيه عدم استكمالِ نشرِ وتحقيقِ الفُتوحات المكيَّة  ، مستندينَ إلى قرارِ مجلس الشعب في فبراير من عام 1978 الوارد في مضبطةِ الجلسةِ السابعةِ والثلاثين ،  والتي تشير إلى حظْرِ الترويجِ لفكرِ الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي ” 1165- 1240 ميلادية – 558 – 638 هجرية ” ،  أو الاحتفاء به .

كأنَّ مصرَ التي كاد ابن عربي أن يغتالَ فيها قبل سبعةِ قرونٍ ، تغتاله ثانيةً على يد دواعش مصر- الإخوان والسلفيين.

لهؤلاء جميعًا يمكنُ أن أسوقَ آلافَ الأدلة التي تُبرِّىءُ ابن عربي من محاولاتهم النيلَ منهُ لصالحِ أفكارٍ ومُعتقداتٍ أخرى تكرهُ التصوفَ والمتصوفةَ ، وتحطُّ منهم كالوهابيةِ مثلا والسلفيةِ على تعدُّد أشكالها .

لكنَّني سأدلُّ الدواعشَ الجُدد والقُدامى على كتابِ الإمام جلال الدين السيوطي ” المُتوفَّى سنة 911 هجرية ” صاحب تفسير الجلالين ” والذي تعتمده السلفيةُ مرجعًا”  : تنبيه الغبي  في تبرئةِ ابن عربي ” ، ولا أظنُّهم سيكفِّرونَ السيوطيَّ ويرونه زنديقًا ومُهرطِقا ، كونُه  شهد لمحي الدين وبرَّأه ووصفَ منتقديه ومُكَفريه بالأغبياءِ ، وهم عندي كذلك بالفعل ، إذْ لم أجد من بينهم من هو متخصصٌ أو عارفٌ أو دارسٌ أو حتى قارىء للتصوفِ والفلسفةِ الإسلاميةِ ، بل هم يمنعونَ تدريسَ الفلسفةِ في المدارسِ والجامعاتِ ، ويروْنَها من أرجاسِ الشياطين .

ابن عربي الذي كان أعلمَ وأورَعَ أهلِ زمانه وألزمهم للسنَّة وأعظمهم مُجاهدةً  يُكفر ثانيةً بعد طولِ تكفيرٍ لتفكيرِهِ من أناسٍ لا حكمةَ لهُم ومن ثم لا حُكم لهُم ، ومن بشَرٍ لا معرفةَ لديهم ومن ثم لا عِلمَ لهُم  .

ابن عربي الذي كان دومًا في حياته متبُوعًا لا تابعًا في كلِّ بابٍ يطرُقُه  ، صارت كتبه تُحرَقُ من تابعينَ ينعمُونَ في الجهلِ وينقعُونَ أنفسهم طواعيةً في بحارِ البلادةِ .

ابن عربي الذي عاصرَ فريد الدين العطار ، وجلال الدين الرُّومي ، والسُّهروردي  المقتُول ، وابن رشد ، وفخر الدين الرازي ، وأبو الحسن الشاذلي ، وصدر الدين القُونوي ، والعز بن عبد السلام  هو عِندي  – وكما يُسميه مُريدوه – بحر الحقائق ، سُلطان العارفين ، البحر الزاخر ، صاحب ” فُصُوص الحِكَم ”  وديوان ” ترجمان الأشواق ” .

دواعش العصر يتبعون  ابن تيمية في فتواه التي رأتْ كتابَ ابن عربي ” فُصوص الحكم ”  كُفْرًا باطنًا وظاهرًا ، وظلَّتْ تنتقلُ من جيلٍ إلى آخر دُون أن تموتَ الفتوى أو تتجاوزَها العُصورُ والعُقُول .

وهذا هو ابن عربي في تقدمتِهِ لكتابِهِ الأشْهر ” الفُتوحات المكية ” يقولُ قولا لا يُمْكنُ لمُسلمٍ عاقلٍ راشدٍ أن يرميَهُ أبدًا بالكُفْرِ :

” …الله تعالى إلهٌ واحدٌ، لا ثاني لهُ وألوهيته مُنزَّهةٌ عن الصاحبةِ والولد، مالكٌ لا شريكَ لهُ ملك لا وزير له، صانعٌ لا مُدبِّر معه، موجُودٌ بذاته من غير افتقارٍ إلى موجد يوجده, بل كل موجود سواه مفتقر إليه تعالى في وجوده فالعالم كله موجود به، وهو وحده متصف بالوجود لنفسه، ليس بجوهر متحيز فيقدّر له مكان ولا بعرض فيستحيل اليه البقاء ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء، مقدس عن الجهات والأقطار،  مرئي بالقلوب والأبصار،  إذا شاء استوى على عرشهِ كما قاله وعلى المعنى الذي أراده كما أن العرشَ وما سواه به استوى، وله الآخرةُ و الأولى، ليس له مثل معقول ولا دلَّتْ عليه العقولُ، لا يحده زمانٌ ولا يقله مكانٌ بل كان ولا مكان وهو على ما عليه كان ، خلق المتمكن والمكان وأنشأ الزمان وقال : أنا الواحدُ الحيي لا يؤودُه حفظُ المخلوقات ولا ترجعُ اليه صفة “كم” يكون عليها من صنعة المصنوعات ،  تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون بعده أو يكون قبلها بل يقال كان ولا شيء معه فان الله قبل والبعد من صيغ الزمان الذي أبدعه فهو القيومُ الذي لا ينامُ والقهَّارُ الذي لا يرام ليس كمثله شيءٌ ” .

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات